*****
صناعة السروج للخيل
تعتبر صناعة سروج الخيل من أعرق الصناعات التقليدية التي اشتهر بها الصنّاع المغاربة منذ القدم، لأنها مرتبطة بالفروسية وركوب الخيل التي تعتبر بدورها من التراث الأصيل الذي يحرص عليه المغاربة والعرب عموما والسرج يجسد كل صفات الشهامة والافتخار.
وكثيرة هي المدن المغربية التي اشتهرت بأسواقها التي تعرض أفخم السروج وأروعها، والتي تبهر العين وتجعل الفارس يقف مسمّرا أمام سروج أتقن صناعتها الصناع المغاربة اتقانا شديدا، وأبدعوا في تزيينها برسوم وتطاريز وتزاويق مستمدة من التراث المغربي الأصيل. ويعمل صناع السروج على الحفاظ على أصالة المواد التي يصنع منها السرج والحفاظ على الملامح الفنية التي تنطق بخطوط ونقوش متوارثة عن الأجداد والتي اعتمدها هؤلاء المهرة في هذا الميدان وهم بدورهم تعلموها من مَنْ سبقوهم إلى هذه الحرفة التي تعتبر من أنبل الحرف لأنها ترتبط بحيوان يحبه المغاربة ويعملون على تزيينه بأجمل السروج وأفخمها.
صناعة متقنة
من أشهر المدن المغربية التي عرفت بمهارة صناع السروج فيها فاس ومراكش وتازة، إضافة إلى مدن أخرى عرفت محترفات لصناعة السروج مع بداية القرن الماضي كالرباط والدار البيضاء والجديدة والصويرة، لكن أمهر صناع السروج سواء من المغاربة أو من اليهود المغاربة كانوا متمركزين في فاس ومراكش، أما صنّاع السروج في المدن المغربية الأخرى فكانوا يسافرون إلى مراكش وفاس لشراء المواد الأولية من خيوط حريرية وقطع الجلود والخشب وهو من نوع نادر لصناعة هيكل السرج. وبرع اليهود المغاربة لقرون طويلة في صناعة السروج المذهبة والمزركشة بتزاويق ونقوش مغربية عريقة، وكانوا، كما حكى لنا أحد قدماء هذه الحرفة العريقة، يتقنونها إتقانا شديدا، وكان صانع السروج المغربي اليهودي يقضي الشهور الطويلة في صناعة سرج واحد وكأنه بمثابة فنان يرسم «جوكاندا» أخرى بريشته أو مسرحي يقضي الليالي الطويلة حتى يكتب مسرحية تخلد اسمه. وكان صانع السروج المغربي لا يتعجّل في صناعة سرج لأن صناعة سرج متقن تتجسد فيه كل معاني الأصالة والعراقة يتطلب شهورا طويلة، وكانت أطول مدة تأخذ من وقت الصانع الليالي الطوال لصناعة السرج تكون خلال رسم ونقش التزاويق الذهبية التي تتطلب الصبر والمهارة فالصانع يصنع ويبدع تلك التزاويق بإبرة خاصة وخيوط حريرية وأخرى مذهبة تضفي على السرج جمالية وتجلب للفارس احترام الناس، وتصمم السروج في المغرب بتزاويق خاصة تناسب اللباس المغربي الذي يرتديه الفارس وهو الجلباب الأبيض والطربوش المغربي و»البلغة» وهي حذاء مغربي تقليدي يصنع من الجلد الأصيل. وعرف المغاربة منذ القدم بتسامحهم وتعايشهم مع اليهود المغاربة الذين كانوا يقيمون بكثرة في مدن مغربية منها فاس ومراكش والصويرة وصفرو وآزمور وغيرها من المدن المغربية التي يتواجد فيها «الملاح» وهي الحصون التي يسكنها اليهود المغاربة. ويقول علي أحد تجار الجلود ومستلزمات صناعة السروج: «في أوائل القرن الماضي كان لزاما على كل مغربي يرغب في تجييد سرج فرسه أن يعدّ غرفة خاصة في بيته أو في قصره ليقيم فيها الصانع اليهودي الذي سيصنع له السرج ويتفرغ لها لمدة أسابيع طويلة، وكان هذا الصانع اليهودي لا يغادر غرفته أو مشغله الجديد هذا إلا في أوقات معينة لتفقد أسرته أو للتعبد أو للتبضع، وحين ينتهي هذا الصانع من صناعة السرج يتسلم أجره من مشغله الذي يكون سعيدا بالسرج الجديد ويعود إلى بيته».
ولع بالسروج
يقول الحسن أحد الفرسان إن السروج التي يأتي بها العاملون المغاربة في البلدان الأوروبية، خاصة من إيطاليا لا تستهوي الفارس المغربي، لأنها لا تحمل الخصوصيات الفنية والنقوش الجميلة التي عرفت بها السروج المغربية العريقة، مضيفا: «لا يمكن أن أسرّج فرسي بسرج استغنى عنه صاحبه الايطالي لأنني أحس أنني أقلل من قيمة حصاني، ولا يمكن أن أشارك في مهرجان من المهرجانات الكثيرة التي تنظم في المغرب وتحتفي بالخيل والخيولة، وأنا على سرج قديم لا يحترم الخصوصيات الفنية المغربية العريقة». ويؤكد أن صناعة السروج في المغرب عريقة ويجب أن نحافظ عليها ونحترمها وجدير بنا أن نقبّل تلك الأنامل الرقيقة والماهرة التي تبدع وتتفنن في صناعة تزاويقها وزخارفها التي تعكس ثقافتنا العريقة والأصيلة. ويصرّح أحد صنّاع السّروج بمراكش قائلا: «الفارس المغربي يمكن أن يحرم نفسه وأولاده من أشياء ومتع كثيرة في أوقات الشدة والأزمات، لكنه يصرف بكرم شديد على فرسه وسرجه». ويضيف: «الفرسان يشبهون إلى حد ما «البيازة» وهم المولعون بتربية الصقور والصيد بها، فهم لا يأكلون اللحم لضيق ذات اليد أو حين تشح الأرض وتنقطع الأمطار، لكنهم لا يحرمون طائرهم «الصقر» من لحمه المفضل ونراهم يقطعون الأميال ويبيعون النفيس حتى يشتروا لطائرهم أرفع أنواع اللحوم والطيور الحية التي يأكلها». ويعمل عشاق الخيول من الفلاحين في المغرب على تجديد سروج خيولهم مباشرة بعد جمع المحاصيل الفلاحية وبيعها، فبعد جمع المحاصيل تنطلق مهرجانات الفروسية التي يشارك فيها الآلاف من المغاربة بخيولهم، وهو تقليد عرفه المغرب منذ قرون خلت، وأشهر مهرجان للفروسية في المغرب يقام في مدينة الجديدة وفي قرية مولاي عبد الله أمغار الذي يعتبر أكبر مهرجان للفروسية في المغرب حيث يعرف مشاركة أكثر من 1100 فارس وفارسة. وهناك من السروج من يصل سعرها إلى 3000 دولار وهي السروج الأرفع بما تتطلبه من دقة وبراعة فنية ومواد أولية ثمينة. وتعرف هذه الصناعة، بعكس الحرف التقليدية الأخرى كصناعة الفضّيات والنّحاسيات والنقش على الخشب التي شهدت تراجعا ملحوظا، اهتماما من طرف الجيل الجديد من الصناع والحرفيين، لأنها صناعة تدر المال الوفير على صاحبها، خاصة مع ازدياد الإقبال على الرياضات والمهرجانات المرتبطة بالفرس والفروسية، سواء من طرف المغاربة أو من طرف الأجانب الذين ينبهرون بالسروج المغربية وإن كانوا لا يزينون بها خيولهم إلا أنهم يشترونها لتزيين صالوناتهم في البلدان الأوروبية.
السّروج ولوازمها
السَرج هو الرّحل، الذي يوضع على ظهر الدّابة ليجلس عليه الرّاكب، ويسمى أيضاً: القُعْدَةُ. وقد افتن العرب في صناعة السّروج والعناية بها، لأنّ جل اعتمادهم كان على التّرحال بالدواب، سواء في السّلم أو الحرب. وكما عرفت العرب اسماً أو أكثر لكل جزء من أجزاء الدابة، عرفت كذلك لكل جزء من أجزاء السرج اسماً أو أكثر، حتى ألفوا فيها مؤلفات خاصة بها، مثل كتاب "السّرج" لأبي عبيدة، وكتاب "السّرج واللجام" لأبي دريد وغيرهما.
وتُصمم السّروج لأغراض مختلفة سواءٌ، للرّكوب أو السِّباق أو العمل. ومن ثم كانت السّروج أنواعاً مختلفة، تندرج من مجرد كساء، أو برذعة يُغطي بها ظهر الدابة، إلى سروج الفرسان المُعَدّة خصيصاً للاعتماد عليها عند إِصابة الفارس برمح أو حربة، فهو يسند ظهره على سرج فرسه.
وتوجد عدة أنماط من السروج، كلٌ منها يُناسب مهمة خاصة، لذلك يُصبح اختيار السرج المناسب أمراً له أهميته ودلالته. فقد صممت بعض السروج لنمط خاص من الرَّكوب، كما هو الحال بالنسبة لرعاة البقر الذين يصنعون سروجهم على نمط خاص، بتجهيزات معينة، ولتلك السروج رِكَاب مُتْسع، وقربوس (طرفُ مُحَدّبٌ) مؤخره عادي، وآخر أمامي بارز في شكل قرن، يُستخدم لتثبيت حبل الصيد.
وهنالك أشياء مشتركة لابد من مراعاتها عند اختيار السّرج. فالسّرج الجيد يوازن ثقل الفارس، دون ضغط زائد على الغارب والجانبين، لا داعي له. كما يجب على السرّج ألاّ يعرقل حركة كتفي الفرس. ومعنى ذلك أن يكون السّرج مصمماً تماماً للفرس، ليناسب شكل ظهره وجانبيه حتى لا يجرحه، وقد يجرح معه فارسه أيضاً، أو يمنعه من جلسة صحيحة مريحة.
أمّا الجزء الذي يُحَدِّد الشكل النهائي للسرج فهو القربوس، وهو الهيكل المعدني، ويجب أن يكون مصنوعاً بدقة تامة. وهو أنواع شتى، وقد صادقت بعض جمعيات الفروسية على أشكال منه يمكن الاعتماد عليها. وأكثر الأشكال المستخدمة الآن هو النوع المَطْاطَي المرن. وقد زود بقطعتين من الفولاذ الخفيف على السّرج لكي لا يسقط. وسقوط السّرج يؤثر حتماً على توازن القربوس، وقد يتحطم القربوس عند السّقوط ويحتاج إلى خبير لإصلاحه.
وينبغي أن تُصْنع كل أجزاء السّرج من مادة متينة. فالسّير مثلاً، الذي يُثَبْت السرج في مكانه، لابد أن يكون قوياً، كأن يُصنع من الجلد، أو من نسيج سميك، أو من الصَرُج (نسيج صوفي متين). ويجب فحصه دورياً حرصاً على سلامته.
ويراعى في اللّبد، الذي يوضع على ظهر الحصان مما يلي جسده، أن يكون محشواً بشكل دقيق، بحيث يتوزع ثقل الفارس، على متني الفرس، وليس على عموده الفقري[1].
واستناد الفارس على متن الفرس، يحفظ للفرس نشاطه، وقوته، ويجنبه الضغط على العمود الفقري، أو الإِصابة بجروح.
ويُصنع الرِّكابان متوافقين مع احتياطات السّلامة، ومتطابقين مع راكب الفرس؛ فإن كان الراكب صغيراً جُعل الرِّكاب بشكل تتحرر الرِّجل منه في حال السقوط. ويجب التأكد من وجود فرجة باتساع 12ملم من كل جانب للقدم تُقاس في الناحية الأوسع من حذاء الراكب، بشكل يمنع من تعلقها بالرِّكاب.
لوازم السرج
يَكْتَمِلُ إعداد السّرج، ويصبح صالحاً للاستعمال بعددٍ من اللوازم المصاحبة له، مثل:
الإبزيم: عُرْوةٌ معدنية في أحد طرفيها لسان، توصل بالحزام ونحوه لتثبيت طرف الحزام الآخر على الوسط.
الإطنابة: سَيْر يُعقد في طرف الحزام أو الإبزيم.
الجَدِيّة: القطعة من الكساء المحشوة تحت دفتي السّرج، وقد تُسمى البَرْذعة.
الحزام أو اللّب: سيْر من الجّلد يُشّد به السّرج لتثبيته على ظهر الفرس.
الجديلة: ناحية السرج وحوزته.
الحِيَاصة: حزام الدّابة، أو هو سَيْر في حزامها.
الرِّكاب: حديدة متسعة الأضلاع على شكل مثلث، معلقة في السَّرج توضع فيها رجل الفارس.
السِّمط ( وجمعه سُموط ): السير يُعلق في مؤخرة السَّرج، تُشد به الأشياء وهو بمثابة الغرز للرَّحل.
الحِيَاصة: حزام الدّابة، أو هو سَيْر في حزامها.
العَقْرَبة: حديدة شبه الكُلاَّب، تعلق بالسرج والرَّحل.
المْرَشَحة والمَرْشح: الجمع مراشح، وهي البُطانة التي تحت لبد السَّرج، لأنها تنشِّف الرّشح.
عضادتا الإبزيم: جانباه.
القَرْبُوس: حِنْو السرج وهو طرف مُحَدّب، وللسرج قربوسان: قربوس المؤخرة وقربوس المقدمة.
القيقب والقيقبان: خشب السّرج.
المحور: عود من حديد، يدور فيه لسان الإبزيم في طرف المنطقة.
صناعة السروج للخيل
تعتبر صناعة سروج الخيل من أعرق الصناعات التقليدية التي اشتهر بها الصنّاع المغاربة منذ القدم، لأنها مرتبطة بالفروسية وركوب الخيل التي تعتبر بدورها من التراث الأصيل الذي يحرص عليه المغاربة والعرب عموما والسرج يجسد كل صفات الشهامة والافتخار.
وكثيرة هي المدن المغربية التي اشتهرت بأسواقها التي تعرض أفخم السروج وأروعها، والتي تبهر العين وتجعل الفارس يقف مسمّرا أمام سروج أتقن صناعتها الصناع المغاربة اتقانا شديدا، وأبدعوا في تزيينها برسوم وتطاريز وتزاويق مستمدة من التراث المغربي الأصيل. ويعمل صناع السروج على الحفاظ على أصالة المواد التي يصنع منها السرج والحفاظ على الملامح الفنية التي تنطق بخطوط ونقوش متوارثة عن الأجداد والتي اعتمدها هؤلاء المهرة في هذا الميدان وهم بدورهم تعلموها من مَنْ سبقوهم إلى هذه الحرفة التي تعتبر من أنبل الحرف لأنها ترتبط بحيوان يحبه المغاربة ويعملون على تزيينه بأجمل السروج وأفخمها.
صناعة متقنة
من أشهر المدن المغربية التي عرفت بمهارة صناع السروج فيها فاس ومراكش وتازة، إضافة إلى مدن أخرى عرفت محترفات لصناعة السروج مع بداية القرن الماضي كالرباط والدار البيضاء والجديدة والصويرة، لكن أمهر صناع السروج سواء من المغاربة أو من اليهود المغاربة كانوا متمركزين في فاس ومراكش، أما صنّاع السروج في المدن المغربية الأخرى فكانوا يسافرون إلى مراكش وفاس لشراء المواد الأولية من خيوط حريرية وقطع الجلود والخشب وهو من نوع نادر لصناعة هيكل السرج. وبرع اليهود المغاربة لقرون طويلة في صناعة السروج المذهبة والمزركشة بتزاويق ونقوش مغربية عريقة، وكانوا، كما حكى لنا أحد قدماء هذه الحرفة العريقة، يتقنونها إتقانا شديدا، وكان صانع السروج المغربي اليهودي يقضي الشهور الطويلة في صناعة سرج واحد وكأنه بمثابة فنان يرسم «جوكاندا» أخرى بريشته أو مسرحي يقضي الليالي الطويلة حتى يكتب مسرحية تخلد اسمه. وكان صانع السروج المغربي لا يتعجّل في صناعة سرج لأن صناعة سرج متقن تتجسد فيه كل معاني الأصالة والعراقة يتطلب شهورا طويلة، وكانت أطول مدة تأخذ من وقت الصانع الليالي الطوال لصناعة السرج تكون خلال رسم ونقش التزاويق الذهبية التي تتطلب الصبر والمهارة فالصانع يصنع ويبدع تلك التزاويق بإبرة خاصة وخيوط حريرية وأخرى مذهبة تضفي على السرج جمالية وتجلب للفارس احترام الناس، وتصمم السروج في المغرب بتزاويق خاصة تناسب اللباس المغربي الذي يرتديه الفارس وهو الجلباب الأبيض والطربوش المغربي و»البلغة» وهي حذاء مغربي تقليدي يصنع من الجلد الأصيل. وعرف المغاربة منذ القدم بتسامحهم وتعايشهم مع اليهود المغاربة الذين كانوا يقيمون بكثرة في مدن مغربية منها فاس ومراكش والصويرة وصفرو وآزمور وغيرها من المدن المغربية التي يتواجد فيها «الملاح» وهي الحصون التي يسكنها اليهود المغاربة. ويقول علي أحد تجار الجلود ومستلزمات صناعة السروج: «في أوائل القرن الماضي كان لزاما على كل مغربي يرغب في تجييد سرج فرسه أن يعدّ غرفة خاصة في بيته أو في قصره ليقيم فيها الصانع اليهودي الذي سيصنع له السرج ويتفرغ لها لمدة أسابيع طويلة، وكان هذا الصانع اليهودي لا يغادر غرفته أو مشغله الجديد هذا إلا في أوقات معينة لتفقد أسرته أو للتعبد أو للتبضع، وحين ينتهي هذا الصانع من صناعة السرج يتسلم أجره من مشغله الذي يكون سعيدا بالسرج الجديد ويعود إلى بيته».
ولع بالسروج
يقول الحسن أحد الفرسان إن السروج التي يأتي بها العاملون المغاربة في البلدان الأوروبية، خاصة من إيطاليا لا تستهوي الفارس المغربي، لأنها لا تحمل الخصوصيات الفنية والنقوش الجميلة التي عرفت بها السروج المغربية العريقة، مضيفا: «لا يمكن أن أسرّج فرسي بسرج استغنى عنه صاحبه الايطالي لأنني أحس أنني أقلل من قيمة حصاني، ولا يمكن أن أشارك في مهرجان من المهرجانات الكثيرة التي تنظم في المغرب وتحتفي بالخيل والخيولة، وأنا على سرج قديم لا يحترم الخصوصيات الفنية المغربية العريقة». ويؤكد أن صناعة السروج في المغرب عريقة ويجب أن نحافظ عليها ونحترمها وجدير بنا أن نقبّل تلك الأنامل الرقيقة والماهرة التي تبدع وتتفنن في صناعة تزاويقها وزخارفها التي تعكس ثقافتنا العريقة والأصيلة. ويصرّح أحد صنّاع السّروج بمراكش قائلا: «الفارس المغربي يمكن أن يحرم نفسه وأولاده من أشياء ومتع كثيرة في أوقات الشدة والأزمات، لكنه يصرف بكرم شديد على فرسه وسرجه». ويضيف: «الفرسان يشبهون إلى حد ما «البيازة» وهم المولعون بتربية الصقور والصيد بها، فهم لا يأكلون اللحم لضيق ذات اليد أو حين تشح الأرض وتنقطع الأمطار، لكنهم لا يحرمون طائرهم «الصقر» من لحمه المفضل ونراهم يقطعون الأميال ويبيعون النفيس حتى يشتروا لطائرهم أرفع أنواع اللحوم والطيور الحية التي يأكلها». ويعمل عشاق الخيول من الفلاحين في المغرب على تجديد سروج خيولهم مباشرة بعد جمع المحاصيل الفلاحية وبيعها، فبعد جمع المحاصيل تنطلق مهرجانات الفروسية التي يشارك فيها الآلاف من المغاربة بخيولهم، وهو تقليد عرفه المغرب منذ قرون خلت، وأشهر مهرجان للفروسية في المغرب يقام في مدينة الجديدة وفي قرية مولاي عبد الله أمغار الذي يعتبر أكبر مهرجان للفروسية في المغرب حيث يعرف مشاركة أكثر من 1100 فارس وفارسة. وهناك من السروج من يصل سعرها إلى 3000 دولار وهي السروج الأرفع بما تتطلبه من دقة وبراعة فنية ومواد أولية ثمينة. وتعرف هذه الصناعة، بعكس الحرف التقليدية الأخرى كصناعة الفضّيات والنّحاسيات والنقش على الخشب التي شهدت تراجعا ملحوظا، اهتماما من طرف الجيل الجديد من الصناع والحرفيين، لأنها صناعة تدر المال الوفير على صاحبها، خاصة مع ازدياد الإقبال على الرياضات والمهرجانات المرتبطة بالفرس والفروسية، سواء من طرف المغاربة أو من طرف الأجانب الذين ينبهرون بالسروج المغربية وإن كانوا لا يزينون بها خيولهم إلا أنهم يشترونها لتزيين صالوناتهم في البلدان الأوروبية.
السّروج ولوازمها
السَرج هو الرّحل، الذي يوضع على ظهر الدّابة ليجلس عليه الرّاكب، ويسمى أيضاً: القُعْدَةُ. وقد افتن العرب في صناعة السّروج والعناية بها، لأنّ جل اعتمادهم كان على التّرحال بالدواب، سواء في السّلم أو الحرب. وكما عرفت العرب اسماً أو أكثر لكل جزء من أجزاء الدابة، عرفت كذلك لكل جزء من أجزاء السرج اسماً أو أكثر، حتى ألفوا فيها مؤلفات خاصة بها، مثل كتاب "السّرج" لأبي عبيدة، وكتاب "السّرج واللجام" لأبي دريد وغيرهما.
وتُصمم السّروج لأغراض مختلفة سواءٌ، للرّكوب أو السِّباق أو العمل. ومن ثم كانت السّروج أنواعاً مختلفة، تندرج من مجرد كساء، أو برذعة يُغطي بها ظهر الدابة، إلى سروج الفرسان المُعَدّة خصيصاً للاعتماد عليها عند إِصابة الفارس برمح أو حربة، فهو يسند ظهره على سرج فرسه.
وتوجد عدة أنماط من السروج، كلٌ منها يُناسب مهمة خاصة، لذلك يُصبح اختيار السرج المناسب أمراً له أهميته ودلالته. فقد صممت بعض السروج لنمط خاص من الرَّكوب، كما هو الحال بالنسبة لرعاة البقر الذين يصنعون سروجهم على نمط خاص، بتجهيزات معينة، ولتلك السروج رِكَاب مُتْسع، وقربوس (طرفُ مُحَدّبٌ) مؤخره عادي، وآخر أمامي بارز في شكل قرن، يُستخدم لتثبيت حبل الصيد.
وهنالك أشياء مشتركة لابد من مراعاتها عند اختيار السّرج. فالسّرج الجيد يوازن ثقل الفارس، دون ضغط زائد على الغارب والجانبين، لا داعي له. كما يجب على السرّج ألاّ يعرقل حركة كتفي الفرس. ومعنى ذلك أن يكون السّرج مصمماً تماماً للفرس، ليناسب شكل ظهره وجانبيه حتى لا يجرحه، وقد يجرح معه فارسه أيضاً، أو يمنعه من جلسة صحيحة مريحة.
أمّا الجزء الذي يُحَدِّد الشكل النهائي للسرج فهو القربوس، وهو الهيكل المعدني، ويجب أن يكون مصنوعاً بدقة تامة. وهو أنواع شتى، وقد صادقت بعض جمعيات الفروسية على أشكال منه يمكن الاعتماد عليها. وأكثر الأشكال المستخدمة الآن هو النوع المَطْاطَي المرن. وقد زود بقطعتين من الفولاذ الخفيف على السّرج لكي لا يسقط. وسقوط السّرج يؤثر حتماً على توازن القربوس، وقد يتحطم القربوس عند السّقوط ويحتاج إلى خبير لإصلاحه.
وينبغي أن تُصْنع كل أجزاء السّرج من مادة متينة. فالسّير مثلاً، الذي يُثَبْت السرج في مكانه، لابد أن يكون قوياً، كأن يُصنع من الجلد، أو من نسيج سميك، أو من الصَرُج (نسيج صوفي متين). ويجب فحصه دورياً حرصاً على سلامته.
ويراعى في اللّبد، الذي يوضع على ظهر الحصان مما يلي جسده، أن يكون محشواً بشكل دقيق، بحيث يتوزع ثقل الفارس، على متني الفرس، وليس على عموده الفقري[1].
واستناد الفارس على متن الفرس، يحفظ للفرس نشاطه، وقوته، ويجنبه الضغط على العمود الفقري، أو الإِصابة بجروح.
ويُصنع الرِّكابان متوافقين مع احتياطات السّلامة، ومتطابقين مع راكب الفرس؛ فإن كان الراكب صغيراً جُعل الرِّكاب بشكل تتحرر الرِّجل منه في حال السقوط. ويجب التأكد من وجود فرجة باتساع 12ملم من كل جانب للقدم تُقاس في الناحية الأوسع من حذاء الراكب، بشكل يمنع من تعلقها بالرِّكاب.
لوازم السرج
يَكْتَمِلُ إعداد السّرج، ويصبح صالحاً للاستعمال بعددٍ من اللوازم المصاحبة له، مثل:
الإبزيم: عُرْوةٌ معدنية في أحد طرفيها لسان، توصل بالحزام ونحوه لتثبيت طرف الحزام الآخر على الوسط.
الإطنابة: سَيْر يُعقد في طرف الحزام أو الإبزيم.
الجَدِيّة: القطعة من الكساء المحشوة تحت دفتي السّرج، وقد تُسمى البَرْذعة.
الحزام أو اللّب: سيْر من الجّلد يُشّد به السّرج لتثبيته على ظهر الفرس.
الجديلة: ناحية السرج وحوزته.
الحِيَاصة: حزام الدّابة، أو هو سَيْر في حزامها.
الرِّكاب: حديدة متسعة الأضلاع على شكل مثلث، معلقة في السَّرج توضع فيها رجل الفارس.
السِّمط ( وجمعه سُموط ): السير يُعلق في مؤخرة السَّرج، تُشد به الأشياء وهو بمثابة الغرز للرَّحل.
الحِيَاصة: حزام الدّابة، أو هو سَيْر في حزامها.
العَقْرَبة: حديدة شبه الكُلاَّب، تعلق بالسرج والرَّحل.
المْرَشَحة والمَرْشح: الجمع مراشح، وهي البُطانة التي تحت لبد السَّرج، لأنها تنشِّف الرّشح.
عضادتا الإبزيم: جانباه.
القَرْبُوس: حِنْو السرج وهو طرف مُحَدّب، وللسرج قربوسان: قربوس المؤخرة وقربوس المقدمة.
القيقب والقيقبان: خشب السّرج.
المحور: عود من حديد، يدور فيه لسان الإبزيم في طرف المنطقة.