حُــب Amour ( بالفرنسية )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حُــب Amour ( بالفرنسية )

    حُــب Amour ( بالفرنسية )
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
    هذا الفيلم قد لا يستسيغه المشاهدون الذين هم في عمر ( الشباب ) الآن ، ولكن سيأتي يومٌ يجدون فيه ما يُمثــّـلُهم و يجدون أنفسَهم متعلقين به ، و سيشاهدونه مراراً و تكراراً .. و من دون ملل .
    فيلمٌ مصنوعٌ للمشاهدين الذين يُدركون معنى تقدم الإنسان في العمر ، و للمثقفين الذين يقدّرون هذه الحقيقة الحتمية ، و للعُـقلاء الحسّاسين حتى لو كانوا شباناً . إنه فيلمٌ يمثل قراءة ً لرحلة الإنسان في فلك الزمن و العمر و مقترباته .
    كان كاتبُ و مخرجُ الفيلم ، النمساوي " مايكل هاينيكي " ، قد وضع في ذهنه فكرة الفيلم منذ العام 1992 ، حين انتحرت عمته البالغة من العمر 90 عاماً ، المصابة بالروماتيزم الشديد ، و التي قضت سنواتها الأخيرةَ وحيدة ً في شقتها ، رافضة ً العيش في دار العجزة ، و يذكر " هاينيكي " أنها كانت قد طلبت منه ( الموت الرحيم ) حتى . لذلك يقول أن موضوعه الأساس ليس فكرة الشيخوخة و الموت بل ( كيفية التعامل مع معاناة أحد أفراد الأسرة ) .

    لقد عالج الكاتبُ حكايته على مدى عشرين سنة قبل أن يخرج الفيلم عام 2012 ، و عندما كان يفكر بإخراجه ، لم يكن في ذهنه أحدٌ من الممثلين غير الممثل الفرنسي " جان لوي ترنتيان " ، و عندما مثل " ترنتيان " دوره في هذا الفيلم كان في الثانية و الثمانين من عمره ، فقدم أداءً متناسباً مع هذه السن و مع خبرته في التمثيل التي تمتد الى ستين عاماً مضت ، و كانت هذه عودته بعد اعتزال دام أربع عشرة سنة ( توفي في 17 يونيو/ حزيران 2022 عن 91 سنة ) .
    يظهر " ترنتيان " في دور معلم موسيقىً متقاعد ، و إسمه " جورج لوران " ، الى جانب الممثلة الفرنسية " إيمانويل ريفا " في دور " آن لوران " و هي معلمة موسيقىً متقاعدة أيضاً ، و عند تمثيلها هذا الدور كانت " ريفا " في الثامنة و الثمانين من عمرها ( توفيت في 27 يناير/ كانون الثاني 2017 ، عن 93 سنة ) .
    يبدأ الفيلمُ بمشهدٍ حركي ، حين يقتحم رجالُ المطافئ شقة العجوزين ، بعد أن أبلغ الجيران عن انبعاثِ رائحةٍ نتنة من الشقة ، لنكتشف أن مبعثها هو جثة " آن " الممددة على السرير .. و قد نـُـثِر الوردُ حول رأسها . ثم يحصل قَطْع ، فتنتقلُ الكاميرا الى قاعةٍ موسيقيةٍ تقدّم حفلاً موسيقياً لأحد تلاميذ " آن " السابقين ، و إسمُهُ " الكسندر " ( لعب دورَه عازفُ البيانو الفرنسي " الكسندر ثارود " ) .
    يعود العجوزان الى شقتهما ، بعد انتهاء الحفل الموسيقي ، ليجدا أن ثمة من عَبثَ ببابها ، و منذ لحظة غلق الباب تبدأ دراما الفيلم الهادئة العميقة الأخاذة .
    اختزل السيناريو عددَ أبطال الفيلم بثلاثة فقط : العجوزان و ابنتهما " ايفا " ( لعبت دورَها الفرنسية " ايزابيل هوبرت " ) التي تُبدي قلقاً شديداً حول وضع والدتها الصحي ، وهي في ذات الوقت قلقة ٌ و مُتحسّبة ٌ لِما قد تؤول اليه الأمور بسبب الأزمة الإقتصادية التي كانت تجتاح العالم ــ آنذاك ــ فتفكر بأن يكون رصيدُها على شكل عقار ، بدلاً عن شراء الأسهُم التي يفكر بها زوجها " جيف " ، الذي يظهر مرةً واحدة فقط .. شأنَ جميع الآخرين ، القلائل ، الذين ظهروا في الفيلم .
    عُقدة ُ حكاية الفيلم تبدأ على مائدة الإفطار ، عندما يُـفاجَأ " جورج " بجمود وجه زوجته " آن " و تحديقها في اللامكان ، و حين يَهمُّ بالقيام لطلب المساعدة تعودُ الى حالتها الطبيعية ، و تستغرب من حديثه عن الحالة التي ( يزعم ) أنها مرّت بها ، فيُصاب الرجلُ بالذهول ، و يكاد يشك في نفسه ، لكنها عندما تسكب الشاي من الإبريق فإنها تسكبه جنبَ الكوب ، و ليس فيه . هنا يحدث ُ قَطْع ، و تنتقل الكاميرا في لقطاتٍ فوتوغرافيةٍ الى الغرف ، و بإضاءةٍ كابية .. دلالة أن البيت قد فقدَ حيويته و دخل سَكـنَـتُـهُ مرحلة اللاجدوى .. و ربما اللامعنى . فما حصل على مائدة الإفطار كان بداية رحلة العذابَين الجسدي و الروحي لـ " آن " و العذاب النفسي لـ " جورج " الزوج ، بعد أن تُصاب " آن " بسكتةٍ دماغية تسبّبُ لها شللاً في جانبها الأيمن . و من هنا يتضح القصد من عبارة الكاتب و مُخرج الفيلم " مايكل هاينيكي " حول ( كيفية التعامل مع معاناة أحد أفراد الأسرة ) حين يجد العجوز " جورج " نفسَه أمام مسؤولية ، هي بالأساس عاطفية ، تجاه شريكة حياته التي قضى معظم عمره معها و قد أصبحت الآن بلا حولٍ و لا قوة ، و ليس لها غيره ، و هو نفسُهُ بحاجةٍ الى مَن يرعاه في هذه المرحلة المتقدمة من العمر .
    هنا يبدأ الصراع الصامت ، و هو صراعٌ صحيٌّ و نفسي و عاطفي و إنساني و جسدي في بوتقة الوحدة و العزلة و شبه انقطاعٍ عن الخارج . و في حالةٍ كهذه لا من شفيع و لا أحد يستطيع أن يقدّم شيئاً مفيداً ، فالإنسان في هذه الحالة مُنقادٌ الى الذبول و التلاشي و الذوبان في العَدَم .. خطوة ً وئيدةً غير محسوسةٍ تلوَ أخرى .
    هنا نجد أن " آن " قد وهنت تماماً و انحدر جسدُها في اللاحركة ، ولكنّ روحَها ظلت عنيدة ً و عصية ً على الموت ، حتى تأتي اللحظة الصادمة التي يفاجيءُ بها " جورج " نفسَه ، و يفاجئ الفيلمُ مشاهديه ، حين يُقدِم على القيام بما كانت عمة المخرج قد طلبته منه في أوج معاناتها الشديدة من مرض الروماتيزم .. و هي في مرحلة متقدمة من عمرها . ولكن " آن " لم تطلب ذلك من " جورج " . الحب ، و الحب وحده ، هو الذي دفعه الى أن يقوم بذلك الفعل المفاجئ الصادم .
    خلال العقود الثلاثة الأخيرة بات الإيقاعُ البطيء هو الغالب على السينما الفرنسية ، ولكن هذه السينما تتميز غالباً بالحوار السلس و المترابط و الممتع ، و يبدو أن السينما الفرنسية ظلت مرتبطة ً أشد من سواها بالأدب و ممتزجةً به . و قد عمل هذا الحوار على التخفيف من وَقع الملل الذي قد يسببه الإيقاعُ البطيء . هذا الفيلم يقدم مثالاً على ذلك ، ففي أوج بطء الحدَث ثمة لغةٌ بليغةٌ صامتة يسمعها المشاهدُ الحساس من خلال طرفة العين و حركة الأصابع أو التنهيدة أو النظرة التي تقول كل شيء .. بصمت .

    بقدر ما توصف أفلام " مايكل هاينيكي " بـ ( السوداوية ) فهي يُسجَّل لصالحها اتصافُها بالعُمق و الإلتقاط الفلسفي لما نحن غافلون عنه في زحمة الحياة ، و كأنه يريد القول ( الناسُ نيام .. حتى إذا ما ماتوا انتبهوا ) .
    " هاينيكي " ليس دقيقاً في اختيار مواضيع أفلامه حسب ، بل في اختيار ممثليه أيضاً . الممثلة " ايزابيل هوبرت " ، مثلاً ، التي مثلت دور " ايفا " في هذا الفيلم ، كان قد قدمها عام 2001 في فيلم ( عازفة البيانو ) الرائع ، و نالت عنه الجوائز القديرة . و لم يكن عبثاً منه حين كتب فيلمه هذا ، ( حب ) ، و في ذهنه " جان لوي ترنتيان " ليخرجه من عزلة 14 سنة فينال ، حالاً ، جائزة مهرجان سيزار السينمائي كأفضل ممثل في دور رئيس ، كذلك حين اختار " ايمانويل ريفا " التي أبدعت أيّما ابداعٍ في هذا الفيلم ، لتترشح لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة ، و قد كانت الفنانة المترشحة الأقدم عمراً في تاريخ هذه الجائزة . و من ثم خطفت جائزة ( بافتا ) عن هذا الدور ، و بالتالي نال الفيلم جائزة الأوسكار كأفضل فيلمٍ أجنبي ، و قبلها كان قد خطف جائزة ( السعفة َ الذهبية ) من مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي ، كأفضل فيلم ، فضلاً عن جوائز أخرى له و لبطلَيه .
    يكفي المخرج " مايكل هاينيكي " تميزاً اختيارُه و تحريكُهُ الممثلين الفرنسيين العبقريين " جان لوي ترنتيان " و " ايمانويل ريفا " ليقدما لنا هذا الأداء العبقري المذهل في تمثيل دورين صعبين الى أبعد حد .
    هذا الفيلم لا يمكن نسيانُهُ و لا نسيان بَطـلــيهِ . فيلمٌ يبعثُ على التأمل و التفكر في ما ستؤول اليه مصائرُنا الكيانية في هذا الوجود .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
    هادي ياسين
يعمل...
X