صناعة العود مع "فراس السلكا"
دمشق
بحب وشغف عمل الحرفي المهندس "فراس السلكا" بحرفة صناعة الآلات الموسيقية وتطعيمها بالصدف والموزاييك، وخصوصاً آلة العود التي عمل على تطويرها ونمذجتها بطريقة علمية حيث ابتكر وصمم أكثر من آلة للعود بأحجام متعددة ليست خشبية فقط وإنما نحاسية أيضاً
مسيرة مهنية
عمل "السلكا" بحرفة صناعة الآلات الموسيقية منذ أكثر من ثلاثين عاماً كان يراقب بحب وشغف صناع العود الدمشقي في ورشة والده وقام بتجميع أول عود من صنع يده عندما كان صغيراً، فأحب المهنة وبدأ بتعلمها بكل إصرار وعزيمة، فبالرغم من إنه درس الهندسة المدنية إلا إن ذلك لم يقف عائقاً لتنمية موهبته وشغفه بتحقيق حلمه لتصنيع آلة العود بل على العكس استفاد من دراسته للاهتزازات لتطوير الآلة ونمذجتها بطريقة علمية
يستعرض المهندس "فراس السلكا" في حديثه لمدونة وطن، التي التقته بورشته "حاضنة دمر التراثية"، تفاصيل عمله وبدايات تعلقه بالحرفة يقول: "مهنة صناعة الآلات الموسيقية وخاصة العود هي مهنة عائلتي، فجدي لم يكن موسيقياً ولا صانعاً للآلات الموسيقية، لكنه كان مولعاً بسماع الموسيقا، ولشدة تعلقه بها ترك مهنته في مجال الأقمشة وبدأ يعمل ببيع الآلات الموسيقية بهدف اقتناء آلة موسيقية وجذب الموسيقيين أيضاً، ففي الماضي كان صديقه أمير البزق "محمد عبد الكريم" يأتي إليه بشكل يومي يجلسان على ناصية المحل بعد إغلاق السوق وقت العصر ليرددا الألحان".
ألات من تصنيعهعراقة وحرفية
مدير حاضنة دمر
يضيف "السلكا": "كانت البداية بهذه المهنة بعام 1922م، بدأ جدي "فؤاد عبد الله السلكا" ببيع بعض الآلات الموسيقية، وتطورت حيث بات المحل معروفاً وصار يبيع أحسن الآلات الموسيقية المصنعة في سورية وخارجها، كما عمل جدي مع الحرفي "جورجي النحات"، وهو أخر فرد من أشهر عائلة بصناعة العود في العالم ، حيث كان "جورجي" يصنع في كل أسبوع قطعة واحدة وقبل أن يعطيها لصاحبها كان يقوم بالعزف عليها، وغالباً ما كان يحطم الآلة بعد العزف إذا لم يعجبه أدائها وصوتها، لذلك فإن العود الذي يخرج من ورشتنا هو علامة في صناعة العود حتى الآن، ففي ورشتنا أتينا بهذه النوعية من الحرفيين التي لا تقتنع إلا بالصناعة النبيلة لكي تكون ناجحة، وهذا ما أوصلنا لما نحن عليه الآن، وخصوصاً أن صنّاع العود لدينا يمتلكون روح الصناعة الشرقية بالنسبة لهذه الآلات، وهنالك روح العمل الحرفي اليدوي التي لا تحسنها الآلة مهما كانت متقدّمة ودقيقة".
خاصة للمشاهير
وأضاف: اقتنى العديد من مشاهير الفن والموسيقا في العالم العربي أعوادنا ومنهم" محمد عبدالوهاب وأم كلثوم ووردة وفريد الأطرش والأخوين رحباني والسيدة فيروز" وغيرهم، والذين كما يقول، "كأنوا يأتون سنوياً إلى منطقة "بلودان"، وأذكر مرة أن الفنان "فريد الأطرش" قد جاء إلى "بلودان" واتصل بجدي طالباً منه أن يأتي إليه بعود ليشتريه، ذهب جدي ووالدي، وكنت معهما طفلاً صغيراً، حملنا معنا أربعة من الأعواد، عزف الأطرش عليها جميعاً، وانتقى واحداً منها، كان مليئاً بالصدف وله شكل مميز، كما أنني اشتريت عود الفنان الراحل "فريد الأطرش" من ورثته ووضعته في محلي بالحميدية كتحفة فنية وتراثية".
الأت موسيقيةنمذجة العود
ويكمل "السلكا" حديثه بالقول: "من خلال عملي بهذا المجال قررت أن أطور آلة العود وإدخال العلم مع المحافظة على تراث وعراقة الآلة، من خلال الاستفادة من دراستي للهندسة، فعملت على دراسة اهتزازات صوت الآلة لمدة عشر سنوات، وبدأت بالتجريب ودراسة آلة العود وكيفية عملها لتعطي اهتزازاً معيناً لإخراج الصوت الجميل، وبدأت بالعمل لبرمجة الآلة لتعطي هذا الاهتزاز الجميل، وجميعنا نعرف أن آلة العود عبارة عن جزئين أساسيين، صفيحة من الأمام وهي وجه العود وظهر العود ويسمى "الطاسة"، وكنت أعتقد أن ثمة اندماجاً صوتياً بينهما باعتبار أن هناك اهتزازاً بالصفيحة الأمامية واهتزازاً بالصفيحة الخلفية، وهذا الاندماج هو الذي يخرج الصوت الجميل بالعود، ولكن عندما قمت بتصميم نموذج لآلة العود على اللابتوب بواسطة برنامج الدراسة وأعطيته الأوزان الصحيحة والقيم الصحيحة، فتبين أن ظهر العود لا يشارك بالصوت من حيث الاهتزاز، ولكنه يعمل كعاكس ومرآة للصوت".
ويضيف: "كصانع أصبحت أفهم آلتي وآلية عملها مما مكنني من إدخال تقنيات جديدة، وقمت بتصنيع عود من النحاس بالتعاون مع شيخ كار النحاسيات "محمد الشايب"، وهذا العود يستخدم مع الفرق الموسيقية ويمكن أن يكون عوداً كهربائياً، كما أعمل حالياً مع شيخ كار حرفة تنزيل الصدف على الخشب "محمد الكجك" لتصنيع عود مطعم بالصدف.. فالعلم يضع يديك على نقاط القوة والضعف لكل وسيلة، فأنا من خلال إدخال العلم بنمذجة الآلة لم أبدل بالآلة وإنما حاولت دمج التراث بالعلم لابتكار تقنيات جديدة تمكننا من الإبداع وتطوير الآلة".
رأي مختص
بدوره يتحدث الحرفي "لؤي شكو" مدير "حاضنة دمر التراثية" عن شيخ الكار المهندس "فراس السلكا" بالقول: "هو واحد من أمهر الحرفيين بمجال صناعة الآلات الموسيقية، فقد امتلك الموهبة والعلم بعمله كحرفي، فأبدع بمجاله بشكل متميز، حيث قام بنمذجة الآلات الموسيقية (العود والغيتار) بطريقة العناصر المحدودة، وقام بتحليلها رياضياً وتوصل إلى أدوارها وحالات الطنين لها، ودراسة كيفية صناعتها بجودة عالمية من حيث الشكل والمضمون، معتمداً على التصميم بمساعدة الحاسوب لاختزال الوقت، وتحقيق معايير عالمية في عصرنة التراث دون المساس بطابعه التقليدي اليدوي التراثي، وهذه الدراسة تعتبر أول دراسة من نوعها لآلة العود في العالم".
في سطور
تبقى الإشارة إلى أن المهندس "السلكا" هو من مدربي "حاضنة دمر المركزية" للفنون الحرفية والتراثية، وهو من مواليد دمشق 1972م، خريج كلية الهندسة المدنية، وخريج المركز الثقافي الفرنسي، والمدرسة الأمريكية للغات الإنكليزية، ومدرس لعدد من البرامج الهندسية، ومختص بدراسة الأبراج على الزلازل ودراسة الحركات الدورية، له مؤلف جامع عن الأخشاب ومواصفاتها الفيزيائية والميكانيكية، كما شارك بالعديد من المعارض العالمية والمحلية منها "اكسبو دبي".
أجريت اللقاءات بتاريخ 18 تشرين الثاني 2023
- نجوى محمود
دمشق
بحب وشغف عمل الحرفي المهندس "فراس السلكا" بحرفة صناعة الآلات الموسيقية وتطعيمها بالصدف والموزاييك، وخصوصاً آلة العود التي عمل على تطويرها ونمذجتها بطريقة علمية حيث ابتكر وصمم أكثر من آلة للعود بأحجام متعددة ليست خشبية فقط وإنما نحاسية أيضاً
مسيرة مهنية
عمل "السلكا" بحرفة صناعة الآلات الموسيقية منذ أكثر من ثلاثين عاماً كان يراقب بحب وشغف صناع العود الدمشقي في ورشة والده وقام بتجميع أول عود من صنع يده عندما كان صغيراً، فأحب المهنة وبدأ بتعلمها بكل إصرار وعزيمة، فبالرغم من إنه درس الهندسة المدنية إلا إن ذلك لم يقف عائقاً لتنمية موهبته وشغفه بتحقيق حلمه لتصنيع آلة العود بل على العكس استفاد من دراسته للاهتزازات لتطوير الآلة ونمذجتها بطريقة علمية
يستعرض المهندس "فراس السلكا" في حديثه لمدونة وطن، التي التقته بورشته "حاضنة دمر التراثية"، تفاصيل عمله وبدايات تعلقه بالحرفة يقول: "مهنة صناعة الآلات الموسيقية وخاصة العود هي مهنة عائلتي، فجدي لم يكن موسيقياً ولا صانعاً للآلات الموسيقية، لكنه كان مولعاً بسماع الموسيقا، ولشدة تعلقه بها ترك مهنته في مجال الأقمشة وبدأ يعمل ببيع الآلات الموسيقية بهدف اقتناء آلة موسيقية وجذب الموسيقيين أيضاً، ففي الماضي كان صديقه أمير البزق "محمد عبد الكريم" يأتي إليه بشكل يومي يجلسان على ناصية المحل بعد إغلاق السوق وقت العصر ليرددا الألحان".
ألات من تصنيعهعراقة وحرفية
مدير حاضنة دمر
يضيف "السلكا": "كانت البداية بهذه المهنة بعام 1922م، بدأ جدي "فؤاد عبد الله السلكا" ببيع بعض الآلات الموسيقية، وتطورت حيث بات المحل معروفاً وصار يبيع أحسن الآلات الموسيقية المصنعة في سورية وخارجها، كما عمل جدي مع الحرفي "جورجي النحات"، وهو أخر فرد من أشهر عائلة بصناعة العود في العالم ، حيث كان "جورجي" يصنع في كل أسبوع قطعة واحدة وقبل أن يعطيها لصاحبها كان يقوم بالعزف عليها، وغالباً ما كان يحطم الآلة بعد العزف إذا لم يعجبه أدائها وصوتها، لذلك فإن العود الذي يخرج من ورشتنا هو علامة في صناعة العود حتى الآن، ففي ورشتنا أتينا بهذه النوعية من الحرفيين التي لا تقتنع إلا بالصناعة النبيلة لكي تكون ناجحة، وهذا ما أوصلنا لما نحن عليه الآن، وخصوصاً أن صنّاع العود لدينا يمتلكون روح الصناعة الشرقية بالنسبة لهذه الآلات، وهنالك روح العمل الحرفي اليدوي التي لا تحسنها الآلة مهما كانت متقدّمة ودقيقة".
خاصة للمشاهير
وأضاف: اقتنى العديد من مشاهير الفن والموسيقا في العالم العربي أعوادنا ومنهم" محمد عبدالوهاب وأم كلثوم ووردة وفريد الأطرش والأخوين رحباني والسيدة فيروز" وغيرهم، والذين كما يقول، "كأنوا يأتون سنوياً إلى منطقة "بلودان"، وأذكر مرة أن الفنان "فريد الأطرش" قد جاء إلى "بلودان" واتصل بجدي طالباً منه أن يأتي إليه بعود ليشتريه، ذهب جدي ووالدي، وكنت معهما طفلاً صغيراً، حملنا معنا أربعة من الأعواد، عزف الأطرش عليها جميعاً، وانتقى واحداً منها، كان مليئاً بالصدف وله شكل مميز، كما أنني اشتريت عود الفنان الراحل "فريد الأطرش" من ورثته ووضعته في محلي بالحميدية كتحفة فنية وتراثية".
الأت موسيقيةنمذجة العود
ويكمل "السلكا" حديثه بالقول: "من خلال عملي بهذا المجال قررت أن أطور آلة العود وإدخال العلم مع المحافظة على تراث وعراقة الآلة، من خلال الاستفادة من دراستي للهندسة، فعملت على دراسة اهتزازات صوت الآلة لمدة عشر سنوات، وبدأت بالتجريب ودراسة آلة العود وكيفية عملها لتعطي اهتزازاً معيناً لإخراج الصوت الجميل، وبدأت بالعمل لبرمجة الآلة لتعطي هذا الاهتزاز الجميل، وجميعنا نعرف أن آلة العود عبارة عن جزئين أساسيين، صفيحة من الأمام وهي وجه العود وظهر العود ويسمى "الطاسة"، وكنت أعتقد أن ثمة اندماجاً صوتياً بينهما باعتبار أن هناك اهتزازاً بالصفيحة الأمامية واهتزازاً بالصفيحة الخلفية، وهذا الاندماج هو الذي يخرج الصوت الجميل بالعود، ولكن عندما قمت بتصميم نموذج لآلة العود على اللابتوب بواسطة برنامج الدراسة وأعطيته الأوزان الصحيحة والقيم الصحيحة، فتبين أن ظهر العود لا يشارك بالصوت من حيث الاهتزاز، ولكنه يعمل كعاكس ومرآة للصوت".
ويضيف: "كصانع أصبحت أفهم آلتي وآلية عملها مما مكنني من إدخال تقنيات جديدة، وقمت بتصنيع عود من النحاس بالتعاون مع شيخ كار النحاسيات "محمد الشايب"، وهذا العود يستخدم مع الفرق الموسيقية ويمكن أن يكون عوداً كهربائياً، كما أعمل حالياً مع شيخ كار حرفة تنزيل الصدف على الخشب "محمد الكجك" لتصنيع عود مطعم بالصدف.. فالعلم يضع يديك على نقاط القوة والضعف لكل وسيلة، فأنا من خلال إدخال العلم بنمذجة الآلة لم أبدل بالآلة وإنما حاولت دمج التراث بالعلم لابتكار تقنيات جديدة تمكننا من الإبداع وتطوير الآلة".
رأي مختص
بدوره يتحدث الحرفي "لؤي شكو" مدير "حاضنة دمر التراثية" عن شيخ الكار المهندس "فراس السلكا" بالقول: "هو واحد من أمهر الحرفيين بمجال صناعة الآلات الموسيقية، فقد امتلك الموهبة والعلم بعمله كحرفي، فأبدع بمجاله بشكل متميز، حيث قام بنمذجة الآلات الموسيقية (العود والغيتار) بطريقة العناصر المحدودة، وقام بتحليلها رياضياً وتوصل إلى أدوارها وحالات الطنين لها، ودراسة كيفية صناعتها بجودة عالمية من حيث الشكل والمضمون، معتمداً على التصميم بمساعدة الحاسوب لاختزال الوقت، وتحقيق معايير عالمية في عصرنة التراث دون المساس بطابعه التقليدي اليدوي التراثي، وهذه الدراسة تعتبر أول دراسة من نوعها لآلة العود في العالم".
في سطور
تبقى الإشارة إلى أن المهندس "السلكا" هو من مدربي "حاضنة دمر المركزية" للفنون الحرفية والتراثية، وهو من مواليد دمشق 1972م، خريج كلية الهندسة المدنية، وخريج المركز الثقافي الفرنسي، والمدرسة الأمريكية للغات الإنكليزية، ومدرس لعدد من البرامج الهندسية، ومختص بدراسة الأبراج على الزلازل ودراسة الحركات الدورية، له مؤلف جامع عن الأخشاب ومواصفاتها الفيزيائية والميكانيكية، كما شارك بالعديد من المعارض العالمية والمحلية منها "اكسبو دبي".
أجريت اللقاءات بتاريخ 18 تشرين الثاني 2023