"المختفي": إثارة وغموض في كواليس العلاقات الزوجية
المخرجة زكية الطاهري تقدم تجربة درامية ناجحة.
الجمعة 2023/12/08
رحلة للبحث عن الزوج المختفي
يحمل مسلسل "المختفي" الذي يعرض حاليا على القناة الثانية المغربية الكثير من الإثارة والتشويق المتعلقين بمدى صدق العلاقات الزوجية، وأهمية الصداقة في مواجهة الأزمات الكبرى والمصيرية، وقد نجح العمل بحبكته الدرامية المحكمة في تحقيق نسب مشاهدة عالية.
يخلق مسلسل "المختفي" جوًّا مشوّقًا مليئًا بالغموض حينما تنطلق أربع صديقات في رحلة للبحث عن زوج إحداهن الذي اختفى بصورة مبهمة وينجحن في الكشف عن عالم مظلم يتخذ من الخيانة والادعاءات الكاذبة محورًا له.
العمل من إخراج زكية الطاهري والسيناريو الخاص به من تأليف محمد لميسي ويتألق في الأداء كل من جيهان كيداري وهاجر عدنان وإيمان مشرافي وطاهرة كما يشارك في العمل أيضًا كل من عبدالله ديدان ويوسف الجندي وعبدالإله رشيد وزينب العلمي وماجدة بنكيران.
تنطلق بداية المسلسل بمشهد مشرق يجسد شغف أربع نساء يمارسن رياضة الجري على شاطئ البحر، ويتميز هذا الإطار بتبادل حوارات عفوية حول مواضيع الحب والعلاقات الغرامية ويُسَلَّط الضوء على حديث شخصية “سهام” التي تؤدي دورها الممثلة هاجر عدنان والتي تجسد فتاة خرقاء تقع ضحية للنصب في علاقاتها المؤقتة مع الرجال.
وفي سياق آخر يُظهر المسلسل حوارات أخرى خلال استراحة الفتيات الأربع في مقهى قريب من البحر ويتحدثن في هذه اللحظة عن حفل خيري لجمع تبرعات ويتناولن علاقاتهن مع أزواجهن وهنا تبدأ القصة في التطور الدرامي حيث يتسارع الإيقاع بسلاسة مع تقدم المشاهد كاشفًا تدريجيًا عن خيوط الحكاية.
المخرجة تستخدم نمطًا محددًا من الصور حيث تقوم ببناء مدخل في مخيلة المتفرج يتمثل في الإيقاع البسيط
تشهد شخصية “زينب” التي أدت دورها الممثلة جيهان كيداري بإتقان تحولًا كبيرًا في القصة إذ تظهر زينب كامرأة متزوجة من الصحافي الشهير “المهدي” الذي يؤدي دورًا محوريًا ويختفي. هذا الاختفاء يؤثر على تطور الأحداث بأكملها.
يتأثر هذا التحول إلى حد بعيد في جذب انتباه الجمهور وتحفيزهم لمتابعة الحلقات القادمة وقد نجحت المخرجة في ربط العنوان الغامض “المختفي” بشخصية المهدي المفقودة في الحلقات الأولى.
تستخدم المخرجة زكية الطاهري نمطًا محددًا من الصور حيث تقوم ببناء مدخل في مخيلة المتفرج يتمثل في الإيقاع البسيط الذي يتناغم مع الحوارات بين الشخصيات بالإضافة إلى ترتيب العناصر البصرية داخل الإطار كما تستخدم زوايا التصوير المنخفضة والعالية بشكل متقن مما يضيف أبعادًا جديدة وإثارة إلى السياق البصري للمسلسل.
يعكس هذا النمط من تكوين اللقطات كيف يمكن للسرد أن يتبنى وجهة نظر معينة وينظم الأحداث وفقًا لمتطلبات تشويق الجمهور المغربي وخاصةً عندما يكون ترتيب المشاهد متناغمًا في مجمله، إذ نجحت المخرجة في استخدام اللقطات الرافعة بشكل لافت في الحلقات الأولى حيث أبرزت جمالية المناطق البورجوازية في الدار البيضاء.
ولم تُغفل المخرجة أيضًا تلك اللقطات الكاملة التي تظهر أشكال النساء أثناء الجري مما أضفى جمالًا ورونقًا خاصًا على المشهد وقد برعت في استخدام اللقطات التتبعية ببراعة حيث أحدثت تأثيرًا قويًا في المشاهد التي تظهر فيها زينب وهي تبحث عن زوجها المفقود سواء أثناء زيارتها إلى مركز الشرطة أو في مقر عمله في صحيفة “السر تيفي”.
في المشهد الذي يلي ذلك أي حوار زينب مع مفتش الشرطة الذي جسده الممثل عبدالإله رشيد يشير المسلسل إلى أن هناك تغييرًا قد يحدث وهذا بحد ذاته يثير تفكير المتفرج ويشجعه على تخيل ما قد يحدث بين المفتش وزينب وخاصةً مع وجود دين قديم يربط بينهما ويعزز المسلسل هنا فكرة التغيير كعنصر محفز للأحداث مما يجعل عقل المشاهد يعمل ويستكشف المستقبل المحتمل للشخصيات.
وتستخدم المخرجة طريقة فذة في إضفاء صبغة درامية على هذا الحوار خاصةً في نمط اللقطات التي تركز على لقطة القطع المثيرة في بداية المسلسل الذي يحمل عنوان “المختفي” بين لقطة رد الفعل التي تليها ولقطة الصمت والنظرات التي توحي بالاطمئنان والشك في الوقت ذاته حيث تُخلق جوًا من الإثارة.
وتكرار هذه اللقطة في الحلقات لدى لقاء المفتش بزينب يزيد من تعقيد الصورة في الذهن مما يضيف للمشهد طابعًا غامضًا وجذابًا.
تظهر بين هذين المشهدين مشاهد أخرى تمنح العمل طابعًا كوميديًا حيث يقوم الدكتور “نبيل” الذي جسده الممثل عبدالله ديدان وزوجته فتيحة التي جسدت دورها الممثلة طاهرة بتقديم صورة لزوجين غير متفاهمين ولكن يجمعهما الحب في تناغم خفي يظهر في الغيرة وفي التصرفات الطفولية بينهما سواء في بيتهما أو في مقر عملهما المشترك.
المخرجة تفكك عالمي الأزواج والأصدقاء
ويُظهر التشكيل الداخلي الذي يُصوّر من خلال لقطات متوسطة زمنيًا جوًا من المرح ويجعل تتبع الأحداث ممتعًا وغير ممل، كما يتكرر المشهد بشكل واضح حين يتعلق الأمر بلقطتي غيثة وزوجها اللذين جسدهما الممثلان إيمان المشرافي ويوسف الجندي على التوالي حيث يتسلل الزوج إلى غرفة زوجته عند عودتها من السفر ويفتح حقيبتها ليتجسس على هاتفها وهذا يضفي لمسة كوميدية عفوية تثير العديد من التساؤلات حول هذا السلوك.
يُعتبر المشهد الذي ظهر فيه يوسف الجندي بهذه الطريقة جزءًا من نقطة انعطاف تشكل دروة المسلسل بدءًا من “المختفي” وربما تنتهي بمختفٍ آخر يسافر كثيرًا دون إعلان مسبق وعند عودته يتسلل ليتجسس، ويُظهر هذا المشهد كجزء من سلسلة من الأحداث التي تجعل القصة أكثر تعقيدًا وإثارة.
تأخذ اللقطة وقتًا طويلاً في المشاهد التي ظهرت فيها أم المختفي زبيدة التي جسدت دورها الممثلة ماجدة بنكيران حيث تظهر بشخصية سامة في تصرفاتها ومتحجرة في عقليتها وتكره زوجة ابنها وتتهمها بأنها السبب وراء اختفاء ابنها في النهاية.
يمكن أن تكون هناك أسباب كثيرة وراء هذه الأحداث ولكن الشيء الواضح هو أن المسلسل محبوك دراميًا ولديه إيقاع سلس وأداء شخصيات متناغم بالإضافة إلى مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية تعزز الأجواء.
وقد ارتبطت المشاهد بشكل فعّال معًا من خلال المونتاج التركيبي حيث تم تقديم زينب وزوجها المهدي وابنها آدم بشكل إبداعي ومفاجئ وتم تنسيق ذلك مع صديقاتها فتيحة وغيثة وسهام إذ تُضفي هذه العناصر التنظيمية للمشهد لمسات إبداعية وتنوعًا مما يجعل مشاهدة هذا المسلسل تجربة ممتعة ومثيرة.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
المخرجة زكية الطاهري تقدم تجربة درامية ناجحة.
الجمعة 2023/12/08
رحلة للبحث عن الزوج المختفي
يحمل مسلسل "المختفي" الذي يعرض حاليا على القناة الثانية المغربية الكثير من الإثارة والتشويق المتعلقين بمدى صدق العلاقات الزوجية، وأهمية الصداقة في مواجهة الأزمات الكبرى والمصيرية، وقد نجح العمل بحبكته الدرامية المحكمة في تحقيق نسب مشاهدة عالية.
يخلق مسلسل "المختفي" جوًّا مشوّقًا مليئًا بالغموض حينما تنطلق أربع صديقات في رحلة للبحث عن زوج إحداهن الذي اختفى بصورة مبهمة وينجحن في الكشف عن عالم مظلم يتخذ من الخيانة والادعاءات الكاذبة محورًا له.
العمل من إخراج زكية الطاهري والسيناريو الخاص به من تأليف محمد لميسي ويتألق في الأداء كل من جيهان كيداري وهاجر عدنان وإيمان مشرافي وطاهرة كما يشارك في العمل أيضًا كل من عبدالله ديدان ويوسف الجندي وعبدالإله رشيد وزينب العلمي وماجدة بنكيران.
تنطلق بداية المسلسل بمشهد مشرق يجسد شغف أربع نساء يمارسن رياضة الجري على شاطئ البحر، ويتميز هذا الإطار بتبادل حوارات عفوية حول مواضيع الحب والعلاقات الغرامية ويُسَلَّط الضوء على حديث شخصية “سهام” التي تؤدي دورها الممثلة هاجر عدنان والتي تجسد فتاة خرقاء تقع ضحية للنصب في علاقاتها المؤقتة مع الرجال.
وفي سياق آخر يُظهر المسلسل حوارات أخرى خلال استراحة الفتيات الأربع في مقهى قريب من البحر ويتحدثن في هذه اللحظة عن حفل خيري لجمع تبرعات ويتناولن علاقاتهن مع أزواجهن وهنا تبدأ القصة في التطور الدرامي حيث يتسارع الإيقاع بسلاسة مع تقدم المشاهد كاشفًا تدريجيًا عن خيوط الحكاية.
المخرجة تستخدم نمطًا محددًا من الصور حيث تقوم ببناء مدخل في مخيلة المتفرج يتمثل في الإيقاع البسيط
تشهد شخصية “زينب” التي أدت دورها الممثلة جيهان كيداري بإتقان تحولًا كبيرًا في القصة إذ تظهر زينب كامرأة متزوجة من الصحافي الشهير “المهدي” الذي يؤدي دورًا محوريًا ويختفي. هذا الاختفاء يؤثر على تطور الأحداث بأكملها.
يتأثر هذا التحول إلى حد بعيد في جذب انتباه الجمهور وتحفيزهم لمتابعة الحلقات القادمة وقد نجحت المخرجة في ربط العنوان الغامض “المختفي” بشخصية المهدي المفقودة في الحلقات الأولى.
تستخدم المخرجة زكية الطاهري نمطًا محددًا من الصور حيث تقوم ببناء مدخل في مخيلة المتفرج يتمثل في الإيقاع البسيط الذي يتناغم مع الحوارات بين الشخصيات بالإضافة إلى ترتيب العناصر البصرية داخل الإطار كما تستخدم زوايا التصوير المنخفضة والعالية بشكل متقن مما يضيف أبعادًا جديدة وإثارة إلى السياق البصري للمسلسل.
يعكس هذا النمط من تكوين اللقطات كيف يمكن للسرد أن يتبنى وجهة نظر معينة وينظم الأحداث وفقًا لمتطلبات تشويق الجمهور المغربي وخاصةً عندما يكون ترتيب المشاهد متناغمًا في مجمله، إذ نجحت المخرجة في استخدام اللقطات الرافعة بشكل لافت في الحلقات الأولى حيث أبرزت جمالية المناطق البورجوازية في الدار البيضاء.
ولم تُغفل المخرجة أيضًا تلك اللقطات الكاملة التي تظهر أشكال النساء أثناء الجري مما أضفى جمالًا ورونقًا خاصًا على المشهد وقد برعت في استخدام اللقطات التتبعية ببراعة حيث أحدثت تأثيرًا قويًا في المشاهد التي تظهر فيها زينب وهي تبحث عن زوجها المفقود سواء أثناء زيارتها إلى مركز الشرطة أو في مقر عمله في صحيفة “السر تيفي”.
في المشهد الذي يلي ذلك أي حوار زينب مع مفتش الشرطة الذي جسده الممثل عبدالإله رشيد يشير المسلسل إلى أن هناك تغييرًا قد يحدث وهذا بحد ذاته يثير تفكير المتفرج ويشجعه على تخيل ما قد يحدث بين المفتش وزينب وخاصةً مع وجود دين قديم يربط بينهما ويعزز المسلسل هنا فكرة التغيير كعنصر محفز للأحداث مما يجعل عقل المشاهد يعمل ويستكشف المستقبل المحتمل للشخصيات.
وتستخدم المخرجة طريقة فذة في إضفاء صبغة درامية على هذا الحوار خاصةً في نمط اللقطات التي تركز على لقطة القطع المثيرة في بداية المسلسل الذي يحمل عنوان “المختفي” بين لقطة رد الفعل التي تليها ولقطة الصمت والنظرات التي توحي بالاطمئنان والشك في الوقت ذاته حيث تُخلق جوًا من الإثارة.
وتكرار هذه اللقطة في الحلقات لدى لقاء المفتش بزينب يزيد من تعقيد الصورة في الذهن مما يضيف للمشهد طابعًا غامضًا وجذابًا.
تظهر بين هذين المشهدين مشاهد أخرى تمنح العمل طابعًا كوميديًا حيث يقوم الدكتور “نبيل” الذي جسده الممثل عبدالله ديدان وزوجته فتيحة التي جسدت دورها الممثلة طاهرة بتقديم صورة لزوجين غير متفاهمين ولكن يجمعهما الحب في تناغم خفي يظهر في الغيرة وفي التصرفات الطفولية بينهما سواء في بيتهما أو في مقر عملهما المشترك.
المخرجة تفكك عالمي الأزواج والأصدقاء
ويُظهر التشكيل الداخلي الذي يُصوّر من خلال لقطات متوسطة زمنيًا جوًا من المرح ويجعل تتبع الأحداث ممتعًا وغير ممل، كما يتكرر المشهد بشكل واضح حين يتعلق الأمر بلقطتي غيثة وزوجها اللذين جسدهما الممثلان إيمان المشرافي ويوسف الجندي على التوالي حيث يتسلل الزوج إلى غرفة زوجته عند عودتها من السفر ويفتح حقيبتها ليتجسس على هاتفها وهذا يضفي لمسة كوميدية عفوية تثير العديد من التساؤلات حول هذا السلوك.
يُعتبر المشهد الذي ظهر فيه يوسف الجندي بهذه الطريقة جزءًا من نقطة انعطاف تشكل دروة المسلسل بدءًا من “المختفي” وربما تنتهي بمختفٍ آخر يسافر كثيرًا دون إعلان مسبق وعند عودته يتسلل ليتجسس، ويُظهر هذا المشهد كجزء من سلسلة من الأحداث التي تجعل القصة أكثر تعقيدًا وإثارة.
تأخذ اللقطة وقتًا طويلاً في المشاهد التي ظهرت فيها أم المختفي زبيدة التي جسدت دورها الممثلة ماجدة بنكيران حيث تظهر بشخصية سامة في تصرفاتها ومتحجرة في عقليتها وتكره زوجة ابنها وتتهمها بأنها السبب وراء اختفاء ابنها في النهاية.
يمكن أن تكون هناك أسباب كثيرة وراء هذه الأحداث ولكن الشيء الواضح هو أن المسلسل محبوك دراميًا ولديه إيقاع سلس وأداء شخصيات متناغم بالإضافة إلى مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية تعزز الأجواء.
وقد ارتبطت المشاهد بشكل فعّال معًا من خلال المونتاج التركيبي حيث تم تقديم زينب وزوجها المهدي وابنها آدم بشكل إبداعي ومفاجئ وتم تنسيق ذلك مع صديقاتها فتيحة وغيثة وسهام إذ تُضفي هذه العناصر التنظيمية للمشهد لمسات إبداعية وتنوعًا مما يجعل مشاهدة هذا المسلسل تجربة ممتعة ومثيرة.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي