المؤرخ تامر الزغاري - Regent Tamer Zghari
أمس الساعة ٦:٥٤ م ·
ذكرى شنق طومان باي آخر سلطان مملوكي
شهد عدوه بشجاعته لتكون نهاية المماليك وتحول مصر لولاية عثمانية بعد أن كانت دولة مركزية.
حيث في مثل هذا اليوم
تم شنق السلطان الأشرف أبو النصر طومان باي آخر سلطان مملوكي
وذلك في 23 ربيع الأول 923 هجري
الموافق في تاريخ 1517/04/15 م
-
-
تولي الحكم
-
-
بعد مقتل عمه السلطان قانصوه الغوري على يد العثمانيين في معركة مرج دابق في 1516/09/03م، أجمع الأمراء على اختياره سلطاناً لمصر، ولكن طومان باي رفض منصب السلطنة.
-
فأصبح خطباء المساجد يخطبون بالسلطنة بإسم الخليفة العباسي السابق يعقوب المستمسك لمدة 50 يوما، إلى أن تدخل الشيخ أبي السعود الجارحي فأقنع طومان باي، وأحضر الشيخ مصحفا وحلف الأمراء بانهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يغدرون به، وسوف يرضون بقوله وفعله، فتولى الحكم في 1516/10/23م وقام الخليفة العباسي السابق يعقوب المستمسك بمراسيم التولية بصفته صاحب الأمر خلال ال50 يوما، وكذلك بسبب غياب إبنه الخليفة العباسي محمد المتوكل نتيجة تواجده في حلب ببلاد الشام التي سيطر عليها السلطان سليم.
-
قال إبن إياس: نودي باسمه في القاهرة وارتفعت الأصوات بالدعاء له، وخُطب باسمه على منابر مصر والقاهرة بعد أن ظل الخطباء يخطبون باسم الخليفة العباسي خمسين يوما وكان ذلك في شهر رمضان سنة 922 هجري
-
-
الإستعداد لمواجهة العثمانيين
-
-
كان المماليك يعانون من الخوف نتيجة الهزيمة في مرج دابق قبل شهور قليلة، حيث رفضوا إقتراح طومان باي بالذهاب إلى العريش لملاقاة العثمانيين هناك، وفضلوا البقاء في الريدانية قرب القاهرة والإتكال على دفاعاتها.
وقام طومان باي بجلب 200 مدفع ووضعها في الريدانية والهدف منها هو مباغتة العثمانيين عند مرورهم والانقضاض عليهم وحُفرت الخنادق وأقيمت الدشم لمئة مدفع وكذلك الحواجز المضادة للخيول، ولكن جان بردي الغزالي نائب طومان باي كان متعاونا مع العثمانيين وأرسل لهم الخطة الدفاعية، فقام السلطان سليم بالإلتفاف حول جبل المقطم وهاجم جيش المماليك من الخلف.
-
-
معركة الريدانية
-
-
تلاقى الجيشان في الريدانية وذلك في 29 ذي الحجة 922 هجري الموافق في تاريخ 1517/01/22 م، وكان عدد الجيش العثماني 150000 مقابل 90000 من الجيش المملوكي، فكان بين الجيشين معركة مهولة تفوق المماليك في البداية ثم تفوق العثمانيين، وأمام التفوق العثماني، قرر طومان باي بنفسه أن ينفذ عملية فدائية بأن يهاجم خيمة السلطان سليم ويقتله لكي يدمر معنويات العثمانيين، وفعلا نجح في الوصول للخيمة، وقبض على سنان باشا الصدر الأعظم العثماني وقتله بيده ظناً منه أنه سليم.
واستمرت المعركة وزاد التفوق العثماني بسبب كثافة استخدام المدافع وقتل من جيش المماليك حوالي 25000 مقاتل مقابل 9000 من العثمانيين.
وبعد حوالي 8 ساعات من بداية المعركة فر طومان باي وانتصر العثمانيين ودخلوا القاهرة.
-
-
مقاومته في داخل القاهرة
-
-
في ليلة الأربعاء 5 محرم 923 هـ الموافق 28 يناير 1517 م اجتمع طومان باي بنحو سبعة آلاف فارس وصارت بينهم وبين العثمانيين معارك في شوارع القاهرة، كما شاركه العربان وهاجموا مخيمات العثمانيين بالريدانية، واستمر القتال من الفجر إلى بعد المغرب وصار المماليك يقطعون رأس من يظفرون به من العثمانيين ويحضرونها بين يدي طومان باي. واشتد القتال يوم الخميس من بولاق إلى الناصرية، واستجمع العثمانيون قواهم وأجلوا قوات المقاومة فتحصن طومان باي بحي الصليبة، واتخذ من جامع شيخون مركزًا للمقاومة وحفر الخنادق، وأقام تحصينات في المنطقة عند رأس الصليبة وقناطر السباع ورأس الرميلة وجامع ابن طولون.
وما أن استجمع العثمانيون قواهم حتى تسلل المماليك وقالوا: "من يقابل هذه النار المهلكة"، وبقي طومان باي والمخلصون له ثم اضطر إلى الانسحاب إلى بركة الحبش ثم عبر النيل إلى الضفة الغربية بالجيزة.
-
وما أن أعاد العثمانيون سيطرتهم على القاهرة حتى استباحوها فكانت مجازر بشرية يصفها ابن إياس "بالمصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، فقتلوا جماعة كثيرة من العوام وفيها صغار وشيوخ لا ذنب لهم، وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام، ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، فصارت جثثهم مرمية في الطرقات، فكان مقدار من قتل في هذه الواقعة فوق العشرة آلاف إنسان في عدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله لفني أهل مصر قاطبة بالسيف". وهجم العثمانيون على زاوية الشيخ عماد الدين بالناصرية، ونهبوا ما فيها من قناديل وحصر، وأحرقوا البيوت من حولها، كما نهبوا محتويات مسجد السيدة نفيسة، أما جامع شيخون مركز المقاومة فقد أحرقه العثمانيون فاحترق سقف إيوانه الكبير، وقبضوا على نحو ثمانمائة من المماليك وضربوا أعناقهم.
-
-
إنتصاره في موقعة أطفيح
-
-
جمع طومان باي نحو ألفين من فرسان المماليك وسبعة آلاف من العربان بالقرب من أطفيح، والتقوا بالعثمانيين جنوبي الجيزة في معركة كبيرة استطاع خلالها الأمير شادي بك من الاستيلاء على مراكب العثمانيين في النيل، وطوق الجنود العثمانيين من الخلف وحصرهم بينه وبين طومان باي، وأبادوا القوة العثمانية عن آخرها فلم يبق منها سوى قائد الانكشارية إياس أغا وأبو حمزة أحد أمراء المماليك الخائنين
-
-
إنتصار المماليك ثم هزيمتهم
-
-
التقى الجيش العثماني بالأمير شادي بك نائب طومان باي ومعه ألفين من خيرة فرسان المماليك والعربان، وعلى الرغم من عدم التكافؤ في الأعداد إلا أن العثمانيين تراجعوا منهزمين رغم كثرة القتلى من صفوف شادي بك ويصف ابن زنبل نهاية المعركة بقوله: "فلم يكن إلا شيء قليل حتى انطفت جمرة الروم وخمدت، وكلت حركاتهم وجمدت، ورد جموعهم الأمير شار بك قهرا وزجرا بحد سيفه". فغضب السلطان سليم وقال: "ما كنت أظن أن أقاسي من أحد مثل ما قاسيت في يومي هذا، ولا كنت قول إني بهذه العشرة آلاف فارس وراجل التي هي خيار قومي ويتبعها أكثر من عشرين ألفا ألفى هذا الأعور (يقصد شادي بك) الذي هو في أقل من خمسمائة فارس ما لقيت منه ويفني أكثر عسكري".
-
قسم العثمانيون قواتهم إلى أربع فرق: الأولى بقيادة السلطان سليم، والثانية بقياد الغزالي، والثالثة بقيادة يونس باشا، والرابعة بقيادة إياس باشا قائد الانكشارية ويعاونهم عرب الغزالة على أن يطبقوا على قوات طومان باي من جميع الجهات. فهزموا المماليك ومن معهم وأعملوا فيهم القتل.
-
-
القبض على طومان باي وإعدامه
-
-
بعد الهزيمة لجأ طومان باي إلى حسن بن مرعي وابن عمه الذين أقسموا له على الولاء. إلا أن حسن بن مرعي خانه فدل عليه فقبض العثمانيون عليه وحملوه في الأصفاد إلى معسكر السلطان سليم بإمبابة، ودار بينهما حوار أشاد به ابن زنبل، حيث خاطب طومان باي السلطان سليم بكلام خال من اللياقة، قائلا له أنه لم ينتصر على المماليك بشجاعته، وإنما انتصر بمدافعه وبنادقه، فأُعجب السلطان سليم به وقال لجلسائه: "والله مثل هذا الرجل لا يُقتل ولكن أخروه في الترسيم حتى ننظر في أمره" وأراد أن يأخذه معه إلى إسطنبول، ولكن خاير بك والغزالي الذين خانوا وانضموا للعثمانيين أقنعوا سليم بوجوب إعدام طومان باى.
-
وفي يوم الأربعاء 23 ربيع الأول سنة 923 هـ الموافق 15 إبريل 1517 م أمر السلطان سليم بأن يعبروا بطومان باي إلى القاهرة، فعبروا به إلى بولاق وشقوا به القاهرة حتى وصلوا إلى باب زويلة، ورأي الحبال فعلم أنه مشنوق فتشهد وقرأ الفاتحة ثلاثا، وشُنق أمام الناس، وضج الناس عليه بالبكاء والعويل، وبقي مصلوبا ثلاثة أيام ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري.
*** المصادر:
1) بدائع الزهور في وقائع الدهور، ابن إياس
2) بلوغ القرى في ذيل إتحاف الورى بأخبار أم القرى، عبد العزيز بن فهد المكي.
3) انفصال دولة الأوان واتصال دولة بني عثمان، ابن زنبل
4) تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر، عمر الإسكندراني
5) تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا
*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري