تويت
آي وي وي وأحجار الليغو: تفكيك الماضي والحاضر
برلين – ضفة ثالثة 9 نوفمبر 2023
تشكيل
من أعمال آي وي وي
شارك هذا المقال
حجم الخط
يستضيف معرض Neugerriemschneider في العاصمة الألمانية برلين معرضًا فرديًا، هو الخامس له في برلين طوال مسيرته الفنيّة، للفنان الصيني المعاصر المعروف آي وي وي (66 عامًا). وقد جاء المعرضُ بعنوان "اعرف نفسك"، وضمّ أعمالًا جديدة تُعرَض للمرة الأولى لهذا الفنان الصيني. بدا جوُّ الأعمال الجديدة استكمالًا لسلسلة لا تزال مستمرّة يقوم فيها آي وي وي بصياغة وإعادة رسم أعمال تاريخيّة مشهورة وقطع فنية معاصرة، من خلال تفكيكها وإعادة تركيبها باستخدام أحجار الليغو. باستخدام هذه التقنية المسليّة والذكيّة، والمليئة بالمرح والخفة، يعيد آي وي وي إنتاج أعمال أوروبيّة كثيرة من أجيال فنيّة مختلفة وبلدانٍ متنوعة، وهدفه واضح: تحليلٍ نقديّ للشريعة الثقافيّة الغربيّة.
تقنيّة استخدام أحجار الليغو جزءٌ أساسي من مشروع هذا الفنان. فعلى مدار حياته الفنيّة، استخدم هذه التقنية مرارًا وتكرارًا. الفكرة الفلسفيّة وراء هذا الخيار الفني هي ضرورة التشكيك بمعايير الإنتاج الفني والتكوين الثقافي، من خلال العمل اليدوي على مئات الآلاف من قطع أحجار الليغو الصغيرة. تدريجيًا، ومن خلال العمل، يقومُ آي وي وي بالتحقق من الإمكانات التمثيليّة والطاقة المفاهيميّة لهذه الوسيلة، وذلك من أجل تطوير نِسخٍ طبق الأصل من الأعمال الفنيّة المشهورة. هذه التقنية في العمل متأثّرة بتراث الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب، وهو استخدام مواد مهملة منتجة بكميات كبيرة وتكييف عناصرها في سياق الفنان السياسي والاجتماعي والشخصي. كل حجرة ليغو هي "بيكسل"، والـ"بيكسل" هو الوحدة الأولى التي تتكوَّن منها الصور الرقمية التي توزّع يوميًا في جميع أنحاء العالم.
| "دمج عمل دافنشي القديم مع عمل وارهول المعاصر هو استراتيجية من آي وي وي لتحديد التشابكات بين الأعمال التاريخية والمشهد المعاصر" |
من الأعمال المذهلة أيضًا، ما فعله آي وي وي بلوحة "زنابق الماء" للفنان الفرنسي كلود مونيه (1840- 1926)، والتي رسمها في النصف الأول من القرن العشرين من مشاهد مباشرة لحديقته الشخصية الخلابة. بعرضٍ يزيد عن 15 مترًا، صنع آي وي وي اللوحة نفسها من أحجار الليغو على ثلاثة جدران، الأمر الذي يخلقُ تأثيرًا تأمليًا من ناحية، ويسلط الضوء على التفاصيل الدقيقة للوحة من ناحية أخرى. قام الفنان الصيني بتغيير لوني في بعض الأماكن باللوحة كي يشير إلى سيرته الذاتية، إذْ رسم بأحجار الليغو حقلًا مظلمًا فيه مدخل المسكن تحت الأرض الذي عاش فيه لما كان طفلًا مع والده الشاعر آي تشينغ. بعد ذلك، تم تدمير البيت ودفنه، ونفي والده من الصين لأسباب سياسيّة في أواخر الخمسينيات.
وأخيرًا، العمل الأكثر أهمية في المعرض هو "نورد ستريم"، والذي يبتعد فيه الفنان الصيني عن الأعمال التاريخيّة المكرّسة، ويلتفت قليلًا إلى بعض الصور الإخباريّة المعاصرة. الصورة المأخوذة هي من تفجير أنبوب "نورد ستريم 2" بين السويد والدنمارك بعد بدء الحرب الأوكرانيّة. التفجير أدى إلى تشكّل بقعة بيضاء داخل زرقة البحر. البحر الذي كان مرتعًا للتوتر لعقود من العلاقات السياسية الساخنة. العمل يشير بشكل أساسي إلى التزام الفنان الصيني السياسي الطويل الأمد بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانشغاله بقضية الهجرة إلى أوروبا وطرق الموت عبر البحر التي يسلكها اللاجئون. ويتساءل في العمل، ما المهم أكثر، تأمين الموارد أم رأس المال، أم ببساطة، وقبل كل شيء: حياة الإنسان؟