"صوت وصورة": دراما تواجه الواقع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "صوت وصورة": دراما تواجه الواقع


    "صوت وصورة": دراما تواجه الواقع
    سميرة المسالمة 26 نوفمبر 2023
    سينما
    حنان مطاوع في لقطة من مسلسل "صوت وصورة"
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    تقترب الدراما التلفزيونية أكثر وأكثر من قضايا مهمة، سواء كانت تعالج قصصًا اجتماعية، أو عاطفية، أو سياسية، أو نسوية، أو حتى تاريخية، وهي تتكئ على منتجات التكنولوجيا الحديثة، وتستخدم فوائد الذكاء الاصطناعي، وسرعة انتشار الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت ذاته تحذرنا بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، من مقدرة كل ذلك في صناعة الحدث، أو تكذيبه، سواء اعتمد في أساسه على شيء من الحقيقة، أو بنى الأمر على تخيل ما يشبه الواقع ليحيك قصة خارجه، وضمن وقائع تعتمد على معطيات منطقية، تجعل كثيرًا من القصص أقرب إلى أنها الحق المطلق، على الرغم من أنها مجرد خدعة كاذبة، ما يضعنا أمام مسؤولية التروي في إطلاق الأحكام حتى عندما نكون أمام حكاية بالصوت والصورة.
    انتهى مؤخرًا عرض المسلسل المصري "صوت وصورة"، للكاتب المصري محمد سليمان، والمخرج محمود عبد التواب. وعلى الرغم من أنه لم يقدم في موسم الدراما الرمضاني المزدحم، فإنه استطاع أن يعيد المشاهد في أمسيات هذا الشتاء إلى شاشته الصغيرة. وعبر ثلاثين حلقة، قدم المسلسل بيئة مصرية يعيشها المواطن المصري، والعربي في كل مكان، ليس فيها قصور الأثرياء، ولا يرتدي أبطالها ملابسهم من أفخر دور الأزياء، كانوا بسطاء يبحثون عن لقمة العيش، ويعيشون يومياتنا، أو نعيش نحن يومياتهم، يرتكبون أخطاءنا، ويأخذون المخاطر ذاتها في خياراتهم. باختصار، استطاع المسلسل أن يختطفنا لبعض الوقت من صور الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة، إلى صورة مجتمع ما بعد الذكاء الاصطناعي، ومخاطره على حياتنا الأسرية والمجتمعية عمومًا.
    كما استطاعت بطلة المسلسل، الفنانة حنان مطاوع، أن تقدم نفسها كأي فتاة تعيش في بيئاتنا الشرقية، وتنتمي إلى وسط مكافح بكل ما فيه من حسنات وسيئات، وهي التي تدور حكاية المسلسل عن قصتها خلال مسعاها في مساعدة زوجها في سداد ديونه، من خلال عملها في إحدى عيادات التجميل، وتعرضها للتحرش من قبل الطبيب، ووقوعها أمام خيارات الصمت، أو البحث عن حقها في الدفاع عن نفسها، وعن فرصة أي امرأة بأن تكون قادرة على الوقوف في وجه الشخص المتحرش، أو المغتصب، من دون خوف من اتهامات مجتمعية لها، ثم تتتالى أحداث المسلسل وصولًا إلى جريمة قتل الطبيب، واتهام البطلة بها، ثم تعدد المشتبه بهم، صعودًا لتأخذنا الحكاية إلى قضايا نسوية مهمة تباعًا، من النظرة المجتمعية التي تدين المرأة التي تواجه المتحرش، بديلًا عن صمتها المطلوب "سترة" لها، إلى قضية الطلاق التعسفي، ومن ثم قضية حضانة الأطفال، وطمع الأهل بمال المرأة، ومخاطر الجري وراء الشهرة، أو ما سمي "الترند"، وكل ذلك يعالج على مستويين، القانون والرأي العام عبر (السوشيال ميديا) التي يديرها الذكاء الاصطناعي، ويظهر كأحد أبطال المسلسل في اتجاهين أحدهما سلبي، وآخر إيجابي.
    "استطاعت بطلة المسلسل، الفنانة حنان مطاوع، أن تقدم نفسها كأي فتاة تعيش في بيئاتنا الشرقية، وتنتمي إلى وسط مكافح بكل ما فيه من حسنات وسيئات"

    ففي الحضور الإيجابي للذكاء الاصطناعي، والتعويل عليه لصناعة رأي عام تجاه قضايا مجتمعية تحتاج إلى تفعيل قوانين تناصرها، برز ذلك من خلال القدرة على انتزاع التعاطف مع القضية، وإفساح المجال لحضور أكثر من رأي، بعد تجييش باتجاه واحد، كان لمصلحة من يملك المال والقدرة على شراء أدوات التكنولوجيا والعاملين فيها. أي أن ما يمكن أن يكون إيجابيًا هو ذاته يمكن استخدامه بشكل سلبي، والمتمثل بقدرة المتحكمين به على صناعة الصوت والصورة التي تخدم مصالحهم، حتى عندما تكون مخالفة للحقيقة، وتضرب عرض الحائط بالقيم المجتمعية وحقوق الإنسان، وهو ما قدمه المسلسل من خلال صناعة الرأي المأجور، وقدرته على تشويه صورة البطلة، واصطناع ما يدلل على سوء سمعتها بالصوت والصورة، ونشر أخبار كاذبة عنها.
    التكنولوجيا اليوم بإرادتنا، أو بغيرها، دخلت إلى تفاصيل حياتنا، وصارت قادرة على توجيه مجرياتها، وهي بالقدر الذي تخدمنا به، يمكنها أن تأخذنا إلى هاوية لا نستطيع الخروج منها، فإذا كان المسلسل أنتج نموذجا أخلاقيًا جسده أحد أبطال المسلسل، الفنان صدقي صخر، بدور المحامي النزيه، وأنقذ البطلة مما أخذها إليه الذكاء الاصطناعي وأدلة الاتهامات، فإن حياة النساء في مجتمعاتنا قد لا تملك مثل هذه الشخصيات الأخلاقية، وهذا ما يجعل التنويه إلى أهمية ما طرحه المسلسل (بعيدًا عن نهايته المثالية)، وهو خطر الذكاء الاصطناعي على حياة النساء في مجتمعات لا تزال تهزها صورة امرأة على مواقع التواصل الاجتماعي، فكيف إذا استخدم الذكاء الاصطناعي كأحد أسلحة تهديد حياتها، فهو لم يعد قادرًا على تزوير صورتها فحسب، بل على صناعة قصة كاملة بالصوت والصورة، مع تفاصيل جسدها وألوان ملابسها الخارجية منها والداخلية.
    التزوير الذي يتقنه الذكاء الاصطناعي أحد أبطال مسلسل صوت وصورة (غير البشري)، والقادر على تشويه الحقائق أو كشفها، هو ذاته الذي تستخدمه الحكومات لتوجيه الرأي العام في بلادها، وربما في السياق ذاته، هو ما رأيناه عن قرب من استخدامات السياسة الإسرائيلية للصوت والصورة المزورة لاستمالة الرأي العام الغربي، وتجييشه ضد القضية الفلسطينية، والتعتيم على مجريات الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على غزة، وفي المقابل يمكن القول: إن قدرة التكنولوجيا على النقل المباشر للأحداث في غزة، كانت هي الوجه الإيجابي لهذا الذكاء الذي قدم الحقائق بالصوت والصورة، وفند ادعاءات إسرائيل حول رواياتها الكاذبة عن الحرب، وهو ما كسر حاجز الصمت الشعبي في الغرب، وفجر مظاهرات شعبية كبرى ضد السياسات الإسرائيلية وحربها العدوانية على غزة.


    *كاتبة سورية.
يعمل...
X