"الحيوان" وصناعة الترفيه في مهرجان سالونيك السينمائي الدولي
سالونيك ــ ندى الأزهري 20 نوفمبر 2023
سينما
عرض المهرجان 270 فيلمًا هذا العام (2/11/2023/فرانس برس)
شارك هذا المقال
حجم الخط
"لقاء الجيران" عنوان مسابقة سينمائية محبّب. نقع عليه في مهرجان سالونيك السينمائي الدولي، وهو واحد من أقدم المهرجانات في أوروبا. وحين يضاف إلى العنوان "+" فهذا لأن المنطقة التي يغطيها توسعت هذا العام لتشمل جميع بلدان الجنوب الشرقي البالغ عددها 36 دولة من أوروبا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، بهدف تحديد وإبراز التيارات السينمائية الفنية والاجتماعية والقضايا الجيوسياسية مع صانعي أفلام من أكثر الأصوات ريادة وابتكارًا وإبداعًا. يُنتظر من هؤلاء نظرة ثاقبة للحياة والأشخاص في المنطقة، وأخرى أوسع على أحوال العالم من خلال رؤية ذاتية وعدسة فنية مبتكرة.
لكن المهرجان المهتم بالجار، يبدي اهتمامًا واضحًا بالسينما المحلية أيضًا، ويُعنى بها عناية خاصة. يتبدى هذا الأمر في دعم طويل الأمد، وبرمجة واسعة أكثر فأكثر لأفلامها، سواء كانت معاصرة، أو مستعادة، وتقديم دعم لها ولصانعي الأفلام اليونانيين من خلال سلسلة إجراءات دعم مادي ومبادرات ترويجية وأقسام مخصصة لها (المهرجان مدعوم من وزارة الثقافة، ومن محافظة مقدونيا، وبلدية المدينة، وشركات خاصة كثيرة). في دورته الرابعة والستين هذه (2 ـ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023)، تمّ عرض 35 فيلمًا يونانيًا روائيًا طويلًا، و22 قصيرًا، ومن الطويلة كان هنالك 23 فيلمًا في عرض أول، ثلاثة منها في المسابقة الدولية الرسمية، وثلاثة في "لقاء الجيران+".
في كلّ مهرجان يصعب أحيانًا تحديد خيارات المشاهدة أمام كمّ كبير لأفلام وأقسام (24). كان هنالك ميل هذا العام لمشاهدة عدد أكبر من المعتاد من السينما اليونانية، لا سيما بعض ما شارك منها في المسابقتين الأهم، أي الدولية، و"لقاء الجيران+".
كانت سمعة فيلم "الحيوان" لصوفيا إكسارتشو قد سبقته بعد عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السويسري في دورته الـ 76 لهذا العام، وفوز بطلته ديميترا فلاغكوبولوس بجائزة التمثيل. في مهرجان سالونيك، شارك هذا الفيلم اليوناني كذلك في المسابقة الدولية، وفازت بطلته من جديد بأفضل أداء، كما حصل الفيلم نفسه على جائزة الإسكندر الذهبي المعنوية والمادية والمسماة على اسم المخرج اليوناني الشهير "تيو أنجلوبولس". الفيلم كان مغامرة هائلة كما أعلنت منتجته ماريا درانداك بعد الفوز، مرت بمراحل من صعود وهبوط "لا يُصدق"، وحاول عدد من "الأشرار" إيقافه بحسب تعبيرها، لكن كثيرًا من الخير رافقه مع فريق العمل.
يصوّر فيلم "الحيوان" (2023) ما وراء الكواليس في جزيرة يونانية في فصل الصيف، حيث السياحة على أشدّها، وحيث محاولات الترفيه عن الباحثين عن التسلية هي همّ إدارات الفنادق. في الفيلم فريق مُعدٌّ لهذا النوع من النشاطات، عليه أن يكون جاهزًا ومستعدًا لتقديم المتعة للآخرين مهما شاب حياته من مشاكل ومآس، ومهما بلغت سخافة البرامج التي عليه تقديمها، ومهما صعب تحضيرها. عليه التأقلم مع المطلوب والخضوع، وإلا كان مصير أفراده الطرد والبطالة. إنهم نوع من الفنانين غير المرئيين عليهم التعايش مع بعض أيضًا، ما يجعلهم يبحثون في الفريق أحيانًا عن عائلة حرموا منها، أو عن حبّ لا يصادفونه بسهولة، وإن صادفهم فسيكون معه أحزان كثيرة وآلام.
في أحد فنادق الجزر اليونانية، تلك التي توفر إقامة شاملة لروّادها تتضمن برامج لهوٍ، يستعد فريق تحت أشعة شمس لاهبة لتنظيم اليوم وحفل السهرة لتسلية السياح. يتابع الفيلم هؤلاء الذين ينحصر دورهم في تنشيط هذه الآلة السياحية، وإرضاء السائحين الذين تقتصر عطلتهم على إقامة كسولة لاهية في الفندق. يوميًا، على هؤلاء العاملين في الفرقة ارتداء الملابس الزاهية اللامعة، ولعب الأدوار نفسها، والظهور بالابتسامة نفسها، وإبداء الطاقة نفسها، والصعود عند المساء على مسرح الفندق في الهواء الطلق أمام الزبائن، يرقصون ويغنون ويرددون خلف رئيستهم الشابة كاليا (ديميترا فلاغكوبولوس) أغاني ديسكو شائعة، لا سيما الأغنية الشهيرة "نعم يا سيدي، أنا أستطيع الرقص" (أغنية اشتهرت في السبعينيات في جميع أنحاء العالم)، ويُنهكون أنفسهم في قفز فعَّال وأداء محمّس للساهرين. يشكّلون رقصتهم مع ابتسامتهم الدائمة بعيدًا من أحساسيهم الداخلية، أحيانًا تتجلى تلك في حزن عميق يطلّ من عيني كاليا على الأخصّ. مع تقدم السرد، وإظهار ضغط العمل اليومي على الفرقة، يكشف الفيلم مدى خضوع أفرادها لهذا النظام السياحي المستعبِد. إن النظام نفسه هو محطّ اهتمامه، فهو لا يهتم حقًا في إظهار المجموعات السياحية خارج إطار السهرات، يبقى هؤلاء كأشباح متراقصة في عمق المشهد لا يبدي شيئًا من شخصياتهم، كما لا يهتم الفيلم بما يمكن أن ينشأ من خلاف بين رؤساء (الإدارة) ومرؤوسين (الفرقة). إنه يتعمد التركيز على النظام الرأسمالي الذي خلق هذه الآلة، هذا النوع من السياحة، والذي يشجع عليه بكل الوسائل. يجعل الفيلم النظام بطله. يبدي ما يفعله من خلال المنشطين، بالظروف الصعبة التي يعملون فيها، كاليا على وجه الخصوص التي مع تكرارها الأغنية كل ليلة، وما يصاحبها من رقص مجنون، وبعض مداعبات ونظرات شهوانية لا بدّ منها من الحاضرين، تجد ملجأها في الجنس. إنه لحظات متعتها الوحيدة والقصيرة جدًا، كأنها في ممارسة جنس سريع تجد لذة وقتية، تستفيق بعدها لمواجهة واقعها اليومي الخالي من عواطف حقيقية. تحاول التعويض عن ذلك من خلال حمايتها وتدريبها لإيفا القادمة من بولندا، والتي تبحث عن دخل ومأوى وعائلة. مثلها في ذلك مثل بقية أعضاء الفرقة الذي يجدون في تعاطفهم مع بعضهم وسيلة وحيدة للاستمرار في العمل في آلة تسحق إنسانيتهم.
تصوّر المخرجة أجواء السياحة الليلية بضجيجها وبأضوائها البراقة وزينتها، وتستخدم الموسيقى والضوء، في تكرار يثير إحساسًا بكآبة وعتمة. إنها السياحة في ظلّ الرأسمالية، وهي كما تقول، حجر الأساس في الاقتصاد اليوناني. شهدت آلياتها في الجزر خاصة، وأرادت عبر الفيلم اكتشاف صناعة الترفيه، وكيف أن هذا المفهوم مهمّ جدًا في الرأسمالية، فكيف تستطيع أن ترفّه عن أناس كل الوقت؟
أفلام أخرى في المسابقة الدولية ومسابقة لقاء الجيران+
كان "سائق التاكسي الأخير" لستيرجيوس باشوسن الفيلم اليوناني الثاني المعروض في المسابقة الدولية. فاز عنه الممثل كوستاس كورونيوس بجائزة أفضل تمثيل، حيث جسد دور رجل كهل كان درس الأدب وأحبه، إلا أنه لم يتمكن من الارتقاء إلى مستوى توقعات حياته، لذلك يضطر للعمل كسائق ليلي لسيارة أجرة. يعيش حياة منتظمة مع زوجته وابنه المراهق، إلى أن يشهد انتحار أحد العملاء. يُظهر هذا الحدث مشاعره المكبوتة ويغرقه في هوس جنسي. يروي الفيلم بغرابة وتطويل وطرافة قصة حب من طرف واحد لهذا السائق المثقف العجوز مع شابة. ويغوص في تقلب المشاعر والنزوات غير المتوقعة مبرزًا تحولات الإنسان أمام حدث غير متوقع، الحب مثلًا!
ضراوة الحبّ، ليس الأخير كما مع سائق التاكسي، وإنما هنا الأول، نقع عليها في الفيلم اليوناني الثالث المشارك في المسابقة الدولية، وهو "الوسيط"، للمخرجة كريستينا لواكييميدي. تصل الشابة يفتيريا (16 عامًا) العاصمة أثينا لمساعدة أختها الحامل، لكن لقاءها بالجار الغامض أنجيلوس يقلب حياتها ومفاهيمها. يدعوها الشاب إلى عالم البالغين. وتتجول معه على دراجته النارية في شوارع المدينة، وفي لهيب شمس الصيف الحارقة، لتكتشف عالم الحب والمدن الكبرى، وما يصاحبهما من آمال خائبة. الفيلم الذي لم يفز بأي جائزة رحلةٌ في اكتشاف الذات، من خلال جنون الحبّ الأول، قدمته المخرجة بأسلوب جذاب وبسيط، لا سيما في اعتنائها بأعماق الشخصية الرئيسية وظاهرها.
وفي مسابقة "لقاء الجيران+" نال "جريمة قتل"، لليونانية إيفا ناثينا، جائزة الإنجاز الإبداعي، كما نال جائزة اتحاد النقاد الدولي (فيبرسي). ويستند الفيلم إلى قصة كلاسيكية لألكساندروس باباديامانتيس تجري فيها أحداث جريمة قتل في جزيرة نائية في اليونان، حوالى عام 1900. وتدور القصة حول ثنائي "الأم والابنة" والنمط السائد لعلاقات النساء مع بعضهن بعضًا. ويبدي صورة مصغرى للمجتمع المحلي الأبوي، عبر كفاح الشابة، من أجل البقاء بعد أن تعرضت للإذلال العقلي. ووسط تشويه سمعتها كامرأة، تسعى لأن تتحرر ليس فقط من مضطهديها، ولكن أيضًا من مصيرها.
سالونيك ــ ندى الأزهري 20 نوفمبر 2023
سينما
عرض المهرجان 270 فيلمًا هذا العام (2/11/2023/فرانس برس)
شارك هذا المقال
حجم الخط
"لقاء الجيران" عنوان مسابقة سينمائية محبّب. نقع عليه في مهرجان سالونيك السينمائي الدولي، وهو واحد من أقدم المهرجانات في أوروبا. وحين يضاف إلى العنوان "+" فهذا لأن المنطقة التي يغطيها توسعت هذا العام لتشمل جميع بلدان الجنوب الشرقي البالغ عددها 36 دولة من أوروبا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، بهدف تحديد وإبراز التيارات السينمائية الفنية والاجتماعية والقضايا الجيوسياسية مع صانعي أفلام من أكثر الأصوات ريادة وابتكارًا وإبداعًا. يُنتظر من هؤلاء نظرة ثاقبة للحياة والأشخاص في المنطقة، وأخرى أوسع على أحوال العالم من خلال رؤية ذاتية وعدسة فنية مبتكرة.
لكن المهرجان المهتم بالجار، يبدي اهتمامًا واضحًا بالسينما المحلية أيضًا، ويُعنى بها عناية خاصة. يتبدى هذا الأمر في دعم طويل الأمد، وبرمجة واسعة أكثر فأكثر لأفلامها، سواء كانت معاصرة، أو مستعادة، وتقديم دعم لها ولصانعي الأفلام اليونانيين من خلال سلسلة إجراءات دعم مادي ومبادرات ترويجية وأقسام مخصصة لها (المهرجان مدعوم من وزارة الثقافة، ومن محافظة مقدونيا، وبلدية المدينة، وشركات خاصة كثيرة). في دورته الرابعة والستين هذه (2 ـ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023)، تمّ عرض 35 فيلمًا يونانيًا روائيًا طويلًا، و22 قصيرًا، ومن الطويلة كان هنالك 23 فيلمًا في عرض أول، ثلاثة منها في المسابقة الدولية الرسمية، وثلاثة في "لقاء الجيران+".
في كلّ مهرجان يصعب أحيانًا تحديد خيارات المشاهدة أمام كمّ كبير لأفلام وأقسام (24). كان هنالك ميل هذا العام لمشاهدة عدد أكبر من المعتاد من السينما اليونانية، لا سيما بعض ما شارك منها في المسابقتين الأهم، أي الدولية، و"لقاء الجيران+".
كانت سمعة فيلم "الحيوان" لصوفيا إكسارتشو قد سبقته بعد عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السويسري في دورته الـ 76 لهذا العام، وفوز بطلته ديميترا فلاغكوبولوس بجائزة التمثيل. في مهرجان سالونيك، شارك هذا الفيلم اليوناني كذلك في المسابقة الدولية، وفازت بطلته من جديد بأفضل أداء، كما حصل الفيلم نفسه على جائزة الإسكندر الذهبي المعنوية والمادية والمسماة على اسم المخرج اليوناني الشهير "تيو أنجلوبولس". الفيلم كان مغامرة هائلة كما أعلنت منتجته ماريا درانداك بعد الفوز، مرت بمراحل من صعود وهبوط "لا يُصدق"، وحاول عدد من "الأشرار" إيقافه بحسب تعبيرها، لكن كثيرًا من الخير رافقه مع فريق العمل.
"شارك الفيلم اليوناني "الحيوان" في المسابقة الدولية، وفازت بطلته بأفضل أداء، كما حصل على جائزة الإسكندر الذهبي المعنوية والمادية والمسماة على اسم المخرج اليوناني الشهير "تيو أنجلوبولس"" |
يصوّر فيلم "الحيوان" (2023) ما وراء الكواليس في جزيرة يونانية في فصل الصيف، حيث السياحة على أشدّها، وحيث محاولات الترفيه عن الباحثين عن التسلية هي همّ إدارات الفنادق. في الفيلم فريق مُعدٌّ لهذا النوع من النشاطات، عليه أن يكون جاهزًا ومستعدًا لتقديم المتعة للآخرين مهما شاب حياته من مشاكل ومآس، ومهما بلغت سخافة البرامج التي عليه تقديمها، ومهما صعب تحضيرها. عليه التأقلم مع المطلوب والخضوع، وإلا كان مصير أفراده الطرد والبطالة. إنهم نوع من الفنانين غير المرئيين عليهم التعايش مع بعض أيضًا، ما يجعلهم يبحثون في الفريق أحيانًا عن عائلة حرموا منها، أو عن حبّ لا يصادفونه بسهولة، وإن صادفهم فسيكون معه أحزان كثيرة وآلام.
في أحد فنادق الجزر اليونانية، تلك التي توفر إقامة شاملة لروّادها تتضمن برامج لهوٍ، يستعد فريق تحت أشعة شمس لاهبة لتنظيم اليوم وحفل السهرة لتسلية السياح. يتابع الفيلم هؤلاء الذين ينحصر دورهم في تنشيط هذه الآلة السياحية، وإرضاء السائحين الذين تقتصر عطلتهم على إقامة كسولة لاهية في الفندق. يوميًا، على هؤلاء العاملين في الفرقة ارتداء الملابس الزاهية اللامعة، ولعب الأدوار نفسها، والظهور بالابتسامة نفسها، وإبداء الطاقة نفسها، والصعود عند المساء على مسرح الفندق في الهواء الطلق أمام الزبائن، يرقصون ويغنون ويرددون خلف رئيستهم الشابة كاليا (ديميترا فلاغكوبولوس) أغاني ديسكو شائعة، لا سيما الأغنية الشهيرة "نعم يا سيدي، أنا أستطيع الرقص" (أغنية اشتهرت في السبعينيات في جميع أنحاء العالم)، ويُنهكون أنفسهم في قفز فعَّال وأداء محمّس للساهرين. يشكّلون رقصتهم مع ابتسامتهم الدائمة بعيدًا من أحساسيهم الداخلية، أحيانًا تتجلى تلك في حزن عميق يطلّ من عيني كاليا على الأخصّ. مع تقدم السرد، وإظهار ضغط العمل اليومي على الفرقة، يكشف الفيلم مدى خضوع أفرادها لهذا النظام السياحي المستعبِد. إن النظام نفسه هو محطّ اهتمامه، فهو لا يهتم حقًا في إظهار المجموعات السياحية خارج إطار السهرات، يبقى هؤلاء كأشباح متراقصة في عمق المشهد لا يبدي شيئًا من شخصياتهم، كما لا يهتم الفيلم بما يمكن أن ينشأ من خلاف بين رؤساء (الإدارة) ومرؤوسين (الفرقة). إنه يتعمد التركيز على النظام الرأسمالي الذي خلق هذه الآلة، هذا النوع من السياحة، والذي يشجع عليه بكل الوسائل. يجعل الفيلم النظام بطله. يبدي ما يفعله من خلال المنشطين، بالظروف الصعبة التي يعملون فيها، كاليا على وجه الخصوص التي مع تكرارها الأغنية كل ليلة، وما يصاحبها من رقص مجنون، وبعض مداعبات ونظرات شهوانية لا بدّ منها من الحاضرين، تجد ملجأها في الجنس. إنه لحظات متعتها الوحيدة والقصيرة جدًا، كأنها في ممارسة جنس سريع تجد لذة وقتية، تستفيق بعدها لمواجهة واقعها اليومي الخالي من عواطف حقيقية. تحاول التعويض عن ذلك من خلال حمايتها وتدريبها لإيفا القادمة من بولندا، والتي تبحث عن دخل ومأوى وعائلة. مثلها في ذلك مثل بقية أعضاء الفرقة الذي يجدون في تعاطفهم مع بعضهم وسيلة وحيدة للاستمرار في العمل في آلة تسحق إنسانيتهم.
تصوّر المخرجة أجواء السياحة الليلية بضجيجها وبأضوائها البراقة وزينتها، وتستخدم الموسيقى والضوء، في تكرار يثير إحساسًا بكآبة وعتمة. إنها السياحة في ظلّ الرأسمالية، وهي كما تقول، حجر الأساس في الاقتصاد اليوناني. شهدت آلياتها في الجزر خاصة، وأرادت عبر الفيلم اكتشاف صناعة الترفيه، وكيف أن هذا المفهوم مهمّ جدًا في الرأسمالية، فكيف تستطيع أن ترفّه عن أناس كل الوقت؟
أفلام أخرى في المسابقة الدولية ومسابقة لقاء الجيران+
"كان هنالك ميل هذا العام لمشاهدة عدد أكبر من المعتاد من السينما اليونانية، لا سيما بعض ما شارك منها في المسابقتين الأهم، أي الدولية، و"لقاء الجيران+"" |
كان "سائق التاكسي الأخير" لستيرجيوس باشوسن الفيلم اليوناني الثاني المعروض في المسابقة الدولية. فاز عنه الممثل كوستاس كورونيوس بجائزة أفضل تمثيل، حيث جسد دور رجل كهل كان درس الأدب وأحبه، إلا أنه لم يتمكن من الارتقاء إلى مستوى توقعات حياته، لذلك يضطر للعمل كسائق ليلي لسيارة أجرة. يعيش حياة منتظمة مع زوجته وابنه المراهق، إلى أن يشهد انتحار أحد العملاء. يُظهر هذا الحدث مشاعره المكبوتة ويغرقه في هوس جنسي. يروي الفيلم بغرابة وتطويل وطرافة قصة حب من طرف واحد لهذا السائق المثقف العجوز مع شابة. ويغوص في تقلب المشاعر والنزوات غير المتوقعة مبرزًا تحولات الإنسان أمام حدث غير متوقع، الحب مثلًا!
ضراوة الحبّ، ليس الأخير كما مع سائق التاكسي، وإنما هنا الأول، نقع عليها في الفيلم اليوناني الثالث المشارك في المسابقة الدولية، وهو "الوسيط"، للمخرجة كريستينا لواكييميدي. تصل الشابة يفتيريا (16 عامًا) العاصمة أثينا لمساعدة أختها الحامل، لكن لقاءها بالجار الغامض أنجيلوس يقلب حياتها ومفاهيمها. يدعوها الشاب إلى عالم البالغين. وتتجول معه على دراجته النارية في شوارع المدينة، وفي لهيب شمس الصيف الحارقة، لتكتشف عالم الحب والمدن الكبرى، وما يصاحبهما من آمال خائبة. الفيلم الذي لم يفز بأي جائزة رحلةٌ في اكتشاف الذات، من خلال جنون الحبّ الأول، قدمته المخرجة بأسلوب جذاب وبسيط، لا سيما في اعتنائها بأعماق الشخصية الرئيسية وظاهرها.
وفي مسابقة "لقاء الجيران+" نال "جريمة قتل"، لليونانية إيفا ناثينا، جائزة الإنجاز الإبداعي، كما نال جائزة اتحاد النقاد الدولي (فيبرسي). ويستند الفيلم إلى قصة كلاسيكية لألكساندروس باباديامانتيس تجري فيها أحداث جريمة قتل في جزيرة نائية في اليونان، حوالى عام 1900. وتدور القصة حول ثنائي "الأم والابنة" والنمط السائد لعلاقات النساء مع بعضهن بعضًا. ويبدي صورة مصغرى للمجتمع المحلي الأبوي، عبر كفاح الشابة، من أجل البقاء بعد أن تعرضت للإذلال العقلي. ووسط تشويه سمعتها كامرأة، تسعى لأن تتحرر ليس فقط من مضطهديها، ولكن أيضًا من مصيرها.