محمد لعقاب تعرض لحملات التشويه بسبب قربه من تبون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد لعقاب تعرض لحملات التشويه بسبب قربه من تبون

    محمد لعقاب تعرض لحملات التشويه بسبب قربه من تبون


    العارف بخبايا الإعلام الجزائري، هل يرفع عنه الغطاء.
    الأحد 2023/12/03
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    هل هذا هو المشهد الذي حلم به لعقاب منذ أن دخل المدارس؟

    في 2008، تلقت دار نشر جزائرية اتصالا عاجلا ونادرا من السفارة الأميركية. كان على الخط أحد مسؤوليها طالبا أرقام تليفون أكاديمي أصدر كتابا بعنوان: “الصليبية الأميركية وعهد حرب الحضارات”. وانتهت المكالمة إلى دعوة من السفير الأميركي للكاتب لإجراء مناظرة علنية وجدل واشتباك حول طروحات الكاتب ومراميه.

    كان اسم الأكاديمي، الذي لفت نظر دوائر السفارة الأميركية، هو محمد لعقاب الوزير الجزائري الحالي للاتصال. والسفير هو روبرت فورد واحد من أشهر سفراء أميركا وهو خبير بالشؤون العربية.

    اللقاء بحد ذاته كان سابقة لم تشهد الجزائر مثلها منذ تلك الفترة إلى الآن، حيث هبط سفير أقوى دولة في العالم من عليائه، فقد كان يتابع ما يجري من وراء الجدران، في مقام يعتمد على اللقاءات الرسمية والاتصالات عبر الهاتف، والتقارير الخاصة التي تصل من هنا وهناك.

    هبط السفير إلى مقام آخر.. مقام العقل والمعرفة والحوار، مقام مفاجئ خارج حسابات الدبلوماسية.. مقام التسامح مع الآخر مهما كانت شدة الخلافات وحساسية الآراء أكانت منحازة أم مغلّفة بالمنفعة القصوى، القوة والجبروت، والسيطرة مثلما تبسطها القوى العظمى.

    لقاء نادر واستثنائي مع السفير الأميركي للحوار حول كتابه "الصليبية الأميركية وعهد حرب الحضارات"

    امتلأت قاعة المكتبة الوطنية عن آخرها.. جاؤوا من مشارب عدة، من كل حدب وصوب.. بعضهم بحسّ الفضول، وآخرون متعطشون للقاءات يتسع فيها مدى التحليل ويسود منطق الحجة والمنطق، ويتمدد على مائدة المحاورات الراقية.

    قدموا لرؤية درس جدي ملهم في الحوار الحضاري بين رجلين مختلفين، متباعدين في الأفكار والرؤية والمنصب، امتلأت مدرجات الجامعة مثلما كانت تمتلئ بالطلبة عندما كان لعقاب أستاذا يلقي محاضراته ودروسه، بل كان التدافع سيد الموقف للظفر بالمقاعد الأمامية حتى لا تضيع فرصة الاستفادة مما كان يلقيه، كما أخبرتني إحدى اللاتي درسن عنده، وهي تشتغل في إحدى المؤسسات الثقافية.

    اللقاء النادر والاستثنائي مع السفير الأميركي كان حدثا مفصليا في مسار الوزير محمد لعقاب المولود بتاريخ 14 مايو 1966 بمدينة دلس، محافظة بومرداس، فهو لم يأت من فراغ أو كسل أو خبطة حظ أو رمية نرد، بل سبقته جولات وصولات مضنيات في خط حياته العامة والخاصة.

    وقال لعقاب عن نفسه في أحد لقاءاته الإعلامية “أساوي أكثر من 22 سنة في التدريس الجامعي، وأكثر من 25 سنة ممارسا للصحافة، وأزن في سوق التأليف 14 كتابا متنوعا بين الثقافة والسياسة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات”.

    وضع قدميه في هذه العوالم المتشعبة بفضل أساتذته الذين تدرج على أيديهم في مختلف مراحل التعليم والتدريس. أما في دهاليز الصحافة، فهو كما قال، يدين بتفتق مقدراته الإعلامية لاسمين لامعين في الصحافة هما عثمان تزغارت وأحميدة عياشي.

    غرق لعقاب في قاعات الجامعة ومدراجها أستاذا ومحاضرا ومؤلفا إلى عام 2001 حيث أنجز أول أطروحة دكتوراه في العالم العربي حول “الإنترنت ومجتمع المعلومات”، ليبادر بعدها مباشرة ويفتتح في الجامعة قسما مخصصا لـ”مجتمع المعلومات” للدراسات العليا، تخرج منه العديد من الطلبة “الرقميين”، على حد وصفه.


    سعي لتطوير أداء الإعلام الحكومي رغم العراقيل


    اختفى لعقاب من المشهد العام، واكتفى بالقليل من اللقاءات الإعلامية في قنوات جزائرية، منافحا عن الدولة وقضايا الأمة بعقل منتبه، محافظا في الكثير من الأحيان، مشحونا بقدر معلوم من العواطف والأخلاق، شرسا في الدفاع عن الثوابت والقيم، مساهما في صحف عربية ومواقع بمقالات تضج بالتحليل الرصين بدقة وصرامة الأكاديمي حينا وبعين الصحافي المحترف حينا آخر.

    ثم ظهر فجأة ضمن طاقم حملة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لرئاسيات 2019، مديرا لحملته الانتخابية ليقترب أكثر ضمن حلقته الضيقة.

    لا أحد بإمكانه معرفة خفايا وأسرار قرب لعقاب من الرئيس تبون.. متى بدأ؟ وأين التقاه؟ وما هي حدود هذه العلاقة وطبيعتها؟

    انقطعت أواصر وحبال الاتصال بالرئيس تبون ونسفت الجسور التي كانت ممدودة على طول الطريق إليه، اشتد الخناق حوله، وأقيل بشكل دراماتيكي عندما كان رئيسا للحكومة عام 2017 من طرف عصابة الدولة العميقة.

    حافظت قلة قليلة على الود، وبقيت وفيّة للرجل رغم خطورة الاقتراب منه خوفا من سيف ديموقليس المرفوع على المعارضين، وزاد تغول ونفوذ أصحاب المال في صنع القرار، وتكاتفوا في حلف متين مع مستشار الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، شقيقه السعيد المسجون حاليا.

    لا أحد بإمكانه معرفة خفايا وأسرار قرب لعقاب من الرئيس تبون، متى بدأ؟ وما هي حدود العلاقة وطبيعتها؟

    ربما يكون لعقاب من ضمن هذه القلة التي أوجدت لنفسها الحيلة والدهاء وحتى الوفاء والصدق للإبقاء على الخيط الرفيع المشدود نحو تبون، سلك السبل إليه مندفعا، لا يلوي على شيء كما يصفه الكثيرون ممن تعاملوا معه، وهو ما منحه مع آخرين الحظوة ليشدوا من عضد تبون ويكونوا سنده القوي في الحملة الرئاسية التي أقيمت في جو عاصف من تاريخ الجزائر.

    أنتجت سنة 2019 رئيسا للجزائر.. لكن الوضع كان صعبا لكثرة الصراعات والتجاذبات والميولات والتكهنات والهلع، وسيطر مناخ الشك والتذبذب والاضطراب في حينها، وصل إلى محاولات التشويش والتلاعب والتزوير والترهيب من خصوم تبون، مما حدا بلعقاب في أكثر من تصريح للإشارة إلى ما يلعب في الخفاء ضد تبون.. كانت اللعبة شائكة ومريبة.

    غير أن اللعبة توقفت في اللحظات الأخيرة عند عتبات الفريق الراحل قايد صالح الرجل القوي آنذاك في منظومة الحكم، أدرك هو وفريقه ما يتم التخطيط له وينسج، فقلب الطاولة في كل مكان. رجّح قايد صالح بكل ثقله وبقوة الترغيب والتهديد والوعيد الكفة لصالح تبون، لا لشيء إلا للمصلحة العليا للجزائر التي كانت تترنح يمينا وشمالا وكأنها على كف عفريت غاضب.

    دخل تبون وفريقه قصر الرئاسة.. أضمروا فرحا مؤجلا، فلقد وجدوا القصر فارغا ومخيفا.. مسحوا الغبار عن تركة ثقيلة كالرصاص لحكم دام 20 سنة.

    جاء فريق آخر للحكم، مفعم بالنشاط، متعلم ويقظ برهن طوال سباق الحملة عن مقدرات هائلة في إدارة دفة الدعاية والإعلان والتعبئة، والبحث عن أقوى المنصات والمسارح والفضاءات لشرح برنامج الرئيس تبون.

    كان يتقدم هذا الجيل الأكاديمي لعقاب وخلفه فريق متكامل، كل يعرف دوره ومهمته بدقة متناهية.


    لعقاب من ضمن القلة التي أوجدت لنفسها الحيلة والدهاء وحتى الوفاء والصدق للإبقاء على الخيط الرفيع المشدود نحو تبون


    غير أن الحيوية التي تمتع به فريق تبون الرئاسي اصطدمت بواقع آخر بدا أقوى من الرغبة والطموحات التي بُني عليها السعي، إنه واقع الصراعات العريقة التي تظل تنتقل بسلاسة وبلا هوادة في مسام الحكم وما خفي من عظائمه من نفوذ ومصالح، وكان أول من واجه هذه التيارات لعقاب.. قاوم.. ولكنْ غلبه المد والجزر.. فرمى المنديل كمصارع يوناني لا يهزم.

    عاد لعقاب إلى مقاعد الجامعة، مكانه المحبب، حيث التعاطي مع العلم وخطاب المعرفة مع طلبته، يحاضر ويحاجج ويكتب، ويتواصل مع قلة من الأصدقاء الأوفياء الذين ظلوا على ما هم عليه معه رغم ما لحقه من نوائب وأحقاد وتشويه، صمت عن كل هذا وعن غيره لأنه يدرك أنه دخل عرين رجال الدولة الذين لا يلين عودهم أمام الرياح العاتية.

    وهذا الأمر ليس ظرفيا ولا اعتباطيا، ولا مرتبطا بتوليه مهمة مدير حملة تبون، بل يرجع إلى تاريخه الممزوج بالوعي والأخلاق والصفات الحميدة التي نشأ عليها في منطقته وضمن جدران مدرسة قرآنية أسستها جمعية العلماء المسلمين، حيث كانت تنفح في جوانبها الروائح الطيبة لهؤلاء الذين قاوموا الاستعمار والظلم والجهل والظلام و”الحقرة” والتخلف.

    غرست فيه تلك النسائم الطيبة قيم النبل والتسامح والإخاء والمسؤولية، والترفع عن سفاسف الأمور. بالمجمل ظلت تلك الأخلاق ترافقه وما زالت في أيّ موقع مرّ عليه.

    هذا ما كان يدركه الرئيس تبون منذ أن وثق في لعقاب، ولم تهتز هذه الثقة رغم كثرة الشائعات. صحيح أنه أبعده عن القصف، وعن صراعات يحركها أنصار الدولة العميقة.

    وكان يمكن لهذه الصراعات أن تلوث صورة لعقاب، غير أن تبون كما قلنا آثر أن ينهي مهامه مؤقتا، وكأنه يقول له “اذهب واسترح قليلا”.. ليلتقطه بعد فترة من تخوم الجامعة ويعيّنه ضمن الثلث الرئاسي في مجلس الأمة ليمكث فترة هناك، قبل أن يستقر رأي الرئيس الجزائري ويكلفه بواحدة من أهم الوزارات الحساسة وزارة الاتصال بعد شغور المنصب لأكثر من شهرين.

    يجلس لعقاب حاليا على مقعد صعب وشائك، ينظر إلى المشهد الإعلامي من زاوية الأقرب، العارف، والخبير بخباياه وعلله، وسقطاته، ومنجزاته، وتاريخه العريض حيث كان منخرطا وشاهدا على الثورة التي حدثت داخل هذا المشهد.. ثورة مدهشة ومثيرة بعناوينها وأقلامها وصحافييها، بثرائها وتنوعها، وتياراتها المتعددة.


    علاقة متينة مع الرئيس تبون منذ الإشراف على الحملة الرئاسية 2019


    هل هذا هو المشهد الذي حلم به لعقاب منذ أن دخل المدارس وتعلم وأصرّ على أن يكون فيه رغم سقوط المحاولات اليائسة لأساتذته في ثنيه عنه وتحذيره بأنه “سيكون بوقا من أبواق السلطة”، كما قال في حوار سابق. مشهد كان يتلقى فيه “مبلغا يضاهي أجرة الصحافي الدائم”، هل هو نفسه اليوم حيث لا يتقاضى الصحافي أو الصحافية أجرتيهما الزهيدتين من ملاك وأباطرة الإعلام إلا بشق الأنفس؟

    هل هو المشهد نفسه الذي كان في ما مضى يزخر بروبورتاجات وتحقيقات كبرى وحوارات لافتة وآراء رصينة محكمة تزخر بالتنوع والثراء؟

    هل هو نفسه اليوم حيث الهزال، والرداءة، وأسلوب النسخ واللصق، والسخافة، والأخطاء المهنية، وضعف الأسلوب، وركاكة اللغة، وتسطيح المفاهيم والمواقف؟ هل هو نفسه في ما مضى حيث كان الصحافي مطلعا وملمّا ولو بصورة عامة بما يحدث حواليه من تحولات على الأقل داخل الإعلام العالمي.. يقرأ ويحلل ويتعمق ويصنع الرأي؟ هل هو نفسه اليوم حيث لا اهتمام بكل هذا، لا بالصحافي، ولا بحقوقه، ولا بواجباته؟

    يعرف لعقاب أن جلّ همّ ملاّك الجرائد والمواقع والتلفزيونات الخاصة، هو “كموسة” الإعلانات، وليذهب التكوين والتدريب وحقوق الصحافي أدراج الرياح. وهي للأسف حقيقة مرّة لا يقف الوزير عندها اليوم فقط، بل تُقرأ في كافة اللقاءات التي أجراها معهم.. تُقرأ في عيونهم وحركاتهم وسكناتهم، وفي الهوامش التي تجري بعد نهاية اللقاءات.

    لعقاب ليس بمنأى عن رؤية الغبش الذي يحيط بالمشهد، يعلم جيدا بواطن الخلل والعلل، ويدرك أن حلما آخر يراوده لإعادة البريق المفقود للمشهد الإعلامي الذي تضاءل نوره في النفق الطويل للمشاكل، وأمام وسائل تواصل ومنصات تتحدى بسرعتها وإبداعها وتميّزها، وأمام أيضا مطبات تتكسر عليها الخطوات، ومثبطات تقفز من هنا وهناك تحاول أن تحفر هوة سحيقة أمام تحقق فلسفته وبرنامجه.

    لذلك على لعقاب ألا يواجه كل هذه العراقيل والتعقيدات لوحده فقط بل عليه أن يفتح المساحات الضيقة التي تكبس على الأنفاس، وتجاوز الأيادي المرتعشة، والبحث عن أياد أخرى لها القدرة على توسيع الحلم والخيال وهو أمر ليس بالمستحيل.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أبو بكر زمال
    كاتب جزائري
يعمل...
X