*في رحيل الفنان مصباح الببيلي..
رؤى وتخيلات المجرات والفضاء الكوني ..
**أديب مخزوم ـ 2 حزيران 2023
خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان التشكيلي مصباح الببيلي، الذي رحل في 1 حزيران 2023، بعد مسيرة فنية طويلة بدأها منذ مطلع السبعينيات، وأقام خلالها أكثر من 19 معرضاً فردياً، داخل سورية وخارجها، إضافة للعديد من المعارض الجماعية، وكان قد عاد من إسبانيا، بعد اغتراب سنوات طويلة، وقدم مختارات من أعماله ودراساته، التي أنجزها في مراحل سابقة، في مركز ثقافي أبو رمانة تحت عنوان " طرق الفضاء وسقف السماء " .
وكان قد غاص ومنذ التسعينيات في مسائل البحث التقني المفتوح على مساحات الفضاء الرحب والأشكال الكونية، مركزاً أحياناً لإبراز تفجيراتها الانشطارية وأطيافها اللونية السديمية السحرية والقزحية، ومظهراً علاقته الحيوية بالتكنولوجيا المتعلقة بالفضاء الخارجي، ومجسداً تصوراته وتخيلاته عن العالم الفضائي بلوحات عديدة ( اكريليك ومواد مختلفة على كانفاس) شارك فيها بتظاهرات فنية في مدن محلية وعربية وعالمية ..
ولقد وصل الفنان الراحل إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس والانفعالات الداخلية، من خلال تركيزه على المواضيع المستمدة من تصورات الفضاء الكوني ورهبة أسراره ومجاهيله، بما فيه من مجرات وأجرام وإشعاعات سديمية وانفجارات نجمية ونيازك وشهب وبروق ورؤى وتخيلات، وصولاً إلى تجسيد الأطباق الطائرة المرتبطة بفرضيات وجود كائنات عاقلة في الكواكب الأخرى.
وهو لم يقدم صوراً تفصيلية لهذه الكواكب، وإنما أكد على أهمية العامل النفسي والذاتي، في تجسيد روح المشهد الفضائي بطريقة تشكيلية حديثة، ولقد تم التعبير عن ذلك: بمفهوم البعد السيكولوجي والبعد الرابع الكوني . وبالتالي فقد تجاوز الصياغة الواقعية، والصورالتلسكوبية، والرسوم التوضيحية العلمية الفلكية والكونية، وقدم غرابة وسحر التكوين الفضائي معتمداً على حدسه الفني، في معالجة الخطوط والألوان. وهو في ذلك أكد علاقته الوطيدة بالثقافة البصرية الحديثة، التي جعلته يشق طريقه نحو ملامح الإحساس الذاتي بمشاهد ومجاهل الفضاء الكوني، مستعيناً بكل ما يمكن أن يخدم بحثه التشكيلي، ويعطي السطوح خشونة وتأثيرات بصرية حديثة.
هكذا عبرت لوحاته بأسلوبه الفني الخاص عن المجرات وأشلاء الفضاء وحالات انشطارية كونية وأطياف فضائية تخيلية وغيرها. والرواية خلاصة ونتائج بحثه في مجال صياغة اللوحة التشكيلية، وتنقله في اللوحة الواحدة بين السطوح الناعمة والسطوح النافرة ، أو بين الشفافية والخشونة، وبين التشكيل الهادئ والتشكيل الانفعالي.
ولقد وضح سر تعلقه بالمدى الفضائي الرحب والممتد إلى اللانهاية، في حوارات تلفزيونية وصحافية وإذاعية عديدة أجريت معه داخل سورية وخارجها. مؤكداً علاقته الجمالية بالثقافة البصرية الحديثة، بعد سلسة تجاربه المتواصلة، التي زادت قناعته بالبحث عن أسلوب خيالي وتعبيري ورمزي متحرر. فالتشكيل هنا هو إحساس بالقدرة على بناء أجواء لوحاته بضربات وحركات لونية متتابعة ومتجاورة (لمسات لونية عفوية ومتحركة وفوق بعضها البعض ) مشحونة بعنف التوتر الداخلي الانفعالي.
ومن خلال تلك اللمسات اللونية جسد تخيلاته لأجرام كونية ناشطة لا تنتهي أو حركات لشهب ونيازك وسفن فضائية غريبة. واستعرض في لوحاته ورسوماته ودراساته، منذ سنوات طويلة، تلك العلاقة الحميمة بين حضور إشارات رموز المجاهل الفضائية، وغيابها، حيث كانت تظهر لمساته اللونية العفوية، وكأنها مشروع للتعبير عن الاكتشافات الفضائية الجديدة ، في ديمومتها الإيقاعية والغنائية، انطلاقاً من خبرته اللونية الطويلة واختصاصه في علم الفضاء ومتابعاته لكل جديد في هذا المجال.
وهذه الطروحات التشكيلية الحديثة المرتبطة بعصر الفضاء، أبرزت قدرة العمل التشكيلي الحديث، على تحويل المساحة اللونية إلى فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى علاقة حقيقية مع معطيات العلم والاكتشافات الفضائية الحديثة.
، ورغم أنه قدم ألواناً عفوية في معظم لوحاته، إلا أنه أظهر قدرة في التمازج والتداخل اللوني، الذي يوحي بتشظٍ وبانفجار كوني في البقعة اللونية أو المساحة أو الحركة اللونية.
ــ موقع الثورة أون لاين 2 حزيران 2023
http://thawra.sy/?p=469091&fbclid=Iw...O1vScvGMxGrWcI