الإردنية:د.سناء الشعلان.بلقاء الإعلامي:فيصل سعيد العلويّ.صوت الشباب بالرواية العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإردنية:د.سناء الشعلان.بلقاء الإعلامي:فيصل سعيد العلويّ.صوت الشباب بالرواية العربية

    أحبّتي، تسعدني متابعتكم للقاء معي على هامش الاستطلاع لصالح (جريدة عُمان) الذي أجراه الإعلاميّ العمانيّ المتميّز فيصل بن سعيد العلويّ اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1701309858804.jpg 
مشاهدات:	15 
الحجم:	134.1 كيلوبايت 
الهوية:	179323 بعنوان (صوت الشباب في الرواية العربية تجسيد التفاعلات والقضايا والآمال في الأدب العربيّ)

    https://www.omandaily.om/%D8%B9%D9%8...%D9%84%D8%A7%D 8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A
    **************&&&&&*******
    استطلاع.. صوت الشباب في الرواية العربية تجسيد التفاعلات والقضايا والآمال في الأدب العربي
    29 نوفمبر 2023
    فيصل بن سعيد العلوي
    في زمن تتسارع فيه معالم التغيير وتتقاطع فيه مسارات الثقافات، يظل الأدب مرآة تعكس واقع الأمم وتطلعاتها. وبين ثنايا الرواية العربية، تبرز أصوات ناشئة، تبحث عن مكانها وتحاول فهم زمانها، وهي أصوات الشباب التي تحمل في جعبتها هموما جديدة وأحلاما تتجدد.
    عند تناول موضوع «صوت الشباب في الرواية العربية»، فإننا نسلط الضوء على كيفية تجسيد الشباب وقضاياهم وآمالهم داخل الساحة الأدبية العربية، يعبر هذا الصوت عن مجموعة من الجوانب المهمة، بدءًا من التركيز على مواضيع حياتهم المعاصرة، مثل البطالة والهجرة، وصولًا إلى الأسلوب اللغوي المتقارب معهم والتفاعل مع التحديات الاجتماعية والسياسية.
    من هنا، نبحث عن تلك الأصوات، لنلتقط ردود الفعل والآراء من النقاد والمختصين، ولنفسر كيف تجلت الصرخات والهمسات الشابة ضمن نسيج الرواية العربية، فهل تمثلت قضايا الشباب وتجاربهم بصدق؟ وإلى أي مدى استطاعت الرواية العربية أن تكون مترجمة صادقة لصوت الشباب وتطلعاتهم؟ هذا ما سنحاول استقصاءه في هذا الاستطلاع..

    بداية يقول الباحث والناقد المغربي الدكتور سعيد أوعبو أن الانشغال بالرواية أمر حتمي نظرا لقدرتها التركيبية والاشتغال بتعددية المواضيع خلافا لوحدة الموضوع في أنواع مغايرة من الكتابة، كالقصة على سبيل التمثيل لا الحصر؛ وحيازة الرواية لهذه الإمكانية تجعلها قادرة على تكييف مجموعة من الأخبار في قالب نصي واحد، وبالتالي، ملامسة جوانب معتَّمة وإضاءة أخرى، لاسيما أنّ الرواية بدأت تخوض في قضايا متعددة تلامس في أغلب الظنون -في سياق المقاربة العمرية- شبابا يختارون الهجرة التي تفرضها عادة ضرائر الحياة، من قبيل رواية «القاتل الأشقر» للروائي الشاب طارق بكاري في الرحلة الخارجية، و «أن تكون هامشيا» لعبد ربه في الرحلة الداخلية، وأخرى لها علاقة بمراحل زمنية مهمة في التاريخ تثير الشباب قراءةً، من قبيل: الاغتراب في «أمريكانلي» لصنع الله إبراهيم، إلى جانب وقائع النزوح مع «مواويل الغربة» للطيفة الحاج. إلى جانب تيمة الحب التي تعدّ قاعدة تتأسّس عليها جلّ الأعمال وتنطلق منها لاستمالة عواطف القارئ، واستفزازه وجعله أكثر اتصالا مع النص، كما الحال مع الهوية، ما دامت النصوص تخوض في كلّ ما يمكن أن يعرِّف بحدّ الشّخصية قدر الإمكان، أو ما يحيط بها على أصعدة مختلفة، ومن هنا، يظل تشكيل الهوية أحد المكونات الأساسية داخل الرواية، بوعي من الكاتب أو من دونه.. دون نسيان قدرة الرواية اليوم، على تشكيلها رقميا، والتعامل معها بشكل تفاعليّ سيبريانيّ، بمحتويات داخلية تتأسس على المحيط التكنولوجي كما الحال مع روايات محمد سنجلة «شات» و «صقيع»، وهي تجربة مضمونية قادرة على الاستجابة لتطلعات الشباب، مع وجود إمكانات قابلة للتطوير، لاسيما مع الطفرة الرقمية وفجواتها.

    ويضيف «أوعبو»: يعتدّ أسلوب بناء الرواية وتشكيلها على جماليات بنيوية وتداولية، والأمر يُعزى إلى الاستجابة لتوقعات الشباب وأفق انتظارهم، إننا اليوم، أمام روايات قادرة على خلق الدهشة وتجاوز مسألة الخطيّة والتّزمين الكرونولوجي في بناء الرواية، إنها بالأحرى، تلعب عادة بالزمن وتتيح طفو استرجاعاتٍ واستباقات، وخلق نوع من التّناوب في بعض الأحيان كأننا أمام حكايات مركبة في حكاية واحدة، أما تداوليّا فهي تنشط على قاعدة التفاعل سواء مع نصوص سابقة يقاسُ مقدار التفاعل بحسب مقدار التفاعل من منطلق التناص والميتناص والمناص أو التحويل والتغيير وغيرها من الممكنات، وقد أمكن القول: لا وجود لخطاب بكر بعد نزول آدم، أي، أنه كيف ما كان الحال فإننا نستعيد في سياق التفاعلات النصية ما قيل، أو نصنع صورا متأثرة بوَسطِها بوعيٍ أو من دونه، فنجعل من كتابتنا تصويرا للعالم ورسم الواقع بالكلمات.
    بالكلمات.

    ويعتقد الناقد المغربي الدكتور سعيد اوعبو بأنّ الرواية الجديدة تكتب مفصولة عن التجربة، ما دامت حياتنا بمثابة تجربة بتفاصيلها الكبيرة، وفي سياق ما نُقْدِم عليه، بما في ذلك الكتابة، والتي تعدّ تجربة صغرى في تجربة كبرى مقترنة بما نعيشه من أوضاع ووقائع لها صلة بالحياة، وداخل الرواية أيضا تُوطَّن مجموعة من التجارب الصغرى التي تشكل في طياتها كلا، أي، حبكة تسردُ حياة واقعية أو متخيلة، لكن، كيف ما كان الحال فهي نِتاج تأثير شخصية أو مكان أو معطى عابر.. فتجربتي شخصيّا في كتابة الرواية كانت دائما محط اهتمام بالذات، أو بتعبير آخر، إنها نوع من أيديولوجيا الكاتب التي تلصق به وتلتحم به، لأن الكاتب وهو يكتب فهو يدون قناعاته أولا، أو ينأى عن ذلك فيرسّخ قناعات غيره بحتميّة التّجرد من الذات، في ما يُسمى بدمقرطة الصوت بتعبير باختين، وبالرغم من ذلك، فالكاتب يحتفظ لنفسه بالأمور التي يؤمن فيدفع بها بلسان غيره، أو ينفي بعضا منها بطريقة غير مباشر، ما يجعل من هاته الأيديولوجية قصديّة فكريّة مضمرة، فلن تجد روائيّا يمينيّا في نهاية المطاف يؤمن بقيم اليسار فيضمنها في الكتابة والعكس بالعكس.. إنّ الكتابة بالأحرى تنقسم إلى تجربة فرديّة يصنعها الكاتب لنفسه، وتجربة جماعيّة يصنعها لغيره، والتّجربة الحقيقيّة عند الشباب هي التي تنطلق من الذات أو الجماعة لترصد مشاغل القوم، وتفرّخ هموم الأمة على الصعيد الاجتماعي أو السياسي من زاوية رؤية الكاتب للعالم، لنقل، إنّ الروايات الجديدة تسير في هذا الاتجاه، خائضة بطرحها في الإنسانيات، وبعيدا عن الإنسانيات لا معنى للكتابة.

    ويختتم الباحث المغربي الدكتور سعيد أوعبو حديثه بالقول إن كل محاولة كتابة عند الشباب تكون مهيكلة بفكرة القَصد والهدف، والوصول إلى الأهداف غاية تقتضي وجود إكراهات وتحديّات، وما دامت الكتابة تحتاج إلى وسائط التفاعل مع الآخر فهي في مسار تحدٍّ، لأنّ الكتابة في حدّ ذاتها غير مجدية بمنطق اللّاجدوى، وبالتالي، يتطلب الأمر وجود طرف آخر يتبنّى العمل، بما يجعل الإكراه الحقيقي مقترنا بالطبع والنشر، ولعل الأمر لا يعزى إلى رداءة الكتابة -مع العلم أنّ الحكم يظلّ نسبيا- ما دامت هناك نصوص كثيرة وجيدة لا تصل إلى القارئ، وأخرى أقل جودة بكثير تعرف انتشارا واسعا بحكم الانتساب أو غيره، أو بدعاية حسب الموقع الذي يحتلّه صاحب العمل، وبالتالي، يُرجَعُ الأمر في عمقه إلى الحاضنة الثَّقافيّة -نقصدُ دور النّشر- التي تشتغل وفق شروط خاصّة في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان تجد بعض النّصوص نفسها أمام الحظر في السياسة التدبيريّة للشؤون المحلية بعد أن تجاوز عائق النشر، كونها تلامس جوانب مثيرة أو حسّاسة، وتميط اللثام عن المستتر، وبالتالي، ممارسة شيء من الرقابة على الكتابة يمكن أن تصل حد المنع، وبالرغم من أن الكتابة وجب أنْ تتحرّر من القيود التي تعرقل مسار التأليف، إلّا أنّ هواجس الرَّفض لا مفرّ منها بالرّغم من جودة الكتابة، لأنّ قوّة الكتابة عظيم، وأثرها قوي في نشر المعارف، وتطعيم القارئ بوعي أكبر في قضايا الإنسان تحديدا، اجتماعيا، سياسيا وثقافيا.

    تعبير عن الإنسان

    ويرى الكاتب والباحث والروائي الجزائري عز الدين جلاوجي أن الرواية هي الحياة، تنطلق منها وتعود إليها، وحتى حين تنطلق من مجتمع بعينه، كون الكاتب عادة أعرف بمحيطه وأقدر استيعابا له، فهي تعبر عن الإنسان في عمومه، وكثيرا ما تستدعي الرواية شخصيات من أجيال مختلفة، لكن الغالب فيها عادة هو مرحلة الشباب، كونه الأكثر قدرة على التعبير عن الحياة بما يملك من قوة على الحركة وعلى التغيير، وكونه حاملا دوما لطموحات الإنسان ووعيه، ونظرة عجلى للروايات العالمية وأقصد بها التي كان لها الحضور القوي في واقع التلقي نلفي حضور مرحلة الشباب قوية، والأمر ذاته للمسرح وللقصة، والرواية العربية لم تشذ عن ذلك ابتداء من الروايات المؤسسة، ومنها: زينب، عصفور من الشرق، الحي اللاتيني، موسم الهجرة إلى الشمال، وريح الجنوب، إلى الرواية في عصرنا هذا، وبملاحظة بسيطة يتبين أن الموضوعات الكبرى هي هي ذاتها، أقصد طموحات وأحلام وآمال التي يحملها الشبان، كالحب والهجرة والتمرد على الواقع الاجتماعي من عادات وتقاليد، والثورة ضد طغيان السلطة الدينية والسياسية، والعلاقة مع الآخر سلبا وإيجابا، وكأن الواقع العربي لم يتغير كثيرا، وأن المجتمع ظل على مدى عقود على سكينة وجمود، قد تتجاوز نصف قرن كامل.

    ويضيف «جلاوجي»: العلاقة مع الآخر في رواية «عصفور من الشرق» (1938) لتوفيق الحكيم من خلال شخصية محسن، هي ذاتها العلاقة في رواية «حبيبتي مريم» (2023) لهدى عيد، من خلال شخصية حكيم، حيث تتسم العلاقة بالتنافر بين الطرفين، حيث يظهر الآخر متعاليا متآمرا كونه يمثل المركزية الغربية التي ترى نفسها الشمس التي تشع على الجميع وغيرها كويكبات باردة يجب أن تسبح حولها وتسبّح بحمدها، ويظهر الأنا خائفا متوجسا أو منبهرا تابعا، والأمر ذاته نجده لدى شخصية مصطفى سعيد في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، وشخصية البطل في رواية «الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، وفي رواية «بذور الشيطان» للينا الكيلاني، وكل هذه الشخصيات هي شخصيات شبانية.

    يعيش البطل الشاب صراعا مع مجتمعه، مع الأفكار البالية السائدة فيه، ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك شخصية يحيى في رواية الأقلف للروائي البحريني عبد الله خليفة، حيث يعيش البطل الغربة مذ كان طفلا مشردا، إلى أن يشب فيتعرض للإقصاء وللاغتيال أيضا لا لشيء لأنه رفض أن يكون شاة في القطيع، الأمر ذاته نجده مع شخصية فاتح اليحياوي في روايتي «الرماد الذي غسل الماء» وشخصيتي منير والجازية في روايتي «راس المحنة 1+1=0»، وشخصية التاعس في نصي «مملكة الغراب»، حيث يكون ثورة ضد الانحراف السياسي، وهي شخصيات قد لا تختلف كثيرا عن شخصية كمال أو فهمي أو يس في ثلاثية نجيب محفوظ.

    كشف لمساحات الصوت

    من جانبها تقول الروائية الأردنية الدكتورة سناء الشّعلان (بنت نعيمة) من الجامعة الأردنيّة: عندما نتحّدث عن «صوت الشّباب في الرّواية العربيّة»؛ فنحن - بكلّ تأكيد - لا نتحدّث فقط عن الرّوائيّ الذي قام بعمليّة الخلق السّرديّ المتولّد على الورق ليخرج هذا المنجز مكتوبا بما يشّكل جسد الرّواية، بل نحن لا بدّ أن ننظر إلى الأمر من زاوية الفضاء الزّمنيّ والمكانيّ، ومن زاوية مشهديّة المنجز الرّوائيّ، ومن زاوية المتلقّيّ القارئ، ومن زاوية الملتقّي النّاقد أو المتخصّص؛ فالرّؤية للرّواية من هذه الزّوايا تكشف مساحات هذا الصّوت الرّوائيّ الذي يكتبه الشّباب الرّوائيون غالبًا في تجارب قد تكون الأولى لهم أحياناً، وقد تكون الأخيرة لهم كذلك، ويتلّقاها في الغالب الشّباب مثلهم، وتنال إعجابهم، أو لا تناله، فيما يكون للنّقد نظرته الفاحصة تجاهها، وهي نظرة تتدرّج من الرّفض إلى التّحفظ إلى القبول إلى الإعجاب في كثير من الأحيان، دون أن نغفل أنّ الكثير من الأصوات الرّوائيّة حول قضايا الشّباب لم تصدر من شباب، بل صدرتْ من روائيين محترفين ومتمرّسين استطاعوا أن يعاينوا أزمات الشّباب في مجتمعاتهم، وأن يدرسوها بعمق، وأن يقدّموها للقارئ بكل جرأة ومصداقيّة ومرارة، وكثيرا منهم مَنْ حاول أن يضع حلولا لها على الرّغم من أنّ وظيفة الرّواية هي التّجسيد والتّصوير وتسليط الضّوء لا إيجاد الحلول؛ فالأديب ليس مصلحا، بل كاشفا. وتضيف الدكتورة سناء الشعلان: من المنطلق «السابق» نستطيع ألا نحصر رواية الشّباب في سنّ المبتدئين منهم في هذا الشّأن إن كنّا ننطلق من النّظر إلى هذه الرّوايات من حيث الموضوع والفئات المستهدفة بها، لكن إن نظرنا إلى الأمر من زاوية التّجارب الجديدة للرّوائيين العرب الذين يدخلون هذا الغمار لا سيما عبر أعمالهم الأولى؛ فإنّنا نستطيع بسهولة أنّ نصف هذه التّجارب في الغالب بالتّخبّط في الشّكل والتّناول واللّغة إّلى حدّ قد يصل إلى الرّكاكة والتّفكك في التفاصيل البنائيّة والسّياقيّة واللّغويّة، بما يقدّم شكلا سرديّا ضعيفا يشبه من صنعه، ويماثله في السّطحيّة والاندفاع وعدم التمّكن وضعف الأدوات والتّصميم على التّصدّي لهذا الفنّ الصّعب المتّأبّي بغية الشّهرة أو الحصول على الجوائز أو الاهتمام النّقديّ والمجتمعيّ، أو غيرها من الأسباب التي تضطلع بمهمّة أن تصنع عملا روائيّا ناجحا.


    عمان الثقافياستطلاع.. صوت الشباب في الرواية العربية تجسيد التفاعلات والقضايا والآمال في الأدب العربي


    29 نوفمبر 2023
    فيصل بن سعيد العلوي
    استمع
    في زمن تتسارع فيه معالم التغيير وتتقاطع فيه مسارات الثقافات، يظل الأدب مرآة تعكس واقع الأمم وتطلعاتها. وبين ثنايا الرواية العربية، تبرز أصوات ناشئة، تبحث عن مكانها وتحاول فهم زمانها، وهي أصوات الشباب التي تحمل في جعبتها هموما جديدة وأحلاما تتجدد.

    عند تناول موضوع «صوت الشباب في الرواية العربية»، فإننا نسلط الضوء على كيفية تجسيد الشباب وقضاياهم وآمالهم داخل الساحة الأدبية العربية، يعبر هذا الصوت عن مجموعة من الجوانب المهمة، بدءًا من التركيز على مواضيع حياتهم المعاصرة، مثل البطالة والهجرة، وصولًا إلى الأسلوب اللغوي المتقارب معهم والتفاعل مع التحديات الاجتماعية والسياسية.

    من هنا، نبحث عن تلك الأصوات، لنلتقط ردود الفعل والآراء من النقاد والمختصين، ولنفسر كيف تجلت الصرخات والهمسات الشابة ضمن نسيج الرواية العربية، فهل تمثلت قضايا الشباب وتجاربهم بصدق؟ وإلى أي مدى استطاعت الرواية العربية أن تكون مترجمة صادقة لصوت الشباب وتطلعاتهم؟ هذا ما سنحاول استقصاءه في هذا الاستطلاع..

    بداية يقول الباحث والناقد المغربي الدكتور سعيد أوعبو أن الانشغال بالرواية أمر حتمي نظرا لقدرتها التركيبية والاشتغال بتعددية المواضيع خلافا لوحدة الموضوع في أنواع مغايرة من الكتابة، كالقصة على سبيل التمثيل لا الحصر؛ وحيازة الرواية لهذه الإمكانية تجعلها قادرة على تكييف مجموعة من الأخبار في قالب نصي واحد، وبالتالي، ملامسة جوانب معتَّمة وإضاءة أخرى، لاسيما أنّ الرواية بدأت تخوض في قضايا متعددة تلامس في أغلب الظنون -في سياق المقاربة العمرية- شبابا يختارون الهجرة التي تفرضها عادة ضرائر الحياة، من قبيل رواية «القاتل الأشقر» للروائي الشاب طارق بكاري في الرحلة الخارجية، و «أن تكون هامشيا» لعبد ربه في الرحلة الداخلية، وأخرى لها علاقة بمراحل زمنية مهمة في التاريخ تثير الشباب قراءةً، من قبيل: الاغتراب في «أمريكانلي» لصنع الله إبراهيم، إلى جانب وقائع النزوح مع «مواويل الغربة» للطيفة الحاج. إلى جانب تيمة الحب التي تعدّ قاعدة تتأسّس عليها جلّ الأعمال وتنطلق منها لاستمالة عواطف القارئ، واستفزازه وجعله أكثر اتصالا مع النص، كما الحال مع الهوية، ما دامت النصوص تخوض في كلّ ما يمكن أن يعرِّف بحدّ الشّخصية قدر الإمكان، أو ما يحيط بها على أصعدة مختلفة، ومن هنا، يظل تشكيل الهوية أحد المكونات الأساسية داخل الرواية، بوعي من الكاتب أو من دونه.. دون نسيان قدرة الرواية اليوم، على تشكيلها رقميا، والتعامل معها بشكل تفاعليّ سيبريانيّ، بمحتويات داخلية تتأسس على المحيط التكنولوجي كما الحال مع روايات محمد سنجلة «شات» و «صقيع»، وهي تجربة مضمونية قادرة على الاستجابة لتطلعات الشباب، مع وجود إمكانات قابلة للتطوير، لاسيما مع الطفرة الرقمية وفجواتها.

    ويضيف «أوعبو»: يعتدّ أسلوب بناء الرواية وتشكيلها على جماليات بنيوية وتداولية، والأمر يُعزى إلى الاستجابة لتوقعات الشباب وأفق انتظارهم، إننا اليوم، أمام روايات قادرة على خلق الدهشة وتجاوز مسألة الخطيّة والتّزمين الكرونولوجي في بناء الرواية، إنها بالأحرى، تلعب عادة بالزمن وتتيح طفو استرجاعاتٍ واستباقات، وخلق نوع من التّناوب في بعض الأحيان كأننا أمام حكايات مركبة في حكاية واحدة، أما تداوليّا فهي تنشط على قاعدة التفاعل سواء مع نصوص سابقة يقاسُ مقدار التفاعل بحسب مقدار التفاعل من منطلق التناص والميتناص والمناص أو التحويل والتغيير وغيرها من الممكنات، وقد أمكن القول: لا وجود لخطاب بكر بعد نزول آدم، أي، أنه كيف ما كان الحال فإننا نستعيد في سياق التفاعلات النصية ما قيل، أو نصنع صورا متأثرة بوَسطِها بوعيٍ أو من دونه، فنجعل من كتابتنا تصويرا للعالم ورسم الواقع بالكلمات.

    ويعتقد الناقد المغربي الدكتور سعيد اوعبو بأنّ الرواية الجديدة تكتب مفصولة عن التجربة، ما دامت حياتنا بمثابة تجربة بتفاصيلها الكبيرة، وفي سياق ما نُقْدِم عليه، بما في ذلك الكتابة، والتي تعدّ تجربة صغرى في تجربة كبرى مقترنة بما نعيشه من أوضاع ووقائع لها صلة بالحياة، وداخل الرواية أيضا تُوطَّن مجموعة من التجارب الصغرى التي تشكل في طياتها كلا، أي، حبكة تسردُ حياة واقعية أو متخيلة، لكن، كيف ما كان الحال فهي نِتاج تأثير شخصية أو مكان أو معطى عابر.. فتجربتي شخصيّا في كتابة الرواية كانت دائما محط اهتمام بالذات، أو بتعبير آخر، إنها نوع من أيديولوجيا الكاتب التي تلصق به وتلتحم به، لأن الكاتب وهو يكتب فهو يدون قناعاته أولا، أو ينأى عن ذلك فيرسّخ قناعات غيره بحتميّة التّجرد من الذات، في ما يُسمى بدمقرطة الصوت بتعبير باختين، وبالرغم من ذلك، فالكاتب يحتفظ لنفسه بالأمور التي يؤمن فيدفع بها بلسان غيره، أو ينفي بعضا منها بطريقة غير مباشر، ما يجعل من هاته الأيديولوجية قصديّة فكريّة مضمرة، فلن تجد روائيّا يمينيّا في نهاية المطاف يؤمن بقيم اليسار فيضمنها في الكتابة والعكس بالعكس.. إنّ الكتابة بالأحرى تنقسم إلى تجربة فرديّة يصنعها الكاتب لنفسه، وتجربة جماعيّة يصنعها لغيره، والتّجربة الحقيقيّة عند الشباب هي التي تنطلق من الذات أو الجماعة لترصد مشاغل القوم، وتفرّخ هموم الأمة على الصعيد الاجتماعي أو السياسي من زاوية رؤية الكاتب للعالم، لنقل، إنّ الروايات الجديدة تسير في هذا الاتجاه، خائضة بطرحها في الإنسانيات، وبعيدا عن الإنسانيات لا معنى للكتابة.

    ويختتم الباحث المغربي الدكتور سعيد أوعبو حديثه بالقول إن كل محاولة كتابة عند الشباب تكون مهيكلة بفكرة القَصد والهدف، والوصول إلى الأهداف غاية تقتضي وجود إكراهات وتحديّات، وما دامت الكتابة تحتاج إلى وسائط التفاعل مع الآخر فهي في مسار تحدٍّ، لأنّ الكتابة في حدّ ذاتها غير مجدية بمنطق اللّاجدوى، وبالتالي، يتطلب الأمر وجود طرف آخر يتبنّى العمل، بما يجعل الإكراه الحقيقي مقترنا بالطبع والنشر، ولعل الأمر لا يعزى إلى رداءة الكتابة -مع العلم أنّ الحكم يظلّ نسبيا- ما دامت هناك نصوص كثيرة وجيدة لا تصل إلى القارئ، وأخرى أقل جودة بكثير تعرف انتشارا واسعا بحكم الانتساب أو غيره، أو بدعاية حسب الموقع الذي يحتلّه صاحب العمل، وبالتالي، يُرجَعُ الأمر في عمقه إلى الحاضنة الثَّقافيّة -نقصدُ دور النّشر- التي تشتغل وفق شروط خاصّة في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان تجد بعض النّصوص نفسها أمام الحظر في السياسة التدبيريّة للشؤون المحلية بعد أن تجاوز عائق النشر، كونها تلامس جوانب مثيرة أو حسّاسة، وتميط اللثام عن المستتر، وبالتالي، ممارسة شيء من الرقابة على الكتابة يمكن أن تصل حد المنع، وبالرغم من أن الكتابة وجب أنْ تتحرّر من القيود التي تعرقل مسار التأليف، إلّا أنّ هواجس الرَّفض لا مفرّ منها بالرّغم من جودة الكتابة، لأنّ قوّة الكتابة عظيم، وأثرها قوي في نشر المعارف، وتطعيم القارئ بوعي أكبر في قضايا الإنسان تحديدا، اجتماعيا، سياسيا وثقافيا.

    تعبير عن الإنسان

    ويرى الكاتب والباحث والروائي الجزائري عز الدين جلاوجي أن الرواية هي الحياة، تنطلق منها وتعود إليها، وحتى حين تنطلق من مجتمع بعينه، كون الكاتب عادة أعرف بمحيطه وأقدر استيعابا له، فهي تعبر عن الإنسان في عمومه، وكثيرا ما تستدعي الرواية شخصيات من أجيال مختلفة، لكن الغالب فيها عادة هو مرحلة الشباب، كونه الأكثر قدرة على التعبير عن الحياة بما يملك من قوة على الحركة وعلى التغيير، وكونه حاملا دوما لطموحات الإنسان ووعيه، ونظرة عجلى للروايات العالمية وأقصد بها التي كان لها الحضور القوي في واقع التلقي نلفي حضور مرحلة الشباب قوية، والأمر ذاته للمسرح وللقصة، والرواية العربية لم تشذ عن ذلك ابتداء من الروايات المؤسسة، ومنها: زينب، عصفور من الشرق، الحي اللاتيني، موسم الهجرة إلى الشمال، وريح الجنوب، إلى الرواية في عصرنا هذا، وبملاحظة بسيطة يتبين أن الموضوعات الكبرى هي هي ذاتها، أقصد طموحات وأحلام وآمال التي يحملها الشبان، كالحب والهجرة والتمرد على الواقع الاجتماعي من عادات وتقاليد، والثورة ضد طغيان السلطة الدينية والسياسية، والعلاقة مع الآخر سلبا وإيجابا، وكأن الواقع العربي لم يتغير كثيرا، وأن المجتمع ظل على مدى عقود على سكينة وجمود، قد تتجاوز نصف قرن كامل.

    ويضيف «جلاوجي»: العلاقة مع الآخر في رواية «عصفور من الشرق» (1938) لتوفيق الحكيم من خلال شخصية محسن، هي ذاتها العلاقة في رواية «حبيبتي مريم» (2023) لهدى عيد، من خلال شخصية حكيم، حيث تتسم العلاقة بالتنافر بين الطرفين، حيث يظهر الآخر متعاليا متآمرا كونه يمثل المركزية الغربية التي ترى نفسها الشمس التي تشع على الجميع وغيرها كويكبات باردة يجب أن تسبح حولها وتسبّح بحمدها، ويظهر الأنا خائفا متوجسا أو منبهرا تابعا، والأمر ذاته نجده لدى شخصية مصطفى سعيد في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، وشخصية البطل في رواية «الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، وفي رواية «بذور الشيطان» للينا الكيلاني، وكل هذه الشخصيات هي شخصيات شبانية.

    يعيش البطل الشاب صراعا مع مجتمعه، مع الأفكار البالية السائدة فيه، ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك شخصية يحيى في رواية الأقلف للروائي البحريني عبد الله خليفة، حيث يعيش البطل الغربة مذ كان طفلا مشردا، إلى أن يشب فيتعرض للإقصاء وللاغتيال أيضا لا لشيء لأنه رفض أن يكون شاة في القطيع، الأمر ذاته نجده مع شخصية فاتح اليحياوي في روايتي «الرماد الذي غسل الماء» وشخصيتي منير والجازية في روايتي «راس المحنة 1+1=0»، وشخصية التاعس في نصي «مملكة الغراب»، حيث يكون ثورة ضد الانحراف السياسي، وهي شخصيات قد لا تختلف كثيرا عن شخصية كمال أو فهمي أو يس في ثلاثية نجيب محفوظ.

    كشف لمساحات الصوت

    من جانبها تقول الروائية الأردنية الدكتورة سناء الشّعلان (بنت نعيمة) من الجامعة الأردنيّة: عندما نتحّدث عن «صوت الشّباب في الرّواية العربيّة»؛ فنحن - بكلّ تأكيد - لا نتحدّث فقط عن الرّوائيّ الذي قام بعمليّة الخلق السّرديّ المتولّد على الورق ليخرج هذا المنجز مكتوبا بما يشّكل جسد الرّواية، بل نحن لا بدّ أن ننظر إلى الأمر من زاوية الفضاء الزّمنيّ والمكانيّ، ومن زاوية مشهديّة المنجز الرّوائيّ، ومن زاوية المتلقّيّ القارئ، ومن زاوية الملتقّي النّاقد أو المتخصّص؛ فالرّؤية للرّواية من هذه الزّوايا تكشف مساحات هذا الصّوت الرّوائيّ الذي يكتبه الشّباب الرّوائيون غالبًا في تجارب قد تكون الأولى لهم أحياناً، وقد تكون الأخيرة لهم كذلك، ويتلّقاها في الغالب الشّباب مثلهم، وتنال إعجابهم، أو لا تناله، فيما يكون للنّقد نظرته الفاحصة تجاهها، وهي نظرة تتدرّج من الرّفض إلى التّحفظ إلى القبول إلى الإعجاب في كثير من الأحيان، دون أن نغفل أنّ الكثير من الأصوات الرّوائيّة حول قضايا الشّباب لم تصدر من شباب، بل صدرتْ من روائيين محترفين ومتمرّسين استطاعوا أن يعاينوا أزمات الشّباب في مجتمعاتهم، وأن يدرسوها بعمق، وأن يقدّموها للقارئ بكل جرأة ومصداقيّة ومرارة، وكثيرا منهم مَنْ حاول أن يضع حلولا لها على الرّغم من أنّ وظيفة الرّواية هي التّجسيد والتّصوير وتسليط الضّوء لا إيجاد الحلول؛ فالأديب ليس مصلحا، بل كاشفا. وتضيف الدكتورة سناء الشعلان: من المنطلق «السابق» نستطيع ألا نحصر رواية الشّباب في سنّ المبتدئين منهم في هذا الشّأن إن كنّا ننطلق من النّظر إلى هذه الرّوايات من حيث الموضوع والفئات المستهدفة بها، لكن إن نظرنا إلى الأمر من زاوية التّجارب الجديدة للرّوائيين العرب الذين يدخلون هذا الغمار لا سيما عبر أعمالهم الأولى؛ فإنّنا نستطيع بسهولة أنّ نصف هذه التّجارب في الغالب بالتّخبّط في الشّكل والتّناول واللّغة إّلى حدّ قد يصل إلى الرّكاكة والتّفكك في التفاصيل البنائيّة والسّياقيّة واللّغويّة، بما يقدّم شكلا سرديّا ضعيفا يشبه من صنعه، ويماثله في السّطحيّة والاندفاع وعدم التمّكن وضعف الأدوات والتّصميم على التّصدّي لهذا الفنّ الصّعب المتّأبّي بغية الشّهرة أو الحصول على الجوائز أو الاهتمام النّقديّ والمجتمعيّ، أو غيرها من الأسباب التي تضطلع بمهمّة أن تصنع عملا روائيّا ناجحا.
    هذا ملمح مهمّ يؤكّده عدد الرّوائيين العرب الشّباب الذين يصدرون رواياتهم الأولى في كلّ عام، كما تؤكّده إدارات الجوائز العربيّة في حقل الرّواية التي تحدّثنا عن أرقام ألفيّة من الرّوائيين الذين يقدّمون أعمالهم الرّوائيّة للجوائز في مشهد عجيب يعجّ بجيوش من الرّوائيين الذين يلهثون وراء الشّهرة والكسب المالي ليعودوا جميعهم بخفي حُنين، ولا يُكتب الفوز والنّجاح والشّهرة إلّا لأقلّ القليل منهم.
    في هذا الصّدد تكون الجوائز العربيّة قد غذّت هذا السّعار الغريب في صفوف الشّباب الذين تجرّؤوا على خوض غمار فنّ الرّواية دون أدوات أو موهبة أو حرفيّة أو اقتدار، لا سيما في ظلّ نجاح بعض الأعمال الرّوائيّة الفاشلة، وتسليط الضّوء والاهتمام عليها لأسباب كثيرة ليس منها الإبداع والاقتدار والاستحقاق.
    في المقابل نجد القلّة من الأقلام الرّوائيّة الشّابة التي انطلقتْ من موهبة حقيقيّة تُرهص باقتدار حقيقيّ بعد تغذيتها بالقراءة والاطّلاع والممارسة الحذرة الذّكيّة التي أنتجت بحقّ أعمالا روائيّة تبشّر بمستقبل روائيّ متميّز لأصحابها إنْ ساروا على الدّرب ذاته بجديّة وإصرار.
    وتشير الروائية سناء الشعلان: في التّجارب الرّوائيّة جميعها للشّباب العربيّ، أكانتْ تجارب متميّزة كُتب لها الاشتهار والنّجاح وخلق بصمتها الخاصّة، أم كانتْ تجارب مترنّحة بين النّجاح والفشل، أم كانتْ تجارب فاشلة توارتْ في الظّلّ؛ فإنّها جميعا قد انطلقتْ من رؤية خاصّة للشّباب وإدراك خاصّ بهم لواقعهم، كما سجّلتْ مشاكلهم ومعاناتهم وأفكارهم وأحلامهم ومعاناتهم، كذلك أظهرتْ تجاربهم وحيواتهم ومواقفهم الحياتيّة بغضّ النّظر عن حظوظهم من الفنيّة والإبداع والموهبة والقدرة على التّشكيل والبناء والتّناول، كما تجسّدتْ بكلّ وضوح معطيات واقعهم المتباين من حيث الظّروف والتّدافع والواقع المرير والتّحدّيات والإكراهات واللّغة والبيئة والمشاكل والحلول والبناء والتّشكيل، وهي بذلك -دون شكّ- قد أخذت أنساقا لغويّة وأشكالا بنائيّة ومحمولات متعدّدة تتناسب مع حيواتهم ومشكّلاتها وعناصرها؛ فظهرتْ صورة عنهم في كلّ شيء حتى في قدراتهم اللّغويّة والفكريّة والتّحليليّة، بل إنّها كشفتْ كذلك عن مكوناتهم النّفسيّة والعقليّة والإدراكيّة، وكانت الحاضنة الصّادقة والتّأريخ الدّقيق لمكنون ذواتهم وتجاربهم وأطوار حيواتهم.
    وتؤكد «الشعلان» أن الأمر السابق جعل الشّباب المهتم بالرّواية يُقبل على قراءة ما تنتجه أقلام الرّوائيين الشّباب انطلاقاً من فضولهم تجاه هذه التّجارب، لا سيما تلك التي طرحتْ قضاياهم بجرأة وصراحة، حتى لو فعلتْ ذلك بطريقة فجّة إلى حدّ الإسفاف، أو بطريقة غريبة حدّ الخروج أحياناً عن أنماط الرّواية التّقليديّة، بل أحيانا إلى حدّ الخروج عن العناصر الأساسيّة المكوّنة لفنّ الرّواية ما دامتْ تتعاطى مع أفكارهم ولغتهم اليوميّة وسياقاتهم الخاصّة وطروحاتهم المتباينة، إلى حدّ أنّ بعض التّجارب الرّوائيّة قد نالت إعجاب الشّباب المتلقّي على الرّغم من أنّها فاشلة فنيّا؛ لأنّها ترضي جوانب ما عندهم، فروّجوا لها عبر وسائل التّواصل الإلكترونيّ، وصنعوا لها حضورا وتسويقا كبيرا في أوقات ما.
    وتختتم الروائية الدكتورة سناء الشعلان حديثها بالقول إن هذه التّجارب جميعها سقطتْ في الظّلّ، وطواها النّسيان، كما طوى أسماء مَنْ كتبوها، شأنها شأن أيّ موضة شاذّة، تنفجر، ثم تستشري، ثم تموت؛ لأنّ هذه الرّوايات لم تحمل أسباب حياتها، إنّما عاشتْ قليلا بسبب الصّدفة والتفاف بعض الأصوات حولها لاختراقها بعض التّابوات التي تلفت نظر الشّباب، ثم سرعان ما اندثرتْ دون بعث. لكن الحياة بقيتْ من حظّ التّجارب الشّبابيّة النّاجحة فنيّا وبنيويّا ورؤيويّا، وهي ذاتها التي لفتتْ نظر النّقّاد الذي توقّفوا عندها مليّا بالدّراسة، كما هي ذاتها التي ستكون –دون شكّ- لبنات في المشهد الرّوائيّ العربيّ المعاصر على امتداد رقعة الذين يكتبون بالعربيّة من العرب وغير العرب لتوصيف مشهد روائيّ يعجّ بالتّجارب والأشكال والإصدارات التي كثرتْ إلى حدّ يُعجز أيّ دارس أو باحث أو ناقد أو متلقٍ عن أن يحيط به كاملا.
    هويات واختلافات ثقافية:
    مؤكدة على أن صوت الشباب يجسد -كمرحلة عمرية تمثل ذروة الحيوية والنشاط- مجموعة متنوعة من الأفكار والآراء والخبرات والأحاسيس، بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والانتماءات السياسية والهويات المتنوعة والاختلافات الثقافية التي تميز كل فئة منهم وتعبر عن فرديتها، تقول الناقدة والأكاديمية المصرية الدكتورة نهلة راحيل: يميل الأدباء العرب إلى تمثيل تلك الأصوات في نصوصهم الإبداعية؛ حيث يجدونها مادة سردية ثرية يمكنها أن تخلق حوارًا فعالًا ونقاشًا متجددا حول قضايا الشباب وأحلامهم وتطلعاتهم في مختلف أنحاء العالم.
    ويمكن القول بأن كاتبي الرواية العربية بكافة الأقطار قد فطنوا مبكرا إلى أهمية تمثيل قضايا الشباب وإيصال أصواتهم عبر سردياتهم متنوعة الشكل والأسلوب، فاحتلت تجاربهم النفسية ومشاكلهم الاجتماعية وتطوراتهم الذهنية حيزا كبيرا منها خاصة في المراحل التاريخية الفاصلة في عمر الأوطان، كالثورات والحروب والأوبئة والمجاعات وغيرها من أحداث انتقالية تؤثر في واقع هذا الجيل وتطلعاته نحو المستقبل.
    فعكست موضوعات الرواية العربية مشاكل الشباب الاجتماعية المألوفة كالبطالة والفقر والتنمر والإدمان وتأخر الزواج والتفكك الأسري والاغتراب عن الذات/ المجتمع والهجرة غير الشرعية والتذبذب الديني والعنف البدني والنفسي وغيرها من قضايا شغلت الكتّاب العرب على اختلاف انتماءاتهم. كما اتجهت الرواية نحو التجريب لتطور مضامينها كي تتجاوز المألوف وتتمكن من التعبير عن قضايا شائكة كاضطراب الهوية الجندرية والتوجهات الجنسية المغايرة والممارسات العنصرية تجاه المختلفين.
    وكان من الطبيعي أن يبحث الروائي كذلك عن أدوات جديدة تمكنه من تمثيل صوت الشباب وواقعه المتغير، وبالأخص في ظل سيطرة الثورة الرقمية التي محت الحدود المكانية والحواجز الفكرية بين الشباب، وكذلك في ظل شيوع ثقافة الصورة التي خلقت استراتيجيات حديثة للتواصل بينهم. وكان من أساليب التجريب الروائي التي اعتمدها الروائيون لاستيعاب هذا التجدد اللجوء إلى أنماط سردية غير تقليدية كرواية الخيال العلمي أو الديستوبيا أو الروايات البوليسية وقصص المغامرات وغيرها من بنى جديدة تبتعد عن الأشكال السردية الكلاسيكية.
    وتضيف الدكتورة نهلة راحيل: حققت الثورة الرقمية ما يمكن أن نسميه بالثورة اللسانية، حيث اقتحمت لغة الكتابة العديد من المفردات المستقاة من مجالات العلم والتكنولوجيا أو من وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة، لتحدث ثورة موازية في الكتابة الروائية التي انفتح أصحابها على اللغات الأجنبية والمصطلحات التكنولوجية الحديثة ومفردات المنصات الشبابية، فشهدت عوالمهم الروائية ملامح تجريبية ليس فقط على مستوى الموضوعات، إنما أيضا على مستوى السمات الأسلوبية المعبرة عن تلك المضامين.
    ومن اللافت للنظر لجوء الشباب أنفسهم من الأدباء المبدعين في العديد من البلدان العربية في الآونة الأخيرة إلى تمثيل أصواتهم بنفسهم وتمثيل قضاياهم الخاصة وتجسيد تفاعلهم مع ما يحيطهم من أحداث تاريخية وتحولات اجتماعية عبر كتابات ذاتية متنوعة الأسلوب يستدعون بها تجاربهم الحياتية سواء تلك المنشورة بالشكل التقليدي المعتاد في كتب ورقية أو تلك المنشورة إلكترونيا عبر المدونات والمواقع والمنصات وغيرها من أشكال تفاعلية أدت إلى سهولة انتشار النصوص الأدبية بين جمهور القراء بعد تحررها من الصيغة الورقية وتعدد سبل إيصالها إلى المتلقي.
    صوت غائب:
    ومن وجهة نظره يرى القاص حسام المسكري أن صوت الشاب -حسب قراءته- ليس حاضرا بقوة في الرواية العربية وهذا الأمر يرجع لعدة أسباب مختلفة يقول عنها: «عمر كتاب الرواية» كتابة رواية جيدة ومتزنة تتطلب مقدار لا بأس به من الالتزام والخبرة وهذا صعب أن تجده لدى الشاب حيث إن مرحلة الشباب تتميز بالانطلاق والتجربة والكثير من الكتاب في بداياتهم ينطلقون بكتابة القصة القصيرة وبعدها للرواية، ولا أنفي طبعا وجود كتاب رواية شباب في السنوات الأخيرة ظهر مجموعة من الكتاب الشباب الذين لمعوا بصورة كبيرة بين جيلهم والفئات الأصغر عمرًا وهناك دور نشر تخصصت في نشر رواياتهم وتميزوا باستغلالهم وسائل التواصل للوصول إلى الفئة المستهدفة من القراء ولاقت كتاباتهم رواجا شديدا ولكن لم نرَ لكتاباتهم صدى كبيرا في الوسط الأدبي، فأغلب أغلب تلك التجارب تكون في البدايات وتحتاج إلى المزيد من الخبرة والتجربة لتنتج رواية تعجب القراء وتصل للناس، فالقضايا واللغة المستخدمة فيها لا تناسب ذائقة أغلب قراء الأدب وعشاق الرواية وهذا يطرح تساؤلا عن مدى جودة هذا النوع من الأدب أهو صحي أم لا؟
    ويضيف «المسكري»: الخبرة ليست العامل الوحيد في غياب صوت الشاب فالموضوعات والتحديات التي تهم الشاب اليوم مختلفة كثيرا عن الأجيال السابقة ولا تجدها في الروايات، ولوسائل التواصل دور كبير، فسابقا لطرح قضية ما عليك أن تكتب عنها، أما الجيل الحالي فقد نقل قضاياه وهمومه إلى وسائل التواصل، فوجود وسائل التواصل الحديثة واستحواذها على جزء هائل من وقتنا وتفكيرنا أبعد الجيل الحالي كثيرا عن قراءة الروايات والكتب، فاللغة المستخدمة في الروايات لا تتناسب مع اللغة الخفيفة والسريعة التي اعتادوا استخدامها في وسائل التواصل، لذلك فإن وسائل التواصل تناسب قضايا الشباب أكثر فقضاياهم هي قضايا الحاضر أما الرواية في غالبها تكون استرجاع للماضي، والقضايا التي تهمهم مثل البطالة، وصعوبات الدراسة الجامعية وتحدياتها، صراع الأجيال ومحاولة خلق صوت خاص بهم...إلخ جميعا صراعات يومية تتطلب حلولا فورية وسريعة لذا ستجدها حاضرة في المقالات بكثرة وتوجد في القصص القصيرة حيث إنهم أسرع من الرواية، كتابة الرواية تحتاج الكثير من الوقت وبالعادة هذا الوقت لا يقل عن سنة وبالنسبة للشاب فإيقاع حياتهم السريع والمتغير لا يسمح لهم بالانتظار كل هذا الوقت لأجل مناقشة قضية بينما بإمكانه أن ينشر تغريدة في خمس دقائق.
    تجسيد في الروح:


    عمان الثقافياستطلاع.. صوت الشباب في الرواية العربية تجسيد التفاعلات والقضايا والآمال في الأدب العربي


    29 نوفمبر 2023
    فيصل بن سعيد العلوي
    استمع
    في زمن تتسارع فيه معالم التغيير وتتقاطع فيه مسارات الثقافات، يظل الأدب مرآة تعكس واقع الأمم وتطلعاتها. وبين ثنايا الرواية العربية، تبرز أصوات ناشئة، تبحث عن مكانها وتحاول فهم زمانها، وهي أصوات الشباب التي تحمل في جعبتها هموما جديدة وأحلاما تتجدد.

    عند تناول موضوع «صوت الشباب في الرواية العربية»، فإننا نسلط الضوء على كيفية تجسيد الشباب وقضاياهم وآمالهم داخل الساحة الأدبية العربية، يعبر هذا الصوت عن مجموعة من الجوانب المهمة، بدءًا من التركيز على مواضيع حياتهم المعاصرة، مثل البطالة والهجرة، وصولًا إلى الأسلوب اللغوي المتقارب معهم والتفاعل مع التحديات الاجتماعية والسياسية.

    من هنا، نبحث عن تلك الأصوات، لنلتقط ردود الفعل والآراء من النقاد والمختصين، ولنفسر كيف تجلت الصرخات والهمسات الشابة ضمن نسيج الرواية العربية، فهل تمثلت قضايا الشباب وتجاربهم بصدق؟ وإلى أي مدى استطاعت الرواية العربية أن تكون مترجمة صادقة لصوت الشباب وتطلعاتهم؟ هذا ما سنحاول استقصاءه في هذا الاستطلاع..

    بداية يقول الباحث والناقد المغربي الدكتور سعيد أوعبو أن الانشغال بالرواية أمر حتمي نظرا لقدرتها التركيبية والاشتغال بتعددية المواضيع خلافا لوحدة الموضوع في أنواع مغايرة من الكتابة، كالقصة على سبيل التمثيل لا الحصر؛ وحيازة الرواية لهذه الإمكانية تجعلها قادرة على تكييف مجموعة من الأخبار في قالب نصي واحد، وبالتالي، ملامسة جوانب معتَّمة وإضاءة أخرى، لاسيما أنّ الرواية بدأت تخوض في قضايا متعددة تلامس في أغلب الظنون -في سياق المقاربة العمرية- شبابا يختارون الهجرة التي تفرضها عادة ضرائر الحياة، من قبيل رواية «القاتل الأشقر» للروائي الشاب طارق بكاري في الرحلة الخارجية، و «أن تكون هامشيا» لعبد ربه في الرحلة الداخلية، وأخرى لها علاقة بمراحل زمنية مهمة في التاريخ تثير الشباب قراءةً، من قبيل: الاغتراب في «أمريكانلي» لصنع الله إبراهيم، إلى جانب وقائع النزوح مع «مواويل الغربة» للطيفة الحاج. إلى جانب تيمة الحب التي تعدّ قاعدة تتأسّس عليها جلّ الأعمال وتنطلق منها لاستمالة عواطف القارئ، واستفزازه وجعله أكثر اتصالا مع النص، كما الحال مع الهوية، ما دامت النصوص تخوض في كلّ ما يمكن أن يعرِّف بحدّ الشّخصية قدر الإمكان، أو ما يحيط بها على أصعدة مختلفة، ومن هنا، يظل تشكيل الهوية أحد المكونات الأساسية داخل الرواية، بوعي من الكاتب أو من دونه.. دون نسيان قدرة الرواية اليوم، على تشكيلها رقميا، والتعامل معها بشكل تفاعليّ سيبريانيّ، بمحتويات داخلية تتأسس على المحيط التكنولوجي كما الحال مع روايات محمد سنجلة «شات» و «صقيع»، وهي تجربة مضمونية قادرة على الاستجابة لتطلعات الشباب، مع وجود إمكانات قابلة للتطوير، لاسيما مع الطفرة الرقمية وفجواتها.

    ويضيف «أوعبو»: يعتدّ أسلوب بناء الرواية وتشكيلها على جماليات بنيوية وتداولية، والأمر يُعزى إلى الاستجابة لتوقعات الشباب وأفق انتظارهم، إننا اليوم، أمام روايات قادرة على خلق الدهشة وتجاوز مسألة الخطيّة والتّزمين الكرونولوجي في بناء الرواية، إنها بالأحرى، تلعب عادة بالزمن وتتيح طفو استرجاعاتٍ واستباقات، وخلق نوع من التّناوب في بعض الأحيان كأننا أمام حكايات مركبة في حكاية واحدة، أما تداوليّا فهي تنشط على قاعدة التفاعل سواء مع نصوص سابقة يقاسُ مقدار التفاعل بحسب مقدار التفاعل من منطلق التناص والميتناص والمناص أو التحويل والتغيير وغيرها من الممكنات، وقد أمكن القول: لا وجود لخطاب بكر بعد نزول آدم، أي، أنه كيف ما كان الحال فإننا نستعيد في سياق التفاعلات النصية ما قيل، أو نصنع صورا متأثرة بوَسطِها بوعيٍ أو من دونه، فنجعل من كتابتنا تصويرا للعالم ورسم الواقع بالكلمات.

    ويعتقد الناقد المغربي الدكتور سعيد اوعبو بأنّ الرواية الجديدة تكتب مفصولة عن التجربة، ما دامت حياتنا بمثابة تجربة بتفاصيلها الكبيرة، وفي سياق ما نُقْدِم عليه، بما في ذلك الكتابة، والتي تعدّ تجربة صغرى في تجربة كبرى مقترنة بما نعيشه من أوضاع ووقائع لها صلة بالحياة، وداخل الرواية أيضا تُوطَّن مجموعة من التجارب الصغرى التي تشكل في طياتها كلا، أي، حبكة تسردُ حياة واقعية أو متخيلة، لكن، كيف ما كان الحال فهي نِتاج تأثير شخصية أو مكان أو معطى عابر.. فتجربتي شخصيّا في كتابة الرواية كانت دائما محط اهتمام بالذات، أو بتعبير آخر، إنها نوع من أيديولوجيا الكاتب التي تلصق به وتلتحم به، لأن الكاتب وهو يكتب فهو يدون قناعاته أولا، أو ينأى عن ذلك فيرسّخ قناعات غيره بحتميّة التّجرد من الذات، في ما يُسمى بدمقرطة الصوت بتعبير باختين، وبالرغم من ذلك، فالكاتب يحتفظ لنفسه بالأمور التي يؤمن فيدفع بها بلسان غيره، أو ينفي بعضا منها بطريقة غير مباشر، ما يجعل من هاته الأيديولوجية قصديّة فكريّة مضمرة، فلن تجد روائيّا يمينيّا في نهاية المطاف يؤمن بقيم اليسار فيضمنها في الكتابة والعكس بالعكس.. إنّ الكتابة بالأحرى تنقسم إلى تجربة فرديّة يصنعها الكاتب لنفسه، وتجربة جماعيّة يصنعها لغيره، والتّجربة الحقيقيّة عند الشباب هي التي تنطلق من الذات أو الجماعة لترصد مشاغل القوم، وتفرّخ هموم الأمة على الصعيد الاجتماعي أو السياسي من زاوية رؤية الكاتب للعالم، لنقل، إنّ الروايات الجديدة تسير في هذا الاتجاه، خائضة بطرحها في الإنسانيات، وبعيدا عن الإنسانيات لا معنى للكتابة.

    ويختتم الباحث المغربي الدكتور سعيد أوعبو حديثه بالقول إن كل محاولة كتابة عند الشباب تكون مهيكلة بفكرة القَصد والهدف، والوصول إلى الأهداف غاية تقتضي وجود إكراهات وتحديّات، وما دامت الكتابة تحتاج إلى وسائط التفاعل مع الآخر فهي في مسار تحدٍّ، لأنّ الكتابة في حدّ ذاتها غير مجدية بمنطق اللّاجدوى، وبالتالي، يتطلب الأمر وجود طرف آخر يتبنّى العمل، بما يجعل الإكراه الحقيقي مقترنا بالطبع والنشر، ولعل الأمر لا يعزى إلى رداءة الكتابة -مع العلم أنّ الحكم يظلّ نسبيا- ما دامت هناك نصوص كثيرة وجيدة لا تصل إلى القارئ، وأخرى أقل جودة بكثير تعرف انتشارا واسعا بحكم الانتساب أو غيره، أو بدعاية حسب الموقع الذي يحتلّه صاحب العمل، وبالتالي، يُرجَعُ الأمر في عمقه إلى الحاضنة الثَّقافيّة -نقصدُ دور النّشر- التي تشتغل وفق شروط خاصّة في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان تجد بعض النّصوص نفسها أمام الحظر في السياسة التدبيريّة للشؤون المحلية بعد أن تجاوز عائق النشر، كونها تلامس جوانب مثيرة أو حسّاسة، وتميط اللثام عن المستتر، وبالتالي، ممارسة شيء من الرقابة على الكتابة يمكن أن تصل حد المنع، وبالرغم من أن الكتابة وجب أنْ تتحرّر من القيود التي تعرقل مسار التأليف، إلّا أنّ هواجس الرَّفض لا مفرّ منها بالرّغم من جودة الكتابة، لأنّ قوّة الكتابة عظيم، وأثرها قوي في نشر المعارف، وتطعيم القارئ بوعي أكبر في قضايا الإنسان تحديدا، اجتماعيا، سياسيا وثقافيا.

    تعبير عن الإنسان

    ويرى الكاتب والباحث والروائي الجزائري عز الدين جلاوجي أن الرواية هي الحياة، تنطلق منها وتعود إليها، وحتى حين تنطلق من مجتمع بعينه، كون الكاتب عادة أعرف بمحيطه وأقدر استيعابا له، فهي تعبر عن الإنسان في عمومه، وكثيرا ما تستدعي الرواية شخصيات من أجيال مختلفة، لكن الغالب فيها عادة هو مرحلة الشباب، كونه الأكثر قدرة على التعبير عن الحياة بما يملك من قوة على الحركة وعلى التغيير، وكونه حاملا دوما لطموحات الإنسان ووعيه، ونظرة عجلى للروايات العالمية وأقصد بها التي كان لها الحضور القوي في واقع التلقي نلفي حضور مرحلة الشباب قوية، والأمر ذاته للمسرح وللقصة، والرواية العربية لم تشذ عن ذلك ابتداء من الروايات المؤسسة، ومنها: زينب، عصفور من الشرق، الحي اللاتيني، موسم الهجرة إلى الشمال، وريح الجنوب، إلى الرواية في عصرنا هذا، وبملاحظة بسيطة يتبين أن الموضوعات الكبرى هي هي ذاتها، أقصد طموحات وأحلام وآمال التي يحملها الشبان، كالحب والهجرة والتمرد على الواقع الاجتماعي من عادات وتقاليد، والثورة ضد طغيان السلطة الدينية والسياسية، والعلاقة مع الآخر سلبا وإيجابا، وكأن الواقع العربي لم يتغير كثيرا، وأن المجتمع ظل على مدى عقود على سكينة وجمود، قد تتجاوز نصف قرن كامل.

    ويضيف «جلاوجي»: العلاقة مع الآخر في رواية «عصفور من الشرق» (1938) لتوفيق الحكيم من خلال شخصية محسن، هي ذاتها العلاقة في رواية «حبيبتي مريم» (2023) لهدى عيد، من خلال شخصية حكيم، حيث تتسم العلاقة بالتنافر بين الطرفين، حيث يظهر الآخر متعاليا متآمرا كونه يمثل المركزية الغربية التي ترى نفسها الشمس التي تشع على الجميع وغيرها كويكبات باردة يجب أن تسبح حولها وتسبّح بحمدها، ويظهر الأنا خائفا متوجسا أو منبهرا تابعا، والأمر ذاته نجده لدى شخصية مصطفى سعيد في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، وشخصية البطل في رواية «الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، وفي رواية «بذور الشيطان» للينا الكيلاني، وكل هذه الشخصيات هي شخصيات شبانية.

    يعيش البطل الشاب صراعا مع مجتمعه، مع الأفكار البالية السائدة فيه، ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك شخصية يحيى في رواية الأقلف للروائي البحريني عبد الله خليفة، حيث يعيش البطل الغربة مذ كان طفلا مشردا، إلى أن يشب فيتعرض للإقصاء وللاغتيال أيضا لا لشيء لأنه رفض أن يكون شاة في القطيع، الأمر ذاته نجده مع شخصية فاتح اليحياوي في روايتي «الرماد الذي غسل الماء» وشخصيتي منير والجازية في روايتي «راس المحنة 1+1=0»، وشخصية التاعس في نصي «مملكة الغراب»، حيث يكون ثورة ضد الانحراف السياسي، وهي شخصيات قد لا تختلف كثيرا عن شخصية كمال أو فهمي أو يس في ثلاثية نجيب محفوظ.

    كشف لمساحات الصوت

    من جانبها تقول الروائية الأردنية الدكتورة سناء الشّعلان (بنت نعيمة) من الجامعة الأردنيّة: عندما نتحّدث عن «صوت الشّباب في الرّواية العربيّة»؛ فنحن - بكلّ تأكيد - لا نتحدّث فقط عن الرّوائيّ الذي قام بعمليّة الخلق السّرديّ المتولّد على الورق ليخرج هذا المنجز مكتوبا بما يشّكل جسد الرّواية، بل نحن لا بدّ أن ننظر إلى الأمر من زاوية الفضاء الزّمنيّ والمكانيّ، ومن زاوية مشهديّة المنجز الرّوائيّ، ومن زاوية المتلقّيّ القارئ، ومن زاوية الملتقّي النّاقد أو المتخصّص؛ فالرّؤية للرّواية من هذه الزّوايا تكشف مساحات هذا الصّوت الرّوائيّ الذي يكتبه الشّباب الرّوائيون غالبًا في تجارب قد تكون الأولى لهم أحياناً، وقد تكون الأخيرة لهم كذلك، ويتلّقاها في الغالب الشّباب مثلهم، وتنال إعجابهم، أو لا تناله، فيما يكون للنّقد نظرته الفاحصة تجاهها، وهي نظرة تتدرّج من الرّفض إلى التّحفظ إلى القبول إلى الإعجاب في كثير من الأحيان، دون أن نغفل أنّ الكثير من الأصوات الرّوائيّة حول قضايا الشّباب لم تصدر من شباب، بل صدرتْ من روائيين محترفين ومتمرّسين استطاعوا أن يعاينوا أزمات الشّباب في مجتمعاتهم، وأن يدرسوها بعمق، وأن يقدّموها للقارئ بكل جرأة ومصداقيّة ومرارة، وكثيرا منهم مَنْ حاول أن يضع حلولا لها على الرّغم من أنّ وظيفة الرّواية هي التّجسيد والتّصوير وتسليط الضّوء لا إيجاد الحلول؛ فالأديب ليس مصلحا، بل كاشفا. وتضيف الدكتورة سناء الشعلان: من المنطلق «السابق» نستطيع ألا نحصر رواية الشّباب في سنّ المبتدئين منهم في هذا الشّأن إن كنّا ننطلق من النّظر إلى هذه الرّوايات من حيث الموضوع والفئات المستهدفة بها، لكن إن نظرنا إلى الأمر من زاوية التّجارب الجديدة للرّوائيين العرب الذين يدخلون هذا الغمار لا سيما عبر أعمالهم الأولى؛ فإنّنا نستطيع بسهولة أنّ نصف هذه التّجارب في الغالب بالتّخبّط في الشّكل والتّناول واللّغة إّلى حدّ قد يصل إلى الرّكاكة والتّفكك في التفاصيل البنائيّة والسّياقيّة واللّغويّة، بما يقدّم شكلا سرديّا ضعيفا يشبه من صنعه، ويماثله في السّطحيّة والاندفاع وعدم التمّكن وضعف الأدوات والتّصميم على التّصدّي لهذا الفنّ الصّعب المتّأبّي بغية الشّهرة أو الحصول على الجوائز أو الاهتمام النّقديّ والمجتمعيّ، أو غيرها من الأسباب التي تضطلع بمهمّة أن تصنع عملا روائيّا ناجحا.

    هذا ملمح مهمّ يؤكّده عدد الرّوائيين العرب الشّباب الذين يصدرون رواياتهم الأولى في كلّ عام، كما تؤكّده إدارات الجوائز العربيّة في حقل الرّواية التي تحدّثنا عن أرقام ألفيّة من الرّوائيين الذين يقدّمون أعمالهم الرّوائيّة للجوائز في مشهد عجيب يعجّ بجيوش من الرّوائيين الذين يلهثون وراء الشّهرة والكسب المالي ليعودوا جميعهم بخفي حُنين، ولا يُكتب الفوز والنّجاح والشّهرة إلّا لأقلّ القليل منهم.

    في هذا الصّدد تكون الجوائز العربيّة قد غذّت هذا السّعار الغريب في صفوف الشّباب الذين تجرّؤوا على خوض غمار فنّ الرّواية دون أدوات أو موهبة أو حرفيّة أو اقتدار، لا سيما في ظلّ نجاح بعض الأعمال الرّوائيّة الفاشلة، وتسليط الضّوء والاهتمام عليها لأسباب كثيرة ليس منها الإبداع والاقتدار والاستحقاق.
    في المقابل نجد القلّة من الأقلام الرّوائيّة الشّابة التي انطلقتْ من موهبة حقيقيّة تُرهص باقتدار حقيقيّ بعد تغذيتها بالقراءة والاطّلاع والممارسة الحذرة الذّكيّة التي أنتجت بحقّ أعمالا روائيّة تبشّر بمستقبل روائيّ متميّز لأصحابها إنْ ساروا على الدّرب ذاته بجديّة وإصرار.
    وتشير الروائية سناء الشعلان: في التّجارب الرّوائيّة جميعها للشّباب العربيّ، أكانتْ تجارب متميّزة كُتب لها الاشتهار والنّجاح وخلق بصمتها الخاصّة، أم كانتْ تجارب مترنّحة بين النّجاح والفشل، أم كانتْ تجارب فاشلة توارتْ في الظّلّ؛ فإنّها جميعا قد انطلقتْ من رؤية خاصّة للشّباب وإدراك خاصّ بهم لواقعهم، كما سجّلتْ مشاكلهم ومعاناتهم وأفكارهم وأحلامهم ومعاناتهم، كذلك أظهرتْ تجاربهم وحيواتهم ومواقفهم الحياتيّة بغضّ النّظر عن حظوظهم من الفنيّة والإبداع والموهبة والقدرة على التّشكيل والبناء والتّناول، كما تجسّدتْ بكلّ وضوح معطيات واقعهم المتباين من حيث الظّروف والتّدافع والواقع المرير والتّحدّيات والإكراهات واللّغة والبيئة والمشاكل والحلول والبناء والتّشكيل، وهي بذلك -دون شكّ- قد أخذت أنساقا لغويّة وأشكالا بنائيّة ومحمولات متعدّدة تتناسب مع حيواتهم ومشكّلاتها وعناصرها؛ فظهرتْ صورة عنهم في كلّ شيء حتى في قدراتهم اللّغويّة والفكريّة والتّحليليّة، بل إنّها كشفتْ كذلك عن مكوناتهم النّفسيّة والعقليّة والإدراكيّة، وكانت الحاضنة الصّادقة والتّأريخ الدّقيق لمكنون ذواتهم وتجاربهم وأطوار حيواتهم.
    وتؤكد «الشعلان» أن الأمر السابق جعل الشّباب المهتم بالرّواية يُقبل على قراءة ما تنتجه أقلام الرّوائيين الشّباب انطلاقاً من فضولهم تجاه هذه التّجارب، لا سيما تلك التي طرحتْ قضاياهم بجرأة وصراحة، حتى لو فعلتْ ذلك بطريقة فجّة إلى حدّ الإسفاف، أو بطريقة غريبة حدّ الخروج أحياناً عن أنماط الرّواية التّقليديّة، بل أحيانا إلى حدّ الخروج عن العناصر الأساسيّة المكوّنة لفنّ الرّواية ما دامتْ تتعاطى مع أفكارهم ولغتهم اليوميّة وسياقاتهم الخاصّة وطروحاتهم المتباينة، إلى حدّ أنّ بعض التّجارب الرّوائيّة قد نالت إعجاب الشّباب المتلقّي على الرّغم من أنّها فاشلة فنيّا؛ لأنّها ترضي جوانب ما عندهم، فروّجوا لها عبر وسائل التّواصل الإلكترونيّ، وصنعوا لها حضورا وتسويقا كبيرا في أوقات ما.
    وتختتم الروائية الدكتورة سناء الشعلان حديثها بالقول إن هذه التّجارب جميعها سقطتْ في الظّلّ، وطواها النّسيان، كما طوى أسماء مَنْ كتبوها، شأنها شأن أيّ موضة شاذّة، تنفجر، ثم تستشري، ثم تموت؛ لأنّ هذه الرّوايات لم تحمل أسباب حياتها، إنّما عاشتْ قليلا بسبب الصّدفة والتفاف بعض الأصوات حولها لاختراقها بعض التّابوات التي تلفت نظر الشّباب، ثم سرعان ما اندثرتْ دون بعث. لكن الحياة بقيتْ من حظّ التّجارب الشّبابيّة النّاجحة فنيّا وبنيويّا ورؤيويّا، وهي ذاتها التي لفتتْ نظر النّقّاد الذي توقّفوا عندها مليّا بالدّراسة، كما هي ذاتها التي ستكون –دون شكّ- لبنات في المشهد الرّوائيّ العربيّ المعاصر على امتداد رقعة الذين يكتبون بالعربيّة من العرب وغير العرب لتوصيف مشهد روائيّ يعجّ بالتّجارب والأشكال والإصدارات التي كثرتْ إلى حدّ يُعجز أيّ دارس أو باحث أو ناقد أو متلقٍ عن أن يحيط به كاملا.
    هويات واختلافات ثقافية:
    مؤكدة على أن صوت الشباب يجسد -كمرحلة عمرية تمثل ذروة الحيوية والنشاط- مجموعة متنوعة من الأفكار والآراء والخبرات والأحاسيس، بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والانتماءات السياسية والهويات المتنوعة والاختلافات الثقافية التي تميز كل فئة منهم وتعبر عن فرديتها، تقول الناقدة والأكاديمية المصرية الدكتورة نهلة راحيل: يميل الأدباء العرب إلى تمثيل تلك الأصوات في نصوصهم الإبداعية؛ حيث يجدونها مادة سردية ثرية يمكنها أن تخلق حوارًا فعالًا ونقاشًا متجددا حول قضايا الشباب وأحلامهم وتطلعاتهم في مختلف أنحاء العالم.
    ويمكن القول بأن كاتبي الرواية العربية بكافة الأقطار قد فطنوا مبكرا إلى أهمية تمثيل قضايا الشباب وإيصال أصواتهم عبر سردياتهم متنوعة الشكل والأسلوب، فاحتلت تجاربهم النفسية ومشاكلهم الاجتماعية وتطوراتهم الذهنية حيزا كبيرا منها خاصة في المراحل التاريخية الفاصلة في عمر الأوطان، كالثورات والحروب والأوبئة والمجاعات وغيرها من أحداث انتقالية تؤثر في واقع هذا الجيل وتطلعاته نحو المستقبل.
    وعكست موضوعات الرواية العربية مشاكل الشباب الاجتماعية المألوفة كالبطالة والفقر والتنمر والإدمان وتأخر الزواج والتفكك الأسري والاغتراب عن الذات/ المجتمع والهجرة غير الشرعية والتذبذب الديني والعنف البدني والنفسي وغيرها من قضايا شغلت الكتّاب العرب على اختلاف انتماءاتهم. كما اتجهت الرواية نحو التجريب لتطور مضامينها كي تتجاوز المألوف وتتمكن من التعبير عن قضايا شائكة كاضطراب الهوية الجندرية والتوجهات الجنسية المغايرة والممارسات العنصرية تجاه المختلفين.
    وكان من الطبيعي أن يبحث الروائي كذلك عن أدوات جديدة تمكنه من تمثيل صوت الشباب وواقعه المتغير، وبالأخص في ظل سيطرة الثورة الرقمية التي محت الحدود المكانية والحواجز الفكرية بين الشباب، وكذلك في ظل شيوع ثقافة الصورة التي خلقت استراتيجيات حديثة للتواصل بينهم. وكان من أساليب التجريب الروائي التي اعتمدها الروائيون لاستيعاب هذا التجدد اللجوء إلى أنماط سردية غير تقليدية كرواية الخيال العلمي أو الديستوبيا أو الروايات البوليسية وقصص المغامرات وغيرها من بنى جديدة تبتعد عن الأشكال السردية الكلاسيكية.
    وتضيف الدكتورة نهلة راحيل: حققت الثورة الرقمية ما يمكن أن نسميه بالثورة اللسانية، حيث اقتحمت لغة الكتابة العديد من المفردات المستقاة من مجالات العلم والتكنولوجيا أو من وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة، لتحدث ثورة موازية في الكتابة الروائية التي انفتح أصحابها على اللغات الأجنبية والمصطلحات التكنولوجية الحديثة ومفردات المنصات الشبابية، فشهدت عوالمهم الروائية ملامح تجريبية ليس فقط على مستوى الموضوعات، إنما أيضا على مستوى السمات الأسلوبية المعبرة عن تلك المضامين.
    ومن اللافت للنظر لجوء الشباب أنفسهم من الأدباء المبدعين في العديد من البلدان العربية في الآونة الأخيرة إلى تمثيل أصواتهم بنفسهم وتمثيل قضاياهم الخاصة وتجسيد تفاعلهم مع ما يحيطهم من أحداث تاريخية وتحولات اجتماعية عبر كتابات ذاتية متنوعة الأسلوب يستدعون بها تجاربهم الحياتية سواء تلك المنشورة بالشكل التقليدي المعتاد في كتب ورقية أو تلك المنشورة إلكترونيا عبر المدونات والمواقع والمنصات وغيرها من أشكال تفاعلية أدت إلى سهولة انتشار النصوص الأدبية بين جمهور القراء بعد تحررها من الصيغة الورقية وتعدد سبل إيصالها إلى المتلقي.
    صوت غائب:
    ومن وجهة نظره يرى القاص حسام المسكري أن صوت الشاب -حسب قراءته- ليس حاضرا بقوة في الرواية العربية وهذا الأمر يرجع لعدة أسباب مختلفة يقول عنها: «عمر كتاب الرواية» كتابة رواية جيدة ومتزنة تتطلب مقدار لا بأس به من الالتزام والخبرة وهذا صعب أن تجده لدى الشاب حيث إن مرحلة الشباب تتميز بالانطلاق والتجربة والكثير من الكتاب في بداياتهم ينطلقون بكتابة القصة القصيرة وبعدها للرواية، ولا أنفي طبعا وجود كتاب رواية شباب في السنوات الأخيرة ظهر مجموعة من الكتاب الشباب الذين لمعوا بصورة كبيرة بين جيلهم والفئات الأصغر عمرًا وهناك دور نشر تخصصت في نشر رواياتهم وتميزوا باستغلالهم وسائل التواصل للوصول إلى الفئة المستهدفة من القراء ولاقت كتاباتهم رواجا شديدا ولكن لم نرَ لكتاباتهم صدى كبيرا في الوسط الأدبي، فأغلب أغلب تلك التجارب تكون في البدايات وتحتاج إلى المزيد من الخبرة والتجربة لتنتج رواية تعجب القراء وتصل للناس، فالقضايا واللغة المستخدمة فيها لا تناسب ذائقة أغلب قراء الأدب وعشاق الرواية وهذا يطرح تساؤلا عن مدى جودة هذا النوع من الأدب أهو صحي أم لا؟
    ويضيف «المسكري»: الخبرة ليست العامل الوحيد في غياب صوت الشاب فالموضوعات والتحديات التي تهم الشاب اليوم مختلفة كثيرا عن الأجيال السابقة ولا تجدها في الروايات، ولوسائل التواصل دور كبير، فسابقا لطرح قضية ما عليك أن تكتب عنها، أما الجيل الحالي فقد نقل قضاياه وهمومه إلى وسائل التواصل، فوجود وسائل التواصل الحديثة واستحواذها على جزء هائل من وقتنا وتفكيرنا أبعد الجيل الحالي كثيرا عن قراءة الروايات والكتب، فاللغة المستخدمة في الروايات لا تتناسب مع اللغة الخفيفة والسريعة التي اعتادوا استخدامها في وسائل التواصل، لذلك فإن وسائل التواصل تناسب قضايا الشباب أكثر فقضاياهم هي قضايا الحاضر أما الرواية في غالبها تكون استرجاع للماضي، والقضايا التي تهمهم مثل البطالة، وصعوبات الدراسة الجامعية وتحدياتها، صراع الأجيال ومحاولة خلق صوت خاص بهم...إلخ جميعا صراعات يومية تتطلب حلولا فورية وسريعة لذا ستجدها حاضرة في المقالات بكثرة وتوجد في القصص القصيرة حيث إنهم أسرع من الرواية، كتابة الرواية تحتاج الكثير من الوقت وبالعادة هذا الوقت لا يقل عن سنة وبالنسبة للشاب فإيقاع حياتهم السريع والمتغير لا يسمح لهم بالانتظار كل هذا الوقت لأجل مناقشة قضية بينما بإمكانه أن ينشر تغريدة في خمس دقائق.
    تجسيد في الروح:
    من جانبها ترى الشاعرة والروائية بدرية البدري أن الرواية هي الحيوات التي يمكننا عيشها في الخيال، والتي نجسد بها كل آمالنا وآلامنا، ونرفع من خلالها أصواتنا، وندافع عن خياراتنا، ونوصل بها أصواتنا، فكل ما نراه حولنا، ويترك أثرا في أرواحنا، ولا نستطيع تغييره، نحمله إلى متن الرواية، وهناك نعيد تشكيله، بعد تحليله، وتفسيره؛ لنسلط الضوء عليه من كل الزوايا التي قد لا يراها المرء في الواقع من زاويته المفردة، فالمسألة ليست شخصية أبدا أو ذاتية، إنها عالم نعيش فيه، وبالتالي لا يمكننا الفصل بين الهم الذاتي والهم المجتمعي أو العالمي؛ لأننا كأفراد جزء من هذا العالم، وقد يؤثر بنا خبر حدث في أرضٍ بعيدة ليتركنا أسرى أثره، ولا نستطيع تجاوزه رغم أنه لا يمتّ لنا بصلة أبدا، ولكنها الإنسانية في وجهها المطلق، ورغم أن الكاتب غالبا لا يكتب ذاته، ولا سيرته الذاتية في العمل الروائي، إلا أن كل عمل يكتبه يحمل شيئا من روحه.
    أحداث الحرب ومخلفاتها:
    من جانبها تقول الروائية السورية ملك القاري: إن الموضوعات التي تتناولها معظم الروايات المعاصرة -السورية على وجه الخصوص- تتمحور حول أحداث الحرب الأخيرة ومخلفاتها التي أثّرت على طبيعة العلاقات وشخصيات الأفراد في المجتمع. فالمرحلة التالية للحرب أصعب من الحرب نفسها. نحن نعاني في مجتمعنا من فقرٍ ماديٍّ استتبع بالضرورة فقرًا أخلاقيًا، وهذا حال كل البلدان التي تتعرض للحروب وليس حال سوريا فحسب. وللأسف، فإن بلادنا العربية الخارجة من تجربة الحرب عددها ليس بقليلٍ أبدًا. ومن نتائج الحرب البديهية نزوع الشباب إلى الهجرة للخروج من مأزق البطالة أو أزمة انخفاض الأجور في الوطن المكلوم، ولعل غالبية شبابنا المهاجرين -باستثناء شريحة المثقفين منهم- لم يستطيعوا التخلص من بقايا هويّتهم وإن حاولوا، كما أنهم لم يستطيعوا الاندماج بسهولةٍ مع المجتمعات التي هاجروا إليها -الغربية تحديدًا- مع أنهم يطمحون للاندماج معهم بجدية، ففقدوا بذلك هويتهم الخاصة وبصمَتهم الشخصية وتحوّلوا إلى روبوتات تلتزم القوانين وتفعل ما يملى عليها من أوامر لتتمكن من الوصول للاستقرار (لمّ الشمل أو الجنسية أو الإقامة الدائمة،..إلخ) أما المثقفون الذين استثنيتُهم فهُم الأكثر غربةً بين المهاجرين، فهم يتشبثون بهويّتهم أكثر من غيرهم، لكنهم يشعرون بالعار منها في الوقت نفسه؛ لأنّها هي من أرغمتهم على اللجوء إلى الهجرة.
    وتضيف «ملك القاري»: لغة الروائي تعتمد بالضرورة على طبيعة قراءاته، فالروائي قارئٌ في المقام الأول. ولا أظن أن ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي يُعَدُّ مصدرًا كافيًا يستقي منه الكاتب أسلوبه ولغته، لكنه قد يستقي منه موضوع مادته على اعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي هي بؤرة تجتمع فيها القضايا المثارة أولاً بأول (الترندات). أمّا اللغة فمنبعها أدبيٌ بحت أيّا كان زمن استعمالها... وكلمة الكاتب هي سلاحه الأول في فن الحكي. إنها المغناطيس الذي يجذب القرّاء، ما يستدعي الحذر والدقة في انتقائها، وكوننا نعيش في زمنٍ رقميٍّ، فذلك ليس عذرًا يتهاون بسببه الكاتب في أمر اللغة. اللغة السهلة السلسة ليست لغة مستَهلكةً هزيلة، وإنّما هي لغةٌ فصيحةٌ غنيّةٌ لكنّها قريبةٌ إلى قلب القارئ قبل كل شيء، فالرواية أنقى الأصوات المعبرة عن قضايا الشباب وأحوالهم، فالدراما التلفزيونية تكاد تكون مقولبة على مقاس فئةٍ مجتمعيةٍ معينة، بل وتخدم بأفكارها جهاتٍ بحد ذاتها، والمحاكم لا تنظر إلى الأزمات إلا عبر بؤرة القانون، والفن مستمرٌ في الانحدار نحو الهاوية للأسف، ما يجعل الأدب عمومًا والرواية خصوصا خير معبّرٍ عن آلام الجيل وهمومه على جميع الأصعدة، والرواية، هي العالم الموازي الذي يخلقه الكاتب ليقول فيه ما لا يستطيع قوله في عالمه الحقيقي. هي صوت الحقيقة وإن كان هذا الصوت يصدح في عالمٍ مختلَق.. عالمٍ يتمكن فيه الروائي من تسمية الأشياء بمسمياتها دون خوف، لا يشبه الحياة التي تربط ألسنتنا بحجة الخوف من إثارة الفتن.
    وتشير «ملك القاري» أن شبابنا اعتاد على إخفاء مشاعرهم وكبت آرائهم، حيث إن أكثر هموم الشباب شيوعًا في مجتمعاتنا العربية تكاد تتوحد في فكرة «انعدام حرية التعبير»، ففي البلدان المشتعلة بالحروب والنزاعات السياسية ينأى الشباب -أو يكاد- عن الانخراط في الأمور السياسية لمعرفته بنتيجة ذلك سلفًا، في حين نجده في البلدان المستقرة نوعًا ما يلهث وراء لقمة العيش التي تلهيه تماما عن الالتفات إلى أي شيءٍ آخر. ولا يمكن أن نستثني الانحياز العالمي لآراء بعينها؛ لنجد بذلك وسائل التواصل الاجتماعي شرطيا آخر أيضا يسهم في تكميم الأفواه ويقف حجر عثرةٍ في طريق التعبير الحر عن الرأي. وما يجري اليوم على صفحات الفيسبوك بخصوص ما يحصل من عدوان على غزة هو مثال حاضر عن ذلك، فنحن، الشعوب المستضعفة، مجبرون على الصمت أمام ما ترتكبه الدول الكبرى من فظائع؛ لأن المنطق في زمننا هذا يخدم الأقوى لا صاحب الحق. تفاعلنا كشباب مع القضايا العالمية يشبه «وشوشة» بعوضة في أذن فيل؛ لا ثمن له مع الأسف، رغم هذا فإننا نواصل «الوشوشة» ما استطعنا إليها سبيلا، فشبابنا محتقن بالقهر؛ لولا أنه عاجز عن إيصال صوته رغم كل محاولاته وتحايلاته على «خوارزميات» قمع الرأي الحر.
يعمل...
X