"حوار العرب" الجمالي.. عين على الفن الحديث بتجلياته العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "حوار العرب" الجمالي.. عين على الفن الحديث بتجلياته العربية

    "حوار العرب" الجمالي.. عين على الفن الحديث بتجلياته العربية


    معرض غير مسبوق يجمع في القاهرة أهم أعمال الفنانين العرب المعاصرين.
    الأحد 2023/11/26

    تجارب تجتمع لأول مرة

    رغم أهمية التجارب التشكيلية في مختلف الأقطار العربية، إلا أن هناك تقصيرا كبيرا في عدم اطّلاع هذه التجارب على بعضها بعضا، حيث يعرف الفنان العربي عن حركة الفن التشكيلي العالمية أكثر مما يعرف عنها في العالم العربي، وربما يعود هذا أساسا إلى غياب جهد مؤسساتي يساهم في تلاقي هذه التجارب، وهو ما تسعى لتجاوزه مبادرات مبتكرة مثل معرض “حوار العرب” الذي تحتضنه القاهرة.

    عام 1972 تأسس في بغداد اتحاد التشكيليين العرب. عقد الاتحاد عدة مؤتمرات، أقام على هامشها معارض مشتركة لفنانين عرب، لم يسبق لهم أن عرضوا معا. بعدها اختفت تلك المؤسسة التي يبدو أنها لم تحظ بدعم الحكومات.

    لا أحد يعرف أين ذهب الاتحاد. صارت معارضه ذكرى لزمن جميل عابر. من يومها لم نر معارض فنية عربية مشتركة. في المقابل فقد اكتفى الفنانون العرب بإقامة معارضهم الفردية في بلدانهم ولم يسع إلا القليل منهم إلى كسر الحدود السياسية. كان أولئك الفنانون من المحظوظين الذين أُتيحت لهم فرصة التعرف على أصحاب قاعات فنية مغامرين.
    شيء من التاريخ



    معرض "حوار العرب" دليل على أن الصالات الفنية يمكن أن تصنع ما تعجز عن القيام به المؤسسات الرسمية


    خمسون سنة والنتاج الفني العربي يتعثر بمحليته وهو ما خلق فجوة هائلة على مستوى المعرفة البصرية. ومن ذلك على سبيل تقريب الفكرة أن فناني سوريا مثلا يعرفون أشياء كثيرة عن تطورات الفن الحديث في فرنسا ولا يعرفون شيئا عن الفن الحديث في الجزائر. ويمكن تعميم تلك الحقيقة من غير استثناء.

    ولأن المؤسسات الفنية الرسمية كانت مرتبطة بسياسات الدول فإن الأمور صارت أشد تعقيدا لا لشيء إلا لأن الفنان العربي وضع كل آماله في سلال تلك المؤسسات التي فشلت في القيام بوظيفتها إلا في حدود ما هو مطلوب منها رسميا.

    اليوم تبدو الصورة أقل قتامة مع ظهور جيل جديد من أصحاب القاعات يفكر أفراده بالخروج من مستوى التداول المحلي إلى فضاء عربي أكثر سعة. هل صارت الطرق سالكة أمام الفنان العربي للخروج من محليته؟ سؤال متفائل يستمد قوته الإيجابية مما شهدته السنوات الأخيرة من معارض فردية وجماعية ذات طابع عربي في بيروت والقاهرة والرياض ودبي وأبوظبي بالتحديد.
    من المحلية إلى السوق العربية



    أعمال لها بصمة جمالية


    “حوار العرب” المعرض الذي أقامه غاليري مصر في القلعة بالقاهرة (أكتوبر/نوفمبر 2023) هو آخر تلك المحاولات الجادة. سبق لمنسق المعرض الفنان محمد طلعت علي وهو صاحب القاعة أن أقام عددا من المعارض لفنانين عرب من سوريا والعراق والكويت والمغرب والسودان، وهو حين قرر الذهاب مؤخرا إلى (آرت أبوظبي) فإنه حمل معه أعمالا لعدد من الفنانين العرب إلى جانب أعمال الفنانين المصريين. وهو ما يعطي صورة عن انعتاقه من التفكير المحلي.

    من حقه أن يفكر في سوق أكثر سعة وهي السوق العربية بعد أن غزتنا المزادات العالمية، إلا أن الأساس في تفكيره يكمن في الرغبة في التنويع والتوسع في معرفة التجارب المجاورة من أجل ألاّ يُحصر الفن في تجربة ضيقة تصبح مع الزمن فقيرة مهما كانت غنية على المستوى التاريخي.

    وكما أرى فإن محاولات طلعت علي تستحق الإشادة لما تنطوي عليه من نزعة تحرر من قيود الطابع المحلي والرغبة في التعرف على فن الآخر العربي.

    تأخر العرب كثيرا في التعريف بفنونهم لا على مستوى العالم وحسب بل وأيضا في ما بينهم. لذلك يأتي معرض “حوار العرب” ليشكل نافذة أولية يطل من خلالها الجمهور على جزء وإن كان صغيرا من التجربة الفنية العربية. فمسعى صاحب غاليري مصر لا يزال في بداياته كما أن الأمر مرتبط أيضا بالإمكانات المادية الفردية المحدودة. أما لو كان هناك دعم كما يحدث في العالم المعاصر فإن المشروع سيشكل بداية لعصر فني جديد في المنطقة وهو ما يحتاجه العرب في ظل تردي أوضاعهم السياسية.
    اكتشاف الكنوز الفنية



    خارطة للفن الحديث


    ما الذي يفكر فيه محمد طلعت علي وقد وضع قدمه على أرض يعرف أنها رخوة؟ يعرف أن التفكير في ولادة فن عربي صار جزءا من الماضي وهي فكرة تجاوزها العصر ولم تعد ضرورية في مرحلة، صار فنانوها يتبارون بفرديتهم، من غير جماعات ولا مدارس. صارت الأساليب الشخصية هي معيار الأصالة. ذلك ما يعرفه طلعت جيدا وقد سبق له وأن أشرف على تنسيق معارض جماعية، سواء يوم كان يعمل في المؤسسة الفنية المصرية أو حين استقل بعمله حين أقام قاعة مصر بالزمالك.

    من المؤكد أن خبرته النقدية جعلته على بيّنة من أن هناك قواسم مشتركة بين عدد من فناني العالم العربي يمكنها أن تشكل قاعدة لحوار جمالي ناضج وعميق يقدم صورة إيجابية وسط الفوضى التي هي انعكاس لفشل سياسي مزمن.

    لا يعمل طلعت بمبدأ إنقاذ ما يمكن إنقاذه بل هو يعرف جيدا أن هناك جزءا من النتاج الفني العربي لا يحتاج إلا لمَن يروّج له بصدق وإخلاص لكي يطلق حيويته الكامنة. يعيدنا هذا التفكير إلى المهمة التي طالما قام بها أصحاب القاعات الفنية في أوروبا وهي اكتشاف الكنوز الفنية.

    لا يدّعي المعرض الذي شهدته القاهرة تحت عنوان “حوار العرب” الاكتشاف فهو يضم أعمالا لفنانين عرب مكرسين في بلدانهم، غير أنه يبني قاعدته على أساس الكشف عن الخيوط التي تتشكل منها الشبكة الافتراضية للفن. أقام محمد طلعت علي خارطة للفن الحديث في العالم العربي كما يحلمه.
    ما من مدينة مثل القاهرة



    التعرف على فن الآخر العربي


    عبدالرحيم شريف وبلقيس فخرو من البحرين، عبدالقادر الريس وفاطمه لوتاه من الإمارات، يوسف أحمد من قطر، سيروان باران وضياء العزاوي ومحمود العبيدي من العراق، عبدالرسول سلمان وغادة الكندري من الكويت، إبراهيم الدسوقي، إسلام زاهر، صبري منصور، سعاد عبدالرسول، عصام معروف، هند عدنان، محمد عبلة، وعادل السيوي من مصر، أيمن بعلبكي، عبدالرحمن قطاني من لبنان، نبيل عناني، سليمان منصور من فلسطين، حسان بورقية من المغرب، ناصر التركي، شروق بنت فهد، خالد الأواس من المملكة العربية السعودية، صلاح المر من السودان ومن سوريا يوسف عبدلكي، برهام حاجو، خالد تكريتي.

    هؤلاء من نجح محمد طلعت علي في جمع أعمالهم الفنية في معرض واحد، غير مسبوق لا على مستوى عدد الفنانين العرب وحسب بل وأيضا على المستوى النوعي الذي حاول طلعت من خلاله أن يضع حساسيته النقدية في الميزان. وهو ليس بالأمر الهين بالنسبة إلى فرد وغاليري واحد. ذلك عمل مؤسسات أو هو ما اعتدنا عليه في سياق عملنا الثقافي السابق المبرمج ضمن نشاط الدولة.

    وبالرغم من ذلك كان معرض “حوار العرب” ناجحا في كل المواصفات. وهو دليل على أن الصالات الفنية يمكن أن تصنع ما تعجز عن القيام به المؤسسات الرسمية. وما من مدينة عربية مؤهلة اليوم لإنقاذ الجهد الفني العربي من تشرذمه مثل القاهرة.
    عين على الفن العربي



    تحرر من قيود الطابع المحلي


    على هامش معرض “حوار العرب” أقيمت ندوة نقدية في الجامعة الأميركية شارك فيها عادل السيوي وصالح بركات وفاروق يوسف وأدارها محمد طلعت علي وكان من المفترض أن يشارك فيها الفنان المغربي حسان بورقية غير أنه تعذر عليه الحضور لأسباب فنية.

    “عين على الفن العربي” هو عنوان الندوة التي سعى المشاركون من خلالها ليناقشوا مصطلح “الفن العربي” وهل هناك حاجة إلى العودة إلى الجدل الذي ساد عبر أربعة قرون في ما يتعلق بالهوية العربية في الفن في ظل انهيار الهويات الفنية الجامعة على أساس عرقي ومناطقي في عالمنا المعاصر.

    كانت الندوة بمثابة وضع قوس النهاية لذلك الجدل الذي اكتشف الفنانون العرب أنه كان عقيما لأنه تأسس على خطأ في المفهوم، كما أن نظريته سبقت الوقائع الفنية التي ينبغي لها أن تكون مصدرا للإلهام النظري. ولو لم يكن هناك معرض “حوار العرب” لما كان للندوة أيّ قيمة تُذكر. غير أن المشاركين في تلك الندوة كانوا يستندون إلى حائط صلب هو المعرض.

    أنا على يقين من أن غاليري مصر وقد بدأ بتلك الخطوة سيكون رائدا وطليعيا في مجال استقطاب الفنانين ونقاد الفن العرب وجمعهم في لقاءات مشتركة. ذلك جهد حقيقي سيؤسس لتاريخ في التفكير الجمالي العربي غير خاضع لما يمكن أن أسمّيه بالمصطلحات اليابسة.


    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X