غسان جديد يستحضر البحر معيدا إحياء ذكرياته في سوريا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • غسان جديد يستحضر البحر معيدا إحياء ذكرياته في سوريا

    غسان جديد يستحضر البحر معيدا إحياء ذكرياته في سوريا


    لوحات واقعية تحتفي بطرطوس، بيئتها ومعالمها المعمارية.
    الاثنين 2023/10/30

    مزاج فني شكلته مدينة طرطوس

    تؤثر البيئة في الفنانين بشكل جلي خاصة البحر، فكثيرا ما قدم روائيون وشعراء ورسامون وموسيقيون أعمالا جسدوا فيها رؤاهم المستوحاة من البحر وعوالمه وتأثيراته في ثقافة وسلوكيات الساكنين بقربه. من هؤلاء الفنانين التشكيلي السوري غسان جديد الذي انطبعت أعماله عبر عشرات السنين بلغة البحر.

    دمشق - يستحضر الفنان التشكيلي غسان جديد في استرجاع روحي أجواء مدينة طرطوس القديمة بما تحمله من ذكريات وشجن، في معرضه الذي انطلق في غاليري البيت الأزرق في قلب مدينة دمشق القديمة في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الجاري، والذي يتضمن تسعا وخمسين لوحة في عدة أحجام وأكثر من شكل فني.
    طرطوس بطلة اللوحة



    غسان جديد عرف بميله الواضح إلى رسم معالم مدينته طرطوس، وهي التي وسمت معظم ما قدم خلال مسيرته الفنية


    حضرت بيوت ومقاه وتفاصيل مكانية عتيقة تمازجت فيها الألوان والأضواء بتناغم، منها بيوت طرطوس وترابها وطينها وماؤها وجزيرة أرواد ومقاهيها الشعبية التي تتميز بها، وبالتأكيد متحف طرطوس الذي يكاد لا يغيب عن لوحاته.

    يتميز غسان جديد بميله الواضح إلى رسم معالم مدينته طرطوس، وهي التي وسمت معظم ما قدم خلال مسيرته الفنية التي تقارب الخمسين عاما.

    ويوضح جديد في حديثه لـ”العرب” عن معرضه الأحدث أنه “يستعيد ماضيه وذكرياته في هذه المدينة التي تتسم عناصرها بالصلابة والرطوبة معا. فجدران البيوت والأماكن صلبة كما تاريخها وفي الوقت ذاته تحمل روح الرطوبة في طينها وترابها. ذهبت بذاكرتي إلى مناطق وأماكن كانت موجودة، لكنها بفعل الزمن غابت، رسمتها مجددا، ليس كما كانت بل كما تخيلتها بعد مضي هذا العمر وأوجدتها من خلال أطياف اللون رسومات جديدة تحكي وتنقل أخبارها إلينا في وقتنا الراهن”.

    كثيرا ما يترك البحر أثره على المبدع، لما يحمله من ثقل بيئي قوي. وفي الساحل السوري ذاته، ظهر كاتب مبدع آخر هو حنا مينة الذي خص معظم نتاجه عن البحر فسافر فيه وكتب عنه، وكثيرا ما لقب بشيخ كتاب البحر.

    وفي التشكيل تحضر أسماء كثيرة كان للبحر فيها تأثير كبير، منهم غسان جديد، الذي يقول عن البحر في رسمه “طرطوس مدينة بحرية، أشعر أن السلام يسكنها. هي مدينة هادئة تحفها المحبة والسلام، كثيرا ما ترد إلى خيالي صور البيوت على البحر بشكلها المحبب الذي أشعر فيه أنهما متعانقان، فالبيوت تميل على البحر وكأنها تهمس له وتنقل له أخبارها. البحر وطرطوس صديقان متلازمان وأنا أحب أن أرسمهما معا”.
    بساطة شديدة


    متقاطعا مع لغة الخطوط الطبيعية وحركتها العفوية والتلقائية التي يتميز بها غسان جديد في ما يرسم، حضرت لوحات في المعرض حملت روحا تجريدية تجريبية، قدم فيها كولاج بشكل عابر وسريع، رغبة في تقديم حالات مختلفة تقدم خيارات فنية إضافية.


    ألوان من مدينة بحرية هادئة


    شكلت هذه الأعمال رغم قلتها في المعرض انزياحا نحو المزيد من التنوع قدم بعدا جديدا في رؤية غسان جديد لبيئته الفنية وتواصلا مضافا مع جمهور آخر وجد فيه تجربة إضافية لما قدمه سابقا.

    وفق هذا المنطق، يرى الفنان السوري أن “الحرية الإبداعية تستلزم أن يكون الفنان منطلقا من أي حيز يمكن أن يؤطره، لأن الفن روح متقدة ترغب في الوصول إلى ما هو أبعد من الحقيقة. فعندما نعطي طفلا شيئا ونطلب منه أن يرسمه فينبغي ألا نطالبه بأن يقوم باستنساخ المشهد تماما، بل يجب أن يضيف إليه من روحه، عندئذ سيكون هنالك رسم. فالفنان ليس معنيا بنقل الواقع كما هو بل كما يجب أن يكون في مخيلته وأحلامه ورؤاه”.

    واتسمت بعض لوحات المعرض بالبساطة الشديدة التي تقترب من كونها مشروع لوحة لم يكتمل توقف عند خطوطه الأولى. وعلى النقيض ظهرت بعض الأعمال مفعمة باللون ضاجة بالحركة.

    ويبين غسان جديد “عندما أرسم لوحة أسلم نفسي للمزاج ولا أتدخل فيه. يكون المزاج ناريا حارا مفعما باللون والضوء حينا وأحيانا أخرى يكون هادئا ميالا للألوان الساكنة والانسيابية في الخطوط. مسألة المزاج تؤثر على عملي بقوة، كوني أشعر أحيانا بعد المضي في العمل بأنني لم أوفق في تقديم رؤيتي فأقوم بتمزيق اللوحة. فهي عندي مزيج من الذاكرة والخيال واللون ويجب أن تتضافر فيها كل تلك العناصر لتشكيل صيغة فنية تصل بالفكرة إلى المتلقي بوضوح وشفافية. هذه الحالة الفنية التي أريد الوصول إليها وتقديم فكرتي، تحكمها حالة مزاجية محددة تسيطر علي دون وعي وإرادة فتظهر تجلياتها على اللوحة بشكل تلقائي وصارم”.

    ينتمي الفنان التشكيلي غسان جديد إلى جيل فني قديم، قدم في مساحة الفن التشكيلي السوري مساهمات عبر ما يقارب الخمسين عاما. ولد عام 1946 في طرطوس ودرس في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج فيها عام 1971. قدم عبر مساره المهني لوحات ظهرت فيها بيئته البحرية بقوة، شارك في عشرات المعارض الداخلية والخارجية. وتتميز أعماله برشاقة اللون والإيقاعات الخفيفة والسريعة والتلقائية التي تنقل للمتلقي روح السعادة والفرح الذي يؤكد دائما مسعاه لاستحضارهما في أعماله لإيمانه بأنهما خير ما يتسلح به الناس في مواجهة الحياة ومصاعبها.

    عاصر جديد مرحلة الفنانين الرواد وربطته علاقة متينة معهم وكانت علاقته بالفنان الشهير لؤي كيالي متميزة، الأمر الذي ترجم لاحقا بمعرض خاص أقامه عام 2019 حمل عنوان “ذكرياتي ولؤي كيالي” قدم فيه الكثير من تفاصيل صداقتهما خاصة في الأوقات التي جمعتهما في جزيرة أرواد.ؤ




    نضال قوشحة
    كاتب سوري
يعمل...
X