الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة
الفصل الأول
الشهوات الإنسانية
تمهيد
يقوم النظام الاقتصادي في الإسلام على مبدأ “متاع الحياة الدنيا” أي ما ينتفع به من الأشياء في الحياة الدنيا طال هذا الانتفاع أو قصر، ويقوم على المتطلبات الإنسانية، الجانب البشري الغريزي والجانب الإنساني الشهواني، حيث أن هذين الجانبين تداخلا بعضهما ببعض بحيث صار من الصعب فرز كل واحد على حدة، فالإنسان لا يأكل فقط من أجل إملاء المعدة “الجانب الغريزي” ولكن يأكل من خلال الشهوات أيضا، فهناك صنوف الأطعمة وطريقة تحضيرها والأصناف المركبة لكل طعام وكذلك استعمال النار، وحتى الجماع الجنسي فهو غريزة بشرية ولكنها ترافقت مع شهوات إنسانية من لباس وزينة وحفلات الزفاف.
فالغرائز عبارة عن رغبات غير واعية وهي تتبع الجانب البشري الحيوي من الإنسان وفي هذا الجانب يكون الإنسان كالحيوان تماماً.
أما الشهوات فهي رغبات واعية وهي تخص الإنسان فقط. وبما أن الغرائز توجد لدى الحيوان أيضا، والحيوانات لا تشكل مجتمعات وإنما تشكل قطعانا، فنقول قطيع من الغنم وقطيع من البقر، وسرب منا لطيور، ولا نقول مجتمع من الغنم. والمجتمع له علاقات واعية بين أفراده وهو يخص الإنسان فقط.
لذا فإن أساس الحياة الاجتماعية والاقتصادية يقوم على الشهوات الإنسانية فلا نقول إن هناك علاقات اقتصادية، ودورة اقتصادية في البهائم حيث أن الغرائز فيها تمارس دون علاقات واعية، والغرائز وحدها لا تكفي لصنع نظام اقتصادي، لذا فإنه ضمن ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة نقول إن الإنسان يفقد إنسانيته ولكن لا نقول إنه يفقد بشريته.
فما هي مقومات الحياة الاقتصادية عند الإنسان؟!
لقد حدد القرآن مقومات قوانين الاقتصاد الإنساني بالبندين التاليين:
1 – إن مادة الاقتصاد الإنساني هي “متاع الحياة الدنيا”، وهذا المتاع غير ناضج وخاضع للتبدل والتحول ولا يخضع للثبات. وقد حدد القرآن الحياة الاقتصادية على أنها متاع في الآيات التالية:
- {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} (القصص 60).
- {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} (غافر 39).
- {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} (الشورى 36).
- {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف 46).
2 – إن “متاع الحياة الدنيا” بالنسبة للإنسان له مصدران أساسيان لا ثلاث لهما وهما:
أ – خيرات الطبيعة “الأرض” بما تحويه من غابات ونباتات ومصادر معدنية ومياه وأنعام.
ب – عمل الإنسان الواعي.
وقد ورد هذان المصدران في سورة يس في قوله: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} (يس 33-35) وقوله: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} (يس 71-73).
نلاحظ في هذه الآيات كيف حدد أساس الحياة في موارد الطبيعة من نبات وحيوان ومياه في قوله: {ليأكلوا من ثمره} وقوله: {ومنها يأكلون} وعمل الإنسان في قوله: {وما عملته أيديهم}، هنا “ما” اسم موصول بمعنى الذي، أي والذي عملته أيديهم.
وبما أن عمل الإنسان الواعي والذي يقوم على علاقات واعية يخص الإنسان فقط، فيجب علينا تحديد الشهوات الإنسانية الرئيسية التي تلعب دورا أساسيا في سلوكه الشخصي والاجتماعي والتي تلعب دورا كدور الغرائز.
الفرع الأول: الشهوات الإنسانية المذكورة في القرآن
تعليق