«الحرب والتربنتين»... رواية بلجيكية تبرز ثنائية الفن والمعارك
نُشر: 15:57-20 نوفمبر 2023 م ـ 06 جمادي الأول 1445 هـ
TT
عن دار «الكرمة» بالقاهرة صدرت رواية «الحرب والتربنتين» للكاتب والشاعر البلجيكي ستيفان هيرتمانس بترجمة عن الهولندية لأمينة عابد. الرواية وصفتها «نيويورك تايمز» بأنها «عمل خارق لإعادة بناء تاريخي يتضمن سرداً شجاعاً ولكنه حزين للحرب والذاكرة والفن»، بينما اعتبرت «الغارديان»: «أننا إزاء عمل يقع على مفترق طرق الرواية والسيرة الذاتية والتاريخ، حيث كل التفاصيل لها لمعان الشعر».
عندما توفي (أورباين مارتين) ترك وراءه دفتري مذكرات سيعتمد عليهما حفيده الكاتب لسرد قصة جده في الحرب العالمية الأولى، مستخدماً «التربنتين»، بوصفه مادة أساسية في رسم اللوحات آنذاك. نتعرف على (أورباين)، الشاب الذي نجا من الموت بأعجوبة في مسبك حديد، كما نتعرف عليه وهو جندي يخوض أهوال القتال المتلاحم وجهاً لوجه، كما يتطرق النص إلى مرحلة الرجولة في حياته حين تزوج أخت من كانت حب حياته، بينما تطارده ذكرى الحرب وحلمه بأن يصبح فناناً. يحاول الحفيد أن يفهم الماضي ويجد مكانه في الحاضر، وينجح في رسم صورة مبهرة لإنسان استثنائي في زمن صعب تشبه لوحة جدارية من عصر النهضة، ويكشف كيف يمكن لحياة واحدة أن يتردد صداها على مر العصور.
لاقت الرواية تقديراً نقدياً كبيراً، واستقبلها القراء بحفاوة بالغة، وبيع منه أكثر من 250 ألف نسخة وحصدت عدة جوائز مهمة من بينها جائزة «المجتمع الفلامندي للنثر الروائي»، 2012، وهي جائزة تعطى كل ثلاث سنوات لكاتب نشر عملاً متميزاً، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وهي أول عمل لستيفان هيرتمانس يترجم إلى اللغة العربية. ويعد هيرتمانس كاتباً وشاعراً بلجيكياً فلامندياً من مواليد مدينة «خنت» 1951. عمل في مهن عديدة منها مدرس وعازف موسيقى، نشر الروايات والمجموعات القصصية والمقالات والمسرحيات والدواوين الشعرية، وحقق نجاحاً عالمياً، وحاضر في كثير من الجامعات الكبرى كالسوربون وفيينا وبرلين والمكسيك ولندن. وفي بداية عام 2020، حصل ستفيان على جائزة «كونستانتاين» الأدبية المرموقة عن مجمل أعماله.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«من أبعد الذكريات التي تحضرني عن جدي ذكرى وجوده على شاطئ مدينة (أوستنده).
رجل في السادسة والستين من العمر، وسيم الهيئة، في بدلة كحلية. حفر حفرة غير عميقة بمجرفة حفيده الزرقاء، وسطّح الرمل المكوم على حافتها لينعم هو وزوجته بشيء من رغد الجلوس. لقد رفع الجدار الرملي المكوم على حافتها خلفهما بعض الشيء ليحتميا من رياح أغسطس التي تهب من اليابسة تحت سحب الضباب العالية على خط الموج المنحسر. خلعا أحذيتهما وجواربهما وجلسا يحركان أصابع أقدامهما حركات خفيفة على سبيل الاستمتاع ببرودة رمال القاع الرطبة. بدا لي وأنا ابن السادسة أن هذا عمل ينطوي على طيش ليس من طبيعة هذين الشخصين اللذين لا يرتديان سوى الأسود أو الرمادي أو الكحلي على الرغم من الجو الحار والشاطئ. يحتفظ جدي بقبعته (الفيدورا) على رأسه شبه الأصلع. إنه يرتدي قميصه ناصع البياض، وكما هي حاله دائماً ربطة العنق، الفراشة الكبيرة السوداء الخاصة به الأكبر حجماً من مثيلاتها من ربطات العنق في الحالات العادية، ولها فوق ذلك حاشيتان طويلتان فيبدو للناظر إليه من مكان بعيد وكأنه رابط حول عنقه هيئة ملاك أسود بجناحين مبسوطين. كانت والدتي تخيط له ربطات العنق الغريبة تلك بناء على تعليماته. لم أره طوال عمره المديد في هيئة أخرى غير الهيئة التي يلبس فيها ربطات العنق السوداء، تلك المزينة بحاشيتين طويلتين مثل حاشيتي السترة الخطافية. لا بد أنه كان يملك العشرات منها لا تزال واحدة منها موجودة هنا في مكان ما بين كتبي كأثر من زمن منسي بعيد».
- القاهرة : «الشرق الأوسط»
نُشر: 15:57-20 نوفمبر 2023 م ـ 06 جمادي الأول 1445 هـ
TT
عن دار «الكرمة» بالقاهرة صدرت رواية «الحرب والتربنتين» للكاتب والشاعر البلجيكي ستيفان هيرتمانس بترجمة عن الهولندية لأمينة عابد. الرواية وصفتها «نيويورك تايمز» بأنها «عمل خارق لإعادة بناء تاريخي يتضمن سرداً شجاعاً ولكنه حزين للحرب والذاكرة والفن»، بينما اعتبرت «الغارديان»: «أننا إزاء عمل يقع على مفترق طرق الرواية والسيرة الذاتية والتاريخ، حيث كل التفاصيل لها لمعان الشعر».
عندما توفي (أورباين مارتين) ترك وراءه دفتري مذكرات سيعتمد عليهما حفيده الكاتب لسرد قصة جده في الحرب العالمية الأولى، مستخدماً «التربنتين»، بوصفه مادة أساسية في رسم اللوحات آنذاك. نتعرف على (أورباين)، الشاب الذي نجا من الموت بأعجوبة في مسبك حديد، كما نتعرف عليه وهو جندي يخوض أهوال القتال المتلاحم وجهاً لوجه، كما يتطرق النص إلى مرحلة الرجولة في حياته حين تزوج أخت من كانت حب حياته، بينما تطارده ذكرى الحرب وحلمه بأن يصبح فناناً. يحاول الحفيد أن يفهم الماضي ويجد مكانه في الحاضر، وينجح في رسم صورة مبهرة لإنسان استثنائي في زمن صعب تشبه لوحة جدارية من عصر النهضة، ويكشف كيف يمكن لحياة واحدة أن يتردد صداها على مر العصور.
لاقت الرواية تقديراً نقدياً كبيراً، واستقبلها القراء بحفاوة بالغة، وبيع منه أكثر من 250 ألف نسخة وحصدت عدة جوائز مهمة من بينها جائزة «المجتمع الفلامندي للنثر الروائي»، 2012، وهي جائزة تعطى كل ثلاث سنوات لكاتب نشر عملاً متميزاً، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وهي أول عمل لستيفان هيرتمانس يترجم إلى اللغة العربية. ويعد هيرتمانس كاتباً وشاعراً بلجيكياً فلامندياً من مواليد مدينة «خنت» 1951. عمل في مهن عديدة منها مدرس وعازف موسيقى، نشر الروايات والمجموعات القصصية والمقالات والمسرحيات والدواوين الشعرية، وحقق نجاحاً عالمياً، وحاضر في كثير من الجامعات الكبرى كالسوربون وفيينا وبرلين والمكسيك ولندن. وفي بداية عام 2020، حصل ستفيان على جائزة «كونستانتاين» الأدبية المرموقة عن مجمل أعماله.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«من أبعد الذكريات التي تحضرني عن جدي ذكرى وجوده على شاطئ مدينة (أوستنده).
رجل في السادسة والستين من العمر، وسيم الهيئة، في بدلة كحلية. حفر حفرة غير عميقة بمجرفة حفيده الزرقاء، وسطّح الرمل المكوم على حافتها لينعم هو وزوجته بشيء من رغد الجلوس. لقد رفع الجدار الرملي المكوم على حافتها خلفهما بعض الشيء ليحتميا من رياح أغسطس التي تهب من اليابسة تحت سحب الضباب العالية على خط الموج المنحسر. خلعا أحذيتهما وجواربهما وجلسا يحركان أصابع أقدامهما حركات خفيفة على سبيل الاستمتاع ببرودة رمال القاع الرطبة. بدا لي وأنا ابن السادسة أن هذا عمل ينطوي على طيش ليس من طبيعة هذين الشخصين اللذين لا يرتديان سوى الأسود أو الرمادي أو الكحلي على الرغم من الجو الحار والشاطئ. يحتفظ جدي بقبعته (الفيدورا) على رأسه شبه الأصلع. إنه يرتدي قميصه ناصع البياض، وكما هي حاله دائماً ربطة العنق، الفراشة الكبيرة السوداء الخاصة به الأكبر حجماً من مثيلاتها من ربطات العنق في الحالات العادية، ولها فوق ذلك حاشيتان طويلتان فيبدو للناظر إليه من مكان بعيد وكأنه رابط حول عنقه هيئة ملاك أسود بجناحين مبسوطين. كانت والدتي تخيط له ربطات العنق الغريبة تلك بناء على تعليماته. لم أره طوال عمره المديد في هيئة أخرى غير الهيئة التي يلبس فيها ربطات العنق السوداء، تلك المزينة بحاشيتين طويلتين مثل حاشيتي السترة الخطافية. لا بد أنه كان يملك العشرات منها لا تزال واحدة منها موجودة هنا في مكان ما بين كتبي كأثر من زمن منسي بعيد».