قانصوه الغوري
(000ـ 922هـ/000ـ 1516م)
أبو النصر، سيف الدين قانصوه الغوري، سلطان مصر، جركسي الأصل من مماليك السلطان الأشرف قايتباي (872ـ901هـ) أعتقه وجعله من جملة مماليكه الجمدارية (المماليك الذين يعاونون السلطان على لبس ملابسه)، ثم رقّاه، فجعله في حرسه الخاص، فأمير عشرة، ورقّي زمن السلطان محمد بن قايتباي (901ـ904هـ) إلى أمير مئة، فمقدم ألف، وولي حجابة الحجاب بحلب، ثم بويع بالسلطنة بقلعة الجبل سنة 906هـ/1500م بعد اختفاء السلطان العادل طومان باي عن الأنظار لانفضاض أمرائه وأجناده من حوله، ولقّب قانصوه بالملك الأشرف.
كان أوّل عمل قام به بعد تولّيه السلطنة العثور على السلطان العادل طومان باي وقتله حتى لا يثير عليه الفتن، ثم وقعت فتنة المماليك سنة 907هـ/1501م لعجز قانصوه الغوري عن دفع نفقة البيعة التي اعتاد المماليك أن يتقاضوها لدى ولاية كل سلطان جديد، ولخلو الخزانة من المال؛ فقد استمهلهم بعض الوقت، فلما فقدوا الأمل نزلوا إلى الشوارع، ونهبوا البيوت والمتاجر، ولم يتوقفوا حتى وعدهم بالدفع، وقد تكررت هذه الفتنة ثانية سنة 916هـ/1510م عندما رشق المماليك الجلبان (المماليك الذين جلبوا حديثاً) الناس بالحجارة وطالبوا بمئة دينار لكل واحد، وعندما رُفض مطلبهم نهبوا الدكاكين، ولم تهدأ فتنتهم إلا عندما بلغهم أن الأمراء قد تجمعوا ليمسكوا بهم.
وفي سنة 907 خرج الجازاني أحد أمراء مكة عن الطاعة، وتحالف مع يحيى بن سبع أمير ينبع، وهاجموا الحجاج، واستولوا على مكة، ونهبوا سكانها فأرسل الغوري حملة بقيادة قيت الرجبي أسرت الجازاني، وقتلته، ولكن يحيى استمر على تمرده حتى سنة 911هـ/1505م عندما أرسل الغوري حملة قضت عليه، كما بعث بحملة إلى بلاد الشام للقضاء على فتنة أهاجها العرب.
إضافة إلى الفتن الداخلية كان على الغوري مواجهة أخطار خارجية، فمنذ بداية القرن السادس عشر الميلادي وصلت سفن البرتغاليين إلى الهند، وبدأت تهدد التجارة الشرقية المارة عبر مصر، فجهز الغوري سنة 914هـ/1508م حملة بقيادة الأمير حسين الكردي اتجهت إلى المحيط الهندي، وانتصرت على الأسطول البرتغالي، ولكن الأسطول المصري هزم في السنة التالية على الرغم من وصول الإمدادات من الغوري، ثم عاد الغوري، وجهز سنة 920هـ/1514م أسطولاً، وبعثه من السويس إلى الشرق، وانتصر في بادئ الأمر، ولكن هزيمة المماليك أمام العثمانيين أضاعت الجهود التي كانت قد بُذِلت للحد من الخطر البرتغالي.
وفي سنة 913هـ/1507م زحف جيش الشاه إسماعيل الصفوي[ر] على مدينة ملطية إحدى النيابات المصرية، فأعد الغوري جيشاً لمحاربة الصفويين إلا أن عليّ دولات أمير التركمان التابع لمصر، تصدى للجيش الصفوي وهزمه، فأرسل الشاه الصفوي وفداً لمصر يعتذر من الغوري، ولكن العلاقات ساءَت من جديد سنة 916هـ عندما قُبض على جماعة تحمل كتباً من إسماعيل الصفوي إلى بعض ملوك الفرنج للتحالف ضد مصر، فلما سمع الصفوي بأن رسله للفرنجة قد قُبض عليهم أرسل وفداً إلى مصر يحمل رأس أزبك ملك التتر كتحدٍ وتهديد مبطّن، ولكن العلاقات بين الغوري وإسماعيل الصفوي لم تذهب إلى أبعد من ذلك بسبب توتر العلاقات بين المماليك والعثمانيين، ففي سنة 918هـ/1512م آلت السلطنة العثمانية إلى سليم الأول المولع بالحروب وتوسيع دولته على حساب الآخرين، فبدأ باتهام الغوري بدعمه للفرس؛ وأن بلده أصبحت مأوى للعصاة والفارين من وجه سليم، ولما عذّب سليم سفراء الغوري، ونكّل بهم، وهاجم دولة التركمان، وقتل حاكمها علي دولات، وقطع رأسه ورؤوس أولاده وبعثهم إلى الغوري؛ جهز الغوري جيشه مصمماً على ملاقاة سليم، وتوجه بجيشه إلى حلب سنة 922هـ /1516م، وفي مرج دابق شمالي حلب التقى بالجيش العثماني، وأوشك المماليك أن يوقعوا الهزيمة بالعثمانيين لولا المدفعية وخيانة خاير بك نائب حلب، فقد انسحب بجيشه متظاهراً بالهزيمة في الوقت الذي دبت فيه فتنة بين المماليك الجلبان والمماليك القرانصة (المماليك القدامى)، فقُتل كثير وهرب البقية، ووجد السلطان نفسه وحيداً على أرض المعركة إلا من بعض المشايخ الذين كان قد جمعهم حوله، ويقال: إنه أغمي عليه، أو إنه أصيب بالفالج، فسقط عن فرسه، ومات، ولايعرف بعد ذلك ما حلَّ بجسده.
على الرغم من الفتن والأخطار الخارجية؛ فإن الغوري أبدى اهتماماً بالبناء وتحديث الجيش، فقد أمر بإعادة تخطيط ميدان القلعة، وأنشأ قصراً وبحيرة في الغرب منه، واهتمّ بقصور القلعة ومبانيها، وأمر ببناء مدرسة وجامع بالشرابيشية، وعمل لنفسه مدفناً وفوقه قبّة لاتزال قائمة حتى اليوم، وأنشأ بستاناً عظيماً حمل إليه من الشام أنواعاً عدة من الأزهار والرياحين وأشجاراً من مختلف الثمار، وأمر ببناء مستودع للماء وفندق لنزول الحجاج في مدينة العقبة ومخازن للودائع ورصيف لرسوّ السفن، وأصلح طريق العقبة إلى المدينة، وحفر آباراً؛ ليشرب الحجاج، وأمر بصنع مكاحل ثقيلة ومتوسطة وخفيفة للدفاع عن مصر، (والمكحلة أقرب الأشياء إلى المدافع في العصر الحديث)، وحشد الصناع المختصّين حيث تمكّنوا من عمل سبعين مكحلة، جربت عام 1512م في حضرة الغوري بمنطقة الريدانية خارج القاهرة، ولم يخطئ منها سوى واحدة أو اثنتين.
غطاس نعمة
(000ـ 922هـ/000ـ 1516م)
أبو النصر، سيف الدين قانصوه الغوري، سلطان مصر، جركسي الأصل من مماليك السلطان الأشرف قايتباي (872ـ901هـ) أعتقه وجعله من جملة مماليكه الجمدارية (المماليك الذين يعاونون السلطان على لبس ملابسه)، ثم رقّاه، فجعله في حرسه الخاص، فأمير عشرة، ورقّي زمن السلطان محمد بن قايتباي (901ـ904هـ) إلى أمير مئة، فمقدم ألف، وولي حجابة الحجاب بحلب، ثم بويع بالسلطنة بقلعة الجبل سنة 906هـ/1500م بعد اختفاء السلطان العادل طومان باي عن الأنظار لانفضاض أمرائه وأجناده من حوله، ولقّب قانصوه بالملك الأشرف.
كان أوّل عمل قام به بعد تولّيه السلطنة العثور على السلطان العادل طومان باي وقتله حتى لا يثير عليه الفتن، ثم وقعت فتنة المماليك سنة 907هـ/1501م لعجز قانصوه الغوري عن دفع نفقة البيعة التي اعتاد المماليك أن يتقاضوها لدى ولاية كل سلطان جديد، ولخلو الخزانة من المال؛ فقد استمهلهم بعض الوقت، فلما فقدوا الأمل نزلوا إلى الشوارع، ونهبوا البيوت والمتاجر، ولم يتوقفوا حتى وعدهم بالدفع، وقد تكررت هذه الفتنة ثانية سنة 916هـ/1510م عندما رشق المماليك الجلبان (المماليك الذين جلبوا حديثاً) الناس بالحجارة وطالبوا بمئة دينار لكل واحد، وعندما رُفض مطلبهم نهبوا الدكاكين، ولم تهدأ فتنتهم إلا عندما بلغهم أن الأمراء قد تجمعوا ليمسكوا بهم.
وفي سنة 907 خرج الجازاني أحد أمراء مكة عن الطاعة، وتحالف مع يحيى بن سبع أمير ينبع، وهاجموا الحجاج، واستولوا على مكة، ونهبوا سكانها فأرسل الغوري حملة بقيادة قيت الرجبي أسرت الجازاني، وقتلته، ولكن يحيى استمر على تمرده حتى سنة 911هـ/1505م عندما أرسل الغوري حملة قضت عليه، كما بعث بحملة إلى بلاد الشام للقضاء على فتنة أهاجها العرب.
إضافة إلى الفتن الداخلية كان على الغوري مواجهة أخطار خارجية، فمنذ بداية القرن السادس عشر الميلادي وصلت سفن البرتغاليين إلى الهند، وبدأت تهدد التجارة الشرقية المارة عبر مصر، فجهز الغوري سنة 914هـ/1508م حملة بقيادة الأمير حسين الكردي اتجهت إلى المحيط الهندي، وانتصرت على الأسطول البرتغالي، ولكن الأسطول المصري هزم في السنة التالية على الرغم من وصول الإمدادات من الغوري، ثم عاد الغوري، وجهز سنة 920هـ/1514م أسطولاً، وبعثه من السويس إلى الشرق، وانتصر في بادئ الأمر، ولكن هزيمة المماليك أمام العثمانيين أضاعت الجهود التي كانت قد بُذِلت للحد من الخطر البرتغالي.
وفي سنة 913هـ/1507م زحف جيش الشاه إسماعيل الصفوي[ر] على مدينة ملطية إحدى النيابات المصرية، فأعد الغوري جيشاً لمحاربة الصفويين إلا أن عليّ دولات أمير التركمان التابع لمصر، تصدى للجيش الصفوي وهزمه، فأرسل الشاه الصفوي وفداً لمصر يعتذر من الغوري، ولكن العلاقات ساءَت من جديد سنة 916هـ عندما قُبض على جماعة تحمل كتباً من إسماعيل الصفوي إلى بعض ملوك الفرنج للتحالف ضد مصر، فلما سمع الصفوي بأن رسله للفرنجة قد قُبض عليهم أرسل وفداً إلى مصر يحمل رأس أزبك ملك التتر كتحدٍ وتهديد مبطّن، ولكن العلاقات بين الغوري وإسماعيل الصفوي لم تذهب إلى أبعد من ذلك بسبب توتر العلاقات بين المماليك والعثمانيين، ففي سنة 918هـ/1512م آلت السلطنة العثمانية إلى سليم الأول المولع بالحروب وتوسيع دولته على حساب الآخرين، فبدأ باتهام الغوري بدعمه للفرس؛ وأن بلده أصبحت مأوى للعصاة والفارين من وجه سليم، ولما عذّب سليم سفراء الغوري، ونكّل بهم، وهاجم دولة التركمان، وقتل حاكمها علي دولات، وقطع رأسه ورؤوس أولاده وبعثهم إلى الغوري؛ جهز الغوري جيشه مصمماً على ملاقاة سليم، وتوجه بجيشه إلى حلب سنة 922هـ /1516م، وفي مرج دابق شمالي حلب التقى بالجيش العثماني، وأوشك المماليك أن يوقعوا الهزيمة بالعثمانيين لولا المدفعية وخيانة خاير بك نائب حلب، فقد انسحب بجيشه متظاهراً بالهزيمة في الوقت الذي دبت فيه فتنة بين المماليك الجلبان والمماليك القرانصة (المماليك القدامى)، فقُتل كثير وهرب البقية، ووجد السلطان نفسه وحيداً على أرض المعركة إلا من بعض المشايخ الذين كان قد جمعهم حوله، ويقال: إنه أغمي عليه، أو إنه أصيب بالفالج، فسقط عن فرسه، ومات، ولايعرف بعد ذلك ما حلَّ بجسده.
على الرغم من الفتن والأخطار الخارجية؛ فإن الغوري أبدى اهتماماً بالبناء وتحديث الجيش، فقد أمر بإعادة تخطيط ميدان القلعة، وأنشأ قصراً وبحيرة في الغرب منه، واهتمّ بقصور القلعة ومبانيها، وأمر ببناء مدرسة وجامع بالشرابيشية، وعمل لنفسه مدفناً وفوقه قبّة لاتزال قائمة حتى اليوم، وأنشأ بستاناً عظيماً حمل إليه من الشام أنواعاً عدة من الأزهار والرياحين وأشجاراً من مختلف الثمار، وأمر ببناء مستودع للماء وفندق لنزول الحجاج في مدينة العقبة ومخازن للودائع ورصيف لرسوّ السفن، وأصلح طريق العقبة إلى المدينة، وحفر آباراً؛ ليشرب الحجاج، وأمر بصنع مكاحل ثقيلة ومتوسطة وخفيفة للدفاع عن مصر، (والمكحلة أقرب الأشياء إلى المدافع في العصر الحديث)، وحشد الصناع المختصّين حيث تمكّنوا من عمل سبعين مكحلة، جربت عام 1512م في حضرة الغوري بمنطقة الريدانية خارج القاهرة، ولم يخطئ منها سوى واحدة أو اثنتين.
غطاس نعمة