السودان يودّع أيقونة الغناء محمد الأمين
رحيل رائد الغناء الحديث يغطي على أخبار الحرب في السودان.
الثلاثاء 2023/11/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
"الباش كاتب" فنان بمسيرة ساحرة
رغم ظروف الحرب الدائرة في السودان فُجع السودانيون بخبر رحيل فنانهم الرائد محمد الأمين، ما يدل على أهميته الفنية في البلاد حيث يعد أحد رموز الفن والثقافة السودانييْن، وقد نعاه جمهور الأغنية السودانية بكل شرائحه.
غيب الموت مساء الأحد الفنان السوداني محمد الأمين عن عمر ناهز الثمانين عاما، وذلك بأحد المستشفيات في الولايات المتحدة الأميركية، وقد نعاه الآلاف من السودانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزين دوره الفني والثقافي المهم كأحد أبرز صانعي الأغنية في بلادهم طيلة السنوات الستين الماضية إلى جانب زملائه الكبار كمحمد وردي وعبدالكريم الكابلي وصلاح بن البادية.
ولد محمد الأمين في العشرين من فبراير 1940 بمدينة ود مدني حاضرة محافظة الجزيرة، وعند ارتياده مدرسة الشرقية الأولية صادف أن كان بها مدرس محب للموسيقى ويجيد العزف على العود هو الأستاذ السر محمد فضل، الذي تعهده وعلمه كيفية العزف على العود، بيد أن ظروفه الصحية ومعاناته مع ضعف حاسة البصر تسببت في عدم إكماله مسيرته حينها.
مشوار طويل خاضه الفنان في مسيرته الفنية والوطنية، إذ أسهم بإبداعه وفكره وجهده في تشكيل الوعي الوطني
مسيرة فنية
في عام 1960 التحق الأمين بموسيقى بوليس النيل الأزرق التي كان على رأسها الموسيقار محمد آدم المنصوري، وقد ساعدته الأقدار بأن وضعت في طريقه فنانين متميزين من بينهم الموسيقار حسين بطري، وهو ما جعله يندفع لإشباع رغبته في الغناء عبر ترديد أغاني سابقيه من جيل الكبار كمحمد وردي وعبدالكريم الكابلي، وهو ما فتح أمامه المجال لإبراز طاقاته الصوتية المتميزة من حيث القوة والتعبير والنفاذ المباشر إلى الوجدان.
روى الموسيقار والأكاديمي عباس سليمان السباعي أن الأمين ذهب عام 1962 إلى الخرطوم للمشاركة ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بود مدني في مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة افتتاح المسرح القومي بأم درمان، وبعد الانتهاء من المهرجان قرر الاستقرار في الخرطوم وظل يمارس نشاطه مع فرقة الإذاعة، فظهرت أغنية “وحياة ابتسامتك” للشاعر فضل الله محمد التي استخدم فيها آلة العود (صولو) في إحدى الكوبليهات، فانتبه الناس إلى موهبة وبراعة عزفية يتسم بها الفنان، بالإضافة إلى موهبته في التلحين والأداء.
ويزيد السباعي “لم يمكث محمد الأمين طويلا بالخرطوم، فقرر الرجوع إلى مدينة ود مدني، هذه العودة كانت بمثابة التزود وقياس التجربة، والعودة من جديد بشكل أقوى”، ويكشف أن الفنان عانى أثناء تواجده بالخرطوم ولاقى الكثير من المضايقات والمعاكسات حاله حال أي فنان ناشئ وهو على العتبات الأولى من الطريق.
مسيرة فنية حافلة
أول أغنية كانت تذكرة عبور إلى عالم النجومية للفنان محمد الأمين هي “أنا وحبيبي” من ألحانه وكلمات الشاعر محمد علي جبارة، والتي تم من خلالها اعتماده في الإذاعة السودانية، ثم أغنية “حرمان وأمل” من كلمات الشاعر ذاته. قدم بعد ذلك من ألحانه مختلف ألوان الغناء، ومنها الأغنية الوطنية، مثل “ملحمة أكتوبر”، والعاطفية مثل “الحب والظروف” و”الجريدة” و”أربع سنين” و”بنتعلم من الأيام” و”زاد الشجون”، والأغنية التراثية “عيال أب جويلي”.
يقول الكاتب سليمان عبدالله حمد إن أغاني المطرب محمد الأمين تميزت بالكلمة الناصعة الرقيقة من شعراء كان في مقدمتهم بدوي بانقا، وفضل الله محمد، من مدينة ود مدني، فنسجها بألحان عذبة طافت حولها الإيقاعات الساحرة، حيث وجدت أغانيه طريق الشهرة والمجد، وتحول إلى نجم مرموق يشار إليه بالبنان، وفتحت له أغانيه صالات الحفلات الغنائية والبرامج التلفزيونية والإذاعية وندوات المحاضرات العلمية حتى أصبح من ضيوفها المفضلين، وأصبح من أكثر نجوم الغناء شعبية في السودان وصارت أغانيه تحمل سلسلة الشهرة كمونولوج “مسيحية” الذي يحمل قصة لها بداية ونهاية.
مكانة عالية
عززت أغاني الفنان مكانته بين أقرانه المطربين والشباب الذين ظهروا في تلك الفترة، بل وبين كبار الملحنين والشعراء آنذاك حتى ممن كانوا أكبر منه سنا وأكثر خبرة، وزادت شهرته الفنية واحتل مكانا كبيرا في الساحة الفنية كمطرب وملحن على نطاق سوداني عال.
ساعد ذلك على امتداد نجاحه في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة التي تغنى فيها كمطرب سوداني أصيل في ميدان الموسيقى والغناء، وأصبح مغنيا ومؤلفا وملحنا غزير الإنتاج الفني واللحني، وأثبت فيه وجوده وقدرته على التطور ومجاراة العصر الذي هو فيه، محافظا على مكانته الرفيعة عبر ألوان طبقاته الصوتية حتى وقتنا هذا، والتي ظهرت مع موهبته الفنية في الأغنية السودانية والتي ارتبطت بشخصيته الشهيرة وخلقت منها شخصيته الفنية العالية. والفنان الراحل عرف بكنية “الباش كاتب”، رغم أنه لم يتول أية وظيفة إدارية في حياته، ويقول عنه المقربون منه إنه كان رجلا دقيقا في حياته وفي فنه.
شارك الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية في الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة، من بينها المهرجان الثقافي بالجزائر ومهرجان الشباب العالمي بموسكو، والمهرجان الفني الموسيقي بهولندا وعدد من المهرجانات بألمانيا. وفي سنة 2014 كانت له مشاركة بمصاحبة عازفين صينيين سجلها التلفزيون الصيني.
أغاني المطرب محمد الأمين تميزت بالكلمة الناصعة الرقيقة من شعراء معروفين وبألحان عذبة طافت حولها الإيقاعات الساحرة
تحصّل محمد الأمين على عدة أوسمة، منها وسام أبطال حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي ووسام الآداب والفنون ووسام الجدارة من رئاسة الجمهورية بالسودان، وتم تكريمه بوصفه من أبرز رموز الموسيقى السودانية في الدورة 30 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية. كما منحته جامعة النيلين الدكتوراه الفخرية في عام 2010. وقد نعى مجلس السيادة “للشعب السوداني رمزا من رموز الفن والثقافة، حيث تميز الفقيد بالإبداع والفن وإثراء مكتبة الأغنية السودانية بالعديد من الألحان والأغاني الخالدة”.
وقال الشريف صديق الهندي رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي “المركز العام” إن السودانيين فقدوا أحد شوامخ الغناء في بلادهم، وأضاف أن الأمين هو صانع الغناء الحديث ورائده الأول، وأن مسيرته الفنية والوطنية كانت مشوارا طويلا، حيث أسهم بإبداعه وفكره وجهده في تشكيل الوعي الوطني في كل أزمانه، كما كان ملكا فنيا متوجا على السودان كله، وكان ظاهرة عبقرية في الصوت والموسيقى واختيار الكلمات.
ورغم ظروف الحرب التي تمر بها السودان طغى خبر وفاة الفنان محمد الأمين على بقية الأخبار، بما يشير إلى أهمية دوره ورصيده وموقعه في قلوب السودانيين، وكذلك إلى الاحترام الذي يكنه أهل السودان للفن والفنانين وخاصة أولئك الذين أعطوا بلا كلل وحادوا عن المبتذل وساهموا دائما في صناعة البهجة والأمل.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحبيب الأسود
رحيل رائد الغناء الحديث يغطي على أخبار الحرب في السودان.
الثلاثاء 2023/11/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
"الباش كاتب" فنان بمسيرة ساحرة
رغم ظروف الحرب الدائرة في السودان فُجع السودانيون بخبر رحيل فنانهم الرائد محمد الأمين، ما يدل على أهميته الفنية في البلاد حيث يعد أحد رموز الفن والثقافة السودانييْن، وقد نعاه جمهور الأغنية السودانية بكل شرائحه.
غيب الموت مساء الأحد الفنان السوداني محمد الأمين عن عمر ناهز الثمانين عاما، وذلك بأحد المستشفيات في الولايات المتحدة الأميركية، وقد نعاه الآلاف من السودانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزين دوره الفني والثقافي المهم كأحد أبرز صانعي الأغنية في بلادهم طيلة السنوات الستين الماضية إلى جانب زملائه الكبار كمحمد وردي وعبدالكريم الكابلي وصلاح بن البادية.
ولد محمد الأمين في العشرين من فبراير 1940 بمدينة ود مدني حاضرة محافظة الجزيرة، وعند ارتياده مدرسة الشرقية الأولية صادف أن كان بها مدرس محب للموسيقى ويجيد العزف على العود هو الأستاذ السر محمد فضل، الذي تعهده وعلمه كيفية العزف على العود، بيد أن ظروفه الصحية ومعاناته مع ضعف حاسة البصر تسببت في عدم إكماله مسيرته حينها.
مشوار طويل خاضه الفنان في مسيرته الفنية والوطنية، إذ أسهم بإبداعه وفكره وجهده في تشكيل الوعي الوطني
مسيرة فنية
في عام 1960 التحق الأمين بموسيقى بوليس النيل الأزرق التي كان على رأسها الموسيقار محمد آدم المنصوري، وقد ساعدته الأقدار بأن وضعت في طريقه فنانين متميزين من بينهم الموسيقار حسين بطري، وهو ما جعله يندفع لإشباع رغبته في الغناء عبر ترديد أغاني سابقيه من جيل الكبار كمحمد وردي وعبدالكريم الكابلي، وهو ما فتح أمامه المجال لإبراز طاقاته الصوتية المتميزة من حيث القوة والتعبير والنفاذ المباشر إلى الوجدان.
روى الموسيقار والأكاديمي عباس سليمان السباعي أن الأمين ذهب عام 1962 إلى الخرطوم للمشاركة ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بود مدني في مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة افتتاح المسرح القومي بأم درمان، وبعد الانتهاء من المهرجان قرر الاستقرار في الخرطوم وظل يمارس نشاطه مع فرقة الإذاعة، فظهرت أغنية “وحياة ابتسامتك” للشاعر فضل الله محمد التي استخدم فيها آلة العود (صولو) في إحدى الكوبليهات، فانتبه الناس إلى موهبة وبراعة عزفية يتسم بها الفنان، بالإضافة إلى موهبته في التلحين والأداء.
ويزيد السباعي “لم يمكث محمد الأمين طويلا بالخرطوم، فقرر الرجوع إلى مدينة ود مدني، هذه العودة كانت بمثابة التزود وقياس التجربة، والعودة من جديد بشكل أقوى”، ويكشف أن الفنان عانى أثناء تواجده بالخرطوم ولاقى الكثير من المضايقات والمعاكسات حاله حال أي فنان ناشئ وهو على العتبات الأولى من الطريق.
مسيرة فنية حافلة
أول أغنية كانت تذكرة عبور إلى عالم النجومية للفنان محمد الأمين هي “أنا وحبيبي” من ألحانه وكلمات الشاعر محمد علي جبارة، والتي تم من خلالها اعتماده في الإذاعة السودانية، ثم أغنية “حرمان وأمل” من كلمات الشاعر ذاته. قدم بعد ذلك من ألحانه مختلف ألوان الغناء، ومنها الأغنية الوطنية، مثل “ملحمة أكتوبر”، والعاطفية مثل “الحب والظروف” و”الجريدة” و”أربع سنين” و”بنتعلم من الأيام” و”زاد الشجون”، والأغنية التراثية “عيال أب جويلي”.
يقول الكاتب سليمان عبدالله حمد إن أغاني المطرب محمد الأمين تميزت بالكلمة الناصعة الرقيقة من شعراء كان في مقدمتهم بدوي بانقا، وفضل الله محمد، من مدينة ود مدني، فنسجها بألحان عذبة طافت حولها الإيقاعات الساحرة، حيث وجدت أغانيه طريق الشهرة والمجد، وتحول إلى نجم مرموق يشار إليه بالبنان، وفتحت له أغانيه صالات الحفلات الغنائية والبرامج التلفزيونية والإذاعية وندوات المحاضرات العلمية حتى أصبح من ضيوفها المفضلين، وأصبح من أكثر نجوم الغناء شعبية في السودان وصارت أغانيه تحمل سلسلة الشهرة كمونولوج “مسيحية” الذي يحمل قصة لها بداية ونهاية.
مكانة عالية
عززت أغاني الفنان مكانته بين أقرانه المطربين والشباب الذين ظهروا في تلك الفترة، بل وبين كبار الملحنين والشعراء آنذاك حتى ممن كانوا أكبر منه سنا وأكثر خبرة، وزادت شهرته الفنية واحتل مكانا كبيرا في الساحة الفنية كمطرب وملحن على نطاق سوداني عال.
ساعد ذلك على امتداد نجاحه في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة التي تغنى فيها كمطرب سوداني أصيل في ميدان الموسيقى والغناء، وأصبح مغنيا ومؤلفا وملحنا غزير الإنتاج الفني واللحني، وأثبت فيه وجوده وقدرته على التطور ومجاراة العصر الذي هو فيه، محافظا على مكانته الرفيعة عبر ألوان طبقاته الصوتية حتى وقتنا هذا، والتي ظهرت مع موهبته الفنية في الأغنية السودانية والتي ارتبطت بشخصيته الشهيرة وخلقت منها شخصيته الفنية العالية. والفنان الراحل عرف بكنية “الباش كاتب”، رغم أنه لم يتول أية وظيفة إدارية في حياته، ويقول عنه المقربون منه إنه كان رجلا دقيقا في حياته وفي فنه.
شارك الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية في الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدة، من بينها المهرجان الثقافي بالجزائر ومهرجان الشباب العالمي بموسكو، والمهرجان الفني الموسيقي بهولندا وعدد من المهرجانات بألمانيا. وفي سنة 2014 كانت له مشاركة بمصاحبة عازفين صينيين سجلها التلفزيون الصيني.
أغاني المطرب محمد الأمين تميزت بالكلمة الناصعة الرقيقة من شعراء معروفين وبألحان عذبة طافت حولها الإيقاعات الساحرة
تحصّل محمد الأمين على عدة أوسمة، منها وسام أبطال حقوق الإنسان من الاتحاد الأوروبي ووسام الآداب والفنون ووسام الجدارة من رئاسة الجمهورية بالسودان، وتم تكريمه بوصفه من أبرز رموز الموسيقى السودانية في الدورة 30 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية. كما منحته جامعة النيلين الدكتوراه الفخرية في عام 2010. وقد نعى مجلس السيادة “للشعب السوداني رمزا من رموز الفن والثقافة، حيث تميز الفقيد بالإبداع والفن وإثراء مكتبة الأغنية السودانية بالعديد من الألحان والأغاني الخالدة”.
وقال الشريف صديق الهندي رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي “المركز العام” إن السودانيين فقدوا أحد شوامخ الغناء في بلادهم، وأضاف أن الأمين هو صانع الغناء الحديث ورائده الأول، وأن مسيرته الفنية والوطنية كانت مشوارا طويلا، حيث أسهم بإبداعه وفكره وجهده في تشكيل الوعي الوطني في كل أزمانه، كما كان ملكا فنيا متوجا على السودان كله، وكان ظاهرة عبقرية في الصوت والموسيقى واختيار الكلمات.
ورغم ظروف الحرب التي تمر بها السودان طغى خبر وفاة الفنان محمد الأمين على بقية الأخبار، بما يشير إلى أهمية دوره ورصيده وموقعه في قلوب السودانيين، وكذلك إلى الاحترام الذي يكنه أهل السودان للفن والفنانين وخاصة أولئك الذين أعطوا بلا كلل وحادوا عن المبتذل وساهموا دائما في صناعة البهجة والأمل.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحبيب الأسود