كتبت الشاعرة فطنة بن ضالي ..موت ينتظرعلى قارعة الوطن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتبت الشاعرة فطنة بن ضالي ..موت ينتظرعلى قارعة الوطن

    موت ينتظرعلى قارعة الوطن

    فطنة بن ضالي
    كاتبة، شاعرة











    "موت ينتظر على قارعة الوطن"، قصيدة للشاعرة السورية لبني ياسين من مجموعتها الشعرية "تراتيل الناي والشغف"، قد صنفتها في "قصائد نثر"، ووصفتها في نص الإهداء بأنها انشطارها الأخير، قالت:" لك وحدك أهدي انشطاري الأخير"، وأغلب نصوص هذه المجموعة نسجت على ألم الخيبات الواقعية والرمزية التي عبرت عنها الشاعرة في أفق شعري منفتح على النثرية وخصائها، قالت في قصيدة "حلم مختلف":
    أيها الموت
    (...)
    ستعترف اليوم
    وأنت تقترب منا
    بأننا كنا جميلين
    في لحظاتنا الأخيرة
    ونحن نمتطي جياد الرحيل
    ونتلو سفر الغياب
    وأن موتنا معا
    كان شهيا
    كما لا يحدث عادة.
    نفس حزين ينتظم أغلب نصوص المجموعة بصور مختلفة تعبر عن الإخفاق وزيادة الخيبات، ويبدو أن نفس الشاعرة في هذا الاتجاه نفس طويل، تدل علية قصائدها المركبة الصور، العميقة المعاني مكثفتها، والمنتقاة الألفاظ والعبارات بلغة رمزية شعرية شاعرية تمتح من مخزون الشاعرة الثقافي الواسع. وسنقف على قصيدة موت ينتظر على قارعة الوطن، تقول:
    يكتب على الجدران تاريخ مروره
    تلمحه أم تنتظرعودة ابنها من المدرسة
    تخبئ رضيعها من خلف خوفها
    ترتبك ابتسامة عاثرة على شفتيها
    تحاول إغواءه
    "أنا انتظرك" هكذا قالت عيناها
    وهي تفتعل رغبة كاذبة
    لعناق لم تتحضر لطقوسه كما ينبغي
    يلمحها ويبتسم.
    فالعنوان عبارة عن جملة اسمية دالة على الثبوت، يتساوى في ذلك كلا من المسند والمسند إليه، وإذا ما ربطنا العنوان بالنص فإننا نجد أن الموت يتربص بالأبناء والأم، حيث تعيش الأم الانشطار بين رغبة السلامة والحياة والمحافظة على الأبناء وهي تنتظر أحدهم أن يعود من المدرسة وتحتضن الآخر الرضيع، وبين الواقع المرير وهو المكتوب على الجدران محاولة ان تهدئ من روعها، هكذا ترمز الشاعرة إلى الأمهات المعذبات وإلى الصبية والأطفال اللذين يواجهون الضياع، فهم ضحايا هذا الواقع المكتوب محدد المعالم والتاريخ، مسجلا بصفاته وأحداثه، وهي تبني عالم القصيدة على حوار داخلي بين الموت والأم فتسرد وقائعه بفنية وحبكة مؤثرة، تقول:
    يقرر أنها ستكون دعابة يومه
    يختطف الرضيع المتحصن برائحة الحليب
    ... دون أن يتحرك من مكانه
    تبقى على شفتيها آثار باردة
    لابتسامة لم تنجح في مسعاها الدبلوماسي.
    خاتمة رائعة تحسم الموقف بإخفاق المساعي السياسية السلمية في مقابل الحروب وتقديم الضحايا من الأكثر براءة وهم الأطفال وترك الأمهات ثكالى، هكذا ترفض الشاعرة هذا الإخفاق وتتوق إلى تغيير هذا الواقع، ورغم قصر مساحة النص، فإن التكثيف يعطي للغته دلالة إيحائية واسعة، منها ما تشير إليه الثنائيات: التاريخ /المساعي الدبلوماسية، الأم/الابن الرضيع، يختطف/ يبتسم، يقرر/ ستكون دعابة. ونشير هنا كذلك إلى أن أغلب أفعال النص هي أفعال مضارعة تدل على حركية الحدث وديمومته وسريانه على الحاضر والمستقبل، وكأن الشاعرة تشير إلى استمرار هذه الظروف في طريق الوطن، مما يؤكد إخفاق المساعي الدبلوماسية، كما أشارت في البداية، سجلها التاريخ على الجدران، واتخاذ قرارات لم تصن الأبناء ولا الأمهات. إذ بدا الموت يقرر ويسخر ويداعب في الحاضر ويختطف رجال المستقبل. وبنت الشاعرة عالمها الأسلوبي على الانزياح واستعمال المجاز بشقيه اللغوي والعقلي مما وطن المعاني وعمقها، وأكسب لغة النص جمالية فائقة.
    مراكش في 10-10-2023.
يعمل...
X