"سكة طويلة": فيلم طريق يفكك سيكولوجية العلاقات الأسرية
عمر نعيم يثري السينما السعودية بفيلم بمواصفات هوليوودية.
السبت 2023/11/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مواهب سعودية تبدي أداء متمكنا
بفيلم يصنف ضمن سينما الطريق، يسلك المخرج اللبناني عمر نعيم طريقه السينمائي لمحاولة فهم سيكولوجية العلاقات الأسرية، عبر فيلم سعودي الهوية، انتهج فيه المدرسة الواقعية وأثراه بحوارات ومشاهد تقارب الحياة والعلاقات بين أسر كثيرة في المملكة.
تمتلك خزينة السينما العالمية عشرات الأفلام التي تصنف ضمن سينما الطريق، فالطريق في السينما العالمية كان شاهدا على العديد من المغامرات الفنية بعضها نجح في شد انتباه المشاهد وبعضها الآخر جاء بتناول سطحي، أما السينما العربية فلم تعرف مثل هذا النوع من الأفلام التي تدور أحداثها كاملة في الطريق بكثرة، حيث يمكن عد أفلام الطريق على أصابع اليد الواحدة، ولعل من أشهرها فيلم “بابا عزيز” للمخرج التونسي الناصر خمير الصادر في العام 2005، والذي اتخذ طابعا فلسفيا صوفيا.
ومن أحدث الأفلام ضمن هذه الفئة فيلم “سكة طويلة” السعودي الذي أخرجه اللبناني عمر نعيم بالاستعانة بتقنيين أميركيين متخصصين في صناعة السينما.
عرض الفيلم للمرة الأولى في أواخر العام 2022، وأنتج بالشراكة بين كل من أستوديوهات “أم بي سي” و”إيمج نيشن – أبوظبي”، وتوزيع “فرونت رو”.
يحكي الفيلم قصة الأخوين “مريم” (فاطمة البنوي) و”ناصر” (براء عالم) اللذين يحاولان السفر إلى أبيهم في مدينة أبوظبي، لحضور حفل زفافه، وبسبب إلغاء رحلة الطيران يضطران إلى الخضوع لرغبة والدهما في السفر عبر الطريق رقم 10، أين تصادفهما أحداث غريبة تضعهما في مواجهة الموت، ومواجهة حقيقتهما وحقيقة علاقتهما وعلاقة أفراد الأسرة ببعضهم البعض.
طريق نحو الذات
الشقيقان يخوضان صراعا على البقاء يعبر عنه كل واحد منهما من خلال آرائه واختياراته المتمردة على قناعات أفراد الأسرة
تعرف سينما الطريق بأنها محاولة ولوج الدواخل الإنسانية وما يماثلها من خطابات روحية وفلسفية ووجودية؛ ذلك أن الطريق، مهما اختلف أو تنوع، يتعدى كونه مساحة زمنية ومكانية ليصبح مكابدة وصراعا بين شخوص رئيسية، محركة للأحداث ومتحكمة بحوارها في حبكة الفيلم.
ويصف الناقد السينمائي صلاح سرميني هذا النوع من الأفلام بأنه “يُجسّد بحثا دلاليا لأشخاص سوف ينضجون عبر لقاءاتهم وتجاربهم، ويصبحون عاقلين، الرحلة إذا هي بمثابة طقس عبور، ويمكن اعتبارها رمزا للسينما نفسها، حيث يمتلك الخطّ المُستقيم في وسط الطريق شبها غريبا مع ثقوب الشريط الفيلميّ الحسّاس، كما يرمز الطريق إما إلى حرية الحركة، ومن ثم الحريات الفردية، أو إلى المنفى والمعاناة والترحال”.
حول هذه العملية التي تهدف إلى ولوج الدواخل الإنسانية جاءت فكرة “سكة طويلة” الذي يستوحي اسمه من الطريق الطويل رقم 10، والذي يصل السعودية بأبوظبي ويستغرق نحو 8 ساعات. وكما أن الطريق كمكان طويل جدا، كانت العلاقة بين الأخوين طويلة في الزمن لكنها تقوم على الجهل، فكل واحد منهما يجهل حقيقة الآخر، وحقيقة مخاوفه وحتى حقائق مثيرة عن أسرته.
تبدأ العلاقة بين الأخوين بالانكشاف للمشاهد ببطء، حيث يكتفيان بخوض أحاديث سطحية، يعيدان بها التعرف على بعضهما البعض، وتوجيه رسائل نقد لاذعة للأوضاع في السعودية؛ فالطبيبة مريم التي تعبر عن استغرابها لرفض أخيها العمل في الفن التشكيلي أو حتى الرسم المعماري، تبدي موافقتها على قوله إن “الرسم ما يأكل عيش في العالم الحقيقي إلي إحنا عايشين فيه”، ثم تنبهه لخطورة عدم التركيز أثناء سياقة السيارة بأن الإحصائيات في السعودية تؤكد أن “كل دقيقة لدينا حادث”.
يخوض الشقيقان صراعا ضمنيا على البقاء يعبر عنه كل واحد منهما من خلال آرائه واختياراته المتمردة على قناعات الآخر وقناعات الأسرة، حتى يواجها فجأة سيارة مريبة وسائقها الذي يحاول قتلهما، ما يدفعهما إلى تخطي الخلافات والتضامن للتغلب على الكابوس الذي يلاحقهما.
سينما الطريق تعرف بأنها محاولة ولوج الدواخل الإنسانية وما يماثلها من خطابات روحية وفلسفية ووجودية؛ ذلك أن الطريق، مهما اختلف أو تنوع، يتعدى كونه مساحة زمنية ومكانية
ورسم المخرج عمر نعيم، وهو أيضا كاتب العمل، سيناريو الفيلم بإحكام. ورغم أنه اهتم كثيرا بمشاهد الحركة والإثارة، مستعينا بفريق مختص في مشاهد الأكشن، إلا أنه اهتم أكثر بالحوار الذي اعتمد لغة بسيطة سهلة الفهم للمشاهد السعودي وغير السعودي، لغة تهتم بتحليل سيكولوجية العلاقات العائلية، وتطرحها من مفهوم الأخوين اللذين يمتلكان في الحياة مكانة اجتماعية وعلمية مهمة. وركز نعيم على علاقة الأخوين، فهي ليست جيدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقتهما مع والدهما. وجعل حوارهما موازيا لنسق الفيلم، فتارة يتصاعد وطورا يهدأ، متأرجحا بين الاعتراف والتحدي والطاعة والمفاوضة والاكتشاف.
في هذه الرحلة اكتشف الأخوان وجهين مختلفين لوالديهما، بين الأم الحنون التي رغم احتضارها كانت متسامحة مع قطيعة ابنها لها، وبين الأب الذي لم يكن طفلاه يعلمان أنه رجل أعمال فاسد وظالم، وبسببه هما مهددان بالقتل.
صنف “سكة طويلة” ضمن الأفلام الترفيهية والتجارية، لكنه في حقيقة الأمر يحمل رسالة مباشرة عن العلاقات العائلية المعقدة، وكيف أن الحوار ومواجهة الحقائق بإمكانهما تصحيح العلاقات السطحية وتشجيع الأبناء على أن يكونوا حقيقيين وصادقين في التعامل مع الآباء.
واستخدم الكاتب، الذي أثرى فيلمه بمطاردات وأحداث مليئة بالأكشن والتشويق وحبس الأنفاس، لقطات مختلفة تنوعت بين القريبة والقريبة جدا والعامة، كما وظف رموزا عربية أصيلة للإشارة إلى الأم والأب وعلاقتهما بالرحلة الخطيرة التي يعيشها الابنان، مثل قارورة الكحل التقليدية التي تحملها البنت كهدية من أمها الراحلة، والتي ستكون سبب نجاتها هي وشقيقها من الموت المحتم، في مقابل الخنجر الذي حمله الابن هدية لوالده وقدم بها استقالته من العمل معه. وكذلك حضرت عملية البوح والفضفضة بين الأخوين بحيث اكتشفا أي نوع من العلاقات الأبوية السيئة يعيشان.
ولذلك نرى في نهاية الفيلم خروج الشقيقين عن عباءة الأب، وبدل تقديم فرض الطاعة له ينقلبان عليه بقرار حاسم يعلنانه له وجها لوجه.
سينما واقعية
المخرج شارك في السينما بهوليوود وهو ما يفسر اشتغاله على أفلام تحاول إحداث تغيير في شكل الفيلم العربي
كذلك وظف المخرج المؤثرات الصوتية والموسيقى لخدمة الحكاية وإكسابها المزيد من الواقعية، عبر أغنية المطرب السعودي عبادي الجوهر “سكة طويلة” والمطربة الجزائرية وردة “أوصيك يا بحر الهوى”، وهما أغنيتان ضاعفت كلماتهما حدة العواطف التي يمكن أن يثيرها الفيلم في نفس المشاهدين، الذين من المرجح أن يتأثروا بحيرة الأخوين وهما يواجهان استفزاز سائق “الجيب” (شريف البرماوي) الذي يبقى طوال الفيلم مجهول الاسم والهوية. في الأخير نجحت مريم في طعنه بواسطة ريشة الكحل المعدنية في رقبته ليخر قتيلا، وينجو الأخوان فرارا بسيارته الخاصة، وينتهي الفيلم بوقوفهما أمام والدهما في حفل زواجه، ويتحديانه، الابن بتقديم استقالته من العمل والبنت بنصح عروس والدها بالنجاة من سيطرته وتمنيها أن تطلق بسرعة.
ويذكر أن الموسيقى التصويرية أنجزها عمر فاضل، ونسّق المشاهد الخطرة في الفيلم عمرو ماكجيفر، وأدار التصوير ماثيو إيرفينغ.
وبالعودة إلى الحديث عن المخرج الأردني عمر نعيم فهو من مواليد عام 1977 في الأردن، لأب صحافي لبناني وللممثلة والكاتبة المسرحية اللبنانية الشهيرة نضال الأشقر. نشأ نعيم محاطًا بالفنانين والموسيقيين والكتاب، وعاش طفولة غنية بالفن والثقافة. كان والداه ناشطين في المسرح والسينما، فنقلا عشقهما المشترك إلى ابنهما.
خاض نعيم أول تجربة سينمائية له في سن الرابعة عشرة؛ حيث أصبح مفتونًا أكثر فأكثر بعالم السينما، وصار مهتمًا أيضًا بتنمية قدرات الكتابة والمرئيات. وبصفته مخرجًا طموحًا استوحى نعيم في الغالب من مخرجين مثل وودي آلن ومارتن سكورسيزي وأوليفر ستون وسبايك لي.
بمساعدة مؤسسة فارس درس نعيم السينما في كلية إيمرسون في بوسطن، ماساتشوستس. وخلال دراسته التي استمرت أربع سنوات ابتكر عددًا من الأفلام القصيرة، من بينها أطروحته عام 1999 التي كانت فيلما وثائقيا مدته 28 دقيقة بعنوان “المسرح الكبير: حكاية بيروت”. في هذا العمل سلط نعيم الضوء على مسرح بيروت التاريخي الكبير الذي دمر خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واعتمد المخرج المسرح بمثابة توضيح مجازي للحرب الأهلية المأساوية التي دامت 15 عامًا في لبنان. رشحه هذا الفيلم لنيل العديد من الجوائز وهو يقول عنه “لقد تعلمت كل شيء في صناعة هذا الفيلم، من البداية إلى الطباعة”.
بعد ذلك حظي المخرج اللبناني بفرصة المشاركة في صناعة السينما بهوليوود، حيث شارك في أفلام أميركية مثل “التحول” عام 2020، و”النسخة النهائية” لروبين ويليامز. وهو ما يفسر اشتغاله على أفلام عربية بمواصفات هوليوودية، أو هي تمزج بين تقنيين ومختصين من السينما العربية والأميركية وتحاول إحداث تغيير في شكل الفيلم العربي.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك
عمر نعيم يثري السينما السعودية بفيلم بمواصفات هوليوودية.
السبت 2023/11/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مواهب سعودية تبدي أداء متمكنا
بفيلم يصنف ضمن سينما الطريق، يسلك المخرج اللبناني عمر نعيم طريقه السينمائي لمحاولة فهم سيكولوجية العلاقات الأسرية، عبر فيلم سعودي الهوية، انتهج فيه المدرسة الواقعية وأثراه بحوارات ومشاهد تقارب الحياة والعلاقات بين أسر كثيرة في المملكة.
تمتلك خزينة السينما العالمية عشرات الأفلام التي تصنف ضمن سينما الطريق، فالطريق في السينما العالمية كان شاهدا على العديد من المغامرات الفنية بعضها نجح في شد انتباه المشاهد وبعضها الآخر جاء بتناول سطحي، أما السينما العربية فلم تعرف مثل هذا النوع من الأفلام التي تدور أحداثها كاملة في الطريق بكثرة، حيث يمكن عد أفلام الطريق على أصابع اليد الواحدة، ولعل من أشهرها فيلم “بابا عزيز” للمخرج التونسي الناصر خمير الصادر في العام 2005، والذي اتخذ طابعا فلسفيا صوفيا.
ومن أحدث الأفلام ضمن هذه الفئة فيلم “سكة طويلة” السعودي الذي أخرجه اللبناني عمر نعيم بالاستعانة بتقنيين أميركيين متخصصين في صناعة السينما.
عرض الفيلم للمرة الأولى في أواخر العام 2022، وأنتج بالشراكة بين كل من أستوديوهات “أم بي سي” و”إيمج نيشن – أبوظبي”، وتوزيع “فرونت رو”.
يحكي الفيلم قصة الأخوين “مريم” (فاطمة البنوي) و”ناصر” (براء عالم) اللذين يحاولان السفر إلى أبيهم في مدينة أبوظبي، لحضور حفل زفافه، وبسبب إلغاء رحلة الطيران يضطران إلى الخضوع لرغبة والدهما في السفر عبر الطريق رقم 10، أين تصادفهما أحداث غريبة تضعهما في مواجهة الموت، ومواجهة حقيقتهما وحقيقة علاقتهما وعلاقة أفراد الأسرة ببعضهم البعض.
طريق نحو الذات
الشقيقان يخوضان صراعا على البقاء يعبر عنه كل واحد منهما من خلال آرائه واختياراته المتمردة على قناعات أفراد الأسرة
تعرف سينما الطريق بأنها محاولة ولوج الدواخل الإنسانية وما يماثلها من خطابات روحية وفلسفية ووجودية؛ ذلك أن الطريق، مهما اختلف أو تنوع، يتعدى كونه مساحة زمنية ومكانية ليصبح مكابدة وصراعا بين شخوص رئيسية، محركة للأحداث ومتحكمة بحوارها في حبكة الفيلم.
ويصف الناقد السينمائي صلاح سرميني هذا النوع من الأفلام بأنه “يُجسّد بحثا دلاليا لأشخاص سوف ينضجون عبر لقاءاتهم وتجاربهم، ويصبحون عاقلين، الرحلة إذا هي بمثابة طقس عبور، ويمكن اعتبارها رمزا للسينما نفسها، حيث يمتلك الخطّ المُستقيم في وسط الطريق شبها غريبا مع ثقوب الشريط الفيلميّ الحسّاس، كما يرمز الطريق إما إلى حرية الحركة، ومن ثم الحريات الفردية، أو إلى المنفى والمعاناة والترحال”.
حول هذه العملية التي تهدف إلى ولوج الدواخل الإنسانية جاءت فكرة “سكة طويلة” الذي يستوحي اسمه من الطريق الطويل رقم 10، والذي يصل السعودية بأبوظبي ويستغرق نحو 8 ساعات. وكما أن الطريق كمكان طويل جدا، كانت العلاقة بين الأخوين طويلة في الزمن لكنها تقوم على الجهل، فكل واحد منهما يجهل حقيقة الآخر، وحقيقة مخاوفه وحتى حقائق مثيرة عن أسرته.
تبدأ العلاقة بين الأخوين بالانكشاف للمشاهد ببطء، حيث يكتفيان بخوض أحاديث سطحية، يعيدان بها التعرف على بعضهما البعض، وتوجيه رسائل نقد لاذعة للأوضاع في السعودية؛ فالطبيبة مريم التي تعبر عن استغرابها لرفض أخيها العمل في الفن التشكيلي أو حتى الرسم المعماري، تبدي موافقتها على قوله إن “الرسم ما يأكل عيش في العالم الحقيقي إلي إحنا عايشين فيه”، ثم تنبهه لخطورة عدم التركيز أثناء سياقة السيارة بأن الإحصائيات في السعودية تؤكد أن “كل دقيقة لدينا حادث”.
يخوض الشقيقان صراعا ضمنيا على البقاء يعبر عنه كل واحد منهما من خلال آرائه واختياراته المتمردة على قناعات الآخر وقناعات الأسرة، حتى يواجها فجأة سيارة مريبة وسائقها الذي يحاول قتلهما، ما يدفعهما إلى تخطي الخلافات والتضامن للتغلب على الكابوس الذي يلاحقهما.
سينما الطريق تعرف بأنها محاولة ولوج الدواخل الإنسانية وما يماثلها من خطابات روحية وفلسفية ووجودية؛ ذلك أن الطريق، مهما اختلف أو تنوع، يتعدى كونه مساحة زمنية ومكانية
ورسم المخرج عمر نعيم، وهو أيضا كاتب العمل، سيناريو الفيلم بإحكام. ورغم أنه اهتم كثيرا بمشاهد الحركة والإثارة، مستعينا بفريق مختص في مشاهد الأكشن، إلا أنه اهتم أكثر بالحوار الذي اعتمد لغة بسيطة سهلة الفهم للمشاهد السعودي وغير السعودي، لغة تهتم بتحليل سيكولوجية العلاقات العائلية، وتطرحها من مفهوم الأخوين اللذين يمتلكان في الحياة مكانة اجتماعية وعلمية مهمة. وركز نعيم على علاقة الأخوين، فهي ليست جيدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقتهما مع والدهما. وجعل حوارهما موازيا لنسق الفيلم، فتارة يتصاعد وطورا يهدأ، متأرجحا بين الاعتراف والتحدي والطاعة والمفاوضة والاكتشاف.
في هذه الرحلة اكتشف الأخوان وجهين مختلفين لوالديهما، بين الأم الحنون التي رغم احتضارها كانت متسامحة مع قطيعة ابنها لها، وبين الأب الذي لم يكن طفلاه يعلمان أنه رجل أعمال فاسد وظالم، وبسببه هما مهددان بالقتل.
صنف “سكة طويلة” ضمن الأفلام الترفيهية والتجارية، لكنه في حقيقة الأمر يحمل رسالة مباشرة عن العلاقات العائلية المعقدة، وكيف أن الحوار ومواجهة الحقائق بإمكانهما تصحيح العلاقات السطحية وتشجيع الأبناء على أن يكونوا حقيقيين وصادقين في التعامل مع الآباء.
واستخدم الكاتب، الذي أثرى فيلمه بمطاردات وأحداث مليئة بالأكشن والتشويق وحبس الأنفاس، لقطات مختلفة تنوعت بين القريبة والقريبة جدا والعامة، كما وظف رموزا عربية أصيلة للإشارة إلى الأم والأب وعلاقتهما بالرحلة الخطيرة التي يعيشها الابنان، مثل قارورة الكحل التقليدية التي تحملها البنت كهدية من أمها الراحلة، والتي ستكون سبب نجاتها هي وشقيقها من الموت المحتم، في مقابل الخنجر الذي حمله الابن هدية لوالده وقدم بها استقالته من العمل معه. وكذلك حضرت عملية البوح والفضفضة بين الأخوين بحيث اكتشفا أي نوع من العلاقات الأبوية السيئة يعيشان.
ولذلك نرى في نهاية الفيلم خروج الشقيقين عن عباءة الأب، وبدل تقديم فرض الطاعة له ينقلبان عليه بقرار حاسم يعلنانه له وجها لوجه.
سينما واقعية
المخرج شارك في السينما بهوليوود وهو ما يفسر اشتغاله على أفلام تحاول إحداث تغيير في شكل الفيلم العربي
كذلك وظف المخرج المؤثرات الصوتية والموسيقى لخدمة الحكاية وإكسابها المزيد من الواقعية، عبر أغنية المطرب السعودي عبادي الجوهر “سكة طويلة” والمطربة الجزائرية وردة “أوصيك يا بحر الهوى”، وهما أغنيتان ضاعفت كلماتهما حدة العواطف التي يمكن أن يثيرها الفيلم في نفس المشاهدين، الذين من المرجح أن يتأثروا بحيرة الأخوين وهما يواجهان استفزاز سائق “الجيب” (شريف البرماوي) الذي يبقى طوال الفيلم مجهول الاسم والهوية. في الأخير نجحت مريم في طعنه بواسطة ريشة الكحل المعدنية في رقبته ليخر قتيلا، وينجو الأخوان فرارا بسيارته الخاصة، وينتهي الفيلم بوقوفهما أمام والدهما في حفل زواجه، ويتحديانه، الابن بتقديم استقالته من العمل والبنت بنصح عروس والدها بالنجاة من سيطرته وتمنيها أن تطلق بسرعة.
ويذكر أن الموسيقى التصويرية أنجزها عمر فاضل، ونسّق المشاهد الخطرة في الفيلم عمرو ماكجيفر، وأدار التصوير ماثيو إيرفينغ.
وبالعودة إلى الحديث عن المخرج الأردني عمر نعيم فهو من مواليد عام 1977 في الأردن، لأب صحافي لبناني وللممثلة والكاتبة المسرحية اللبنانية الشهيرة نضال الأشقر. نشأ نعيم محاطًا بالفنانين والموسيقيين والكتاب، وعاش طفولة غنية بالفن والثقافة. كان والداه ناشطين في المسرح والسينما، فنقلا عشقهما المشترك إلى ابنهما.
خاض نعيم أول تجربة سينمائية له في سن الرابعة عشرة؛ حيث أصبح مفتونًا أكثر فأكثر بعالم السينما، وصار مهتمًا أيضًا بتنمية قدرات الكتابة والمرئيات. وبصفته مخرجًا طموحًا استوحى نعيم في الغالب من مخرجين مثل وودي آلن ومارتن سكورسيزي وأوليفر ستون وسبايك لي.
بمساعدة مؤسسة فارس درس نعيم السينما في كلية إيمرسون في بوسطن، ماساتشوستس. وخلال دراسته التي استمرت أربع سنوات ابتكر عددًا من الأفلام القصيرة، من بينها أطروحته عام 1999 التي كانت فيلما وثائقيا مدته 28 دقيقة بعنوان “المسرح الكبير: حكاية بيروت”. في هذا العمل سلط نعيم الضوء على مسرح بيروت التاريخي الكبير الذي دمر خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واعتمد المخرج المسرح بمثابة توضيح مجازي للحرب الأهلية المأساوية التي دامت 15 عامًا في لبنان. رشحه هذا الفيلم لنيل العديد من الجوائز وهو يقول عنه “لقد تعلمت كل شيء في صناعة هذا الفيلم، من البداية إلى الطباعة”.
بعد ذلك حظي المخرج اللبناني بفرصة المشاركة في صناعة السينما بهوليوود، حيث شارك في أفلام أميركية مثل “التحول” عام 2020، و”النسخة النهائية” لروبين ويليامز. وهو ما يفسر اشتغاله على أفلام عربية بمواصفات هوليوودية، أو هي تمزج بين تقنيين ومختصين من السينما العربية والأميركية وتحاول إحداث تغيير في شكل الفيلم العربي.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك