الشاعر العراقي فائز الحداد في مكاشفة حوارية:بواسطة admin
حاوره عبر الانترنت: المحرر الثقافي.. الصحفي العراقي الراحل ناظم السعود.
ينتسبُ الشاعر العراقي فائز الحداد الى جيل التسعينيات، بحسب منهج النقاد في التجييل، لكن الحقيقة الشعرية تقر ان الحداد ولد ونضج نموذجه الشعري في ثمانينيات القرن الماضي واجتهد طويلا في مشغله الإبداعي كتابة ونقدا وتتبعا للأساليب والمرجعيات ثم انقض على الوسط الأدبي متوهجا حاملا عدته الشعرية والثقافية التي بوأته خلال زمن يسير مكانة لافتة بين زملائه المجايلين واللاحقين.
كنت قريبا من الحداد في بغداد أيام الثمانينيات وما بعدها ولغاية هجوم نذر الشؤم في مستهل الألفية الثالثة فتفرقت بنا سبل الشتات: هو الى خارج العراق وأنا في داخله لكن الاتصالات الحديثة قربت ما هو متباعد جبرا واختيارا، وقد سرني ان اسمع عن النجاحات المتتالية التي حققها فائز الحداد حتى أصبح هناك من يطلق عليه (الشاعر العراب) او (الحداثوي المتفرد) و(المبشّر بالاختلاف) وسواها من ألقاب وتوصيفات تجلي مكانته وعلو كعبه محليا وعربيا، وقد اصدر خلال مسيرته الأدبية الطويلة عددا من الكتب التي تراوحت بين دواوين الشعر ودراسات النقد وآخر ما صدر له هو ديوان شعري بعنوان (مدان في مدن ٢٠١١) طرح من خلاله مفهومه عن (الاختلاف الشعري)، وقد تيسر لـ(العهد) أن تعقد حوارا صحفيا مع هذا الأديب المختلف والمتنور توضحت من خلاله مساحات اشتغاله ومفاصل من مفاهيمه واختلافاته مع الكثير من السائد الشعري والنقدي.. ولطول الحوار آثرت ان انشر هنا الجزء الأول منه آملا ان تتوفر فرص أخرى لنشر أجزاء أخرى:
*في ديوانك الأول (قبعة الأفعى) الذي تشرفت بكتابة مقدمته لاحظت انك، بالضد من كثير من أقرانك، تعوّد المتن على الاحتفاء أو حتى التصادم بالواقع المنظور أو اللابد في الذاكرة المفجوعة وتسعى لرفع هذا الواقع إلى مستوى الواقعة وفي المقابل لا تعول كثيرا على الرموز والتأسطرات شرقيها وغربيها.. هنا أسألك إن كان للواقع العراقي المعيّش في تلك الفترة أثره أو سطوته في حصر الخطاب بزاوية الرصد الشعري للفواجع المتكالبة خارج الذات الشاعرة؟
- الحمد لله (وشهد شاهد من أهلها) ببراءة حرفي ونبضي مما أوكل على عاتقي من ترهات القول فأنت كنت من أقرب الناس إلي.. فالشاعر كإنسان استثنائي هو العين السحرية الثاقبة والراصدة للواقع ينقل الحقيقة كالتقاطة الكاميرا يحملها روحا فيجسدها فعلا شعريا في كلمة لها صدى بركان ثائر فتجده في مقدمة الأدباء الرافضين لكل ما هو مسيء وجائر بحق الإنسان والمجتمع..
يا عزيزي، كلنا عاش الواقع المزري الذي وصل إليه حال العراق في ظل الحصار الاقتصادي الجائر والوضع السياسي المحتقن حيث الجوع والحرمان ومنع الرأي ومصادرة الحريات العامة.. وتتذكر واقع المثقف المزري وواقع الثقافة الممغنطة والأدب المسيس وهروب الكثيرين من أصدقائنا الأدباء خارج العراق بسبب هذه الأوضاع فعانوا من غربتين غربة الوطن وغربة الكتابة..
لقد شرفت ديواني الأول (قبعة الأفعى) بمقدمتك الرائعة والذي وقفت عليه بهذا التقييم النقدي المنصف.. فإذا كان هناك من رصد دقيق فهذا الرصد لا يخرج في الحقيقة عن الذات الشاعر الذي يعيش دقائق الأمور وفي تفاصيلها المملة فارجع إلى أول نص في الديوان (سينات الزنوج) الذي يدعو إلى الثورة على الظلم وكذلك نصوص أخرى .. أن هذا الديوان بقي حوالي أربعة أشهر ينتقل بين رقيب ورقيب دونما إجازة تصدر به للنشر وأخيرا وقع بيد الشاعر الكبير الراحل يوسف الصائغ الذي أعطى الموافقة عليه وأطلقه طيرا في سماء النشر..
*وماذا عن سمة المغايرة والاختلاف التي صنف شعرك بها؟
- هذه السمة التي وسمت تجربتي الشعرية اعتقد أنت من أول النقاد قلت بأنني أحمل خطابا مختلفا خاصا وليس هناك من شواهد تأثر بشاعر آخر وهذا ما كرره قولا في نقده للديوان الدكتور الناقد شاكر مجيد سيفو إذ قال (فائز الحداد يؤسس إلى ما يشبه مشهدية شعرية جديدة) في كتابه المنهجي (جمرة الكتابة الأخرى.. أبحاث في المشهد الشعري العربي).
*اتصالا مع السؤال السابق وجدتك تفضل استخدام الضمير الأول (أو الأنا المتكلم) في عدد كبير من قصائد الديوان المشار إليه حتى ليمكن القول إن متن الديوان هو مجموع البوح الذاتي الذي مررته خلال الضمير الأول مع تراجع الاعتماد على الضمير الثاني (المخاطب أو أنت) وكذلك الثالث (الغائب أو هو) وأجزم أنك تعلم إن اللجوء إلى ضمير المتكلم من قبل الكاتب (شاعرا أو ساردا) يأتي لأسباب ثلاثة: إما أن يكون الكاتب في لحظة الكتابة قد فقد عزيزا، أو أن تكون ذاته قد دفعت لأعلى سلم الإحباط، وإما أن يكون في حالة تشاكل مع العالم فيلتجئ إلى أناه.
وهنا أصل إلى السؤال: كيف تسوغ استجلاب الضمير الأول لنصوصك الشعرية أكثر من سواه؟ وهل تجد هناك توافقا بين ما ذكرناه من أسباب أوجبت الإتيان بالضمير الأول وبين المحفزات الباعثة للتدوين لحظة الخلق أو الكتابة؟
- اعتقد أن الشعر حصرا من أدخل الضمير في خانة الرمز وأطلقه ضميرا متغيرا في المخاطبة حسب مقتضيات البوح ولسنا بصدد البحث في الضمائر (أنا وأنت وهو وهي) وما ينصرف عنها في المثنى والجمع.. لكن التحويل في صيغ التعبير يأخذ شكل المنحى الصوري والتعبيري المباشر والانعكاسي غير المباشر في آن وغالبا ما يجنح الشاعر إلى البوح بإخفاء (أناه) في (هو) كامنة، ولكن مقاصد البوح في معناها الحقيقي تعبر عن أنا الشاعر وإن تحايل في بوحه تورية أو خوفا والمهم في كل ذلك كيف تحسن إيصال ثيمتك في جملة نافذة وسديدة؟.. ولا تنس يا صديقي بأننا كنا نكتب همنا الكتابي تحت شفرة السيف وأعين الأمن والرقيب والآن نكتب أيضا وننفخ في قراب مثقوبة كالذي خرج من حفرة ووقع في بئر.
*وأي الاحتمالات الثلاثة كانت الأقرب لحقيقة التعبير؟
- إن احتمالاتك الثلاثة في السؤال كهاجس تلخص أصل المعاناة التي عشناها.. موتى على قيد الحياة والإبداع.. والآن وحيال ما يجري من مخاطر من المفروض أن تكون الثقافة أهلاً لتجاوز هذا المأزق التاريخي والاضطلاع بمهمة الإصلاح والبناء، لأننا حتى الآن ما زلنا عند خط الشروع في مواجهة المحنة بع الاحتلال ومحنة الاحتراب والتمزق ومحنة مصادرة المثقف. وكي لا ينحدر خط الثقافة البياني أكثر مما انحدر إليه وتراجع للأسباب الآنفة لا بد من يقظة حقيقية ووقفة حازمة إزاء ما كرسه مشروع الاحتلال الثقافي من ترهات ومخاطر أجلها التشبث بالظواهر والمظاهر البراقة والكاذبة لخدمة أهدافه، بعيداً عن تحقيق أي هدف وطني يحسب له حساب تحت لافتة (الديمقراطية الكاذبة والدفاع عن حقوق الإنسان) التي انطلت على الكثيرين ولم يجن منها الشعب سوى الجوع والموت والتشرد.. وبعيدا عن كل أدوات اللغة سيبقى العراق ضميري الأول دونما أي أنويات فهو أنا وأنت وهو وهي.. لهذا نلهث لكي نكونه بجراحه في استجلاء همه الكبير ولا نعول إلا عليه فالقادة بغال الطارئين دائما وإلى الأبد.
حاوره عبر الانترنت: المحرر الثقافي.. الصحفي العراقي الراحل ناظم السعود.
ينتسبُ الشاعر العراقي فائز الحداد الى جيل التسعينيات، بحسب منهج النقاد في التجييل، لكن الحقيقة الشعرية تقر ان الحداد ولد ونضج نموذجه الشعري في ثمانينيات القرن الماضي واجتهد طويلا في مشغله الإبداعي كتابة ونقدا وتتبعا للأساليب والمرجعيات ثم انقض على الوسط الأدبي متوهجا حاملا عدته الشعرية والثقافية التي بوأته خلال زمن يسير مكانة لافتة بين زملائه المجايلين واللاحقين.
كنت قريبا من الحداد في بغداد أيام الثمانينيات وما بعدها ولغاية هجوم نذر الشؤم في مستهل الألفية الثالثة فتفرقت بنا سبل الشتات: هو الى خارج العراق وأنا في داخله لكن الاتصالات الحديثة قربت ما هو متباعد جبرا واختيارا، وقد سرني ان اسمع عن النجاحات المتتالية التي حققها فائز الحداد حتى أصبح هناك من يطلق عليه (الشاعر العراب) او (الحداثوي المتفرد) و(المبشّر بالاختلاف) وسواها من ألقاب وتوصيفات تجلي مكانته وعلو كعبه محليا وعربيا، وقد اصدر خلال مسيرته الأدبية الطويلة عددا من الكتب التي تراوحت بين دواوين الشعر ودراسات النقد وآخر ما صدر له هو ديوان شعري بعنوان (مدان في مدن ٢٠١١) طرح من خلاله مفهومه عن (الاختلاف الشعري)، وقد تيسر لـ(العهد) أن تعقد حوارا صحفيا مع هذا الأديب المختلف والمتنور توضحت من خلاله مساحات اشتغاله ومفاصل من مفاهيمه واختلافاته مع الكثير من السائد الشعري والنقدي.. ولطول الحوار آثرت ان انشر هنا الجزء الأول منه آملا ان تتوفر فرص أخرى لنشر أجزاء أخرى:
*في ديوانك الأول (قبعة الأفعى) الذي تشرفت بكتابة مقدمته لاحظت انك، بالضد من كثير من أقرانك، تعوّد المتن على الاحتفاء أو حتى التصادم بالواقع المنظور أو اللابد في الذاكرة المفجوعة وتسعى لرفع هذا الواقع إلى مستوى الواقعة وفي المقابل لا تعول كثيرا على الرموز والتأسطرات شرقيها وغربيها.. هنا أسألك إن كان للواقع العراقي المعيّش في تلك الفترة أثره أو سطوته في حصر الخطاب بزاوية الرصد الشعري للفواجع المتكالبة خارج الذات الشاعرة؟
- الحمد لله (وشهد شاهد من أهلها) ببراءة حرفي ونبضي مما أوكل على عاتقي من ترهات القول فأنت كنت من أقرب الناس إلي.. فالشاعر كإنسان استثنائي هو العين السحرية الثاقبة والراصدة للواقع ينقل الحقيقة كالتقاطة الكاميرا يحملها روحا فيجسدها فعلا شعريا في كلمة لها صدى بركان ثائر فتجده في مقدمة الأدباء الرافضين لكل ما هو مسيء وجائر بحق الإنسان والمجتمع..
يا عزيزي، كلنا عاش الواقع المزري الذي وصل إليه حال العراق في ظل الحصار الاقتصادي الجائر والوضع السياسي المحتقن حيث الجوع والحرمان ومنع الرأي ومصادرة الحريات العامة.. وتتذكر واقع المثقف المزري وواقع الثقافة الممغنطة والأدب المسيس وهروب الكثيرين من أصدقائنا الأدباء خارج العراق بسبب هذه الأوضاع فعانوا من غربتين غربة الوطن وغربة الكتابة..
لقد شرفت ديواني الأول (قبعة الأفعى) بمقدمتك الرائعة والذي وقفت عليه بهذا التقييم النقدي المنصف.. فإذا كان هناك من رصد دقيق فهذا الرصد لا يخرج في الحقيقة عن الذات الشاعر الذي يعيش دقائق الأمور وفي تفاصيلها المملة فارجع إلى أول نص في الديوان (سينات الزنوج) الذي يدعو إلى الثورة على الظلم وكذلك نصوص أخرى .. أن هذا الديوان بقي حوالي أربعة أشهر ينتقل بين رقيب ورقيب دونما إجازة تصدر به للنشر وأخيرا وقع بيد الشاعر الكبير الراحل يوسف الصائغ الذي أعطى الموافقة عليه وأطلقه طيرا في سماء النشر..
*وماذا عن سمة المغايرة والاختلاف التي صنف شعرك بها؟
- هذه السمة التي وسمت تجربتي الشعرية اعتقد أنت من أول النقاد قلت بأنني أحمل خطابا مختلفا خاصا وليس هناك من شواهد تأثر بشاعر آخر وهذا ما كرره قولا في نقده للديوان الدكتور الناقد شاكر مجيد سيفو إذ قال (فائز الحداد يؤسس إلى ما يشبه مشهدية شعرية جديدة) في كتابه المنهجي (جمرة الكتابة الأخرى.. أبحاث في المشهد الشعري العربي).
*اتصالا مع السؤال السابق وجدتك تفضل استخدام الضمير الأول (أو الأنا المتكلم) في عدد كبير من قصائد الديوان المشار إليه حتى ليمكن القول إن متن الديوان هو مجموع البوح الذاتي الذي مررته خلال الضمير الأول مع تراجع الاعتماد على الضمير الثاني (المخاطب أو أنت) وكذلك الثالث (الغائب أو هو) وأجزم أنك تعلم إن اللجوء إلى ضمير المتكلم من قبل الكاتب (شاعرا أو ساردا) يأتي لأسباب ثلاثة: إما أن يكون الكاتب في لحظة الكتابة قد فقد عزيزا، أو أن تكون ذاته قد دفعت لأعلى سلم الإحباط، وإما أن يكون في حالة تشاكل مع العالم فيلتجئ إلى أناه.
وهنا أصل إلى السؤال: كيف تسوغ استجلاب الضمير الأول لنصوصك الشعرية أكثر من سواه؟ وهل تجد هناك توافقا بين ما ذكرناه من أسباب أوجبت الإتيان بالضمير الأول وبين المحفزات الباعثة للتدوين لحظة الخلق أو الكتابة؟
- اعتقد أن الشعر حصرا من أدخل الضمير في خانة الرمز وأطلقه ضميرا متغيرا في المخاطبة حسب مقتضيات البوح ولسنا بصدد البحث في الضمائر (أنا وأنت وهو وهي) وما ينصرف عنها في المثنى والجمع.. لكن التحويل في صيغ التعبير يأخذ شكل المنحى الصوري والتعبيري المباشر والانعكاسي غير المباشر في آن وغالبا ما يجنح الشاعر إلى البوح بإخفاء (أناه) في (هو) كامنة، ولكن مقاصد البوح في معناها الحقيقي تعبر عن أنا الشاعر وإن تحايل في بوحه تورية أو خوفا والمهم في كل ذلك كيف تحسن إيصال ثيمتك في جملة نافذة وسديدة؟.. ولا تنس يا صديقي بأننا كنا نكتب همنا الكتابي تحت شفرة السيف وأعين الأمن والرقيب والآن نكتب أيضا وننفخ في قراب مثقوبة كالذي خرج من حفرة ووقع في بئر.
*وأي الاحتمالات الثلاثة كانت الأقرب لحقيقة التعبير؟
- إن احتمالاتك الثلاثة في السؤال كهاجس تلخص أصل المعاناة التي عشناها.. موتى على قيد الحياة والإبداع.. والآن وحيال ما يجري من مخاطر من المفروض أن تكون الثقافة أهلاً لتجاوز هذا المأزق التاريخي والاضطلاع بمهمة الإصلاح والبناء، لأننا حتى الآن ما زلنا عند خط الشروع في مواجهة المحنة بع الاحتلال ومحنة الاحتراب والتمزق ومحنة مصادرة المثقف. وكي لا ينحدر خط الثقافة البياني أكثر مما انحدر إليه وتراجع للأسباب الآنفة لا بد من يقظة حقيقية ووقفة حازمة إزاء ما كرسه مشروع الاحتلال الثقافي من ترهات ومخاطر أجلها التشبث بالظواهر والمظاهر البراقة والكاذبة لخدمة أهدافه، بعيداً عن تحقيق أي هدف وطني يحسب له حساب تحت لافتة (الديمقراطية الكاذبة والدفاع عن حقوق الإنسان) التي انطلت على الكثيرين ولم يجن منها الشعب سوى الجوع والموت والتشرد.. وبعيدا عن كل أدوات اللغة سيبقى العراق ضميري الأول دونما أي أنويات فهو أنا وأنت وهو وهي.. لهذا نلهث لكي نكونه بجراحه في استجلاء همه الكبير ولا نعول إلا عليه فالقادة بغال الطارئين دائما وإلى الأبد.