"الفيرمة" مسرحية تونسية تفضح الفساد السياسي بجرأة
عمل مسرحي يسلط الضوء على تلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس.
الخميس 2023/11/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المرأة هي الأمل للخروج من القبو
الأسعد محمودي
تونس - يلاحظ المتابع لأعمال المخرج المسرحي التونسي غازي الزغباني أن عمله الجديد “الفيرمة” (الضيعة)، من إنتاج مؤسسة لارتيستو، هو تتمة لمسرحية سابقة اشتغل عليها سنة 2014 هي “بلاتو”، إنتاج المسرح الوطني التونسي، والتي سلط من خلالها الضوء على تلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس وتضليل الرأي العام وتلميع الفساد السياسي.
وغير بعيد عن موضوع مسرحية “بلاتو” يلقي الزغباني دائرة الضوء في مسرحية “الفيرمة” على ما يصطلح عليه بالفساد السياسي، وذلك عندما يحيد العمل السياسي عن مبادئه ويناقض السلوك الأخلاقي، ويبتعد عن التنافس النزيه خاصة في دخول غمار الانتخابات.
المسرحية تسلط الضوء على الفساد السياسي وتلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس وتضليل الرأي العام لتلميع هذا الفساد
وتم تقديم مسرحية “الفيرمة”، أو ما يعبر عنه باللغة العربية الفصحى “الضيعة”، مساء الثلاثاء بقاعة الفن الرابع في العاصمة، خلال الافتتاح الرسمي للدورة الأولى من المهرجان الوطني للمسرح التونسي الذي يستمر من السابع إلى الرابع عشر من نوفمبر الجاري. ويتقمص شخصيات العمل الممثلون محمد حسين قريع وإباء حملي ويسرى الطرابلسي وأسامة غلام وكذلك غازي الزغباني (مخرج المسرحية).
تدور أحداث المسرحية على مدى 70 دقيقة حول رجل ثري ذي نفوذ وتأثير كبير في المشهد السياسي، يتعرض لحملة كبيرة من الانتقادات والتشكيك على شبكات التواصل الاجتماعي تقودها ميساء الناشطة الحقوقية التي تدير صفحة على فيسبوك مختصة في كشف ملفات الفساد، ويتابعها عدد كبير من الناس، الأمر الذي يتعارض مع طموحات هذا الرجل الذي ينوي دخول غمار الانتخابات، فيقدم على اختطافها وإخفائها في قبو داخل ضيعته بعيدا عن الأعين.
يبدو اهتمام المخرج بالسينوغرافيا جليا، حيث شكلت العناصر السينوغرافية على الخشبة خمس غرف منفصلة وقبوا، وكل غرفة مختلفة عن نظيرتها وتحوي شخصية من شخوص المسرحية: “الأمجد” رب العائلة وسياسي يستعد لخوض غمار الانتخابات الرئاسية وهو شخصية مستبدة عنيفة ومتسلطة، ثم غرفة المومس “فارحة”، وغرفة “الطيب” اليد اليمنى لرئيس العائلة وعصاه الغليظة، ثم غرفة “ميساء” الناشطة الحقوقية والثائرة ضد الظلم والفساد، وأخيرا غرفة “مجدي” الفنان الموسيقي المتقوقع على نفسه والخائف من بطش سلطة “الأمجد”.
ولعب المخرج في استخدام تقنية الإنارة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد لتشكيل الغرف والممرات والقبو، حتى يظهر حالة العزلة والانفراد التي تعيشها الشخصيات من ناحية، ولإبراز حجم المعاناة النفسية والتوتر القائم بين “السياسي المستبد” والشخصيات الثلاث “الفنان” و”الناشطة الحقوقية” و”المومس” من ناحية أخرى، إلى جانب إلقاء الضوء على الممارسة السياسية البشعة والمؤامرات والدسائس التي تحاك في هذه الغرف المظلمة إلى حد ممارسة كل أشكال التعذيب على الآخر من أجل الوصول إلى السلطة.
دلالات عميقة في حضور المرأة
وينتقد الزغباني بشدة تدحرج العمل السياسي إلى مرتبة “الفجور” مجسدا إياه في مشهد اغتصاب السياسي للناشطة الحقوقية، حيث حاد الصراع السياسي عن أهدافه المثلى في اقتراح البرامج والتصورات التنموية، وأصبح هذا الصراع بين الأطياف السياسية حياكة للدسائس للانفراد بالسلطة. ففي السلطة داخل الدولة التي يشبهها الزغباني بـ”الفيرمة” لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الوصول إلى سدة الحكم قد يضحي السياسي بأقرب الناس إليه.
وجاء حضور المرأة في هذا العمل محملا بالدلالات العميقة، حيث جعلها المخرج ثائرة، مقاومة وصامدة في وجه الفساد والظلمات السياسية، فكانت المرأة الأمل في الخروج من القبو المظلم والتخلص من الفجور السياسي عندما تتحد بالفكر والثقافة التي تصبح مصدر وعي للناس لا مصدرا للإلهاء والابتذال، وهو ما تبرزه نهاية المسرحية عندما تغلب الفنان على خوفه وعزلته وقام بإخراج الناشطة الحقوقية من القبو وتخلصا من السياسي الفاسد.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عمل مسرحي يسلط الضوء على تلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس.
الخميس 2023/11/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المرأة هي الأمل للخروج من القبو
الأسعد محمودي
تونس - يلاحظ المتابع لأعمال المخرج المسرحي التونسي غازي الزغباني أن عمله الجديد “الفيرمة” (الضيعة)، من إنتاج مؤسسة لارتيستو، هو تتمة لمسرحية سابقة اشتغل عليها سنة 2014 هي “بلاتو”، إنتاج المسرح الوطني التونسي، والتي سلط من خلالها الضوء على تلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس وتضليل الرأي العام وتلميع الفساد السياسي.
وغير بعيد عن موضوع مسرحية “بلاتو” يلقي الزغباني دائرة الضوء في مسرحية “الفيرمة” على ما يصطلح عليه بالفساد السياسي، وذلك عندما يحيد العمل السياسي عن مبادئه ويناقض السلوك الأخلاقي، ويبتعد عن التنافس النزيه خاصة في دخول غمار الانتخابات.
المسرحية تسلط الضوء على الفساد السياسي وتلاعب الميديا بعقول وعواطف الناس وتضليل الرأي العام لتلميع هذا الفساد
وتم تقديم مسرحية “الفيرمة”، أو ما يعبر عنه باللغة العربية الفصحى “الضيعة”، مساء الثلاثاء بقاعة الفن الرابع في العاصمة، خلال الافتتاح الرسمي للدورة الأولى من المهرجان الوطني للمسرح التونسي الذي يستمر من السابع إلى الرابع عشر من نوفمبر الجاري. ويتقمص شخصيات العمل الممثلون محمد حسين قريع وإباء حملي ويسرى الطرابلسي وأسامة غلام وكذلك غازي الزغباني (مخرج المسرحية).
تدور أحداث المسرحية على مدى 70 دقيقة حول رجل ثري ذي نفوذ وتأثير كبير في المشهد السياسي، يتعرض لحملة كبيرة من الانتقادات والتشكيك على شبكات التواصل الاجتماعي تقودها ميساء الناشطة الحقوقية التي تدير صفحة على فيسبوك مختصة في كشف ملفات الفساد، ويتابعها عدد كبير من الناس، الأمر الذي يتعارض مع طموحات هذا الرجل الذي ينوي دخول غمار الانتخابات، فيقدم على اختطافها وإخفائها في قبو داخل ضيعته بعيدا عن الأعين.
يبدو اهتمام المخرج بالسينوغرافيا جليا، حيث شكلت العناصر السينوغرافية على الخشبة خمس غرف منفصلة وقبوا، وكل غرفة مختلفة عن نظيرتها وتحوي شخصية من شخوص المسرحية: “الأمجد” رب العائلة وسياسي يستعد لخوض غمار الانتخابات الرئاسية وهو شخصية مستبدة عنيفة ومتسلطة، ثم غرفة المومس “فارحة”، وغرفة “الطيب” اليد اليمنى لرئيس العائلة وعصاه الغليظة، ثم غرفة “ميساء” الناشطة الحقوقية والثائرة ضد الظلم والفساد، وأخيرا غرفة “مجدي” الفنان الموسيقي المتقوقع على نفسه والخائف من بطش سلطة “الأمجد”.
ولعب المخرج في استخدام تقنية الإنارة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والظلمة في آن واحد لتشكيل الغرف والممرات والقبو، حتى يظهر حالة العزلة والانفراد التي تعيشها الشخصيات من ناحية، ولإبراز حجم المعاناة النفسية والتوتر القائم بين “السياسي المستبد” والشخصيات الثلاث “الفنان” و”الناشطة الحقوقية” و”المومس” من ناحية أخرى، إلى جانب إلقاء الضوء على الممارسة السياسية البشعة والمؤامرات والدسائس التي تحاك في هذه الغرف المظلمة إلى حد ممارسة كل أشكال التعذيب على الآخر من أجل الوصول إلى السلطة.
دلالات عميقة في حضور المرأة
وينتقد الزغباني بشدة تدحرج العمل السياسي إلى مرتبة “الفجور” مجسدا إياه في مشهد اغتصاب السياسي للناشطة الحقوقية، حيث حاد الصراع السياسي عن أهدافه المثلى في اقتراح البرامج والتصورات التنموية، وأصبح هذا الصراع بين الأطياف السياسية حياكة للدسائس للانفراد بالسلطة. ففي السلطة داخل الدولة التي يشبهها الزغباني بـ”الفيرمة” لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء، فمن أجل الوصول إلى سدة الحكم قد يضحي السياسي بأقرب الناس إليه.
وجاء حضور المرأة في هذا العمل محملا بالدلالات العميقة، حيث جعلها المخرج ثائرة، مقاومة وصامدة في وجه الفساد والظلمات السياسية، فكانت المرأة الأمل في الخروج من القبو المظلم والتخلص من الفجور السياسي عندما تتحد بالفكر والثقافة التي تصبح مصدر وعي للناس لا مصدرا للإلهاء والابتذال، وهو ما تبرزه نهاية المسرحية عندما تغلب الفنان على خوفه وعزلته وقام بإخراج الناشطة الحقوقية من القبو وتخلصا من السياسي الفاسد.
ShareWhatsAppTwitterFacebook