رحلة المسلات المصرية من المعابد الفرعونية إلى العالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة المسلات المصرية من المعابد الفرعونية إلى العالم


    رحلة المسلات المصرية من المعابد الفرعونية إلى العالم


    المسلات نحتت من حجر الجرانيت، وكان الجرانيت الوردي أكثر استخداما للمسلات من الجرانيت الأشهب.
    الاثنين 2023/11/06

    المسلة عنصر رئيسي في معابد مصر القديمة

    المسلات تعد علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية القديمة، وقد نُقلت من معابد مصر القديمة لتُزيّن بعض الميادين في عدد من البلدان مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها.

    الأقصر (مصر) – اشتهرت مصر القديمة بمسلاتها الشاهقة التي كانت محل اهتمام كبير وصل إلى حد التقديس في عصور ما قبل الأسرات.

    وصارت المسلات كثيرة العدد في الدولة الحديثة، حيث كانت تتصدر كل معبد مسلتان ذواتا قمم هرمية مذهبة، ثم أقيمت مسلات مفردة على محور كل معبد، وكانت تلك المسلات تذكارا لعبادة الشمس التي عرفتها مصر القديمة قبل الآلاف من السنين.

    وقد انتشرت المسلات في مدن مصر القديمة نقلا عن مدينة هليوبوليس، وقد نحتت من حجر الجرانيت الأحمر، وكان قطعها يتم في محاجر أسوان، ثم تنقل عبر نهر النيل إلى الأقصر وغيرها من مدن مصر التاريخية.

    وقد نحتت المسلات من حجر الجرانيت، وكان الجرانيت الوردي أكثر استخداما للمسلات من الجرانيت الأشهب.

    وبحسب المصادر، فإن وزن المسلة يبلغ عدة مئات من الأطنان، وأما أضخم المسلات فبقيت غير مكتملة الصنع في محجرها بأسوان جنوبي مصر وتزن أكثر من ألف طن.

    والمسلة هي عنصر معماري ذو أربعة أضلاع، تنتهي بقمة هرمية تقوم على قاعدة مستقلة قد يسجل عليها نص، وتزين بتماثيل القردة التي تهلل لأشعة الشمس. وتنقش جوانب المسلة الأربعة بمناظر ونصوص تتعلق بالملك صاحبها، وبالإله الذي كرست له المسلة.

    ولقد أراد المصري أن يحقق بالمسلة مجموعة من الأهداف، منها أنها عنصر معماري جمالي يقع على يمين ويسار مدخل المعبد، ويبدو سابحا في الفضاء يربط بين السماء والأرض، ثم هي نصب تذكاري يخلد ذكرى صاحبه في علاقته بالإله الذي كرست له المسلة.



    وتحظى المسلات المصرية القديمة، التي نُقلت من معابد مصر القديمة لتُزيّن بعض الميادين في عدد من مدن العالم، بحضور كبير في المصادر العربية والأجنبية وكتب الآثاريين وعلماء المصريات.

    وفي كتابه “الرحلة الكبرى للمسلة” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي ترجمته لنا زينب الكردي، يروي لنا الفرنسي روبرت سوليه كيف قام فريق فرنسي بنقل مسلة الملك رمسيس الثاني من موقعها الأصلي أمام صرح معبد الأقصر الأثري، إلى فرنسا حيث استقرت بميدان الكونكورد في باريس.

    ويكشف سوليه في كتابه كيف تم اقتلاع المسلة الضخمة من موقعها في المعبد ونقلها إلى باخرة حملت اسم “الأقصر”، ويقدم وصفا لما بذل من جهود من أجل إتمام عملية النقل، وكيف أن مرض الكوليرا هاجم عددا من أعضاء الفريق الفرنسي الذي قام بنقل المسلة.

    ويدلنا كتاب “معجم الحضارة المصرية القديمة” لعلماء المصريات جورج بوزنر وسيرج سونرون وجان يويوت وأ. أ. إدواردز وف. ل. ليونيهن – وترجمة سيد أمين، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، على أن المسلات المصرية القديمة نُقلت إلى خارج البلاد في جميع العصور، فقد نقل أشور بانيبال Ashurbanipal اثنتين منها إلى نينوى.

    ونقل الأباطرة الرومان الكثير منها إلى روما وإلى القسطنطينية، وحذت الدول الحديثة حذو هؤلاء في القرن التاسع عشر، حيث نجد مسلات مصرية في الكثير من البلدان مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان.

    وبحسب الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية، فإنه يوجد عدد من المسلات صغيرة الحجم في عدد من المتاحف العالمية، وأنه يوجد داخل مصر ثلاث عشرة مسلة، وأن المجلس الأعلى للآثار المصرية تمكن من ترميم بعضها وإعادتها إلى الصورة التي كانت عليها قبل الآلاف من السنين.

    ويقول عالم المصريات المصري الراحل الدكتور عبدالحليم نورالدين إن المسلات تعد علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية القديمة، ويشير إلى أنه إذا كانت الأهرامات على سبيل المثال تعتبر إنجازا هندسيا ومعماريا، فإن المسلات تعد إبداعا متميزا لكونها قطعة واحدة من حجر الجرانيت الوردي أو غيره، إضافة إلى طريقة قطعها ونقلها وإقامتها، وبقاء بعضها قائما شامخا يواجه كل الظروف الطبيعية والبشرية.



    وبحسب سلسلة محاضرات نشرتها مكتبة الإسكندرية، وألقيت ضمن المواسم الثقافية الأثرية التي تنظمها المكتبة بمشاركة كبار علماء المصريات، فإن للمسلات دلالات دينية، حيث كانت أحد الرموز البدائية المقدسة في مصر القديمة، والتي ربما بدأ الناس في التاريخ المبكر يقيمونها للإله رع في هليوبوليس على شكل عمود بسيط يربط بينهم وبين هذا الإله. ثم تطور هذا الشكل ليتخذ شكل الجسم ذي الأضلاع الأربعة، والذي ينتهي بقمة هرمية.

    وتُبيّن بعض المصادر أن المسلة ترمز لأشعة الشمس الهابطة من السماء ممثلة في قمتها الهرمية، وربط بعض علماء الآثار بين المسلة والإله “أتوم” أحد أهم المعبودات لدى قدماء المصريين، والذي يرمز لنشأة الكون، كما أن هناك علاقة بين المسلة والمعبود رع على اعتبار أن قرص الشمس هو أقدم رمز لهذا المعبود قد صور على قمة مسلة، كما ذهب بعض علماء المصريات إلى الربط بين المسلة والقمر، وأن استخدام المسلات كان مع بداية تبلور الفكر الديني وبداية ظهور عقيدة الشمس في مصر القديمة.

    ومن أبرز الأدلة التي تدلنا عليها المصادر على الدور الديني للمسلة ذلك الطقس الذي كان يـصاحب إقامة المسلة، والذي يعرف بطقس “إقامة مسلتين للإله”.

    وقد ظهر هذا الطقس منذ الدولة الحديثة، واستمر طوال العصر الفرعوني والعصرين اليوناني والروماني. ولدينا بعض الأمثلة من الدولـة الحديثة، أهمها ذلك المنظر المصور على جدران المقصورة الحمراء للملكة حتشبسوت في الكرنك، والذي يصور مع النص المصاحب لإقامة مسلتين من قبل هذه الملكة لأبيها الإله “أمون” ولا تزال إحدى هاتين المسلتين باقية كاملة، في حين سقطت الثانية ولا يزال يقوم جزء منها على القاعدة، ثم هناك جزء من القمة عند البحيرة المقدسة بمعابد الكرنك في مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر.

    وشهدت منطقة أبوصير، في محافظة الجيزة، قديما، بناء مجموعة من معابد الشمس التي كرسها ملوك الأسرة الخامسة لعبادة إله الشمس، وكانت المسلة عنصرا رئيسيا في هذه المعابد على اعتبار ما للمسلة من علاقة قوية بإله الشمس في مصر القديمة.

يعمل...
X