"المحكور ما كيبكيش" دراما واقعية تصور اللامساواة الاجتماعية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "المحكور ما كيبكيش" دراما واقعية تصور اللامساواة الاجتماعية

    "المحكور ما كيبكيش" دراما واقعية تصور اللامساواة الاجتماعية


    دراما اجتماعية واقعية ورسالة قوية تطرح أسئلة صعبة حول الحياة في عالم مليء بالعدوانية وعدم المساواة الاجتماعية.
    السبت 2023/11/04

    معاناة بين الواقع والرغبة في تغييره

    الرباط - "المحكور ما كيبكيش" أو المظلوم لا يبكي، هو العمل السينمائي الذي يشارك به المخرج المغربي فيصل بوليفة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة والذي يتعرض إلى العديد من التابوهات في المجتمع المغربي جعلته يواجه هجوما ونقدا لاذعا.

    يعتبر الفيلم من الأعمال السينمائية ذات الجرأة في طرح الأحداث، حيث يتناول موضوعًا حساسًا تعانيه نسبة كبيرة من سكان العالم، وهم الذين يعيشون في ظروف صعبة ويعتمدون على موارد محدودة من محيطهم، ويركز على واقع الطبقة العاملة في المغرب، لكنه يلامس مسائل عالمية أيضًا، رغم أن تيمات ومشاهد المثلية الجنسية أصبحت مجانية في كل الأفلام الحديثة.

    يعكس الفيلم الحياة اليومية للكثير من الناس في المجتمع المغربي، وخاصة في البلدات التي تعاني مستويات مرتفعة من عدم المساواة الاجتماعية، ويتميز بجرأة كبيرة في تصوير الواقع وهذا ما يجعله مزعجًا قليلا لأنه يبرز عدة مشاهد تبدو مجانية في طرحها الجريء.


    ◙ الفيلم يعتبر من الأعمال السينمائية ذات الجرأة في طرح الأحداث حيث يتناول موضوعا حساسا تعانيه نسبة كبيرة من سكان العالم


    يتناول المخرج بوليفة قصة حياة امرأة في منتصف العمر وابنها وهما يجوبان شوارع المغرب محاولين البحث عن فرصة للهروب من الفقر، ويظهر ذلك في تكوين اللقطات التي تبرز كيف يصبح الأمر أكثر صعوبة مع مرور الوقت حيث يفتقر كل منهما إلى التوجيه ويدركان أن الطموح لا يكفي دائمًا إذا لم يتمتع الشخص بالمهارات الضرورية لتحقيق الهدف.

    تحمل الحبكة في طياتها دراما اجتماعية واقعية ورسالة قوية، وتطرح أسئلة صعبة حول الحياة في عالم مليء بالعدوانية وعدم المساواة الاجتماعية، ويجمع بين لحظات مؤثرة وصادمة تثير تفكير المشاهدين في قضايا هامة ويجعلهم يتأملون في العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، كما يسلط الضوء على ضرورة فهم ومعالجة هذه القضايا ويشجع المشاهدين على التفكير بعمق حول تأثيرها في حياتنا اليومية.

    تحمل معظم المشاهد طابعًا راديكاليًا وجاذبًا، حيث تجرنا بعمق إلى حياة واقعية في العصر الحديث، كما يأخذنا في رحلة طويلة مليئة بالتحديات للبحث عن منزل في بيئة تفتقر إلى الدعم المألوف للأشخاص الذين يواجهون صعوبات، حيث نتحول نحن المشاهدون إلى متطفلين نلقي نظرة على حياة هؤلاء وعلى أنشطتهم اليومية، إذ يتبين أن هذه الأنشطة ليست عادية إطلاقا، بل تتغير كل يوم. إنها قصة عن أناس عاديين يعيشون حياة متقلبة بلا هوية، وخلال الدقائق المئة التي نمضيها معهم، نرى كيف يواجهون تحديات مستمرة في البحث عن مأوى في أماكن غير مستقرة.

    تشكل القصة أساسًا استكشافا شديد العمق للمغرب الحديث، حيث يعكس المخرج واقع بلاده وصعوبة العيش في بيئة معادية عندما يكون البقاء هو الهدف الأساسي، فبطلا الفيلم اللذان يتجولان في أماكن حضرية غير مرحب بهما، فدائمًا يبحثان عن مأوى وانتماء بينما يحاولان التأقلم مع واقعهما الجديد، ويصوّر العمل بشكل مؤلم رحلة البحث عن الأمان والراحة في بيئة غير مألوفة، والرغبة الأبدية في الانتماء إلى مكان ما، وهو موضوع يعكس بشكل متقن من خلال الصور الزاهية والمعقدة التي يتميز بها.

    تكمن التقنية الرئيسية وراء تكوين اللقطات في البعد الرمزي، خاصة المشهد الذي يرمز إلى السفر نحو مستقبل غير مؤكد، هذا ليس مجرد استخدام رمزي في الدراما الواقعية الجديدة، بل هو مجاز يمثل مجموعة واسعة من الأفراد الذين يجدون أنفسهم متشتتين في عالم لا يتجلى فيه الاتجاه.

    وتعد هذه الرموز دراسة شخصية معقدة حول أفراد يعيشون حياة معقدة تتراوح بين البساطة والبحث المستمر عن وسائل جديدة للبقاء على قيد الحياة، وعلى الرغم من وجود إمكانية التعاطف مع هؤلاء الأفراد، إلا أن الفيلم يصور تحدياتهم بصرامة ويقدم الشخصيات الرئيسية بصورة حقيقية.

    ◙ المخرج بوليفة يتناول قصة حياة امرأة في منتصف العمر وابنها وهما يجوبان شوارع المغرب محاولين البحث عن فرصة للهروب من الفقر

    إنها ليست قصة زوجين من الشهداء اللذين يكافحان فقط بناءً على ظروفهما، بل هي تصوير لقطات ومشاهد قاسية لا ترحم كيفية تأثرنا بيئتنا، وكيف يمكن أن تعيق الأوضاع القائمة أحيانًا نجاحنا المحتمل. ويقدم الأداء المذهل والمؤثر للممثلين الرئيسيين، عائشة تبعة وعبدالله الحجوجي، تفاصيل غنية ومعقدة، وكلاهما يبرز على نحو استثنائي في تجسيد زوجين قد نجد في محيطنا من يشبههما في المصير والمعاناة.

    تألق الممثلون في الفيلم بأداء حيث قدموا شخصيات معقدة بشكل ممتاز، رغم عدم مهنتيهم وهذا الأداء المتفرد ساهم إلى حد بعيد في تعزيز التأثير العاطفي للأحداث وجعل الممثل أكثر قربًا ومصداقية، كما استخدم المخرج السفر كرمز يمثل التحديات التي تواجه الأفراد والبحث عن الأمان في بيئة غير مألوفة.

    يعتبر العمل الفني الذي أخرجه بوليفة تجربة سينمائية مميزة تجمع بين الدهاليز الواقعية والرسالة الاجتماعية على نحو استثنائي. ويمكن القول إن “المظلوم لا يبكي” يمثل خطوة جديدة في تطور بوليفة السينمائي، حيث إنه يتألق في توجيه الفيلم بأسلوبه الفريد من نوعه إذ يستخدم عناصر السينما ببساطة، لكنها بساطة فعّالة على نحو سلس في نقل الجمهور إلى عالم الشخصيات الرئيسية وتفاصيل حياتهم بشكل واقعي. هذا يساعد على تعزيز التركيز على القصة والرسالة الاجتماعية للفيلم. ما يجعل العمل مهما أيضا هو تركيزه على القضايا الاجتماعية الملحة، حيث يبرز بجرأة قضايا مثل الفقر والتمييز الاجتماعي.
يعمل...
X