القضاء الإداري
تعريفه
بداية لابدّ من تأكيد أن القضاء يعدّ الملجأ الأمين لضمان حقوق الأفراد وحرياتهم لنزاهته وحياده وعمق معرفته القانونية؛ لذلك أكدته جميع الدساتير في العالم. وقد اعتمدت بعض الدول نظاماً قضائياً موحداً ينظر في جميع المنازعات سواء أكانت إدارية أم مدنية أم تجارية، وسمّي هذا النظام بـ(نظام القضاء الموحد) الذي لا يميز بين سلطة عامة أو أفراد، وذلك استناداً إلى مبدأ سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه، ومن أمثلة هذه الدول بريطانيا وأميركا والعراق والسودان)، أي البلاد التي اتبعت النهج الانكلوسكسوني. في حين أن دولاً أخرى، مثل فرنسا ومصر وسورية ولبنان اعتمدت نظام القضاء المزدوج:
1ـ القضاء العادي الذي يفصل ـ من حيث المبدأـ بالمنازعات التي تحصل بين الأفراد فيما بينهم، وبين الأفراد والإدارة عندما تتنازل عن امتيازاتها كسلطةٍ عامةٍ؛ وتتعامل مع الأفراد كأي فرد عادي، وفي هذه الحالة يطبق عليها ما يطبق على الأفراد (قواعد القانون الخاص).
2ـ القضاء الإداري la juridiction administrative الذي ينظر بالمنازعات الإدارية وفق قواعد قانونية متميزة ومختلفة عن قواعد القانون الخاص؛ لكونه يأخذ في الحسبان طبيعة المنازعات الإدارية ومقتضيات المصلحة العامة.
هكذا يمكن تعريف القضاء الإداري بأنه «هيئة قضائية مستقلة تقوم بتقديم الفتاوى وإعداد وصياغة التشريعات، وتفصل في المنازعات الإدارية وفق قواعد قانونية متميزة» (قواعد القانــون العام).
نشأة القضاء الإداري والتطورات التي لحقت به
نشأ القضاء الإداري في فرنسا، وتعود نشأته إلى أسباب تاريخية حيث كان رجال الثورة يعدّون بأن المحاكم العادية (البرلمانات) وسيطرتها وتدخلها في أعمال الإدارة كان البلاء الأعظم في تخلف الإدارة وإعاقتها عن تنفيذ الإصلاحات التي ترغبها، ولاسيما أن هذه المحاكم كان لها موقف سلبي من الثورة؛ لذلك أصدر مشرّع الثورة القانون رقم 16 بتاريخ 24 آب عام 1790 الخاص بالتنظيم القضائي، ونصّت الفقرة الثانية من المادة 13 منه على أن «الوظائف القضائية مستقلة، وتبقى منفصلة عن الوظائف الإدارية، لا يستطيع القضاة -تحت طائلة الخيانة العظمى ـ أن يتعرضوا بأية وسيلة من الوسائل لأعمال الهيئات الإدارية أو محاكمة الإداريين لسبب يخص وظائفهم».
وهكذا ضمن رجال الثورة إبعاد رقابة هذه المحاكم عن الإدارة ومنازعاتها. وأسند إلى الإدارة ذاتها (الإدارة القاضية) الفصل في المنازعات التي تنشأ بينها وبين الأفراد، أي إن الإدارة جمعت بين حقيقتين متضادتين، إدارة عاملة وإدارة قاضية، وأصبحت في هذه الحالة خصماً وحكماً في آن واحد، وهذا يتجافى مع العدل والمنطق مما أدى إلى شكاوى كثيرة جداً. فتيقظ نابليون لهذا الخلل الذي لا يرغبه، وأنشأ مجلس الدولة[ر] هيئةً استشاريةً تعرض عليه المنازعات الإدارية، إلاّ أن قراراته بشأن هذه المنازعات لا تكون نهائية إلاّ بعد عرضها على رئيس الدولة للتصديق عليها، وسميت هذه الفترة (بالقضاء المعلّق أو المقيد).
إضافة إلى ذلك تم إنشاء مجالس الأقاليم التي كانت تنظر بالمنازعات تحت إشراف المحافظين، وكانت قراراتها خاضعة للطعن أمام مجلس الدولة، ومن ثم فهي بحاجة إلى تصديق رئيس الدولة. وبقي الأمر على هذه الحال حتى صدور قانون في 24/5/1872، والذي أنشأ مرحلة جديدة هي مرحلة القضاء المفوّض، حيث أصبح مجلس الدولة يصدر أحكامه بصورة نهائية دون حاجة إلى موافقة أو تصديق من السلطة الإدارية. وأنشأ في الوقت نفسه محكمة تنازع الاختصاص لفض النزاعات التي تحصل على الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري، أو في حالة تعارض الأحكام المنظمة بالقانون الصادر في 20/4/1932. وكان تأليف هذه المحكمة مناصفة بين القضاء العادي وبين القضاء الإداري ضماناً لحيادها.
ومن الجدير بالذكر أن المرسوم الصادر في 30/10/1953 قد حدد اختصاص مجلس الدولة الفرنسي على سبيل الحصر، وعد مجالس الأقاليم (المحاكم الإدارية) قاضياً عاماً في المنازعات الإدارية.
اختصاصات القضاء الإداري
يمارس القضاء الإداري نوعين من الاختصاصات:
1ـ اختصاصات استشارية: يقع على عاتق القضاء الإداري إعداد التشريعات التي تقدم له من قبل الحكومة، لأنه على صلة دائمة بالقضايا والمشكلات الإدارية، أو يقتصر دوره على الصياغة فقط؛ لأن من واجبه التحقق من مطابقة التشريعات لمبدأ الشرعية. إضافة إلى إصدار الفتاوى وإبداء الرأي في المسائل القانونية التي تطرح من قبل الوزارات والإدارات عندما تعترضها مشكلة إدارية بحاجة إلى توضيح.
2ـ اختصاصات قضائية: يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الإدارية التي ترفع أمامه بغية إلغاء الأعمال الإدارية المخالفة لمبدأ الشرعية (دعوى الإلغاء)، أو تعديلها أو استبدالها والحكم بالتعويض عنها (دعوى القضاء الكامل).
نهج المشرّع السوري أسلوب التحديد وحصر اختصاص القضاء الإداري وفق أحكام القانون رقم 55 لعام 1959 بالاختصاصات المحددة بالمواد من (8 إلى 15)؛ وبهذا قصد المشرّع عدّ القضاء العادي هو صاحب الاختصاص العام في كل ما لم يحدده القانون.
القضاء الإداري في سورية والدول العربية
عرف القضاء الإداري في سورية تطورات متلاحقة منذ عام 1918 حتى عام 1959؛ حيث عرفت البلاد قضاء إدارياً متكاملاً بالقانون رقم /55/، وأصبح مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء. ويتألف المجلس من رئيس ونواب للرئيس ومستشارين ومستشارين مساعدين ونواب ومندوبين ومندوبين مساعدين، ويتم شغل هذه المناصب ـ من حيث المبدأ ـ عن طريق التعيين أو الترقية. ويتكون مجلس الدولة من قسمين:
1ـ القسم الاستشاري للفتوى والتشريع، وهو يهتم بتقديم النصح والإرشاد للإدارة عن طريق تقديم الفتاوى والآراء، وإعداد التشريعات وصياغتها.
2ـ القسم القضائي: ويتكون من:
ـ المحكمة الإدارية العليا.
ـ محكمة القضاء الإداري.
ـ المحاكم الإدارية.
ـ هيئة مفوضي الدولة.
وهناك تشابه بين جميع الدول العربية التي أخذت بنظام القضاء المزدوج على غرار فرنسا، مع بعض الفروقات الطفيفة.
محمد الحسين
تعريفه
بداية لابدّ من تأكيد أن القضاء يعدّ الملجأ الأمين لضمان حقوق الأفراد وحرياتهم لنزاهته وحياده وعمق معرفته القانونية؛ لذلك أكدته جميع الدساتير في العالم. وقد اعتمدت بعض الدول نظاماً قضائياً موحداً ينظر في جميع المنازعات سواء أكانت إدارية أم مدنية أم تجارية، وسمّي هذا النظام بـ(نظام القضاء الموحد) الذي لا يميز بين سلطة عامة أو أفراد، وذلك استناداً إلى مبدأ سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه، ومن أمثلة هذه الدول بريطانيا وأميركا والعراق والسودان)، أي البلاد التي اتبعت النهج الانكلوسكسوني. في حين أن دولاً أخرى، مثل فرنسا ومصر وسورية ولبنان اعتمدت نظام القضاء المزدوج:
1ـ القضاء العادي الذي يفصل ـ من حيث المبدأـ بالمنازعات التي تحصل بين الأفراد فيما بينهم، وبين الأفراد والإدارة عندما تتنازل عن امتيازاتها كسلطةٍ عامةٍ؛ وتتعامل مع الأفراد كأي فرد عادي، وفي هذه الحالة يطبق عليها ما يطبق على الأفراد (قواعد القانون الخاص).
2ـ القضاء الإداري la juridiction administrative الذي ينظر بالمنازعات الإدارية وفق قواعد قانونية متميزة ومختلفة عن قواعد القانون الخاص؛ لكونه يأخذ في الحسبان طبيعة المنازعات الإدارية ومقتضيات المصلحة العامة.
هكذا يمكن تعريف القضاء الإداري بأنه «هيئة قضائية مستقلة تقوم بتقديم الفتاوى وإعداد وصياغة التشريعات، وتفصل في المنازعات الإدارية وفق قواعد قانونية متميزة» (قواعد القانــون العام).
نشأة القضاء الإداري والتطورات التي لحقت به
نشأ القضاء الإداري في فرنسا، وتعود نشأته إلى أسباب تاريخية حيث كان رجال الثورة يعدّون بأن المحاكم العادية (البرلمانات) وسيطرتها وتدخلها في أعمال الإدارة كان البلاء الأعظم في تخلف الإدارة وإعاقتها عن تنفيذ الإصلاحات التي ترغبها، ولاسيما أن هذه المحاكم كان لها موقف سلبي من الثورة؛ لذلك أصدر مشرّع الثورة القانون رقم 16 بتاريخ 24 آب عام 1790 الخاص بالتنظيم القضائي، ونصّت الفقرة الثانية من المادة 13 منه على أن «الوظائف القضائية مستقلة، وتبقى منفصلة عن الوظائف الإدارية، لا يستطيع القضاة -تحت طائلة الخيانة العظمى ـ أن يتعرضوا بأية وسيلة من الوسائل لأعمال الهيئات الإدارية أو محاكمة الإداريين لسبب يخص وظائفهم».
وهكذا ضمن رجال الثورة إبعاد رقابة هذه المحاكم عن الإدارة ومنازعاتها. وأسند إلى الإدارة ذاتها (الإدارة القاضية) الفصل في المنازعات التي تنشأ بينها وبين الأفراد، أي إن الإدارة جمعت بين حقيقتين متضادتين، إدارة عاملة وإدارة قاضية، وأصبحت في هذه الحالة خصماً وحكماً في آن واحد، وهذا يتجافى مع العدل والمنطق مما أدى إلى شكاوى كثيرة جداً. فتيقظ نابليون لهذا الخلل الذي لا يرغبه، وأنشأ مجلس الدولة[ر] هيئةً استشاريةً تعرض عليه المنازعات الإدارية، إلاّ أن قراراته بشأن هذه المنازعات لا تكون نهائية إلاّ بعد عرضها على رئيس الدولة للتصديق عليها، وسميت هذه الفترة (بالقضاء المعلّق أو المقيد).
إضافة إلى ذلك تم إنشاء مجالس الأقاليم التي كانت تنظر بالمنازعات تحت إشراف المحافظين، وكانت قراراتها خاضعة للطعن أمام مجلس الدولة، ومن ثم فهي بحاجة إلى تصديق رئيس الدولة. وبقي الأمر على هذه الحال حتى صدور قانون في 24/5/1872، والذي أنشأ مرحلة جديدة هي مرحلة القضاء المفوّض، حيث أصبح مجلس الدولة يصدر أحكامه بصورة نهائية دون حاجة إلى موافقة أو تصديق من السلطة الإدارية. وأنشأ في الوقت نفسه محكمة تنازع الاختصاص لفض النزاعات التي تحصل على الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري، أو في حالة تعارض الأحكام المنظمة بالقانون الصادر في 20/4/1932. وكان تأليف هذه المحكمة مناصفة بين القضاء العادي وبين القضاء الإداري ضماناً لحيادها.
ومن الجدير بالذكر أن المرسوم الصادر في 30/10/1953 قد حدد اختصاص مجلس الدولة الفرنسي على سبيل الحصر، وعد مجالس الأقاليم (المحاكم الإدارية) قاضياً عاماً في المنازعات الإدارية.
اختصاصات القضاء الإداري
يمارس القضاء الإداري نوعين من الاختصاصات:
1ـ اختصاصات استشارية: يقع على عاتق القضاء الإداري إعداد التشريعات التي تقدم له من قبل الحكومة، لأنه على صلة دائمة بالقضايا والمشكلات الإدارية، أو يقتصر دوره على الصياغة فقط؛ لأن من واجبه التحقق من مطابقة التشريعات لمبدأ الشرعية. إضافة إلى إصدار الفتاوى وإبداء الرأي في المسائل القانونية التي تطرح من قبل الوزارات والإدارات عندما تعترضها مشكلة إدارية بحاجة إلى توضيح.
2ـ اختصاصات قضائية: يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الإدارية التي ترفع أمامه بغية إلغاء الأعمال الإدارية المخالفة لمبدأ الشرعية (دعوى الإلغاء)، أو تعديلها أو استبدالها والحكم بالتعويض عنها (دعوى القضاء الكامل).
نهج المشرّع السوري أسلوب التحديد وحصر اختصاص القضاء الإداري وفق أحكام القانون رقم 55 لعام 1959 بالاختصاصات المحددة بالمواد من (8 إلى 15)؛ وبهذا قصد المشرّع عدّ القضاء العادي هو صاحب الاختصاص العام في كل ما لم يحدده القانون.
القضاء الإداري في سورية والدول العربية
عرف القضاء الإداري في سورية تطورات متلاحقة منذ عام 1918 حتى عام 1959؛ حيث عرفت البلاد قضاء إدارياً متكاملاً بالقانون رقم /55/، وأصبح مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق برئاسة مجلس الوزراء. ويتألف المجلس من رئيس ونواب للرئيس ومستشارين ومستشارين مساعدين ونواب ومندوبين ومندوبين مساعدين، ويتم شغل هذه المناصب ـ من حيث المبدأ ـ عن طريق التعيين أو الترقية. ويتكون مجلس الدولة من قسمين:
1ـ القسم الاستشاري للفتوى والتشريع، وهو يهتم بتقديم النصح والإرشاد للإدارة عن طريق تقديم الفتاوى والآراء، وإعداد التشريعات وصياغتها.
2ـ القسم القضائي: ويتكون من:
ـ المحكمة الإدارية العليا.
ـ محكمة القضاء الإداري.
ـ المحاكم الإدارية.
ـ هيئة مفوضي الدولة.
وهناك تشابه بين جميع الدول العربية التي أخذت بنظام القضاء المزدوج على غرار فرنسا، مع بعض الفروقات الطفيفة.
محمد الحسين