دورين نبيل نصر تستذكر ثلاثة شعراء كتبوا الوطن وكتبهم
القروي وخليل حاوي ومحمد الماغوط شعراء غيروا وجهة القصيدة العربية.
الأربعاء 2023/11/01
دورين نبيل نصر ترصد الشعر بدقة الناقدة
خصصت الأكاديمية اللبنانية كتابا لدراسة تحولات الشعر العربي من خلال تجارب كل من رشيد سليم الخوري وخليل حاوي ومحمد الماغوط، الذين يعتبرون من أبرز المؤثرين في الشعرية العربية في القرن العشرين، كما كانوا أصحاب مواقف وطنية خالدة، إذ حملوا الوطن في قصائدهم كفكرة وجمالية حاولوا تخليدها.
بيروت - أقيم في حرم جامعة القديس يوسف شمال بيروت حفل توقيع كتاب “رؤى التحولات: قراءة في شعرية الوطن لدى الشاعر القروي وخليل حاوي ومحمد الماغوط” للناقدة والأكاديمية دورين نبيل نصر، بحضور عدد من الأكاديميين والنقاد.
وتناولت الباحثة تجارب من القرن العشرين في رصدها لتحولات الشعرية العربية منذ الشاعر رشيد سليم الخوري الملقب بالقروي (1887 – 1984) وهو أحد شعراء المهجر اللبنانيين البارزين، عاش في البرازيل وكان عضوا في الرابطة الأندلسية، إلى خليل حاوي (1919 – 1982) الذي عرف بمواقفه من قضايا الوطن في شعره التفعيلي الرائد، وصولا إلى السوري محمد الماغوط (1934 – 2006) الذي يعتبر من أعلام قصيدة النثر العربية.
بداية قدمت للندوة المهندسة نانسي نصر قائلة “نلتقي معا حول كتاب للأكاديمية دورين نصر لنشارك في مائدة المنطق والوجدان على طاولة صاغها القلم بإيعاز من الفكر البحثي، فلنستمع معا إلى مداخلات أهل العلم البارزين”.
الكتاب تميز بالقدرة على هضم المناهج الحديثة، معالجا شعر ثلاثة من الشعراء المؤسسين في تاريخ الشعرية العربية
تحدثت مديرة الجامعة فاديا العلم جميل باسم رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكاش، مشيرة إلى أن نصر هي من أهل الجامعة ومن خريجي الدفعة الأولى في الدكتوراه في الآداب العربية من فرع معهد الآداب الشرقية في الجامعة اليسوعية في الشمال. وتساءلت: ماذا يا ترى يقول هؤلاء الشعراء الكبار، الشاعر القروي وخليل حاوي ومحمد الماغوط، في الكتاب الذي نحتفل اليوم بصدوره لو كانوا ما يزالون أحياء بيننا، عن الوطن؟ وعما نعيشه اليوم؟”.
وتوجهت إلى نصر قائلة “أنا لا أبحث عن الوطن الفردوس، بل عن وطني، ملجئي الأخير”. أما عميد كلية العلوم والآداب في جامعة البلمند حنا النكت فقال “دورين هي ابنة الكورة الأصيلة والعريقة، كورة العلم والمعرفة والإيمان والانفتاح والحوار. ومن مقلع الأصالة في الكورة جاء انسجام الدكتورة دورين مع معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف طبيعيا ومتناسقا وزادها غنى على غنى، فكانت بكل ما أنتجته من مؤلفات ونقد وحلقات ثقافية أمينة لهذه الأصالة والعراقة، وجاءت عطاءاتها متماهية مع عطاءات من سبقها من مؤسسي المعهد وخريجيه، تحمل الإبداع نفسه”.
من جهته أكد الشاعر والأستاذ الجامعي البروفسور جورج سعادة على “تميز الكاتبة والأكاديمية نصر بالقدرة على هضم المناهج الحديثة، حيث عالجت في كتابها شعر ثلاثة من الشعراء رشيد سليم الخوري وخليل حاوي ومحمد الماغوط، فتدرجت بأشكال نتاجهم من الشعر الموزون إلى التفعيلة وانتهت إلى قصيدة النثر التي تروق لها بصورة خاصة”. تابع “لقد كان للغربة علامات فارقة، فهي لم تكن لتعني بالتحديد الهجرة من الوطن – المكان، بل تفرعت
وتعمقت لتتحول إلى حالة نفسية مقيمة، غربة الذات عن الوطن والأهل وغربة الذات عن الذات، فكم من مرة نكون في الوطن وبين الأهل وتلاحقنا الغربة، إنها حالة النفس التائقة إلى أصلها والمتململة في هيكل التراب مسكنها الموقت”. وختم “عالجت دورين هذه الموضوعات جميعا بدقة ونجاح، فجاء كتابها جديرا بأن يقرأ للمتعة والفائدة معا وكل قارئ سينال منه ما يبتغيه وما يناسب ثقافته”.
كان للغربة علامات فارقة في القصائد؛ فهي لم تكن لتعني بالتحديد الهجرة من المكان بل تفرعت وتعمقت
وأما الباحث أمية أبي صعب زريق فقال “لا ننسى أن الفضل في بناء مجد لغة الضاد يعود إلى فطاحل ملأوا الدنيا أوزانا مرنانة. إن القصيدة العمودية، وإن شاختْ بعد مرور نحو ألفي سنة على ولادتها، لم تزل يافعة، أقله في نظر كثر. ينبغي ألا ننكر أنها أصبحتْ دليلا على نهضة شعرية في زمن التحولات. وهنا أستعين بما قاله أندريه مالرو، السياسي والفيلسوف والأديب والناقد الفرنسي، حول أعمال الرسام الإسباني بيكاسو، ومفاده أنه يتفهم أن يرسم رسام ما على نمط بيكاسو، شرط أن يجيد الرسم على نمط الرسام الهولندي رامبرانت. وترجمة ذلك شعريا أن ناظم قصيدة النثر لا يكون شاعرا بالمفهوم العام، إلا إذا كان يجيد نظم القصيدة العمودية”.
وتابع “رشيد سليم الخوري، أحد أركان العصْبة الأندلسية، المهجر والداعي إلى الوحدة والتآخي بين الطوائف، والثائر المناضل الجريء ضد الاستعمار، ناظم القصيدة التقليدية. لم يكن ربما ليعتمد لقب الشاعر القروي لو لم يعرف بصفة القروي في ذلك الزمان، فتمسك بهذا اللقب على حساب لقبين آخرين أطلقا عليه، ألا وهما شاعر العروبة المهْجري وشاعر النهضة العربية”.
وأضاف “أما شاعر التفعيلة خليل حاوي فاختار موضوعات غير كلاسيكية لقصائده، على ما لحظته المؤلفة، معتمدا الرموز الحسية والنفسية وكذلك الأساطير، حتى التوهم المقصود، ليفشي بحنينه. ولم يكن الإحساس العميق الذي يتسم به عادة الشعراء إحساسا عاديا لدى حاوي، بل تخطاه إلى حد استعجال خروجه من الفانية، إحباطا أو وجلا، هو الخائب والقلق أساسا، عندما اجتاح العدو عاصمتنا منذ أربعين حولا”.
وختم قائلا “أما الماغوط الثائر، الذي نشأ في محيط متواضع الحال، وفي كنف يفتقد الحنان، فهو عبر ببساطة بقصائده الحرة عن موضوعات سلبية كالموت والخوف، متمردا، على حد ما أفادتنا شاعرتنا، على الشعر الكلاسيكي، بأدب سياسي ساخر. وكان الماغوط أديبا شموليا، نظم قصيدة النثر وكتب الخاطرة والرواية، وألف مسرحيات ناقدة أسهمتْ في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي وسيناريوهات لمسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية”.