اللذات والآلام
١ - صفات اللذة والألم
اللذات والآلام من الأحوال النفسية الأولية التى ندركها مباشرة ، فلا حاجة اذن لتعريفها في أول هذا البحث، لأنها ظواهر بسيطة. وتعريف ذواتها على الضبط محال أيضاً. لأنك لا تستطيع أن ترجع هذه الأحوال الأولية إلى أحوال أبسط منها . كل حد فهو مؤلف من جنس وفصل . ولا يوجد للذات والآلام جنس أعلى ترجع اليه . فسنقتصر اذن في هذا الفصل على ذكر صفاتها وأسبابها وشروطها ، مع بيان طبائعها ، وقوانين تطورها .
وقد فرق العلماء بين اللذة والألم ، والملائم والمنافي (١) ، فقالوا : ليس كل ملائم لذيذاً، ولا كل مناف مؤلماً . والعكس بالجملة صحيح أيضاً. لأن شروط اللذة والألم أكثر من شروط الملائم والمنافي . مثال ذلك : ان الدغدغة تبعث لذة، ولكنها إذا طالت انقلبت . إلى احساس مناف . وقد يكون الاحساس ملائماً للنفس من غير أن يخضع للشروط التي
تجعله لذيذاً (۲) ، فالملائم بالجملة أعم من اللذة . والألم أخص من المنافي.
وهذه الأحوال الانفعالية عامة ، لأن الظواهر النفسية إما أن تكون ملائمة، وإما أن تكون منافية . ولا وجود للأحوال الحيادية المتوسطة
١ - الاحوال الحيادية المتوسطة : - هل يمكن أن يوجد في النفس أحوال حيادية لا هي ملائمة ولا هي منافية ؟ إن بعض العلماء قرروا ذلك كما رأيت سابقاً ( ص - ١٨٤ ) فقال ( سرجي ) : إن وجود هذه الأحوال تابع لشروط الحياة العامة ، وذلك أنه « لما كان الألم واللذة قطبي الحياة الوجدانية وصورتيها الأساسيتين لزم عن ذلك أن يوجد بينها منطقة حيادية مطابقة لحالة التكيف التام . فالالم حالة شعورية تكشف لنا عن النزاع القائم بين الجسد والقوى الخارجية ، وتدل على عدم التكيف ، وعلى ما ينشأ عن ذلك من إتلاف للطاقة . واللذة حال شعورية تدل على اتصال أفعال الجسد بالقوى الخارجية ومؤالفته اياها ، وعلى ما ينشأ عن ذلك من زيادة في الطاقة ونمو في الفاعلية . اما حال اللذة والالم ، فهي حال متوسطة تدل على التكيف التام بين الجسد والشروط الخلو من
الخارجية ، من غير أن يكون هناك زيادة أو نقصان في الفاعلية (١)
وقد أوضح ) وندت ( ذلك بخط بياني ، فقال : ان القسم الذي فوق الفاصلة ايجابي وهو يدل على اللذة ، والقسم الذي تحتها سلبي وهو يدل على الالم . والنقطة المتوسطة التي يقطع بها الخط البياني محور الفاصلة تدل على الاحوال الحيادية الخالية من الألم واللذة .
ولكن هذه الادلة لا تقطع المسائل الخلافية القائمة بين الفلاسفة ، ولسنا نحتاج إلى كثير عناء في اثبات ضعفها ، لانها أدلة منطقية نظرية ، لا برهانية، ولا تجريبية . ولعل الحقيقة الخارجية لا تطابق ما ثبت بالبرهان الذهني. ونحن إذا لاحظنا ما يجري في نفوسنا ، وجدنا الظواهر النفسية متصلة ، ينتقل الانسان فيها دفعة من لذة إلى ألم ، و من ألم إلى لذة، وهذه حال الانسان بالجملة ، فحيناً يساء وآنا يسر . وقد رأيت أنه لا بد للنفس من التلون
بأحد هذين اللونين .
ومع ذلك فان ( ريبو) يقول بوجود هذه الاحوال الحيادية المتوسطة ، ويستشهد على ذلك بمثال بسيط، وهو رؤية أثاث البيت في حالة عادية خالية من الاهتمام ، فهي لا تولد في الإنسان لذة ولا ألما . وإذا وجد هناك مقدار صغير من اللذة أو الألم لا يرى إلا بالتأمل ، فإن علم النفس يستطيع أن يستغني عنه كأنه كمية مهملة لا تأثير لحذفها (٢). وقد ذكر الدهشة
حيرة والحيرة والعجب في عداد الأحوال المتوسطة ، إلا أن ( هو فدينغ ( يبين أن هناك ملائمة، ودهشة منافية . وبالرغم من الملاحظات الدقيقة التي جاء بها (ريبو) فإن التحليل النفسي لا يكشف لنا عن أحوال متوسطة خالية من اللذة والألم بل يثبت أن الأحوال النفسية مشتبكة كثيرة العناصر ، لا يمكن فصل عناصرها الذهنية عن عناصرها الانفعالية إلا بالتجريد
٢ - اتحاد اللذة بالألم : - إن الإنسان في دائم أحواله لا يخلو من ألم ولذة (جسمانية
أو نفسانية ) من عدة وجوه . ومن أحسن الأدلة على اتحادهما انقلاب اللذة إلى الم والألم إلى لذة ، كأن أحدهما ليس إلا نتيجة من نتائج الآخر. والاحساسات الملائمة من لمس وذوق وشم وسمع وبصر تنقلب باستمرار الفعل إلى ألم . وذلك نتيجة طبيعية كما سترى للقانون الذي يجعل اللذة في الفعل المعتدل ، والالم في الفعل الخارج عن الاعتدال . وفي الاحوال النفسية المركبة حيث تشتبك هذه الانفعالات اشتباكا كلياً يظهر اتحاد اللذة والالم بصورة جلية . فيمكننا أن نقول اذن إن اللذة والالم يوجدان معاً في وقت واحد (١) . وقد
أشار أفلاطون إلى ذلك في كتاب ( الفدون ) فقال :
ه يا أصدقائي ما أعجب الشيء الذي يسميه الناس لذة ، وما أغرب اتحاده بالالم . لعل اللذة الإنسانية لا تريد في الاصل أن توجد مع الالم في وقت واحد؟ إلا أنك لاترغب في أحد الطرفين، ولا تحصل عليه إلا لتقبض بالضرورة على الآخر. فكان هذين الضدين مرتبطان بقمة واحدة (أي بمبدأ واحد) . ويظهر لي أن (ازوب ) لو فكر في ذلك لألف منه أسطورة و لقال : ان الاله أراد أن يصلح بين هذين المدوين فعجز عن التوفيق بينهما ؟ ولذلك ربط أحدهما
صفات اللذات والآلام
بطرف الآخر بحيث لا يظهر الأول إلا ليتبعه الثاني من الوراء . هذا ما بدا لي ، لأن ألم الوثاق الذي كنت أشعر به في ساقي قد أعقبه الان لذة و (١) فالالم يتلو اللذة كما يعقب الليل النهار ، وهما ممتزجان معاً امتزاج الماء بالراح، ولا يمكن الحصول على لذة محضة تامة لا يشوبها ألم الا إذا اتسقت وظائف الحياة اتساقا مطلقاً، وهذا محال ، وكذلك لا يمكن ان يكون هناك ألم خال من اللذة ، لأن ذلك يقتضي خروجاً مطلقاً . عن الاعتدال الطبيعي ، ولا يتم ذلك إلا إذا فسد الكائن الحي وانحل تركيب الجسد . فاللذة والألم اذن موجودان معاً . لأن مزاج الجسد يرجع في كل وقت الى الاعتدال ثم يخرج منه . منه . فقد ذكر ( ابل Rabelais أن ( غارغانتويا ، حزن لموت زوجه. وفرح في الوقت نفسه لميلاد ( بانتا غروئل ، ابنه و فيكي كالبقرة ثم ضحك
كالثور ) . وعلى هذا القياس حكم سائر الآلام واللذات الجسمانية والنفسانية . فقد تتحد اللذة النفسانية بالالم الجسماني أو بالعكس . مثال ذلك : الجندي الجريح
يتألم من جراحه وهو على فراشه فيسره بعده عن نار المعركة
وقد تتحد اللذة النفسانية بالألم النفساني . مثال ذلك : ابتسامة « آندرومــاك ) وعيناها مفروقتان بالدموع عندما عهد اليها زوجها هكتور ، بولدهما قبيل ذهابه إلى الحرب. وكالعاشق بسره عذاب الحب . والشاعر يجد الراحة في سويداء قلبه وقد تتحد اللذة الجسمانية بالألم الجسماني . مثال ذلك : لذة الجريح الذي يحك .
جر -
رحه
ويجد في ألمه لذة .
وقد تتحد اللذة الجسمانية بالألم النفساني كمن يسكن وجع عينه فيشعر بالراحة ويؤلمه
في
الوقت نفسه فراق محبوبه .
- تختلف اللذات والآلام بعضها عن بعض بالكيفية من الوجهة النفسية والاخلاقية معا . فمنها ما هو جسماني ، ومنها ما هو نفساني . ومنها ما هو نبيل شريف ، ومنها ما هو خسيس دنيء .
وتختلف أيضاً بالشدة . فقد تكون اللذة خفيفة وقد تكون قوية أو معتدلة . وقد يكون الالم ضعيفاً ، وقد يكون شديداً. وهذا الاختلاف في الشدة يرجع إلى اختلاف
الانسان في استعداده وسنه ومركزه الاجتماعي وتوقانه وطموحه وقد تكون مدة اللذة قصيرة ، وقد تكون طويلة . وقد تنقلب إذا طالت مدتها إلى
ألم ، وكذلك حكم الآلام من جسمانية ونفسانية . فالدغدغة مثلا تكون في أولها ملائمة ،الا أنها تنقلب إلى ألم بعد مدة قصيرة . وعلى عكس ذلك التكرار، فهو يقلب الاحساس المنافي إلى احساس ملائم، وتسمى هذه اللذات المتولدة من تكرار الفعل باللذات المكتسبة. مثال ذلك : شارب التبغ يجده في أول الأمر منافياً ، ثم ينقلب إحساسه بعد التكرار إلى لذة (١)
والعادة أيضاً تخفف من شدة اللذات والآلام ، لانها تضعف الحساسية وتزيد الفاعلية . فاللذة التي نجدها في مشاهدة منظر طبيعي جميل لا تبقى على حالها بل تخف. وقد نستحسن القبيح بعد معاشرته بعض زمن ، ولا نشعر بمنافاة قبحه لطبيعة الجمال التي فتوق اليها .
واللذات والآلام نسبية يزيد وضوحها التضاد ويقوى أثرها التباين . فكلما كانت اللذة أشد كان الالم الذي يتلوها أقوى ، والعكس بالعكس . فلا نتلذذ بالاستدفاء الا إذا كان البرد شديداً . ولا نتألم من حياة الجمود إلا إذا ألفنا حياة النشاط. وكلما كان جوعنا أشد كانت لذتنا بالاكل أعظم . فاللذات والآلام خاضعة اذن لقانون النسبية ( Loi de relativité.
١ - صفات اللذة والألم
اللذات والآلام من الأحوال النفسية الأولية التى ندركها مباشرة ، فلا حاجة اذن لتعريفها في أول هذا البحث، لأنها ظواهر بسيطة. وتعريف ذواتها على الضبط محال أيضاً. لأنك لا تستطيع أن ترجع هذه الأحوال الأولية إلى أحوال أبسط منها . كل حد فهو مؤلف من جنس وفصل . ولا يوجد للذات والآلام جنس أعلى ترجع اليه . فسنقتصر اذن في هذا الفصل على ذكر صفاتها وأسبابها وشروطها ، مع بيان طبائعها ، وقوانين تطورها .
وقد فرق العلماء بين اللذة والألم ، والملائم والمنافي (١) ، فقالوا : ليس كل ملائم لذيذاً، ولا كل مناف مؤلماً . والعكس بالجملة صحيح أيضاً. لأن شروط اللذة والألم أكثر من شروط الملائم والمنافي . مثال ذلك : ان الدغدغة تبعث لذة، ولكنها إذا طالت انقلبت . إلى احساس مناف . وقد يكون الاحساس ملائماً للنفس من غير أن يخضع للشروط التي
تجعله لذيذاً (۲) ، فالملائم بالجملة أعم من اللذة . والألم أخص من المنافي.
وهذه الأحوال الانفعالية عامة ، لأن الظواهر النفسية إما أن تكون ملائمة، وإما أن تكون منافية . ولا وجود للأحوال الحيادية المتوسطة
١ - الاحوال الحيادية المتوسطة : - هل يمكن أن يوجد في النفس أحوال حيادية لا هي ملائمة ولا هي منافية ؟ إن بعض العلماء قرروا ذلك كما رأيت سابقاً ( ص - ١٨٤ ) فقال ( سرجي ) : إن وجود هذه الأحوال تابع لشروط الحياة العامة ، وذلك أنه « لما كان الألم واللذة قطبي الحياة الوجدانية وصورتيها الأساسيتين لزم عن ذلك أن يوجد بينها منطقة حيادية مطابقة لحالة التكيف التام . فالالم حالة شعورية تكشف لنا عن النزاع القائم بين الجسد والقوى الخارجية ، وتدل على عدم التكيف ، وعلى ما ينشأ عن ذلك من إتلاف للطاقة . واللذة حال شعورية تدل على اتصال أفعال الجسد بالقوى الخارجية ومؤالفته اياها ، وعلى ما ينشأ عن ذلك من زيادة في الطاقة ونمو في الفاعلية . اما حال اللذة والالم ، فهي حال متوسطة تدل على التكيف التام بين الجسد والشروط الخلو من
الخارجية ، من غير أن يكون هناك زيادة أو نقصان في الفاعلية (١)
وقد أوضح ) وندت ( ذلك بخط بياني ، فقال : ان القسم الذي فوق الفاصلة ايجابي وهو يدل على اللذة ، والقسم الذي تحتها سلبي وهو يدل على الالم . والنقطة المتوسطة التي يقطع بها الخط البياني محور الفاصلة تدل على الاحوال الحيادية الخالية من الألم واللذة .
ولكن هذه الادلة لا تقطع المسائل الخلافية القائمة بين الفلاسفة ، ولسنا نحتاج إلى كثير عناء في اثبات ضعفها ، لانها أدلة منطقية نظرية ، لا برهانية، ولا تجريبية . ولعل الحقيقة الخارجية لا تطابق ما ثبت بالبرهان الذهني. ونحن إذا لاحظنا ما يجري في نفوسنا ، وجدنا الظواهر النفسية متصلة ، ينتقل الانسان فيها دفعة من لذة إلى ألم ، و من ألم إلى لذة، وهذه حال الانسان بالجملة ، فحيناً يساء وآنا يسر . وقد رأيت أنه لا بد للنفس من التلون
بأحد هذين اللونين .
ومع ذلك فان ( ريبو) يقول بوجود هذه الاحوال الحيادية المتوسطة ، ويستشهد على ذلك بمثال بسيط، وهو رؤية أثاث البيت في حالة عادية خالية من الاهتمام ، فهي لا تولد في الإنسان لذة ولا ألما . وإذا وجد هناك مقدار صغير من اللذة أو الألم لا يرى إلا بالتأمل ، فإن علم النفس يستطيع أن يستغني عنه كأنه كمية مهملة لا تأثير لحذفها (٢). وقد ذكر الدهشة
حيرة والحيرة والعجب في عداد الأحوال المتوسطة ، إلا أن ( هو فدينغ ( يبين أن هناك ملائمة، ودهشة منافية . وبالرغم من الملاحظات الدقيقة التي جاء بها (ريبو) فإن التحليل النفسي لا يكشف لنا عن أحوال متوسطة خالية من اللذة والألم بل يثبت أن الأحوال النفسية مشتبكة كثيرة العناصر ، لا يمكن فصل عناصرها الذهنية عن عناصرها الانفعالية إلا بالتجريد
٢ - اتحاد اللذة بالألم : - إن الإنسان في دائم أحواله لا يخلو من ألم ولذة (جسمانية
أو نفسانية ) من عدة وجوه . ومن أحسن الأدلة على اتحادهما انقلاب اللذة إلى الم والألم إلى لذة ، كأن أحدهما ليس إلا نتيجة من نتائج الآخر. والاحساسات الملائمة من لمس وذوق وشم وسمع وبصر تنقلب باستمرار الفعل إلى ألم . وذلك نتيجة طبيعية كما سترى للقانون الذي يجعل اللذة في الفعل المعتدل ، والالم في الفعل الخارج عن الاعتدال . وفي الاحوال النفسية المركبة حيث تشتبك هذه الانفعالات اشتباكا كلياً يظهر اتحاد اللذة والالم بصورة جلية . فيمكننا أن نقول اذن إن اللذة والالم يوجدان معاً في وقت واحد (١) . وقد
أشار أفلاطون إلى ذلك في كتاب ( الفدون ) فقال :
ه يا أصدقائي ما أعجب الشيء الذي يسميه الناس لذة ، وما أغرب اتحاده بالالم . لعل اللذة الإنسانية لا تريد في الاصل أن توجد مع الالم في وقت واحد؟ إلا أنك لاترغب في أحد الطرفين، ولا تحصل عليه إلا لتقبض بالضرورة على الآخر. فكان هذين الضدين مرتبطان بقمة واحدة (أي بمبدأ واحد) . ويظهر لي أن (ازوب ) لو فكر في ذلك لألف منه أسطورة و لقال : ان الاله أراد أن يصلح بين هذين المدوين فعجز عن التوفيق بينهما ؟ ولذلك ربط أحدهما
صفات اللذات والآلام
بطرف الآخر بحيث لا يظهر الأول إلا ليتبعه الثاني من الوراء . هذا ما بدا لي ، لأن ألم الوثاق الذي كنت أشعر به في ساقي قد أعقبه الان لذة و (١) فالالم يتلو اللذة كما يعقب الليل النهار ، وهما ممتزجان معاً امتزاج الماء بالراح، ولا يمكن الحصول على لذة محضة تامة لا يشوبها ألم الا إذا اتسقت وظائف الحياة اتساقا مطلقاً، وهذا محال ، وكذلك لا يمكن ان يكون هناك ألم خال من اللذة ، لأن ذلك يقتضي خروجاً مطلقاً . عن الاعتدال الطبيعي ، ولا يتم ذلك إلا إذا فسد الكائن الحي وانحل تركيب الجسد . فاللذة والألم اذن موجودان معاً . لأن مزاج الجسد يرجع في كل وقت الى الاعتدال ثم يخرج منه . منه . فقد ذكر ( ابل Rabelais أن ( غارغانتويا ، حزن لموت زوجه. وفرح في الوقت نفسه لميلاد ( بانتا غروئل ، ابنه و فيكي كالبقرة ثم ضحك
كالثور ) . وعلى هذا القياس حكم سائر الآلام واللذات الجسمانية والنفسانية . فقد تتحد اللذة النفسانية بالالم الجسماني أو بالعكس . مثال ذلك : الجندي الجريح
يتألم من جراحه وهو على فراشه فيسره بعده عن نار المعركة
وقد تتحد اللذة النفسانية بالألم النفساني . مثال ذلك : ابتسامة « آندرومــاك ) وعيناها مفروقتان بالدموع عندما عهد اليها زوجها هكتور ، بولدهما قبيل ذهابه إلى الحرب. وكالعاشق بسره عذاب الحب . والشاعر يجد الراحة في سويداء قلبه وقد تتحد اللذة الجسمانية بالألم الجسماني . مثال ذلك : لذة الجريح الذي يحك .
جر -
رحه
ويجد في ألمه لذة .
وقد تتحد اللذة الجسمانية بالألم النفساني كمن يسكن وجع عينه فيشعر بالراحة ويؤلمه
في
الوقت نفسه فراق محبوبه .
- تختلف اللذات والآلام بعضها عن بعض بالكيفية من الوجهة النفسية والاخلاقية معا . فمنها ما هو جسماني ، ومنها ما هو نفساني . ومنها ما هو نبيل شريف ، ومنها ما هو خسيس دنيء .
وتختلف أيضاً بالشدة . فقد تكون اللذة خفيفة وقد تكون قوية أو معتدلة . وقد يكون الالم ضعيفاً ، وقد يكون شديداً. وهذا الاختلاف في الشدة يرجع إلى اختلاف
الانسان في استعداده وسنه ومركزه الاجتماعي وتوقانه وطموحه وقد تكون مدة اللذة قصيرة ، وقد تكون طويلة . وقد تنقلب إذا طالت مدتها إلى
ألم ، وكذلك حكم الآلام من جسمانية ونفسانية . فالدغدغة مثلا تكون في أولها ملائمة ،الا أنها تنقلب إلى ألم بعد مدة قصيرة . وعلى عكس ذلك التكرار، فهو يقلب الاحساس المنافي إلى احساس ملائم، وتسمى هذه اللذات المتولدة من تكرار الفعل باللذات المكتسبة. مثال ذلك : شارب التبغ يجده في أول الأمر منافياً ، ثم ينقلب إحساسه بعد التكرار إلى لذة (١)
والعادة أيضاً تخفف من شدة اللذات والآلام ، لانها تضعف الحساسية وتزيد الفاعلية . فاللذة التي نجدها في مشاهدة منظر طبيعي جميل لا تبقى على حالها بل تخف. وقد نستحسن القبيح بعد معاشرته بعض زمن ، ولا نشعر بمنافاة قبحه لطبيعة الجمال التي فتوق اليها .
واللذات والآلام نسبية يزيد وضوحها التضاد ويقوى أثرها التباين . فكلما كانت اللذة أشد كان الالم الذي يتلوها أقوى ، والعكس بالعكس . فلا نتلذذ بالاستدفاء الا إذا كان البرد شديداً . ولا نتألم من حياة الجمود إلا إذا ألفنا حياة النشاط. وكلما كان جوعنا أشد كانت لذتنا بالاكل أعظم . فاللذات والآلام خاضعة اذن لقانون النسبية ( Loi de relativité.
تعليق