الحياة الانفعالية أو الوجدانية
توطئة
لقد فرغنا من تعديد المسائل العامة وتعريفها ، وانتهينا من وصف الحياة النفسية وذكر أقسامها ، ولم يتضح لنا بعد ما هي الحياة الانفعالية التي كان القدماء يسمونها بالقوة الحساسة ، أي حياة الحس والعاطفة والوجدان .
١ - لمحة تاريخية
إن كتاب العواطف الذي وضعه ) ديكارت ( أول كتاب فلسفي مشتمل على البحث في الحياة الانفعالية . فقد تقدم به ) ديكارت على علماء النفس الفيسيولوجيين ، ولم يقتصر كالفلاسفة القدماء على العبر والاحكام الخلفية ، والمبادىء الكلية ، بل ربط العواطف بالظواهر العضوية الملازمة لها (١) . وقد حذا حذوه ) بوسویه ) و ( مالبرانش ) و ( سبينوزا ( من فلاسفة القرن السابع عشر ، إلا أنهم لم يهتموا بالحياة الانفعالية اهتمامهم بالحياة العقلية ، لأن العقل في زعمهم فوق العاطفة ، وله الشأن الأول فيما حاموا حوله من النظر العلمي ، والتأمل الفلسفي ، والتفكير الديني .
ولكن فلاسفة القرن الثامن عشر خالفوهم في ذلك ، فأعادوا إلى الحساسية منزلتها ، حق أن ( جان جاك روسو ( وضع العاطفة فوق العقل ، وبنى عليها ( جاكوبي ) و ( آدم سمیت ) و ( شافتسبرى ( قواعد الأخلاق ، إلا أن مباحثهم كانت أقرب إلى الأدب منها إلى العلم ، لأنهم فلاسفة أخلاق يبحثون عن القواعد التي ينبغي للانسان سلوكها
في الحياة ، لا عن حقيقة الأفعال الواقعة في نفسه ولم يعرض الفلاسفة في أوائل القرن التاسع عشر عن النظر في العواطف ، إلا لأن تقدم العلوم بعثهم على تقديس العقل والايمان به. فآثروا البحث فيه على غيره ، ولكنهم
عكفوا بعد ذلك على دراسة الحياة الانفعالية بطريقة علمية صحيحة ، فكان المباحثهم أعظم الأثر في تقدم علم النفس فمنهم ( داروين) صاحب كتاب التعبير عن الهيجان - Ex pression des emotions ) . ومنهم ) لانج ) و ( جيمس ) صاحبا النظرية الفيسيولوحية المشهورة ، ومنهم ( وندت) و (سرجي) و (دومون) و (ریبو) صاحب كتاب سيكولوجيا العواطف ) shoogie des Sentiments ) ومنهم ( جورج دوماس ) صاحب المطول في علم النفس وكتاب الحزن والسرور ، وناقل نظرية (جيمس ) إلى اللغة الفرنسية ، ومنهم ( جانه ( و ) شارل ریشه ( و ) روه ) و ( داللون ) وغيرهم .
٢ - صفات الحياة الأنفعالية أو الوجدانية
من صفات الظواهر الانفعالية أنها ذات مرونة ولين ورخاصة ، يؤثر فيها كل شيء فتتغير ، رهي سريعة التحول ، حق اقمد وصفها ( جيمس ) و ( برغون ) بقولهما أنها انتقال مستمر ، وتغير دائم. وهي مشتبكة العناصر ، متغيرة الحدود، غامضة الحواشي، مختلفة السبك ، على عكس الحياة العقلية ، لأن الفكرة تتميز عن الفكرة ، والحكم عن الحكم بعناصر واضحة ، ومهما تكن المشابهة بين الأحوال العقلية تامة فانها لا تعدم ناحية تتميز بها بعضها عن بعض لان للاحوال العقلية حدوداً واضحة ، فلا يصعب على الناظر
اظهارها اذا أحب أن يكشف عنها ويسبر غورها .
و من الصفات التي تميز الظاهرة الانفعالية عن الظاهرة المقلية اختلاف وظيفة كل منهما عن وظيفة الاخرى . فبالعقل نعرف أنفسنا ونطلع على ما يحيط بنا ، وبالحساسية فهتم بحياتنا وحياة أقر اننا . بالعقل نكتسب قوة ، وبالحساسية نميل إلى الفعل. ولولا الحساسية لما مال الانسان إلى نفسه ولا إلى غيره . ان المواطف العذبة الكامنة في قلبه تدفعه إلى محبة الناس، وتولدفيه شغفاً وولعاً ، وتبعثه على استسهال الصعب، وادراك المني. والاحوال
الانفعالية ذات أنغام داخلية ، وذات ايقاع شخصي ، و هي نزعات و لذات و آلام و رغائب تحقق الانسجام بين الانسان والعالم ، وتطلعه على تناسق الاشياء ونظام الوجود .
ومنها أن المواطف ذاتية ) Subjectif ) ، والافكار موضوعية ) Objectif ) . وليس في الافكار ما يمنع مطابقة الذهني الكلي ، للعياني المشخص ، ولذلك كانت المعاني
الكلية المطابقة للمحسوسات واحدة عند الجميع . أما المواطف فهي كما قلنا ذاتية لأنه قد يؤلمني ما يسر غيري ، ويؤلم غيري ما يسرني . فيختلف الناس في العواطف، ويتفقون في المعقولات . وإذا اختلفوا فيها لم يكن ذلك بدرجة اختلافهم في العواطف ، فللعاطفة ميزان وللعقل معيار، إلا أن معيار العمل أكثر ثبوتاً من ميزان العاطفة
ـ تعريف بعض الإصطلاحات
هو الغاية التي نجري اليها إنما هي الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغنا الافهام ، واوضحنا عن المعنى ، فذلك . . المطلوب ، غير أن الكشف عن أعيان المعاني ، وتفسير حقائقها على الضبط العلمي المرغوب فيه ، لا يتحققان إلا إذا استقام اللفظ وثبت الاصطلاح ، ولذلك جئنا في هذه التوطئة بتعريف بعض الألفاظ المستعملة في الحياة الإنفعالية ودلالتها على
6 حق فالاصطلاحات التي اعتمدناها في الحياة الإنفعالية هي : الحساسية ، واللذة ، والألم ، والهيجان ، والعاطفة ، والميل ، والهوى . ولكل واحد منها صورة بائنة ، وحلية مخالفة. لقد اختلف الفلاسفة في معانيها ، فصار لكل لفظ منها عدة دلالات
المعاني
فكلمة حساسية ) Sensibilité ) يستعملها بعض الطبيعيين بمعنى حس الحيوان الآلي و اضطرابه العضوي، وحركته ، وتأثر أعصابه بالكهرباء والحوامض الكيميائية ، ، فهذه خواص فيسيولوجية لا ينبغي استعمال كلمة حساسية للدلالة عليها ، لأن هذا لغو ساقط ، فكلمة حساسية تدل عندنا على قابلية الحس من الوجهة النفسية لا غير . وبعض علماء النفس يعتقد أن الحساسة . هي قوة الإدراك ، وهذا مخالف لما نريد . نعم إن ادراك الأشياء الخارجية يكون بالحواس الظاهرة ، ولكننا نستعمل للدلالة على هذا الاطلاع الخارجي ، الذي نفرق به بين الأشياء كلمة ادراك ( Perception) وكلمة تمييز - .Discrimi nation ) ( فالاحساس للحواس الظاهرة ، كما أن الادراك للعقل ، الحساسية قابلية الشعور باللذة والألم، لا قوة ادراكها ، وليست اللذات والآلام قوة مفارقة عامة ومشتركة، ونسبتها إلى الظواهر النفسية كنسبة الالوان إلى الاشياء 6(3) ، فبقي أن تكون لغيرها، وإنما هي
الخارجية ، فلا تمر بنا لحظة من لحظات الحياة من غير أن تكون احوالنا النفسية خضيبة باللذة أو بالالم ، وقد تصطبغ الحالة النفسية الواحدة بهذين اللونين معاً ، فتكون لذة في ألم ، و ألما في لذة ، كالقائد الذي يجرح ويتغلب على عدوه ، فإنه يشعر بالم الجرح ولذة الظفر معاً . ولا حقيقة للأحوال النفسية الحيادية التي قال بها ) سرجي ) و ( وندت ) و ( بين ) . وسنفند أقوالهم عند البحث في اللذة والالم ، ثم نبين ما هي شروط هذا التلون
الانفعالي . على أنه يجدر بنا في هذه التوطئة أن نقول ان اللذات والآلام نوعان : جسماني و نفساني فا للذات الجسمانية هي التي تجدها النفس عند انقطاع الالم وارضاء الحاجات . مثال ذلك الشبع بعد الجوع ، والشرب بعد العطش ، والاستدفاء بعد البرد . واللذات النفسانية الفكرية هي التي تجدها النفس عند التصور والتفكير . مثال ذلك فرح الانسان ببلوغه غايته ، وتلذذ العالم بكشفه عن الحقيقة ، ولذة الكريم عند الجود بالمال - والآلام الجسمانية هي التي تجدها النفس عند فقدان الاعتدال الطبيعي ، وملاقاة بعض الاشياء المفسدة للاعضاء، كاحتراق الجلد، وضرب الضرس ، ووجع العين - والآلام النفسانية هي التي تنشأ عن أسباب فكرية ، كمن يسقط في الامتحان ، فهو يتألم ويحزن لعدم بلوغه غايته ، وكمثل من يسمع بموت صديق له ، فيغمه خبر موته ، فاللذات تسمى بالاحوال الملائمة ( Agréable ) ، والآلام تسمى بالاحوال المنافية ) Désagréable ) .
وقد استعمل بعضهم لفظ الاحساس للدلالة على اللذات والآلام الجسمانية . والحس الباطن والعاطفة والوجدان للدلالة على اللذات والآلام النفسانية (١) . إلا أن هذا الاصطلاح يبعث على الالتباس، فلا ندري أي لفظ نطلقه على الحس الظاهر كاحساس اللمس والبصر والسمع وغير ذلك. فلنبق إذن كلمة احساس للدلالة على إدراك الاشياء الخارجية بالحواس
الظاهرة .
ومهما يكن من أمر فان انقسام اللذات والآلام على هذه الصورة إلى جسمانية ونفسانية لا مفر منه ، بالرغم من أن بعض الفلاسفة حاول كما سترى في بحث الهيجان ان يوحد الإحساس الظاهر والحس الباطن ، أي اللذات والآلام الجسمانية ، واللذات والآلام النفسانية
وقد قسموا العواطف عدة أقسام أيضاً. ولكن ما هي العاطفة؟ إن معنى هذه الكلمة مبهم جداً . فهي تدل على جميع الأحوال الوجدانية من انفعال وميل وهوى . ولذلك فرق الفلاسفة بين العاطفة التي هي ميل وتغير انفعالي دائم . والهيجان الذي هو اضطراب انفعالي سريع. فالعاطفة تتولد في النفس شيئاً فشيئاً بتأثير بعض العوامل الفكرية كالأسف ، والقلق ، والضيق، والاحتقار ، والعجب، والغرور. والهيجان المفاجي يصدم النفس صدماً ، فتضطرب لوقعه ، وتقلق ، ويتحرك صميم وجودها ، كمثل من يسمع بالحريق فيخاف منه ، ومثل من يشتم فيغضب ، ومثل من يسمع بموت والده فيضطرب ويحزن ، ومثل من يجيء شيئاً فرياً فيخجل . فالخوف والغضب ، والخجل والحيرة ، والسرور المفاجيء ، والحزن الشديد ، كل ذلك انماط من الهيجان والانفعال الشديد . وهي كما قيل هیجانات مصادمة ) Emotions - chocs ) أما الإنفعالات الأخرى ، فقد اقترح بعضهم أن يسميها بالعواطف، أو الانفعالات الحسية الوجدانية ( Emotions - sentiments ) . وعلى ذلك ، فللهيجان نوعان : مصادم مفاجيء ، ووجداني حسي ، الأول سريع وشديد ،
والثاني دائم وخفيف
وقد أراد بعض علماء النفس أن يستعمل كلمة هيجان للدلالة على مجموع الظواهر الانفعالية من لذات وآلام جسمانية ونفسانية معا، كما فعل ( الكسندر بين ) و ( بول جانه) إلا أن هذا الاصطلاح مضطرب ، لأن كلمة هيجان لا تدل كمارأيت إلا على حالات الغضب
والخوف وغير ذلك من الاضطرابات السريعة المركبة .
أما اصطلاح الحس الباطن، أو الوجدانيات، أو العواطف ، فهو أيضاً كما رأيت كثير المعاني . فكما أن بعض الفلاسفة استعمل كلمة هيجان للدلالة على الأحوال الانفعالية ، كذلك استعمل ( ريبو) كلمة عاطفة للدلالة على مجموع هذه الأحوال، فسمى كتابه المشتمل على الحياة الانفعالية بسيكولوجيا المواطف ( Psychologie des sentiments ) . وقد قبل ( هو فدينغ ( هذا الاصطلاح في كتاب علم النفس ، وحذف كلمة إحساس من اصطلاحات الحياة الانفعالية ، فأصبح الاحساس هو العنصر الذهني ، والحس الباطن هو العنصر الانفعالي . على أننا نؤثر أن نطلق كلمة عاطفة على بعض الأحوال الانفعالية لا غير
توطئة
لقد فرغنا من تعديد المسائل العامة وتعريفها ، وانتهينا من وصف الحياة النفسية وذكر أقسامها ، ولم يتضح لنا بعد ما هي الحياة الانفعالية التي كان القدماء يسمونها بالقوة الحساسة ، أي حياة الحس والعاطفة والوجدان .
١ - لمحة تاريخية
إن كتاب العواطف الذي وضعه ) ديكارت ( أول كتاب فلسفي مشتمل على البحث في الحياة الانفعالية . فقد تقدم به ) ديكارت على علماء النفس الفيسيولوجيين ، ولم يقتصر كالفلاسفة القدماء على العبر والاحكام الخلفية ، والمبادىء الكلية ، بل ربط العواطف بالظواهر العضوية الملازمة لها (١) . وقد حذا حذوه ) بوسویه ) و ( مالبرانش ) و ( سبينوزا ( من فلاسفة القرن السابع عشر ، إلا أنهم لم يهتموا بالحياة الانفعالية اهتمامهم بالحياة العقلية ، لأن العقل في زعمهم فوق العاطفة ، وله الشأن الأول فيما حاموا حوله من النظر العلمي ، والتأمل الفلسفي ، والتفكير الديني .
ولكن فلاسفة القرن الثامن عشر خالفوهم في ذلك ، فأعادوا إلى الحساسية منزلتها ، حق أن ( جان جاك روسو ( وضع العاطفة فوق العقل ، وبنى عليها ( جاكوبي ) و ( آدم سمیت ) و ( شافتسبرى ( قواعد الأخلاق ، إلا أن مباحثهم كانت أقرب إلى الأدب منها إلى العلم ، لأنهم فلاسفة أخلاق يبحثون عن القواعد التي ينبغي للانسان سلوكها
في الحياة ، لا عن حقيقة الأفعال الواقعة في نفسه ولم يعرض الفلاسفة في أوائل القرن التاسع عشر عن النظر في العواطف ، إلا لأن تقدم العلوم بعثهم على تقديس العقل والايمان به. فآثروا البحث فيه على غيره ، ولكنهم
عكفوا بعد ذلك على دراسة الحياة الانفعالية بطريقة علمية صحيحة ، فكان المباحثهم أعظم الأثر في تقدم علم النفس فمنهم ( داروين) صاحب كتاب التعبير عن الهيجان - Ex pression des emotions ) . ومنهم ) لانج ) و ( جيمس ) صاحبا النظرية الفيسيولوحية المشهورة ، ومنهم ( وندت) و (سرجي) و (دومون) و (ریبو) صاحب كتاب سيكولوجيا العواطف ) shoogie des Sentiments ) ومنهم ( جورج دوماس ) صاحب المطول في علم النفس وكتاب الحزن والسرور ، وناقل نظرية (جيمس ) إلى اللغة الفرنسية ، ومنهم ( جانه ( و ) شارل ریشه ( و ) روه ) و ( داللون ) وغيرهم .
٢ - صفات الحياة الأنفعالية أو الوجدانية
من صفات الظواهر الانفعالية أنها ذات مرونة ولين ورخاصة ، يؤثر فيها كل شيء فتتغير ، رهي سريعة التحول ، حق اقمد وصفها ( جيمس ) و ( برغون ) بقولهما أنها انتقال مستمر ، وتغير دائم. وهي مشتبكة العناصر ، متغيرة الحدود، غامضة الحواشي، مختلفة السبك ، على عكس الحياة العقلية ، لأن الفكرة تتميز عن الفكرة ، والحكم عن الحكم بعناصر واضحة ، ومهما تكن المشابهة بين الأحوال العقلية تامة فانها لا تعدم ناحية تتميز بها بعضها عن بعض لان للاحوال العقلية حدوداً واضحة ، فلا يصعب على الناظر
اظهارها اذا أحب أن يكشف عنها ويسبر غورها .
و من الصفات التي تميز الظاهرة الانفعالية عن الظاهرة المقلية اختلاف وظيفة كل منهما عن وظيفة الاخرى . فبالعقل نعرف أنفسنا ونطلع على ما يحيط بنا ، وبالحساسية فهتم بحياتنا وحياة أقر اننا . بالعقل نكتسب قوة ، وبالحساسية نميل إلى الفعل. ولولا الحساسية لما مال الانسان إلى نفسه ولا إلى غيره . ان المواطف العذبة الكامنة في قلبه تدفعه إلى محبة الناس، وتولدفيه شغفاً وولعاً ، وتبعثه على استسهال الصعب، وادراك المني. والاحوال
الانفعالية ذات أنغام داخلية ، وذات ايقاع شخصي ، و هي نزعات و لذات و آلام و رغائب تحقق الانسجام بين الانسان والعالم ، وتطلعه على تناسق الاشياء ونظام الوجود .
ومنها أن المواطف ذاتية ) Subjectif ) ، والافكار موضوعية ) Objectif ) . وليس في الافكار ما يمنع مطابقة الذهني الكلي ، للعياني المشخص ، ولذلك كانت المعاني
الكلية المطابقة للمحسوسات واحدة عند الجميع . أما المواطف فهي كما قلنا ذاتية لأنه قد يؤلمني ما يسر غيري ، ويؤلم غيري ما يسرني . فيختلف الناس في العواطف، ويتفقون في المعقولات . وإذا اختلفوا فيها لم يكن ذلك بدرجة اختلافهم في العواطف ، فللعاطفة ميزان وللعقل معيار، إلا أن معيار العمل أكثر ثبوتاً من ميزان العاطفة
ـ تعريف بعض الإصطلاحات
هو الغاية التي نجري اليها إنما هي الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغنا الافهام ، واوضحنا عن المعنى ، فذلك . . المطلوب ، غير أن الكشف عن أعيان المعاني ، وتفسير حقائقها على الضبط العلمي المرغوب فيه ، لا يتحققان إلا إذا استقام اللفظ وثبت الاصطلاح ، ولذلك جئنا في هذه التوطئة بتعريف بعض الألفاظ المستعملة في الحياة الإنفعالية ودلالتها على
6 حق فالاصطلاحات التي اعتمدناها في الحياة الإنفعالية هي : الحساسية ، واللذة ، والألم ، والهيجان ، والعاطفة ، والميل ، والهوى . ولكل واحد منها صورة بائنة ، وحلية مخالفة. لقد اختلف الفلاسفة في معانيها ، فصار لكل لفظ منها عدة دلالات
المعاني
فكلمة حساسية ) Sensibilité ) يستعملها بعض الطبيعيين بمعنى حس الحيوان الآلي و اضطرابه العضوي، وحركته ، وتأثر أعصابه بالكهرباء والحوامض الكيميائية ، ، فهذه خواص فيسيولوجية لا ينبغي استعمال كلمة حساسية للدلالة عليها ، لأن هذا لغو ساقط ، فكلمة حساسية تدل عندنا على قابلية الحس من الوجهة النفسية لا غير . وبعض علماء النفس يعتقد أن الحساسة . هي قوة الإدراك ، وهذا مخالف لما نريد . نعم إن ادراك الأشياء الخارجية يكون بالحواس الظاهرة ، ولكننا نستعمل للدلالة على هذا الاطلاع الخارجي ، الذي نفرق به بين الأشياء كلمة ادراك ( Perception) وكلمة تمييز - .Discrimi nation ) ( فالاحساس للحواس الظاهرة ، كما أن الادراك للعقل ، الحساسية قابلية الشعور باللذة والألم، لا قوة ادراكها ، وليست اللذات والآلام قوة مفارقة عامة ومشتركة، ونسبتها إلى الظواهر النفسية كنسبة الالوان إلى الاشياء 6(3) ، فبقي أن تكون لغيرها، وإنما هي
الخارجية ، فلا تمر بنا لحظة من لحظات الحياة من غير أن تكون احوالنا النفسية خضيبة باللذة أو بالالم ، وقد تصطبغ الحالة النفسية الواحدة بهذين اللونين معاً ، فتكون لذة في ألم ، و ألما في لذة ، كالقائد الذي يجرح ويتغلب على عدوه ، فإنه يشعر بالم الجرح ولذة الظفر معاً . ولا حقيقة للأحوال النفسية الحيادية التي قال بها ) سرجي ) و ( وندت ) و ( بين ) . وسنفند أقوالهم عند البحث في اللذة والالم ، ثم نبين ما هي شروط هذا التلون
الانفعالي . على أنه يجدر بنا في هذه التوطئة أن نقول ان اللذات والآلام نوعان : جسماني و نفساني فا للذات الجسمانية هي التي تجدها النفس عند انقطاع الالم وارضاء الحاجات . مثال ذلك الشبع بعد الجوع ، والشرب بعد العطش ، والاستدفاء بعد البرد . واللذات النفسانية الفكرية هي التي تجدها النفس عند التصور والتفكير . مثال ذلك فرح الانسان ببلوغه غايته ، وتلذذ العالم بكشفه عن الحقيقة ، ولذة الكريم عند الجود بالمال - والآلام الجسمانية هي التي تجدها النفس عند فقدان الاعتدال الطبيعي ، وملاقاة بعض الاشياء المفسدة للاعضاء، كاحتراق الجلد، وضرب الضرس ، ووجع العين - والآلام النفسانية هي التي تنشأ عن أسباب فكرية ، كمن يسقط في الامتحان ، فهو يتألم ويحزن لعدم بلوغه غايته ، وكمثل من يسمع بموت صديق له ، فيغمه خبر موته ، فاللذات تسمى بالاحوال الملائمة ( Agréable ) ، والآلام تسمى بالاحوال المنافية ) Désagréable ) .
وقد استعمل بعضهم لفظ الاحساس للدلالة على اللذات والآلام الجسمانية . والحس الباطن والعاطفة والوجدان للدلالة على اللذات والآلام النفسانية (١) . إلا أن هذا الاصطلاح يبعث على الالتباس، فلا ندري أي لفظ نطلقه على الحس الظاهر كاحساس اللمس والبصر والسمع وغير ذلك. فلنبق إذن كلمة احساس للدلالة على إدراك الاشياء الخارجية بالحواس
الظاهرة .
ومهما يكن من أمر فان انقسام اللذات والآلام على هذه الصورة إلى جسمانية ونفسانية لا مفر منه ، بالرغم من أن بعض الفلاسفة حاول كما سترى في بحث الهيجان ان يوحد الإحساس الظاهر والحس الباطن ، أي اللذات والآلام الجسمانية ، واللذات والآلام النفسانية
وقد قسموا العواطف عدة أقسام أيضاً. ولكن ما هي العاطفة؟ إن معنى هذه الكلمة مبهم جداً . فهي تدل على جميع الأحوال الوجدانية من انفعال وميل وهوى . ولذلك فرق الفلاسفة بين العاطفة التي هي ميل وتغير انفعالي دائم . والهيجان الذي هو اضطراب انفعالي سريع. فالعاطفة تتولد في النفس شيئاً فشيئاً بتأثير بعض العوامل الفكرية كالأسف ، والقلق ، والضيق، والاحتقار ، والعجب، والغرور. والهيجان المفاجي يصدم النفس صدماً ، فتضطرب لوقعه ، وتقلق ، ويتحرك صميم وجودها ، كمثل من يسمع بالحريق فيخاف منه ، ومثل من يشتم فيغضب ، ومثل من يسمع بموت والده فيضطرب ويحزن ، ومثل من يجيء شيئاً فرياً فيخجل . فالخوف والغضب ، والخجل والحيرة ، والسرور المفاجيء ، والحزن الشديد ، كل ذلك انماط من الهيجان والانفعال الشديد . وهي كما قيل هیجانات مصادمة ) Emotions - chocs ) أما الإنفعالات الأخرى ، فقد اقترح بعضهم أن يسميها بالعواطف، أو الانفعالات الحسية الوجدانية ( Emotions - sentiments ) . وعلى ذلك ، فللهيجان نوعان : مصادم مفاجيء ، ووجداني حسي ، الأول سريع وشديد ،
والثاني دائم وخفيف
وقد أراد بعض علماء النفس أن يستعمل كلمة هيجان للدلالة على مجموع الظواهر الانفعالية من لذات وآلام جسمانية ونفسانية معا، كما فعل ( الكسندر بين ) و ( بول جانه) إلا أن هذا الاصطلاح مضطرب ، لأن كلمة هيجان لا تدل كمارأيت إلا على حالات الغضب
والخوف وغير ذلك من الاضطرابات السريعة المركبة .
أما اصطلاح الحس الباطن، أو الوجدانيات، أو العواطف ، فهو أيضاً كما رأيت كثير المعاني . فكما أن بعض الفلاسفة استعمل كلمة هيجان للدلالة على الأحوال الانفعالية ، كذلك استعمل ( ريبو) كلمة عاطفة للدلالة على مجموع هذه الأحوال، فسمى كتابه المشتمل على الحياة الانفعالية بسيكولوجيا المواطف ( Psychologie des sentiments ) . وقد قبل ( هو فدينغ ( هذا الاصطلاح في كتاب علم النفس ، وحذف كلمة إحساس من اصطلاحات الحياة الانفعالية ، فأصبح الاحساس هو العنصر الذهني ، والحس الباطن هو العنصر الانفعالي . على أننا نؤثر أن نطلق كلمة عاطفة على بعض الأحوال الانفعالية لا غير
تعليق