ما الذي حملنا على القول بالقوى النفسية الثلاث
فأنت ترى أن تصنيف القوى النفسية على أساس علمي جديد لا يزال مطروحا على بساط البحث ، فما الذي حملنا على القول بانقسام الظواهر النفسية إلى ثلاثة أقسام :
١ - كيف يمكن فصل الظاهرة النفسية عن مجموع الظواهر الأخرى : - الحالة النفسية آن من حياة النفس ، فاذا كنا نفصلها بالتأمل عن مجموع الحالات الأخرى فمرد ذلك إلى مبلغ اهتمامنا بها . هبني احتجت الآن إلى النظر في معجم اللغة الفرنسية، فرأيته في خزانة كتبي بين مئات المجلدات ، فالحالة النفسية المعينة التي شعرت بها ، هي إحساس بصري مؤلف من لون الكتاب وشكله وحجمه . وهذا الإحساس البصري حالة عقلية لا حـالة
انفعالية أو وجدانية .
- قد يقال إن الحقيقة أبعد من أن تنحصر في مثل ما ذكرناه من الأشياء البسيطة إذ كيف أستطيع أن ألقي حجاباً على المجلدات الأخرى ، وأمنع عيني من النظر اليها ؟. العين ترى عدداً من الألوان المتصلة فلا تفرق بينها بكيفية من الكيفيات . والإحساس البصري ليس بسيطاً، وإنما هو مندمج في غيره من الإحساسات البصرية . أضف إلى ذلك أن وجداني المعجم بعد التفتيش عنه يولد اللذة والراحة في نفسي ، فتنضم هذه اللذة إلى المشاعر الأخرى . فلا أرى المعجم حتى تمر بخاطري ذكرى الكلمة التي أبحث عنها فأتصورها وأطلق عليها حكما من الأحكام . كل هذه الظواهر النفسية ممتزجة بعضها ببعض . مذاب، فلا يمكننا فصل الإحساس عن الإدراك ، ولا الرغائب عن الأفكار ، ولا كانها صهير
. بمعنى أنه على أن الحالة النفسية وإن كانت مجموعاً لا ينقسم فهي ذات ثلاثة . وجوه يمكن النظر اليها من خلالها . ولنحلل المثال الذي ذكرناه سابقاً . فالإحساس البصري و ظاهرة انفعالية ، بمعنى أنه إما يكون ملائماً، وإما أن يكون منافيا ، وهوه ظاهرة عقلية، بمعنى أنه يطلعنا على العالم الخارجي ، ويولد في نفوسنا الإدراك والتصور، وهو « ظاهرة فاعلة ) يبعث على حدوث بعض الحركات ، فان كان منافياً ملنا عنه ، وإن كان ملائماً ملنا اليه ، حتى لقد نبقى بالقرب منه بالرغم من منافاته ، هذا إذا كنا نريد دراسته
الذكريات عن العواطف ، وإذا فصلناها بالتجريد أقمنا بينها جسوراً من عواطف المرور نعبر عليها من حالة إلى أخرى . فنحن لا نجد إذن في النفس حالات انفعالية محضة، ولا حالات عقلية محضة ، ولا حالات إرادية لا أثر للانفعال فيها
والإطلاع عليه ، فالحالة النفسية لا تنقسم بالفعل إلى ثلاثة عناصر ، ولكن البحث فيها من هذه ب - ونقول أيضاً تصحيحاً لما تقدم : ان انقسام الحالات النفسية إلى ثلاثة وجوه ليس اتفاقاً ولا جرم أن وجود حالات انفعالية أو عقلية أو فاعلة محضة محال ، لأنها مشتبكة بعضها ببعض. ولكن إذا أمكن القول أن هناك حالات صفاتها الانفعالية أكثر من صفاتها العقلية ، أو صفاتها العقلية أكثر من صفاتها الإرادية، أمكن انقسامها باعتبار الصفة البارزة فيها . والدليل على ذلك أن هناك احوالا تكاد تكون محضة الأنفعال لا ندرك منها إلا ملاءمتها أو منافاتها، كالأحزان المبهمة ، والمخاوف المرضية التي لا يظهر فيها التصور ، ولا تنطوي على أي عامل عقلي أو إرادي، وهي غير واضحة لأنه لا يمكن الكشف عن أسبابها العقلية أو الإرادية، ونحن نسمي هذه الأحوال بالأحوال الإنفعالية المحضة، والدليل على ذلك أيضاً أن بعض الاحوال العقلية تكاد تكون محضة العقل لخلوها من الاثر الانفعالي الظاهر، كالافكار المجردة من كل عاطفة ، والخالية من كل باعث إرادي - وإذا كانت الصفة البارزة في إحدى الإرادة تفتحت النفس عند ذلك عن أحوال تكاد تكون محضة الفعل ، كإرادة الرجل الماضي العزيمة الذي لا يهتم بنتائج أعماله البعيدة ، بل يندفع إلى الفعل اندفاع السيل ، ولا يفكر في البواعث والعوامل المحركة، كأنه قوة متحركة بذاتها، الحالات هي
الوجهات الثلاث أمر اعتباري نافع .
وكأن الحالة التي يشعر بها محضة الفعل .
فأنت ترى أنه يمكن اعتبار الحياة النفسية منقسمة إلى ثلاثة أقسام وهي : الحياة ..
الإنفعالية ، والحياة العقلية ، والحياة الفاعلة .
و مما يؤيد ذلك أيضاً اختلاف الاستعدادات النفسية باختلاف الأفراد . فحياة الطفل حياة انفعال، وحياة الحكيم حياة تعقل. وفي الناس من هو كثير الانفعال، قليل التفكير وفيهم من هو قوي الارادة شديد العزم، حق لقد انقسمت الطباع إلى ثلاثة أنواع كبرى : النوع الحسي ، والنوع الفكري ، والنوع الارادي .
Nerfs afférents cé -
- rachidiens
١ - بعض البراهين الفيسيولوجية التي تؤيد ذلك : -
تنقسم الأعصاب إلى ثلاثة
أقسام : ١ - الأعصاب الواردة المسماة أيضاً بأعصاب السمباتي الكبير ( Nerfs afférents
du grand sympathique ) ، وهي تلعب دوراً أساسياً في حدوث الانفعالات . ٢ -
الأعصاب الواردة المسماة أيضاً بأعصاب النخاع الشوكي الرأسية ) .
phalo ) وهي تقابل الظواهر العقلية ، لأنها تنقل التأثيرات من الأطراف
إلى المركز . ٣- الأعصاب الصادرة ) Efférents ( أو المنتهة - المحركة -
Excito - moteurs ) ، وهي تقود الأفعال والحركات . فإذا اختل أحدها بطل الفعل
الصادر عنه . وهناك مواد كيميائية تزيل الألم من غير أن تزيل الاحساس . فالألم انفعالي
والإحساس عقلي ، إذا حقن المريض ) بالكوكائين ( زال عنه الشعور بالألم ، وبقي
الاحساس باللمس، تراه يشعر بآلات الجراحة تبضع عضلاته ، ولا يتألم منها . ومادة الكورار
( Gurare ) تفلج الأعصاب ، وتفقد قابلية الحركة من غير أن تزيل الحساسية .
-
وهو وهي ممتزجة فليس ينبغي لنا اذن أن نستهين بهذا التصنيف ، وإن سميناه موقتاً ، وهو جار مجرى الجناح المبلغ ، والآلة المسهلة، لأنه واضح وبسيط . إلا أننا نقيده بما قلنا سابقاً : أن الظواهر النفسية ليست مفارقة بعضها البعض، بل هي متصلة كل الاتصال ، ومشتبكة كل الاشتباك ، وهي كل في كل. إن كل ظاهرة منها تتضمن الجوانب الثلاثة . بعضها ببعض امتزاجاً عجيباً ، وما سلمنا بتقسيمها على هذه الصورة ، إلى منفعلة ، وعاقلة وفاعلة ، إلا لإبراز أحد هذه الجوانب، وتيسير ترتيب المواد، وتأليفها ، وتنظيمها . قال آرسطو : اللذة والألم ينطويان على ميل ورغبة، وما من رغبة إلا تبعث على الحركة . وكذلك الحالات العقلية ، فهي لا تصفو من الآثار الانفعالية ، بل تكون مختلطة بشيء من اللذة ، أو الألم . ولذلك فاننا بالرغم من الاساس الفيسيولوجي الذي ذكرناه لا لا نستطيع أن نقول باستقلال هذه الجوانب الثلاثة بعضها عن بعض ، بل نعيد ما قلناه
غير مرة : لا بسيط في عالم النفس ، وكل إيقاع في حركات النفس ينطوي على النفس كلها .
10 ٥ - قيمة هذا التصنيف
ونضم إلى ما تقدم الملاحظات التالية.
لا قيمة لهذا التصنيف الثلاثي إلا بالنسبة إلى الحياة النفسية الكاملة . لأن الطفل والانسان الابتدائي قد يكونان عاريين من الحالات العقلية الموجودة عند الراشد المتعلم . والحساسية عند الطفل الذي لا يستطيع أن يقاوم رغباته مختلطة بالفاعلية ، وقد قيل أن كلمة واحدة كانت تدل في زمان (هوميروس) على الخوف والهرب معاً ، أي على التهيج والحركة ، فكأن الحياة الانفعالية في لغة ذلك الزمان كانت مختلطة بالحياة الفاعلة .
و نزيد ما تقدم بياناً بقولنا إن هذا التصنيف لا ينطبق على الحياة النفسية الكاملة إلا في الشروط التالية . ۱ - هذه الأحوال المختلفة ، وإن كانت متضادة ، فان بعضها يعدل بعضها الآخر ويسويه ،
فالهيجان الشديد يوقف عمل العقل، والتفكير المجرد يخفف من تلقائية العواطف والافعال. ۲ - الفكر ملازم للارادة ؛ ومعنى ذلك أنه لا يمكن أن . الفكر واضحاً بينا يصبح
إلا بالإنتباه الإرادي ، فالإرادة إذن وسيلة من وسائل الفكر
- الفكر مقيد بالأحوال الانفعالية ؛ فلا تصبح المعرفة قوة إلا إذا انضمت إليها العاطفة ، والانسان لا يعرف إلا منفعته ، ولا يفهم إلا الشيء الذي عم به ويهتم له
- الحياة الانفعالية تقتضي الحالات العقلية ؛ فما من ألم عظيم إلا على الذاكرة اعتماده لأن ذكرى الألم الماضي تنضم إلى الألم الحاضر فتزيد في شدته . وكثيراً ما يزداد ألم
المريض إذا علم أنه مصاب بمرض عضال .
ه - القوة الحساسة ملازمة للقوة الفاعلة - فاللذة تجذبنا ، والالم يدفعنا . والخلاصة أن انقسام الظواهر النفسية إلى منفعلة وعاقلة وفاعلة أمر اعتباري فقط ونحن سنتبعه في تبويب هذا الكتاب، لا لأنه يقيني ، بل لانه موافق ، وسهل ، وبسيط .
فأنت ترى أن تصنيف القوى النفسية على أساس علمي جديد لا يزال مطروحا على بساط البحث ، فما الذي حملنا على القول بانقسام الظواهر النفسية إلى ثلاثة أقسام :
١ - كيف يمكن فصل الظاهرة النفسية عن مجموع الظواهر الأخرى : - الحالة النفسية آن من حياة النفس ، فاذا كنا نفصلها بالتأمل عن مجموع الحالات الأخرى فمرد ذلك إلى مبلغ اهتمامنا بها . هبني احتجت الآن إلى النظر في معجم اللغة الفرنسية، فرأيته في خزانة كتبي بين مئات المجلدات ، فالحالة النفسية المعينة التي شعرت بها ، هي إحساس بصري مؤلف من لون الكتاب وشكله وحجمه . وهذا الإحساس البصري حالة عقلية لا حـالة
انفعالية أو وجدانية .
- قد يقال إن الحقيقة أبعد من أن تنحصر في مثل ما ذكرناه من الأشياء البسيطة إذ كيف أستطيع أن ألقي حجاباً على المجلدات الأخرى ، وأمنع عيني من النظر اليها ؟. العين ترى عدداً من الألوان المتصلة فلا تفرق بينها بكيفية من الكيفيات . والإحساس البصري ليس بسيطاً، وإنما هو مندمج في غيره من الإحساسات البصرية . أضف إلى ذلك أن وجداني المعجم بعد التفتيش عنه يولد اللذة والراحة في نفسي ، فتنضم هذه اللذة إلى المشاعر الأخرى . فلا أرى المعجم حتى تمر بخاطري ذكرى الكلمة التي أبحث عنها فأتصورها وأطلق عليها حكما من الأحكام . كل هذه الظواهر النفسية ممتزجة بعضها ببعض . مذاب، فلا يمكننا فصل الإحساس عن الإدراك ، ولا الرغائب عن الأفكار ، ولا كانها صهير
. بمعنى أنه على أن الحالة النفسية وإن كانت مجموعاً لا ينقسم فهي ذات ثلاثة . وجوه يمكن النظر اليها من خلالها . ولنحلل المثال الذي ذكرناه سابقاً . فالإحساس البصري و ظاهرة انفعالية ، بمعنى أنه إما يكون ملائماً، وإما أن يكون منافيا ، وهوه ظاهرة عقلية، بمعنى أنه يطلعنا على العالم الخارجي ، ويولد في نفوسنا الإدراك والتصور، وهو « ظاهرة فاعلة ) يبعث على حدوث بعض الحركات ، فان كان منافياً ملنا عنه ، وإن كان ملائماً ملنا اليه ، حتى لقد نبقى بالقرب منه بالرغم من منافاته ، هذا إذا كنا نريد دراسته
الذكريات عن العواطف ، وإذا فصلناها بالتجريد أقمنا بينها جسوراً من عواطف المرور نعبر عليها من حالة إلى أخرى . فنحن لا نجد إذن في النفس حالات انفعالية محضة، ولا حالات عقلية محضة ، ولا حالات إرادية لا أثر للانفعال فيها
والإطلاع عليه ، فالحالة النفسية لا تنقسم بالفعل إلى ثلاثة عناصر ، ولكن البحث فيها من هذه ب - ونقول أيضاً تصحيحاً لما تقدم : ان انقسام الحالات النفسية إلى ثلاثة وجوه ليس اتفاقاً ولا جرم أن وجود حالات انفعالية أو عقلية أو فاعلة محضة محال ، لأنها مشتبكة بعضها ببعض. ولكن إذا أمكن القول أن هناك حالات صفاتها الانفعالية أكثر من صفاتها العقلية ، أو صفاتها العقلية أكثر من صفاتها الإرادية، أمكن انقسامها باعتبار الصفة البارزة فيها . والدليل على ذلك أن هناك احوالا تكاد تكون محضة الأنفعال لا ندرك منها إلا ملاءمتها أو منافاتها، كالأحزان المبهمة ، والمخاوف المرضية التي لا يظهر فيها التصور ، ولا تنطوي على أي عامل عقلي أو إرادي، وهي غير واضحة لأنه لا يمكن الكشف عن أسبابها العقلية أو الإرادية، ونحن نسمي هذه الأحوال بالأحوال الإنفعالية المحضة، والدليل على ذلك أيضاً أن بعض الاحوال العقلية تكاد تكون محضة العقل لخلوها من الاثر الانفعالي الظاهر، كالافكار المجردة من كل عاطفة ، والخالية من كل باعث إرادي - وإذا كانت الصفة البارزة في إحدى الإرادة تفتحت النفس عند ذلك عن أحوال تكاد تكون محضة الفعل ، كإرادة الرجل الماضي العزيمة الذي لا يهتم بنتائج أعماله البعيدة ، بل يندفع إلى الفعل اندفاع السيل ، ولا يفكر في البواعث والعوامل المحركة، كأنه قوة متحركة بذاتها، الحالات هي
الوجهات الثلاث أمر اعتباري نافع .
وكأن الحالة التي يشعر بها محضة الفعل .
فأنت ترى أنه يمكن اعتبار الحياة النفسية منقسمة إلى ثلاثة أقسام وهي : الحياة ..
الإنفعالية ، والحياة العقلية ، والحياة الفاعلة .
و مما يؤيد ذلك أيضاً اختلاف الاستعدادات النفسية باختلاف الأفراد . فحياة الطفل حياة انفعال، وحياة الحكيم حياة تعقل. وفي الناس من هو كثير الانفعال، قليل التفكير وفيهم من هو قوي الارادة شديد العزم، حق لقد انقسمت الطباع إلى ثلاثة أنواع كبرى : النوع الحسي ، والنوع الفكري ، والنوع الارادي .
Nerfs afférents cé -
- rachidiens
١ - بعض البراهين الفيسيولوجية التي تؤيد ذلك : -
تنقسم الأعصاب إلى ثلاثة
أقسام : ١ - الأعصاب الواردة المسماة أيضاً بأعصاب السمباتي الكبير ( Nerfs afférents
du grand sympathique ) ، وهي تلعب دوراً أساسياً في حدوث الانفعالات . ٢ -
الأعصاب الواردة المسماة أيضاً بأعصاب النخاع الشوكي الرأسية ) .
phalo ) وهي تقابل الظواهر العقلية ، لأنها تنقل التأثيرات من الأطراف
إلى المركز . ٣- الأعصاب الصادرة ) Efférents ( أو المنتهة - المحركة -
Excito - moteurs ) ، وهي تقود الأفعال والحركات . فإذا اختل أحدها بطل الفعل
الصادر عنه . وهناك مواد كيميائية تزيل الألم من غير أن تزيل الاحساس . فالألم انفعالي
والإحساس عقلي ، إذا حقن المريض ) بالكوكائين ( زال عنه الشعور بالألم ، وبقي
الاحساس باللمس، تراه يشعر بآلات الجراحة تبضع عضلاته ، ولا يتألم منها . ومادة الكورار
( Gurare ) تفلج الأعصاب ، وتفقد قابلية الحركة من غير أن تزيل الحساسية .
-
وهو وهي ممتزجة فليس ينبغي لنا اذن أن نستهين بهذا التصنيف ، وإن سميناه موقتاً ، وهو جار مجرى الجناح المبلغ ، والآلة المسهلة، لأنه واضح وبسيط . إلا أننا نقيده بما قلنا سابقاً : أن الظواهر النفسية ليست مفارقة بعضها البعض، بل هي متصلة كل الاتصال ، ومشتبكة كل الاشتباك ، وهي كل في كل. إن كل ظاهرة منها تتضمن الجوانب الثلاثة . بعضها ببعض امتزاجاً عجيباً ، وما سلمنا بتقسيمها على هذه الصورة ، إلى منفعلة ، وعاقلة وفاعلة ، إلا لإبراز أحد هذه الجوانب، وتيسير ترتيب المواد، وتأليفها ، وتنظيمها . قال آرسطو : اللذة والألم ينطويان على ميل ورغبة، وما من رغبة إلا تبعث على الحركة . وكذلك الحالات العقلية ، فهي لا تصفو من الآثار الانفعالية ، بل تكون مختلطة بشيء من اللذة ، أو الألم . ولذلك فاننا بالرغم من الاساس الفيسيولوجي الذي ذكرناه لا لا نستطيع أن نقول باستقلال هذه الجوانب الثلاثة بعضها عن بعض ، بل نعيد ما قلناه
غير مرة : لا بسيط في عالم النفس ، وكل إيقاع في حركات النفس ينطوي على النفس كلها .
10 ٥ - قيمة هذا التصنيف
ونضم إلى ما تقدم الملاحظات التالية.
لا قيمة لهذا التصنيف الثلاثي إلا بالنسبة إلى الحياة النفسية الكاملة . لأن الطفل والانسان الابتدائي قد يكونان عاريين من الحالات العقلية الموجودة عند الراشد المتعلم . والحساسية عند الطفل الذي لا يستطيع أن يقاوم رغباته مختلطة بالفاعلية ، وقد قيل أن كلمة واحدة كانت تدل في زمان (هوميروس) على الخوف والهرب معاً ، أي على التهيج والحركة ، فكأن الحياة الانفعالية في لغة ذلك الزمان كانت مختلطة بالحياة الفاعلة .
و نزيد ما تقدم بياناً بقولنا إن هذا التصنيف لا ينطبق على الحياة النفسية الكاملة إلا في الشروط التالية . ۱ - هذه الأحوال المختلفة ، وإن كانت متضادة ، فان بعضها يعدل بعضها الآخر ويسويه ،
فالهيجان الشديد يوقف عمل العقل، والتفكير المجرد يخفف من تلقائية العواطف والافعال. ۲ - الفكر ملازم للارادة ؛ ومعنى ذلك أنه لا يمكن أن . الفكر واضحاً بينا يصبح
إلا بالإنتباه الإرادي ، فالإرادة إذن وسيلة من وسائل الفكر
- الفكر مقيد بالأحوال الانفعالية ؛ فلا تصبح المعرفة قوة إلا إذا انضمت إليها العاطفة ، والانسان لا يعرف إلا منفعته ، ولا يفهم إلا الشيء الذي عم به ويهتم له
- الحياة الانفعالية تقتضي الحالات العقلية ؛ فما من ألم عظيم إلا على الذاكرة اعتماده لأن ذكرى الألم الماضي تنضم إلى الألم الحاضر فتزيد في شدته . وكثيراً ما يزداد ألم
المريض إذا علم أنه مصاب بمرض عضال .
ه - القوة الحساسة ملازمة للقوة الفاعلة - فاللذة تجذبنا ، والالم يدفعنا . والخلاصة أن انقسام الظواهر النفسية إلى منفعلة وعاقلة وفاعلة أمر اعتباري فقط ونحن سنتبعه في تبويب هذا الكتاب، لا لأنه يقيني ، بل لانه موافق ، وسهل ، وبسيط .
تعليق