فيما لو رغبت بمعرفة عمر كوكب الأرض من أحد المواقع العلمية أو المنشورات، فإنك غالبًا ستجد رقمًا تقريبيًا يُقدّر بحوالي 4.54 مليار سنة مضافًا إليه أو مطروحًا منه 50 مليون سنة. ما قد يفاجئك عن ذاك الرقم هو أنه قد اُقترح في خمسينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من التقدّم المعرفي الكبير فما يزال معمولًا به حتى الآن. لكن ما الخطب في ذلك؟
النظريات التاريخية لكوكب الأرض
كانت الاجتهادات في تقدير عمر الأرض سائدة في العصور القديمة، بدايةً من الطرح الذي قدّمه الفيلسوف الكلاسيكي أرسطو المشتمل على فكرة عدم وجود بداية أو نهاية للزمن، إضافةً إلى تأكيده على فكرة مدى قدم الأرض. وبالتوازي مع ذلك، لم يتوارَ هذا الأمر عن الهنود القدماء، إذ عمد علماء الدين منهم إعطاء تكهنات عن كونٍ يواظب على الانفجار والتوسّع ثم الانهيار على ذاته وبعدها يُعاود تشكله من جديد. والأهم من ذلك كله، هو تناولهم لفكرة وجود الأرض قبل نحو 1.79 مليار سنة آنذاك.
تلى ذلك في العصور الوسطى الاستفادة من الكتب الدينية، إذ كانت مرجعًا علميًا يؤخذ به في تلك الفترة، ففحص العديد من اللاهوتيين المسيحيين الكتاب المقدس؛ بغية التوصّل إلى مدلولات تتطرق إلى عمر الأرض، توصلوا حينها إلى تقديرات تتراوح ما بين 5471 و7519 عام.
وفي هذا الخصوص، جاء في كتاب “عمر الأرض” لمؤلفه جي برنت دالريمبل: «بدايةً من 1700 وحتى 1800 توصلت ثلة من العلماء إلى أرقام مختلفة في تقدير عمر الأرض معتمدين بذلك على عدة أدلة، مثل: معدل تبريد الأرض، وتراكم الرواسب وحتى التطور الكيمائي للمحيطات».
التأريخ الإشعاعي
في أواخر القرن التاسع عشر، وضع العلماء طريقة لحساب عمر الصخور في كوكب الأرض بقياس التحلّل الإشعاعي في كل صخرة، وأطلقوا على هذه الطريقة اسم (التأريخ الإشعاعي radiometric dating).
اكتشاف كلير باترسون
كان كلير باترسون عالم جيوكيمياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وكان قائمًا على مشروع مانهاتن الهادف إلى تطوير القنبلة الذرية التي كانت قد اُستخدمت في الحرب العالمية الثانية.
أجرى باترسون عدة تجارب ومنها قياس تركيب نظائر الرصاص المستخرجة من نيزك كانيون ديبالو وكذلك العديد من قطع الصخور الفضائية التي يُعتقد أنها كانت جزءًا من مجموعة المواد الأساسية التي كانت قد تشكلت منها الأرض قديمًا.
وفي عام 1953، تمكن باترسون من التوصّل إلى استنتاج يُفضي إلى تقدير عمر الأرض بحوالي 4.5 مليار سنة. ومذ وقتها، تسارعت الأبحاث إلى وضع رقم أدق من ذلك مستشهدين بدراساتهم عن النيازك وصخور القمر.
على الرغم من هذه النقلة النوعية التي جعلته ذائع الصيت في الأوساط العلمية، لم يُبدِ باترسون لهذا أية أهمية؛ بسبب عدم اكتراث أحد بذلك السبق، وقد صرّح في مقابلة أجراها قبل وفاته في عام 1995 قائلًا: «لم يكترث أحد بذلك. والحال نفسه في يومنا هذا، فلا يُبدي الناس أي أهمية بخصوص معرفة عمر الأرض، ولكن ما قد اختلف عن وقتها قبل نحو 40 سنة أن عددهم الآن قد قل».