أدّى انفجار بركان تونغا إلى دخول كميات كبيرة من بخار الماء إلى الغلاف الجوي مُسبّبةً إضعافه، وقد تؤدي كميات بخار الماء تلك إلى تفاقم أزمة الاحتباس الحراري أيضًا.
أظهرت دراسة جديدة أن بركان تونغا الواقع تحت الماء الذي ثار في شهر كانون الثاني، قد قذف من جوفه ليس فقط الرماد والغازات البركانية، بل كميات من بخار الماء -تكفي لملء 58,000 حوض سباحة أولمبي- وصلت طبقة الغلاف الجوي.
تكمن خطورة كميات بخار الماء التي خرجت من البركان، في الأذى الذي سوف تسببه لطبقة الأوزون بحسب ما نشرت الدراسة.
أصبح ثوران بركان تونغا هونغا هاباي في 15 يناير 2022، أكبر انفجار حدث على وجه الأرض منذ 30 سنة؛ بقوة انفجار تُعادل 100 قنبلة نووية من تلك التي أسقطت على هيروشيما. أدى الانفجار إلى ظهور تأثيرات مناخية في كافة أنحاء الكوكب، منها تأذي طبقة الغلاف الجوي وظهور أعاصير وتسونامي عصفت بجميع الشواطئ حول العالم، كما طالت أعمدة الرماد والغبار الغلاف الجوي أكثر من سابقاتها، ونتج عن ذلك 590,000 صاعقة برقية لمدة ثلاثة أيام.
استخدم الباحثون البيانات التي جمعها القمر الصناعي أورا Aura لتحديد كمية الماء التي دخلت طبقة الغلاف الجوي العليا؛ الطبقةُ الثانية من الغلاف الجوي، التي يصل ارتفاعها من 6 إلى 20 كيلومترًا، وحتى 50 مترًافوق سطح الأرض.
كشفت النتائج عن دخول 160,900 طنًا (146,000طنًا متريًا) من بخار الماء إلى الطبقة العليا من الغلاف الجوي منذ ثوران بركان تونغا. استمر بخار الماء في الصعود حتى وصل إلى أقصى ارتفاع مُسجل حتى الآن وهو 53 كيلومترًا في الطبقة الجوية الوسطى؛ وهي الطبقة الممتدة من الطبقة الجوية العليا وحتى 85 كيلومترًا فوق سطح الأرض.
يُرجَّح أن هذه الكميات من بخار الماء؛ التي دخلت الغلاف الجوي، هي الأكثر على الإطلاق منذ تسجيل الأرقام باستخدام الأقمار الصناعية.
كتب الباحثون في الدراسة الجديدة التي نُشرت على الشابكة بتاريخ الأول من تموز في مدونة رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية Geophysical Research Letters، أن هذه أكثر زيادة في كميات بخار الماء المتصاعدة على الإطلاق ويكملون: «لقد قدّرنا فائض بخار الماء، بأنه يعادل 10% من الكميات الموجودة في الغلاف الجوي العلوي».
يقول الباحثون أنه من المرجح بقاء بخار الماء عالقًا في طبقات الغلاف الجوي العليا لمدة نصف عقد.
ليس من الغريب ظهور كل هذه الكميات من بخار الماء، فانفجار بركان تونغا حدث على عمق 150 مترًا في قاع المحيط.
عندما ثار البركان، اختلطت مياه المحيط مع الحمم المتطايرة ما أدى إلى تبخر الماء، وانبعاث كميات هائلة من البخار المتفجر؛ وساهم ذلك في جعل انفجار هذا البركان الأكبر على الإطلاق. لكن تفاجأ العلماء بكميات بخار الماء التي خرجت. فقد كانت تلك المرة الأولى التي يُجرون فيها حسابات دقيقة.
عادة ما تتسبب الانفجارات البركانية مثل انفجار بركان تونغا بإطلاق كميات هائلة من الرماد والغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت. تلك الغازات تخلق مركبات عاكسة في الغلاف الجوي؛ تقوم هذه المركبات بحجب بعض من ضوء الشمس عن كوكب الأرض، مسببةً تبريد الغلاف الجوي.
لذلك ظن الخبراء بدايةً أن ثوران بركان تونغا سيكون تأثيره بسيطًا على المناخ. جاءت تلك التوقعات دون الأخذ بعين الاعتبار كميات بخار الماء المنبعثة، التي تبين أنها ضارة مثل الرماد والغازات، التي عادة ما ترافق الانفجار البركاني.
يحذر الباحثون أن بخار الماء المنبعث له تأثيرات إشعاعية تضر بالغلاف الجوي، تمامًا مثل الغازات الدفيئة. يحدث الضرر لأن بخار الماء يبقى عالقًا في الغلاف الجوي فترة أطول من ثاني أكسيد الكبريت. فغاز ثاني أكسيد الكبريت يتلاشى بعد مرور سنتين أو ثلاث. إذن ستدوم تأثيرات بخار الماء الرافعة لدرجة الحرارة، أكثر من أيّ غاز خافض لها.
تجعل هذه المعلومات بركان تونغا الأول من نوعه لأنه سيسبب ارتفاعًا في درجات الحرارة بدلًا من انخفاضها.
يُشير الباحثون أيضًا إلى أن بخار الماء يُضعف من فعالية الغلاف الجوي في حماية جميع أشكال الحياة على الكوكب من تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. يجدر الآن توضيح الكيمياء المدروسة، فالماء الموجود في الغلاف الجوي (H2O) يتفكّك إلى أيونات الهيدروكسيد (OH) مع مرور الوقت، ومن ثم تتفاعل هذه الأيونات مع الأوزون المكوّن من ثلاث ذرات من الأكسجين، ليتكون بعد ذلك التفاعل الأكسجين والماء.
يقول الباحثون أن طبيعة الأضرار التي قد تنتج عن التفاعلات السابقة على طبقة الأوزون ليست واضحة.
لكن يُشيرون إلى جانبٍ إيجابي لثوران بركان تونغا وهو مساهمة بخار الماء في التقليل من كميات الميثان الموجود في الغلاف الجوي؛ الذي هو طبعًا أحد الغازات الأساسية المُسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تتفاعل أيونات الهدروكسيد مع الميثان لينتج عنها الماء، وجذر المثيل ( الذي هو الميثان بذرة هيدروجين ناقصة)، لكنّ ذلك التفاعل لا يحبس الحرارة مثل الميثان.
يأمل الباحثون أن تناقص الميثان في الغلاف الجوي، سيخفف من أضرار زيادة الحرارة التي تُسببها الكميات الهائلة لبخار الماء.
ختامًا يعتقد الباحثون أنه ما زال باكرًا التنبؤ بالأضرار المناخية المرتبطة بثوران بركان تونغا. يقولون: «علينا الاستمرار بمراقبة الغازات البركانية التي خرجت بعد انفجار بركان تونغا، وأخرى قد تظهر في المستقبل مع حدوث المزيد من الانفجارات. لأن لذلك أهمية كبرى في تحديد الأضرار للمناخ».