ما هي المدن التي ستغرق جراء ارتفاع مستوى سطح البحر؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما هي المدن التي ستغرق جراء ارتفاع مستوى سطح البحر؟

    كثيرًا ما نقرأ خبرًا عن مدينة تواجه خطر الغرق في المستقبل نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر أو نشاهد فلمًا أو وثائقيًا يتحدث عن هذا الموضوع الذي يشكل خطرًا حقيقيًا على جميع المدن الساحليّة تقريبًا.

    فما هي المدن التي تواجه خطر الغرق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر؟ وما هي الحلول التي ستخفف من شدة هذه الكارثة؟

    وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA، فإن معدل ارتفاع مستوى البحر ما زال يرتفع أكثر فأكثر، فطوال القرن العشرين كان معدل ارتفاع مستوى سطح البحر 0.14 ميليمتر سنويًا ليزداد بأكثر من الضعف منذ عام 2006 حتى عام 2015، إذ أصبح معدل ارتفاع مستوى سطح البحر 3.6 ميليمتر سنويًا.

    لكن هذه الارتفاع لا يعد مشكلةً في الوقت الحالي أكثر منه في المستقبل، تتوقع الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي NOAA أن يرتفع مستوى سطح البحر بما لا يقل عن قدمٍ واحد أي نحو 0.3 متر بحلول بداية القرن القادم.



    وبحلول عام 2100، ستواجه المدن الساحلية خطر الغرق فعليًا؛ إذ يقدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ والتابع للأمم المتحدة أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيتراوح بين 40 و 63 سنتيمتر.

    الجدير بالذكر، أن ارتفاع مستوى سطح البحر إلى هذه المستويات قد ينعكس سلبًا على ما يقارب 250 مليون شخص حول العالم وفق دراسةٍ لمجلة نيتشر أُجريت عام 2019.

    فهل حقًا ستمحى أيٌّ من هذه المدن أو البلدان من الخارطة؟ وهل يوجد ما يمكن فعله لتجنب حدوث هذه الكارثة الطبيعية والإنسانية؟

    يقول الأستاذ غيرد ماسيلينك المتخصص في الجيومورفيولوجيا الساحلية ( شكل الأراضي الساحلية وبنيتها) من جامعة بيلموث في المملكة المتحدة:

    «يتوقف اختفاء المدن أو البلدان الساحلية على ما نفعله نحن البشر لمواجهة هذه الكارثة، فمعظم هولندا تقع تحت مستوى سطح البحر ولكنها لم تختف حتى الآن بسبب الدفاعات الساحلية التي بناها الهولنديون لصدّ هذه الكارثة، التي يعملون على الحفاظ عليها بكلّ ما يملكونه من قوة».

    وتوجد الكثير المدن التي تواجه خطر الغرق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، فمثلًا جزر المالديف، واحدة من البلدان السهلية التي تعد من الأكثر تسطحًا في العالم بمتوسط ارتفاع 1 متر فقط عن سطح البحر، وتتكون من 1200 جزيرة مرجانية صغيرة تحتضن أكثر من نصف مليون مواطن.

    وتواجه جزر المالديف خطر الغرق عند ارتفاع مستوى سطح البحر، ووفقًا لاتحاد العلماء المعنيين بالطبيعة USC فإن ارتفاع مستوى سطح البحر 45 سنتيمتر فقط سيؤدي إلى غرق نحو 77% من مساحة جزر المالديف بحلول عام 2100.

    دولة أخرى معرضة أيضًا لخطر الغرق، كيريباتي، وهي جزيرة صغيرة تقع في قلب المحيط الهادئ ذات متوسط ارتفاع منخفض للغاية يبلغ 1.8 متر بعدد سكان نحو 120 ألف نسمة وتعد من الدول المعرضة لأن تفقد ثلثي أراضيها في حال ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد.

    تعد الجزر الواقعة في المحيط الهادئ من أكثر الأماكن المهددة بالاختفاء، وإن كل شخص يعيش على جزر المحيط الهادئ من المرجح أن يتأثر بشدة بارتفاع مستوى سطح البحر.

    نحن نتحدث عن نحو 3 مليون تقريبًا من السكان الذين قد يضطرون للهجرة إلى مناطق أكثر أمانًا قبل نهاية القرن القادم.

    نتيجةً لارتفاع مستوى سطح البحر خلال القرن الماضي وبالرغم من معدلات ارتفاعهِ الضئيلة مقارنةً بمعدلات هذا القرن فقد أدى إلى اختفاء 5 جزر مرجانية كانت جزءًا من جزر سليمان في السابق، في حين أن هناك 6 جزر أخرى حاليًا تواجه خطر الغرق والاختفاء من على سطح الأرض وفق دراسة لمجلة البحوث البيئية عام 2016 .

    بالرغم من الخطر الكبير الذي يواجه جزر المحيط الهادئ فإن عدد سكانها قليل جدًا بالمقارنة مع الدول الكبرى التي تواجه نفس الخطر، فما هي هذه الدول الكبرى التي قد تختفي نتيجةً لارتفاع مستوى سطح البحر؟

    تواجه المناطق الساحلية من الصين خطرًا كبيرًا فمن المحتمل أن يتأثر أغلب سكانها بارتفاع مستوى سطح البحر ويقدر عدد السكان المتضررين نحو 43 مليون نسمة ممن يقطنون في المناطق الساحلية غير المستقرة.

    وتعد بنغلادش من البلدان التي تواجه خطر الغرق والاختفاء نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، فمن المتوقع أن يتضرر نحو 32 مليون نسمة من سكان بنغلاديش ممن يسكنون في المناطق الساحلية بحلول بدايات القرن القادم.

    تعد الهند أيضًا من الدول الكبيرة المعرضة لمواجهة خطر غرق واختفاء الأجزاء الساحلية منها مههدةً نحو 27 مليونًا نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر وفق مشروع life adaptate الممول من الاتحاد الأوروبي.

    بالرغم من الخطر الكبير والمسؤولية التي ستواجهها الدول وحكوماتها في المستقبل بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وبالرغم من عدد السكان الكبير الذي يمكن أن يتأثر بحلول بدايات القرن القادم، فإنه من غير المرجح أن تختفي أي دولة بالكامل بحلول 2100، ولكن ماذا عن المدن الكبرى؟

    توجد الكثير من المدن الكبرى التي تواجه هذا الخطر، مثل العاصمة الإندونيسية جاكرتا، التي أطلقت عليها هيئة الإذاعة البريطانية BBC لقب «أسرع مدينة غارقة في العالم».

    تعد مدينة جاكرتا التي يقطنها 10 ملايين نسمة أكثر الأمثلة وضوحًا على ارتفاع مستوى سطح البحر، إذ يرتفع مستوى سطح البحر فيها من 5 إلى 10 سم سنويًا، ووفقًا لموقع Earth.org البيئي فإن هذه السرعة التي يرتفع بها مستوى سطح البحر يعود للصرف المفرط للمياه الجوفية في البحر.

    ووفقًا لمنتدى الإقتصاد العالمي، فمن المتوقع أن قسمًا كبيرًا من مدينة جاكرتا سيغرق تحت مستوى سطح البحر بحلول عام 2050، ما وضع على الحكومة الإندونيسية مسؤولية إيجاد حلول بعيدة الأمد لتساعد على إنقاذ الملايين من كارثة حقيقية.

    ومن الحلول المقترحة هي مدينة نوسانتارا، وهي عاصمة جديدة ستُبنى قريبًا على الساحل الشرقي لبورنيو تبعد نحو 2000 كم عن مدينة جاكرتا المعرضة للغرق.

    والجدير بالذكر، أن العاصمة الإندونيسية جاكرتا ليست المدينة الوحيدة المعرضة لهذا الخطر الكبير، فمن المرجح أنه وبحلول عام 2100 ستغرق مساحات كبيرة للغاية من مدن كثيرة تحت مستوى البحر أو ربما بالكامل.

    ومن هذه المدن، دكا في بنغلاديش التي يبلغ عدد سكانها نحو 22.4 مليون نسمة، ولاغوس في نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها نحو 15.3 مليون نسمة وبانكوك في تايلاند التي يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة.

    إن ارتفاع مستوى سطح البحر ليس حصرًا على جزر المحيط الهادئ وعلى الدول الآسيوية فقط، فالولايات المتحدة الأميركية أيضًا قد تتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر بمساحات شاسعة منها لن تكون صالحةً للعيش بحلول عام 2050.

    وفقًا ل NOAA، فإن تواتر الفيضانات عالية المد في مواقع كثيرة على طول ساحل الولايات المتحدة قد ازداد بنحو 300% إلى 900% مقارنة بما كانت عليه قبل 50 عامًا ، وهذا ما يجعل ارتفاع مستوى سطح البحر قضيةً في غاية الأهمية وتتطلب دراسةً عميقة وحلولًا جذرية.

    تعد مدينة نيويورك من أكثر المدن المعرضة لخطر الغرق نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، فحسب بعض التقارير الصادرة عن المركز المناخ، أنه وبحلول عام 2050 سيعيش نحو 426 ألف أميركي على أرضٍ مهددة غير مستقرة.

    تأثرت نيويورك بشدة عام 2012 بإعصار ساندي، وقد تعرضت المدينة لفيضانات كارثية نتج عنها وفاة 43 شخصًا وتدمير ربع مليون سيارة إضافةً إلى 32 مليار دولار من الخسائر والأضرار المادية.

    وفقا لبحوث المناخ المركزي فإن ولاية فلوريدا هي الأكثر تضررًا بقابلية التأثر بالفيضانات، وإن 36 مدينة من أصل 50 مدينة في الولايات المتحدة الأكثر عرضة للفيضانات الساحلية تقع في ولاية صن شاين.

    إذن ما الحل؟ هل من المعقول أن يُحكم علينا وعلى مُدننا بالهلاك؟ أم توجد حلول يمكن تطبيقها من أجل الحد من هذه الكارثة الحتميّة التي ستحلّ علينا في المستقبل؟

    قد تتمكن هولندا مثلًا من تجنب بعض آثار الفيضانات بالاستثمار في البنية التحتية، ولكن لا يمكن تطبيق بعض الاستثمارات في كل مكان كما في فلوريدا التي اقتُرحت من قبل منظمة الحفاظ على الطبيعة بزراعة أشجار المنغروف توسيع الشعاب المرجانية، لأن الحلول تحتاج إلى بيئة ومناخ خاصٍ بها وهي باهظة التكلفة إيضًا.

    ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فقد اقترح مسؤولون في مقاطعة ميامي ديد في ولاية فلوريدا استراتيجية خاصة للحد من شدة الكوارث البيئية وقد تضمنت هذه الاستراتيجية رفع مستوى الطرق والمنازل عن سطح الأرض إضافةً إلى إنشاء مساحات مفتوحة تسمح بحدوث الفيضانات دون الإضرار بالبنية التحتية.

    لم تقابَل هذه الخطط بالثناء العالمي، بالمقابل وجد بعض الخبراء أن هذه الحلول قد تحد من شدة الكوارث مستقبلًا.
    ومن الخبراء الذي شككوا بقدرة هذه الحلول على الحد من خطورة للكوارث البيئية كبير محللي السياسات في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية روب مور الذي كان قد صرّح لصحيفة نيويورك تايمز بأنه غير متيقن من كون هذه الحلول قادرة على مساعدة مدينة ميامي وتغيير المستقبل الغامض الذي تواجهه هذه المدينة.

    وقد جرت محادثات أخرى حول كون محاولة حماية ما أمكن من البنية التحتية مع قبول واقع الغرق في بعض المناطق التي يُصعب حمايتها مجديةً اقتصاديًا.

    بالرغم من أن خطر الغرق والاختفاء من على وجه الأرض هو واحد على كل المدن السابقة، فتوجد فوارق في غاية الأهمية بين مدن وأخرى.

    تتمثل هذه الفوارق بالقدرات الاقتصادية للبلدان، فبلدان مثل بنغلاديش وإندونيسيا وغيرها من البلدان النامية التي تواجه خطرًا محتمًا بالمستقبل لا تملك ذات القدرة الاقتصادية التي تتميز بها الولايات المتحدة الأميركية وهولندا التي تجعلهما يتعلمان من خلال التجربة والخطأ.

    تملك الولايات المتحدة الأميركية نفوذًا ماديًا كبيرًا يجعلها قادرة على اقتراح وبناء مصدات ساحلية قد تمكنها من إنقاذ مدنها الساحلية وحماية سكانها.

    بينما على سبيل المثال في بنغلاديش وخصوصًا في مدينة دكا المعرضة للغرق وهجرة الملايين من سكانها نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، فإنها لا تملك ذات النفوذ المادي التي تتميز به الدول العظمى كالولايات المتحدة الأميركية.

    يقول ماسيلينك: «إن دولة بنغلاديش ليست محظوظة مثل الولايات المتحدة الأميركية في مثل هذا الوضع، وليس بالضرورة أن يكون الخطر أكبر على الدول قليلة الارتفاع، فالدول المنخفضة المستقرة سياسيًا والمزدهرة اقتصاديًا قد تكون بخير لعقود مقبلة، ولكن الدول المنخفضة وغير المستقرة ولا تملك قوة اقتصادية لن تتمكن من الحفاظ مناطقها الساحلية بسهولة».

    لذا فإن العامل الرئيسي في تحديد احتمالية اختفاء مدينة وغرقها ليس بالضرورة أن يكون معدل ارتفاع مستوى سطح البحر فقط، بل أيضًا قدرة هذه المدينة أو الدولة على معالجة المشكلة وبناء منشآت الحماية والدفاعات طويلة الأمد، أي إن الوضع الاقتصادي لهذه الدولة أو المدينة يعد عاملًا أساسيًا.

    لذا من الصعب معرفة شكل هذا الكوكب حقًا بعد 100 عام، فإضافةً إلى معدل ارتفاع مستوى سطح البحر غير المستقر الذي يعتمد بدورهِ على شدة انبعاثات الغازات الدفيئة فإن استراتيجية الدول والمجتمع لتخفيف حدة ارتفاع مستوى سطح البحر يعد عاملًا أساسيًا إضافيًا يساعد الخبراء على توقع شكل العالم بعد 100 عام من الآن.
يعمل...
X