- التأمل الباطني أو الاستبطان
يستنتج من عيوب الملاحظة التلقائية ان الرجوع إلى التأمل الباطني ضروري جداً . والتأمل الباطني ) Introspection ) هو امعان النظر في ظواهر الشعور ؛ وتحديد صفاتها ، مع تقريبها بعضها من بعض ، للكشف عن قوانينها .
ولكن هل يمكن اتباع هذه الطريقة في علم النفس ، وهل تستطيع النفس أن تلاحظ ذاتها ؟ أليس الرائي هنا هو عين المرئي ، والعارف نفس المعروف؟ وكيف يتأمل الانسان أحواله الداخلية، وهو إن تأملها بدل من صفاتها . وكيف يثق في ملاحظته برأي نفسه وهي في كل وقت عرضه للخطأ والضلال ؟ وللفلاسفة اعتراضات على طريقة التأمل الباطني ، يمكننا أن نلخصها في هاتين الفقرتين
١ - الاعتراض الأول
قال ( بيه ولرو ) : التأمل الباطني متناقض وعقيم، والدليل على ذلك انه يستلزم اتحاد
المدرك بما يدركه ، ونحن لا نستطيع أن نفكر اننا لا نفكر في شيء ، لأننا إذا فكرنا في شيء شغلنا به ، ولم نلاحظ انفسنا في حالة التفكير ، وقال أيضاً : ان انتباهنا لملاحظة أنفسنا يهدم في الوقت نفسه انتباهنا لموضوع الشيء ، والعكس بالعكس .
وكان رأي ) اوغست كونت ( شبيهاً برأي ) بيه ولوو ( الا انه لم يثبت امتناع الملاحظة الداخلية ، بل قال انها غير علمية ، وهو القائل أيضاً : الرائي لا يستطيع أن نفسه ، غير أن كلامه لا يحول دون إمكان الملاحظة الداخلية (١) یری نفق
وفي الحق ان اعتراض ) بيه ولرو ( لا يبطل الملاحظة الداخلية ابطالاً نهائياً ، لأن . التجربة تثبت لنا امكانها ، وان كانت محفوفة بالصعوبات ان الظواهر النفسية معقدة مركبة ، كثيرة الاشتباك، عظيمة التداخل بعضها في بعض ، يصعب تحليلها وملاحظتها وتعيين أسبابها الحقيقية . انظر إلى الخوف والغضب مثلاً ، تجد فيها دليلا على ما نقول . من ذا الذي يستطيع ان يدرك جميع شروط خوفه وغضبه ، ويبين لنا درجة ارتباطهما بالأحوال النفسية الأخرى ؟ هبك اقترفت ذنباً ، ان فكرة الذنب تولد فيك عاطفة الندم، وعاطفة الندم هذه تنعكس فتؤثر في فكرك ، وتحيي ذكرى الذنب الذي اقترفته ، وتجعله شديد الوقع ، كثير القسوة ، كأن كل واحد من هذين الأمرين علة للآخر : المرة الخارج
فالتأمل الباطني ممكن إلا انه صعب جداً ، ولتذكر الآن بعض هذه الصعوبات : ۱ - الصعوبات الناشئة عن المشاهد - : يقتضي التأمل الباطني دقة في الملاحظة ومهارة في التحليل ، فلا يستطيع أن يقوم به الا من كان مؤيد النفس بشدة الانتباه ، ولكن أكثر الناس لا يستطيعون ذلك لانصرافهم إلى الأشياء المادية دون الأشياء المعنوية . قال هو فدينغ : ( كان الانسان عملياً قبل ان صار نظرياً ، فمشاهدة حياة الحيوان والانسان ، وملاحظة صور النبات ، و أنواع ك مع حركات الاجرام السماوية، أكثر قيمة من ملاحظة النفس في ضروب تنازع البقاء . إن اتخاذ قاعدة « أعرف نفسك ، مبدءاً فلسفيا و يقتضي درجة عالية من الثقافة ، (٢)
ان الطفل كالرجل الابتدائي متجه إلى العالم الخارجي ، عاجز عن ملاحظة نفسه ، وتأمل ذاته ومن منا يستطيع ان يتأمل ذاته مرة واحدة في النهار ؟ اننا نفضل العمل على النظر . وإذا تأملنا حياتنا الداخلية انكشفت عن مر كبات لا يمكننا اظهار عناصرها الا بالتحليل الدقيق .
على ان هناك طائفة من الناس اوتوا من التحليل النفسي ملكة دقيقة . فهم نفسيون بالفطرة (١) ، يستطيعون ان يتعمقوا في التحليل ، ويشاهدوا ذواتهم ، ويصفوها، وهي في الحالة الطبيعية ، غير مشوبة
بشيء . ٢ - الصعوبات الناشئة عن الشيء المشاهد : - ان احوال الشعور كثيرة الحركة سريعة التبدل غير واضحة الاطراف ، ولذلك كان تحليلها صعباً ، وفحصها دقيقاً .
كأن النفس (لوحة) تصوير شمسي إذا مرت بها الأشياء سراعاً لم ترسم عليها إلا اشكالا مبهمة ، ولو كانت الأحوال النفسية تعود بذاتها إلى مسرح الشعور لامكن تكرار المشاهدة ولسهل توضيح الملاحظات الأولى بالملاحظات الثانية . ولكننا نعلم ان الحالة النفسية الواحدة لا تمر بالنفس مرتين ، وإذا عادت اليها كانت صفاتها الثانية غير صفاتها الأولى .
اننا لا نبقى على حال واحدة أبداً ، بل تتبدل في كل لحظة
- الصعوبات الناشئة أداة المشاهدة : - لا نستطيع أن نتأمل ذواتنا إلا إذا استعنا بالانتباه والذاكرة ، أما الانتباه فيبدل الواقع النفسي الملاحظ شيئاً فشيئاً ، وأما الذاكرة فغير صادقة ؛ لانها تبدل من حقيقة الواقع، وتغير الشيء المشاهد عند النظر اليه والتفكير فيه . مثال ذلك اننا إذا تأملنا نفوسنا وهي في حالة الخجل بدلنا صفة عن
الخجل الذي نشعر به وخففنا من شدته
٤ - بعض الصعوبات الاخرى
آ - اضف إلى ذلك ان الانسان لا يستطيع أن يتأمل ذاته وهو في حالات الفعل أو الانفعال الشديدة ؛ كالهوى ، والهيجان ، والجهد ، والانتباه . ان الأحزان الشديدة ، إذا ساورت
النفس ، ضيقت عليها الخناق ، وعكرت صفوها . فمثل هذه الحالات تأخذ على الانسان مشاعره ، وتستغرق كل نشاطها العقلي ، فلا يستطيع أن يوجه اليها ملاحظته . ب ـ ان التأمل الباطني يضيق دائرة الشعور فيجعل مركزه واضحاً ويترك أطرافه
يستنتج من عيوب الملاحظة التلقائية ان الرجوع إلى التأمل الباطني ضروري جداً . والتأمل الباطني ) Introspection ) هو امعان النظر في ظواهر الشعور ؛ وتحديد صفاتها ، مع تقريبها بعضها من بعض ، للكشف عن قوانينها .
ولكن هل يمكن اتباع هذه الطريقة في علم النفس ، وهل تستطيع النفس أن تلاحظ ذاتها ؟ أليس الرائي هنا هو عين المرئي ، والعارف نفس المعروف؟ وكيف يتأمل الانسان أحواله الداخلية، وهو إن تأملها بدل من صفاتها . وكيف يثق في ملاحظته برأي نفسه وهي في كل وقت عرضه للخطأ والضلال ؟ وللفلاسفة اعتراضات على طريقة التأمل الباطني ، يمكننا أن نلخصها في هاتين الفقرتين
١ - الاعتراض الأول
قال ( بيه ولرو ) : التأمل الباطني متناقض وعقيم، والدليل على ذلك انه يستلزم اتحاد
المدرك بما يدركه ، ونحن لا نستطيع أن نفكر اننا لا نفكر في شيء ، لأننا إذا فكرنا في شيء شغلنا به ، ولم نلاحظ انفسنا في حالة التفكير ، وقال أيضاً : ان انتباهنا لملاحظة أنفسنا يهدم في الوقت نفسه انتباهنا لموضوع الشيء ، والعكس بالعكس .
وكان رأي ) اوغست كونت ( شبيهاً برأي ) بيه ولوو ( الا انه لم يثبت امتناع الملاحظة الداخلية ، بل قال انها غير علمية ، وهو القائل أيضاً : الرائي لا يستطيع أن نفسه ، غير أن كلامه لا يحول دون إمكان الملاحظة الداخلية (١) یری نفق
وفي الحق ان اعتراض ) بيه ولرو ( لا يبطل الملاحظة الداخلية ابطالاً نهائياً ، لأن . التجربة تثبت لنا امكانها ، وان كانت محفوفة بالصعوبات ان الظواهر النفسية معقدة مركبة ، كثيرة الاشتباك، عظيمة التداخل بعضها في بعض ، يصعب تحليلها وملاحظتها وتعيين أسبابها الحقيقية . انظر إلى الخوف والغضب مثلاً ، تجد فيها دليلا على ما نقول . من ذا الذي يستطيع ان يدرك جميع شروط خوفه وغضبه ، ويبين لنا درجة ارتباطهما بالأحوال النفسية الأخرى ؟ هبك اقترفت ذنباً ، ان فكرة الذنب تولد فيك عاطفة الندم، وعاطفة الندم هذه تنعكس فتؤثر في فكرك ، وتحيي ذكرى الذنب الذي اقترفته ، وتجعله شديد الوقع ، كثير القسوة ، كأن كل واحد من هذين الأمرين علة للآخر : المرة الخارج
فالتأمل الباطني ممكن إلا انه صعب جداً ، ولتذكر الآن بعض هذه الصعوبات : ۱ - الصعوبات الناشئة عن المشاهد - : يقتضي التأمل الباطني دقة في الملاحظة ومهارة في التحليل ، فلا يستطيع أن يقوم به الا من كان مؤيد النفس بشدة الانتباه ، ولكن أكثر الناس لا يستطيعون ذلك لانصرافهم إلى الأشياء المادية دون الأشياء المعنوية . قال هو فدينغ : ( كان الانسان عملياً قبل ان صار نظرياً ، فمشاهدة حياة الحيوان والانسان ، وملاحظة صور النبات ، و أنواع ك مع حركات الاجرام السماوية، أكثر قيمة من ملاحظة النفس في ضروب تنازع البقاء . إن اتخاذ قاعدة « أعرف نفسك ، مبدءاً فلسفيا و يقتضي درجة عالية من الثقافة ، (٢)
ان الطفل كالرجل الابتدائي متجه إلى العالم الخارجي ، عاجز عن ملاحظة نفسه ، وتأمل ذاته ومن منا يستطيع ان يتأمل ذاته مرة واحدة في النهار ؟ اننا نفضل العمل على النظر . وإذا تأملنا حياتنا الداخلية انكشفت عن مر كبات لا يمكننا اظهار عناصرها الا بالتحليل الدقيق .
على ان هناك طائفة من الناس اوتوا من التحليل النفسي ملكة دقيقة . فهم نفسيون بالفطرة (١) ، يستطيعون ان يتعمقوا في التحليل ، ويشاهدوا ذواتهم ، ويصفوها، وهي في الحالة الطبيعية ، غير مشوبة
بشيء . ٢ - الصعوبات الناشئة عن الشيء المشاهد : - ان احوال الشعور كثيرة الحركة سريعة التبدل غير واضحة الاطراف ، ولذلك كان تحليلها صعباً ، وفحصها دقيقاً .
كأن النفس (لوحة) تصوير شمسي إذا مرت بها الأشياء سراعاً لم ترسم عليها إلا اشكالا مبهمة ، ولو كانت الأحوال النفسية تعود بذاتها إلى مسرح الشعور لامكن تكرار المشاهدة ولسهل توضيح الملاحظات الأولى بالملاحظات الثانية . ولكننا نعلم ان الحالة النفسية الواحدة لا تمر بالنفس مرتين ، وإذا عادت اليها كانت صفاتها الثانية غير صفاتها الأولى .
اننا لا نبقى على حال واحدة أبداً ، بل تتبدل في كل لحظة
- الصعوبات الناشئة أداة المشاهدة : - لا نستطيع أن نتأمل ذواتنا إلا إذا استعنا بالانتباه والذاكرة ، أما الانتباه فيبدل الواقع النفسي الملاحظ شيئاً فشيئاً ، وأما الذاكرة فغير صادقة ؛ لانها تبدل من حقيقة الواقع، وتغير الشيء المشاهد عند النظر اليه والتفكير فيه . مثال ذلك اننا إذا تأملنا نفوسنا وهي في حالة الخجل بدلنا صفة عن
الخجل الذي نشعر به وخففنا من شدته
٤ - بعض الصعوبات الاخرى
آ - اضف إلى ذلك ان الانسان لا يستطيع أن يتأمل ذاته وهو في حالات الفعل أو الانفعال الشديدة ؛ كالهوى ، والهيجان ، والجهد ، والانتباه . ان الأحزان الشديدة ، إذا ساورت
النفس ، ضيقت عليها الخناق ، وعكرت صفوها . فمثل هذه الحالات تأخذ على الانسان مشاعره ، وتستغرق كل نشاطها العقلي ، فلا يستطيع أن يوجه اليها ملاحظته . ب ـ ان التأمل الباطني يضيق دائرة الشعور فيجعل مركزه واضحاً ويترك أطرافه
تعليق