ثلاثة عقود على رحيل نهاد قلعي … شكّل ثنائياً مهماً ومؤثراً مع دريد لحام
| وائل العدس
الأربعاء, 18-10-2023
هو عميد ضحكتنا الذي أثبت أن الغياب ليس بقادر على أن يخفي إبداع من عشق موهبته، أحب الفن فسرى هذا الحب في عروقه وأزهر بنفسجاً وريحاناً، وضحى من أجله بسنوات عمره التي كرسها له.
مَن منا لم يسمع بالمقولة الشهيرة: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب علينا أن نعرف ماذا في البرازيل»؟ طبعاً المقولة ليست لشكسبير أو أرسطو إنما مقولة فنان الكوميديا نهاد قلعي في شخصية «حسني البورظان»، تلك الشخصية التي عاشت معنا في طفولتنا ودخلت بيوتنا كما دخلت قلوبنا وكبرنا معها ولا تزال الأجيال تتابع مسلسلاته وأفلامه مع ثنائيه دريد لحام.
ثلاثون عاماً مرت على وفاة الفنان الكبير الذي رحل عن خمسة وستين عاماً تاركاً إرثاً ثقافياً سيخلده مدى الدهر.
هو اسم لا يمكن أن يلخص بمادة صحفية أو اثنتين، كانت له بصمات كبيرة في المسرح القومي في سورية، فعندما كان مديراً لهذا المسرح في وزارة الثقافة شاهد الجمهور في زمنه أجمل العروض المسرحية.
إنه ينتمي لجيل الكتّاب الذين أسسوا للدراما السورية المتميزة اليوم التي عاشت على اللبنات التي بناها، فكان متعدد المواهب، وكان مسرحياً وكاتباً وممثلاً ويمتلك ثقافة حياتية كبيرة وكان معروفاً بكرمه وطيبته ووقوفه إلى جانب الفنانين.
وتكمن أهمية أعماله بأنها ما زالت منذ عقود محافظة على بريقها ومشاهديها وبالشغف نفسه رغم أنها قدمت بتقنيات بدائية، لكن بمضمون مهم وبرّاق.
سيرة حياته
ولد نهاد قلعي في دمشق في حي ساروجة – حارة قولي في صيف 1928، واسمه الكامل حسب الهوية الشخصية نهاد قلعي الخربوطلي، والده محمد رفقي ووالدته بدرية العطري، انتسب إلى مدرسة البخاري القريبة من دار الأسرة وكانت هذه المدرسة تعد طلابها إعداداً علمياً وأخلاقياً عالياً، تؤهلهم لإلقاء الخطب والقصائد في المناسبات.
أطلق على نفسه اسم «حسني البورظان» عن طريق المصادفة في برنامج «سهرة دمشق» حيث كان اسمه فيها حسني، وفي إحدى المرات نسي الحوار فسعى لإطالة المشهد قليلاً كي يعود ويتذكر ما سيقول وإذ به يرى خلف الكواليس عازفاً يحمل بورظاناً فقال عن نفسه إنه حسني البورظان وإذ بالجمهور يعجب بهذا اللقب فيلتصق به طوال حياته.
أحب التمثيل منذ نعومة أظفاره وكان شديد الإعجاب بالفنان عبد اللطيف فتحي، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية انتسب إلى مدرسة التجهيز الأولى وفيها تتلمذ على يدي الفنان عبد الوهاب أبو السعود الذي كان يدرب الطلاب على أداء أدوارهم في التمثيليات التي تقدم في نهاية السنة الدراسية، وكان نهاد يؤدي فيها أدواره بنجاح كبير، عندما أكمل دراسته الثانوية كان أبوه قد أحيل إلى التقاعد فاضطر لترك المدرسة والعمل، ولأنه كان مولعاً بالتمثيل بادر إلى الانتساب لمعهد التمثيل بالقاهرة بتشجيع من خاله الفنان توفيق العطري، فباعت الأسرة ما يلزم لتأمين سفر ابنها إلا أن المبلغ نشل منه وكانت كارثة كبرى بالنسبة إليه.
بعد ذلك اضطر للعمل مراقباً في معمل للمعكرونة في حي الميدان، ثم ضارباً على الآلة الكاتبة في الجامعة ثم انتقل بعدها إلى وزارة الدفاع، وعمل مساعداً لمخلّص جمركي طوال خمس سنوات، ثم عمل لحسابه الخاص، وظل يمارس عمله هذا إلى أن بدأ حياته الفنية.
بداياته الفنية
كانت الخطوة المهمة في حياة نهاد قلعي الفنية عام 1946 مع نادي «البرق» الكائن في ساحة المرجة وفي هذا النادي شارك بتقديم مسرحية عنوانها «جيشنا السوري»، وفي عام 1954 قام بتأسيس «النادي الشرقي» وكانت أولى المسرحيات التي قدمها تحمل عنوان «الأستاذ كلينوف» وأخذ فيها دوراً كوميدياً، ثم قدّم مسرحية «زنوبيا» التي ألحقت بالنادي كارثة مادية كبيرة ظل بعدها سنوات عديدة يسدد ما تراكم عليه من ديون بسببها.
في عام 1957 قدّم النادي في القاهرة مسرحية «لولا النساء» ولقيت إقبالاً جماهيرياً كبيراً ونجاحاً باهراً.
وفي شباط من العام 1959 قدّم النادي أيضاً على مسرح الأزبكية بالقاهرة مسرحية بعنوان «ثمن الحرية».
وفي العام ذاته كلفته وزارة الثقافة والإرشاد القومي بتأسيس مسرح قومي في سورية.
مع التلفزيون
شكّل الثنائي الكبير دريد ونهاد ثنائية عظيمة تنتمي إلى طراز التجارب الناجحة غير القابلة للزيادة أو الاستعادة وهي لم تعد ملكاً لأي طرف ولا للمساهمين فيها بل باتت ملك التاريخ والذاكرة.
فمع افتتاح التلفزيون العربي السوري في 23 تموز 1960 بدأ قلعي يتألق حيث التقى الفنان الكبير دريد لحام واستمرت مسيرتهما الفنية ستة عشر عاماً إذ قدم برنامجاً منوعاً اسمه «الأسرة السعيدة» وشاركه في التقديم لحام ومحمود جبر وغازي الخالدي وتاج باتوك، وقد شجع مدير التلفزيون آنذاك الدكتور صباح قباني دريد ونهاد على تأليف ثنائي فني وتوقع لهما النجاح، وهذا ما حدث بالفعل، ثم تحول هذا البرنامج إلى برنامج آخر باسم «سهرة دمشق» الذي انضم إليه الفنان الكبير رفيق سبيعي وشكّل البرنامج أول تعاون رسمي بين الفنانين القديرين «دريد ونهاد» ولقي نجاحاً متميزاً.
ومن أهم الأعمال المتميزة لهما: «مقالب غوار» و«حمام الهنا» و«صح النوم» وهذه الأعمال لقيت إعجاباً جماهيرياً وما زلنا نتفرج بشغف إلى بعض الحلقات التي تعرض على شاشة التلفاز بين الفينة والأخرى.
وفي السينما اشتركا في واحد وعشرين فيلماً منها «عقد اللؤلؤ» و«لقاء في تدمر» و«الشريدان» و«المليونيرة والنصّابين الثلاثة» و«وخياط للسيدات» و«الرجل المناسب» و«مسك وعنبر» وفيلم «صح النوم» عام 1975.
في عام 1974 قدّما مسرحية «ضيعة تشرين» من تأليف محمد الماغوط وكانت من أجمل الأعمال المشتركة بين الفنانين الكبيرين وفي عام 1976 قدما مسرحية «غربة».
وقد تكون تجربة الثنائي أول وآخر تجربة كوميدية عربية تمكنت من تحقيق شرطي الإبداع المعجز في القدرة على الإضحاك وتقديم مضمون فني هادف في آن واحد عكس كثيراً من جوانب حياة الإنسان العربي بسلبياتها وإيجابياتها.
حادثة طريفة
يردد نهاد قلعي حادثة طريفة يؤكد أنها جديرة بأن تروى فيقول: طلبت منّي وزارة الثقافة ذات يوم عرض مسرحية «البورجوازي النبيل»، تكريماً للطلبة الذين حصلوا على مراتب عليا في جميع الكليات السورية، وذلك في إطار الاحتفالات التي أقيمت لمناسبة وصول ناظم القدسي إلى سدة الرئاسة واستلام خالد العظم مقاليد رئاسة الوزراء، وفي اليوم المحدد، قبل ساعة من موعد بدء العرض، توجهت إلى «مسرح القباني» للتأكد من أن مسؤولة الملابس جهزت جميع الملابس والإكسسوارات المطلوبة للمسرحية. كنت متوتراً، مضطرباً، والرهبة تملؤني.
وعندما بدأت أرتدي ملابسي، اكتشفت أنها ناقصة، فهرعت أبحث عنها في غرف الزملاء لكن من دون جدوى. وما كان مني إلا أن ركلت الباب بقدمي لشدة الغضب، ولم يكن يكسوها سوى نعل خفيف. فانكسر الباب، وانكسرت قدمي. وتم إحضار الأطباء على الفور، فقرروا بالإجماع منعي من الحركة، وعندها وجدت نفسي في حيرة من أمري، لكني قرّرت أن أقدم المسرحية رغم كل شيء.
تكريمات
كرّم السيد الرئيس بشار الأسد عام 2008 كلاً من الفنانين نهاد قلعي ورفيق سبيعي وعبد اللطيف فتحي بمنحهم وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة وذلك لإنجازاتهم في خدمة الفن، كما كرمت وزارة الثقافة عائلة الفنان الراحل تقديراً لدورها بالحفاظ على تراثه.
بدورها أقامت جمعية أصدقاء دمشق بالتعاون مع مكتبة الأسد الوطنية قبل ثماني سنوات حفلاً تكريمياً للفنان الراحل بمناسبة مرور اثنين وعشرين عاماً على رحيله تقديراً لمسيرته الفنية الغنية ولأعماله التي ساهمت في إرساء دعائم الدراما السورية، وتم الإعلان في نهاية الاحتفال عن موافقة مجلس محافظة دمشق على تسمية شارع في منطقة المهاجرين مكان إقامة الراحل نهاد قلعي باسمه.
في الذاكرة
في الجزء الثامن والأربعين من سلسلة «إعلام ومبدعون» الشهرية الموجهة لليافعة، أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب – مديرية منشورات الطفل قبل ثلاثة أعوام كتاباً يسلط الضوء على حياة الفنان نهاد قلعي من تأليف الكاتبة هناء أبو أسعد مؤلف من 55 صفحة من القطع الصغير.
وتقول الكاتبة: إن الكتاب محطة قصيرة في محطات من حياة الفنان نهاد قلعي الإبداعية، فتحية كبيرة إلى روحه، وقد أرسى تقاليد الحركة المسرحية في سورية، فكان أول مدير للمسرح القومي، وأحد أهم أركان الدراما والسينما والمسرح… قدّم عشرات الأعمال الفنية بروحه المحببّة للجميع، وإبداعه المميز، وابتسامته التي لا تكاد تفارق محيّاه، فكان الأب الروحي لزملائه الفنانين، أبدع برفقتهم أعمالاً استثنائية، حفرت عميقاً في الذاكرة.
الرحلة الأخيرة
في نهاية السبعينيات، أصيب بشلل نصفي إثر تعرضه لحادث أليم، لكن سنوات المرض والعلاج الطويلة لم تمنعه من متابعة نشاطه الفني، فقدم الكثير من الأعمال الإذاعية وشارك في فيلم «عندما تغيب الزوجات» ومسلسل «عريس الهنا».
كما ألف قصصاً مصورة للأطفال في مجلة «سامر» التي كانت تصدر في بيروت آنذاك، مستخدماً شخصيتي «حسني البورظان» و«ياسينو» إضافة إلى شخصية خيالية فرنسية اسمها «شارلي».
استمر نهاد قلعي بالعطاء إلى أن تدهورت حالته الصحية إثر نزيف داخلي قوي، فنقل إلى مستشفى الهلال الأحمر السوري، وبعد أيام من الألم والمعاناة، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت لمحاولة إنقاذه، فإن إصابته المزمنة ومعاناته القديمة مع مرض السكري لم تمهلاه، إذ تعرض لأزمة قلبية، فلفظ أنفاسه الأخيرة على فراشه في تشرين الأول عام 1993، ودفن في القبر الذي حدده بجانب أبيه وجده.
| وائل العدس
الأربعاء, 18-10-2023
هو عميد ضحكتنا الذي أثبت أن الغياب ليس بقادر على أن يخفي إبداع من عشق موهبته، أحب الفن فسرى هذا الحب في عروقه وأزهر بنفسجاً وريحاناً، وضحى من أجله بسنوات عمره التي كرسها له.
مَن منا لم يسمع بالمقولة الشهيرة: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب علينا أن نعرف ماذا في البرازيل»؟ طبعاً المقولة ليست لشكسبير أو أرسطو إنما مقولة فنان الكوميديا نهاد قلعي في شخصية «حسني البورظان»، تلك الشخصية التي عاشت معنا في طفولتنا ودخلت بيوتنا كما دخلت قلوبنا وكبرنا معها ولا تزال الأجيال تتابع مسلسلاته وأفلامه مع ثنائيه دريد لحام.
ثلاثون عاماً مرت على وفاة الفنان الكبير الذي رحل عن خمسة وستين عاماً تاركاً إرثاً ثقافياً سيخلده مدى الدهر.
هو اسم لا يمكن أن يلخص بمادة صحفية أو اثنتين، كانت له بصمات كبيرة في المسرح القومي في سورية، فعندما كان مديراً لهذا المسرح في وزارة الثقافة شاهد الجمهور في زمنه أجمل العروض المسرحية.
إنه ينتمي لجيل الكتّاب الذين أسسوا للدراما السورية المتميزة اليوم التي عاشت على اللبنات التي بناها، فكان متعدد المواهب، وكان مسرحياً وكاتباً وممثلاً ويمتلك ثقافة حياتية كبيرة وكان معروفاً بكرمه وطيبته ووقوفه إلى جانب الفنانين.
وتكمن أهمية أعماله بأنها ما زالت منذ عقود محافظة على بريقها ومشاهديها وبالشغف نفسه رغم أنها قدمت بتقنيات بدائية، لكن بمضمون مهم وبرّاق.
سيرة حياته
ولد نهاد قلعي في دمشق في حي ساروجة – حارة قولي في صيف 1928، واسمه الكامل حسب الهوية الشخصية نهاد قلعي الخربوطلي، والده محمد رفقي ووالدته بدرية العطري، انتسب إلى مدرسة البخاري القريبة من دار الأسرة وكانت هذه المدرسة تعد طلابها إعداداً علمياً وأخلاقياً عالياً، تؤهلهم لإلقاء الخطب والقصائد في المناسبات.
أطلق على نفسه اسم «حسني البورظان» عن طريق المصادفة في برنامج «سهرة دمشق» حيث كان اسمه فيها حسني، وفي إحدى المرات نسي الحوار فسعى لإطالة المشهد قليلاً كي يعود ويتذكر ما سيقول وإذ به يرى خلف الكواليس عازفاً يحمل بورظاناً فقال عن نفسه إنه حسني البورظان وإذ بالجمهور يعجب بهذا اللقب فيلتصق به طوال حياته.
أحب التمثيل منذ نعومة أظفاره وكان شديد الإعجاب بالفنان عبد اللطيف فتحي، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية انتسب إلى مدرسة التجهيز الأولى وفيها تتلمذ على يدي الفنان عبد الوهاب أبو السعود الذي كان يدرب الطلاب على أداء أدوارهم في التمثيليات التي تقدم في نهاية السنة الدراسية، وكان نهاد يؤدي فيها أدواره بنجاح كبير، عندما أكمل دراسته الثانوية كان أبوه قد أحيل إلى التقاعد فاضطر لترك المدرسة والعمل، ولأنه كان مولعاً بالتمثيل بادر إلى الانتساب لمعهد التمثيل بالقاهرة بتشجيع من خاله الفنان توفيق العطري، فباعت الأسرة ما يلزم لتأمين سفر ابنها إلا أن المبلغ نشل منه وكانت كارثة كبرى بالنسبة إليه.
بعد ذلك اضطر للعمل مراقباً في معمل للمعكرونة في حي الميدان، ثم ضارباً على الآلة الكاتبة في الجامعة ثم انتقل بعدها إلى وزارة الدفاع، وعمل مساعداً لمخلّص جمركي طوال خمس سنوات، ثم عمل لحسابه الخاص، وظل يمارس عمله هذا إلى أن بدأ حياته الفنية.
بداياته الفنية
كانت الخطوة المهمة في حياة نهاد قلعي الفنية عام 1946 مع نادي «البرق» الكائن في ساحة المرجة وفي هذا النادي شارك بتقديم مسرحية عنوانها «جيشنا السوري»، وفي عام 1954 قام بتأسيس «النادي الشرقي» وكانت أولى المسرحيات التي قدمها تحمل عنوان «الأستاذ كلينوف» وأخذ فيها دوراً كوميدياً، ثم قدّم مسرحية «زنوبيا» التي ألحقت بالنادي كارثة مادية كبيرة ظل بعدها سنوات عديدة يسدد ما تراكم عليه من ديون بسببها.
في عام 1957 قدّم النادي في القاهرة مسرحية «لولا النساء» ولقيت إقبالاً جماهيرياً كبيراً ونجاحاً باهراً.
وفي شباط من العام 1959 قدّم النادي أيضاً على مسرح الأزبكية بالقاهرة مسرحية بعنوان «ثمن الحرية».
وفي العام ذاته كلفته وزارة الثقافة والإرشاد القومي بتأسيس مسرح قومي في سورية.
مع التلفزيون
شكّل الثنائي الكبير دريد ونهاد ثنائية عظيمة تنتمي إلى طراز التجارب الناجحة غير القابلة للزيادة أو الاستعادة وهي لم تعد ملكاً لأي طرف ولا للمساهمين فيها بل باتت ملك التاريخ والذاكرة.
فمع افتتاح التلفزيون العربي السوري في 23 تموز 1960 بدأ قلعي يتألق حيث التقى الفنان الكبير دريد لحام واستمرت مسيرتهما الفنية ستة عشر عاماً إذ قدم برنامجاً منوعاً اسمه «الأسرة السعيدة» وشاركه في التقديم لحام ومحمود جبر وغازي الخالدي وتاج باتوك، وقد شجع مدير التلفزيون آنذاك الدكتور صباح قباني دريد ونهاد على تأليف ثنائي فني وتوقع لهما النجاح، وهذا ما حدث بالفعل، ثم تحول هذا البرنامج إلى برنامج آخر باسم «سهرة دمشق» الذي انضم إليه الفنان الكبير رفيق سبيعي وشكّل البرنامج أول تعاون رسمي بين الفنانين القديرين «دريد ونهاد» ولقي نجاحاً متميزاً.
ومن أهم الأعمال المتميزة لهما: «مقالب غوار» و«حمام الهنا» و«صح النوم» وهذه الأعمال لقيت إعجاباً جماهيرياً وما زلنا نتفرج بشغف إلى بعض الحلقات التي تعرض على شاشة التلفاز بين الفينة والأخرى.
وفي السينما اشتركا في واحد وعشرين فيلماً منها «عقد اللؤلؤ» و«لقاء في تدمر» و«الشريدان» و«المليونيرة والنصّابين الثلاثة» و«وخياط للسيدات» و«الرجل المناسب» و«مسك وعنبر» وفيلم «صح النوم» عام 1975.
في عام 1974 قدّما مسرحية «ضيعة تشرين» من تأليف محمد الماغوط وكانت من أجمل الأعمال المشتركة بين الفنانين الكبيرين وفي عام 1976 قدما مسرحية «غربة».
وقد تكون تجربة الثنائي أول وآخر تجربة كوميدية عربية تمكنت من تحقيق شرطي الإبداع المعجز في القدرة على الإضحاك وتقديم مضمون فني هادف في آن واحد عكس كثيراً من جوانب حياة الإنسان العربي بسلبياتها وإيجابياتها.
حادثة طريفة
يردد نهاد قلعي حادثة طريفة يؤكد أنها جديرة بأن تروى فيقول: طلبت منّي وزارة الثقافة ذات يوم عرض مسرحية «البورجوازي النبيل»، تكريماً للطلبة الذين حصلوا على مراتب عليا في جميع الكليات السورية، وذلك في إطار الاحتفالات التي أقيمت لمناسبة وصول ناظم القدسي إلى سدة الرئاسة واستلام خالد العظم مقاليد رئاسة الوزراء، وفي اليوم المحدد، قبل ساعة من موعد بدء العرض، توجهت إلى «مسرح القباني» للتأكد من أن مسؤولة الملابس جهزت جميع الملابس والإكسسوارات المطلوبة للمسرحية. كنت متوتراً، مضطرباً، والرهبة تملؤني.
وعندما بدأت أرتدي ملابسي، اكتشفت أنها ناقصة، فهرعت أبحث عنها في غرف الزملاء لكن من دون جدوى. وما كان مني إلا أن ركلت الباب بقدمي لشدة الغضب، ولم يكن يكسوها سوى نعل خفيف. فانكسر الباب، وانكسرت قدمي. وتم إحضار الأطباء على الفور، فقرروا بالإجماع منعي من الحركة، وعندها وجدت نفسي في حيرة من أمري، لكني قرّرت أن أقدم المسرحية رغم كل شيء.
تكريمات
كرّم السيد الرئيس بشار الأسد عام 2008 كلاً من الفنانين نهاد قلعي ورفيق سبيعي وعبد اللطيف فتحي بمنحهم وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة وذلك لإنجازاتهم في خدمة الفن، كما كرمت وزارة الثقافة عائلة الفنان الراحل تقديراً لدورها بالحفاظ على تراثه.
بدورها أقامت جمعية أصدقاء دمشق بالتعاون مع مكتبة الأسد الوطنية قبل ثماني سنوات حفلاً تكريمياً للفنان الراحل بمناسبة مرور اثنين وعشرين عاماً على رحيله تقديراً لمسيرته الفنية الغنية ولأعماله التي ساهمت في إرساء دعائم الدراما السورية، وتم الإعلان في نهاية الاحتفال عن موافقة مجلس محافظة دمشق على تسمية شارع في منطقة المهاجرين مكان إقامة الراحل نهاد قلعي باسمه.
في الذاكرة
في الجزء الثامن والأربعين من سلسلة «إعلام ومبدعون» الشهرية الموجهة لليافعة، أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب – مديرية منشورات الطفل قبل ثلاثة أعوام كتاباً يسلط الضوء على حياة الفنان نهاد قلعي من تأليف الكاتبة هناء أبو أسعد مؤلف من 55 صفحة من القطع الصغير.
وتقول الكاتبة: إن الكتاب محطة قصيرة في محطات من حياة الفنان نهاد قلعي الإبداعية، فتحية كبيرة إلى روحه، وقد أرسى تقاليد الحركة المسرحية في سورية، فكان أول مدير للمسرح القومي، وأحد أهم أركان الدراما والسينما والمسرح… قدّم عشرات الأعمال الفنية بروحه المحببّة للجميع، وإبداعه المميز، وابتسامته التي لا تكاد تفارق محيّاه، فكان الأب الروحي لزملائه الفنانين، أبدع برفقتهم أعمالاً استثنائية، حفرت عميقاً في الذاكرة.
الرحلة الأخيرة
في نهاية السبعينيات، أصيب بشلل نصفي إثر تعرضه لحادث أليم، لكن سنوات المرض والعلاج الطويلة لم تمنعه من متابعة نشاطه الفني، فقدم الكثير من الأعمال الإذاعية وشارك في فيلم «عندما تغيب الزوجات» ومسلسل «عريس الهنا».
كما ألف قصصاً مصورة للأطفال في مجلة «سامر» التي كانت تصدر في بيروت آنذاك، مستخدماً شخصيتي «حسني البورظان» و«ياسينو» إضافة إلى شخصية خيالية فرنسية اسمها «شارلي».
استمر نهاد قلعي بالعطاء إلى أن تدهورت حالته الصحية إثر نزيف داخلي قوي، فنقل إلى مستشفى الهلال الأحمر السوري، وبعد أيام من الألم والمعاناة، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت لمحاولة إنقاذه، فإن إصابته المزمنة ومعاناته القديمة مع مرض السكري لم تمهلاه، إذ تعرض لأزمة قلبية، فلفظ أنفاسه الأخيرة على فراشه في تشرين الأول عام 1993، ودفن في القبر الذي حدده بجانب أبيه وجده.