"تساؤلات" حول قضيّة الأقصى... هل مبعثُها "جحيم حضاري"؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "تساؤلات" حول قضيّة الأقصى... هل مبعثُها "جحيم حضاري"؟

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣١٠٢٦_١٦٣٣٢٤.jpg 
مشاهدات:	28 
الحجم:	134.4 كيلوبايت 
الهوية:	174229
    ​​​​علي عطا
    يذهب المفكر المصري محمد حسين أبو العلا، بكل اطمئنان وبعد سنوات طويلة من التعاطي مع الشأن الفلسفي وفي طياته الأبعاد الثقافية والسياسية الحاكمة للعلاقة بين الشرق والغرب، من ناحية، والصراع العربي الإسرائيلي من ناحية أخرى، إلى أن "الذات الإسلامية والهوية العربية تتلخصان في الأقصى".
    وهو يعيد تأكيد تلك القناعة الذاتية المتكئة في الوقت نفسه على معطيات موضوعية، في أحدث كتبه "ذاكرة الجحيم الحضاري: تساؤلات اللحظة"، والمتزامن في صدوره عن دار الحضارة العربية للنشر في القاهرة، مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، الفلسطينية يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، التي كبدته خسائر غير مسبوقة منذ حرب عام 1973، وتحل هذه الأيام ذكراها الـ50.
    ويبدو أن قناعة كاتبنا هذه تتسق بالفعل مع "تساؤلات اللحظة" المطروحة بقوة الآن تفاعلاً مع معضلة استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، مع ما يترتب عليه من فظائع بحق الشعب الفلسطيني، على الرغم من أنه أمر مرفوض من جانب الضمير الإنساني. أقول إن تلك القناعة التي يعبر عنها محمد حسين أبو العلا في كتاباته عموماً، وفي كتابه الأحدث على وجه الخصوص، تبدو منطقية حتى في ظل حقيقة أن الأقصى يقع في محيط جغرافي يعيش فيه منذ القدم يهود ومسيحيون، أي أنه لا يخص المسلمين وحدهم. مع الأخذ في الاعتبار كذلك أنه حتى المسلمون موزعون على الأقل ما بين سني وشيعي، ولكل طرف قناعاته المختلفة جذرياً مع قناعات الطرف الآخر.
    يرى محمد حسين أبو العلا في كتابه الصادر حديثاً عن دار "الحضارة العربية" في القاهرة (يا لها من مفارقة يعكسها تأمل عنوان الكتاب مع اسم دار النشر!) أن "إعادة صياغة معادلة التقدم التي تشكل خللاً خطيراً بين المادي والمعنوي وتعد أبرز بواعث الركود الثقافي، تكاد تكون أهم كثيراً في الأولويات المستقبلية من حركة التقدم ذاتها". أما حركة التقدم تلك فهو يرى أنها "أنتجت طوفاناً من العلل المستشرية"! ويخلص إلى أن "المعضلة الكبرى للحضارة المعاصرة (الغربية طبعاً وليس العربية أو الصينية بما أن الأخيرتين تنتميان إلى الماضي!) أنها جعلت من أدوات الحضارة آلية سيطرة وقمع للإنسان كأنها قد أنجزت ذاتها أو أنجزت لغير الإنسان".
    تساؤلات
    كيف يتسنّى إصلاح المؤسسات الدولية (المتواطئة مع كل ما من شأنه إبادة الشعب الفلسطيني عبر مجازر مقننة منذ عام 1948 وإلى مدى لا يعلمه إلا الله)، وتقييم مسار سياساتها المتنافية مع أهداف الدول الغربية المسيطرة كونياً؟
    لكن التساؤلات الموضوعية تبدأ – كما يقول أبو العلا - بكيف السبيل نحو صياغة واعتماد نظام عالمي ديموقراطي يسمح بتجاوز مرحلة الأحادية القطبية ويعلي مبادئ الوجود الإنساني؟ ومتى تتراجع الأنا الحضارية المعاصرة عن كونها تعد المرجعية الأساسية المثلى في بناء التصورات المختلفة حول العالم؟ وكيف تتلاشى وحشية التنازع على السيادة؟
    وهل يتحول قوس التاريخ نحو جولة زمنية تسمى في الأدبيات السياسية (ما بعد الغرب) بينما لا يزال هذا الغرب يستأثر بالكثير والكثير من أوراق الضغط في المنظومة الدولية؟ ومتى تتزحزح نداءات العدل الإنساني لتخرج من دوائر اليوتوبيا السياسية وتصبح أحد القوانين الحاكمة لحركة الواقع
    ويشدد أبو العلا في هذا السياق على أن قضية الأقصى ستظل تمثل تحدياً سياسياً واستراتيجياً صارخاً أمام العالم، وعليه أن يعلم أنها لن تكون هي القضية الخاسرة مطلقاً. فاستحضار الطاقة الكامنة والتحفيز الباعث لروح الإرادة القومية وتجديد الوعي باللحظة وإجادة التكتيكات المستحدثة في التفاوض، واستيعاب قلعة الخصم من الداخل، هي التقدمة الأولى المستوجبة لخوض معترك قضية حيوية تمس كبرياء العقيدة وسموّها، فالتاريخ دائماً ما يذكرنا بمحوريه: التحدي والاستجابة، بجانب أن قوة الإيمان بالحق تعلو كثيراً فكرة الإيمان بالقوة.
    سيناريو متكرر
    ويبدو أبو العلا في كثير من المواضع في كتابه وكأنه يعلق على ما تشهده الآن الساحة الفلسطينية، وفي ذلك ما يدلل إلى صحة مقولة "ما أشبه الليلة بالبارحة"، في ظل سيناريو متكرر لا يخرج مضمونه عن عملية مقاومة من جانب الفلسطينيين، بالمتوفر لديهم من أسلحة تعد بدائية إذا ما قورنت بما يملكه عدوهم، فيرد عليها الاحتلال بمجازر يروح ضحيتها في كل مرة مئات من المدنيين العزل، فضلاً عن تدمير البنية التحتية، ولا نسمع من الغرب "المتحضر" في كل مرة سوى أن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد شرذمة من الإرهابيين!
    يقول أبو العلا: "لن ترتدع إسرائيل أو تهدأ ثائرتها وتحيد عن مسارها المتطرف سياسياً واستراتيجياً وعقائدياً، إلا حين تتواجه بقوة مضادة تحمل في روحها كبت العقود الماضية التي ولَّدتها أنهار الدم العربي وتستحضر مخططات التواطؤ الغربي وتستدعي المظالم من ذاكرة النسيان، وتجيد إدارة الصراع على نحو يفقد الخصم توازنه أو يخل به على أقل تقدير، وإلا سوف تستمر مسيرة الطغيان الصهيوني في حصد أجيال عربية متعاقبة في اتجاه تصفية القضية وإحالتها إلى لا شيء".
    ويضيف أن "قضية الأقصى قد طال أمد الفصل فيها سياسياً رغم أنها محسومة تاريخياً وعقائدياً، لكن يبدو أن ذلك لا يعد كافياً في ظل السياسات العالمية الطائشة والجائرة ضد العرب والمعلية من شأن الدولة المتسلطة".
    ويتعجب أبو العلا، ونتعجب معه، من أن هذا يحدث على الرغم من أن الحضارة "بلغت أشواطاً إعجازية في مسار التقدم التقني الذي لم يكن باعثاً في رؤية الإنسان المعاصر على النهوض الأخلاقي والقيمي، وهو ما جعل من الحضارة المعاصرة معنى منقوصاً شائناً يحمل ازدواجية وتناقضية تثير الكثير الشكوك التي يرتد العقل على أثرها مخذولاً.
    الذاكرة العربية
    لكن يلاحظ أنه على الرغم من مرور عقود عدة، لم تغادر الذاكرة العربية أبشع الذكريات المرتبطة بقضيتها المركزية؛ قضية الأقصى وإحراقه على يد الصهيوني العتيد مايكل دينيس روهان، في واقعة تعد في ذاتها مرحلة مفصلية في ملف الأقصى لأنها طمست وغيرت الكثير من المعالم التاريخية، فمن واجهات المسجد وأعمدته وأقواسه وسقفه ونوافذه وزخارفه ومحتوياته النادرة إلى مسجد عمر بن الخطاب والذي يمثل رمزاً كبيراً لذكرى دخوله مدينة القدس، بجانب تخريب محراب زكريا ومقام الأربعين، وكلها آثار لها قداستها المطلقة في وجدان ليس الشعوب الإسلامية فحسب بل الإنسانية بأسرها.
    وتواصلاً مع هذا التاريخ القاتم – يضيف أبو العلا - دأبت سلطات الاحتلال على إقرار وتنفيذ مشروع تهويدي في مدينة القدس، يبدأ باستمرارية التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين ويمتد ليطال الأقصى ببناء جسر دائم بين ساحة البُراق وصحن الأقصى استهدافاً لسريان النمط التغييري المأمول في الطابع العربي. فضلاً عن نشاطات "الصندوق القومي اليهودي" الداعم للمشروع الاستيطاني بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وتخصيص المليارات لتسريع وتيرة واقع مختلق. ويرى أبو العلا أن اللحظة المحتدمة التي تعيشها قضية الأقصى، إنما تطرح بذاتها تساؤلات كثيرة يتصدرها:
    ما هو المغزى الفعلي لشعار "سيف القدس لن يغمد" والذي أطلقته الفصائل كتعبير يشير أول ما يشير إلى أن المعركة مفتوحة ولم تحسم رغم مهاترات الدولة العبرية؟ وما هي الآليات الجديدة التي يمكن أن تسهم في زحزحة أوضاع الأقصى؟ وما هي القيمة الحقيقية لقرار مجلس الأمن الرقم 2334 لعام 2016 والمؤكد صراحة على عدم شرعية الاستيطان؟ وكذلك ما هي القيمة الفعلية لقرار مجلس الأمن الرقم 271 لعام 1969 الذي أدان إحراق الأقصى؟ وما هي التدابير والخطوات التي اعتمدتها منظمة التعاون الإسلامي إزاء مستقبل الأقصى، لا سيما أنها قد أنشئت أصلاً بسبب جريمة إحراقه؟ ولماذا تتقاعس منظمات المجتمع الدولي عن توفير الحماية اللازمة للأماكن الدينية المقدسة في مدينة القدس بعد كل ذلك الشوط الصراعي مع الدولة العبرية؟ بل متى يتوقف نزيف الأرواح التي تحصدها الآلة العسكرية للدولة العبرية يومياً؟ ألا يطرح المجتمع الدولي استراتيجية تسوية عادلة ملزمة تحمل عمقاً إنسانياً وتحول دون تواصل إبادة الشعب الفلسطيني؟
يعمل...
X