الايحاء :
اشه - الايحاء : - ومن الظواهر التي تدل على انتقال الحالات النفسية من شخص إلى آخر ظاهرة الايحاء، وهي شيء بظاهرة التقليد، إلا أنها مع ذلك مختلفة عنها ، لأن المقلد قد يقلد بارادته من غير أن يكون للشخص الذي يقلده علم به ، أما الايحاء فيكون دائماً بارادة الفاعل ، ولا يكون للمنفعل علم أو رغبة في انتقال تلك الأحوال اليه . وقد عرفوه بقولهم انه ضغط أدبي يضيق به الفاعل الخناق على نفس المنفعل ليكرهها على اعتناق بعض الحالات (۲) ، وأحسن مثال يدل على الضغط الأدبي حالة الايحاء المغنطيسي،
خاصة
هي
، ألا
فالمنوم يحدث في نفس النائم جميع الحالات التي يريدها ، حتى لقد يؤثر في إحساسه
وإدراكه ، فيخيل للنائم نوما مغنطيسياً أن كل ما يقوله المنوم حق ، فيتوهم الموجود
معدوماً ، والمعدوم موجوداً ، وتتوقف فيه ملكة الانتقاد والاعتراض. وهذه القدرة على
الايحاء لا يتصف بها كل انسان ، بل
سحرية تبعث على اكتساب السلطان ،
ترى أن الناس لا يصفون في المجالس إلى كل متكلم ، وانهم لا يصيخون بسمعهم، إلا للذي
له سلطان مبين ، فلا يسير دفة الكلام إلا من له قدرة على تلقين سامعيه ، وليس عمل قوة
الذكاء وسعة الاطلاع كافياً ، بل قد يكون الانسان عالماً ذكياً من غير أن يكسبه ذلك
سلطاناً مبيناً . وهذا السلطان لا يكون للانسان إلا إذا كان قوي الارادة ، حاد النظر ،
ظاهر الصوت ، حسن الاشارة ، غير منقوص البيان . وكلما كان اختيار الألفاظ أشرف
وأكرم ، كان السلطان في الدلالة أبين وأنور . ومتى كان المتكلم ثابت الجنان رابط الجأش
كان تأثيره في السامعين أشد وأقوى. وربما كان للمعرفة بساعات القول، واعتدال الشمائل
ونقاوة المهجة ، وطول الصمت ، وتقدم السن ، وجمال الصورة تأثير أيضاً ، ولكن قد
تؤدي هذه الصفات الأخيرة إلى الزهد في كلام الخطيب، إذا كان كلامه بعيداً عن الصواب
قليل البلاغة.
قال سهل بن هرون : (۱)
لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجا أو وصفا ، وكان أحدهما جميلا جليلا بهيا ذا لباس نبيلا ، وذا حسب شريفاً ، وكان الآخر قليلا قمينا ، وباذ الهيئة ذميماً ، وخامل الذكر مجهولاً ، ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة ، وفي وزن واحد من الصواب ، لتصدع عنها الجمع . وعامتهم تقضي للقليل الذميم على النبيل الجسيم ، وللباذ الهيئة على ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبه ، ولصار التعجب منه سبباً للعجب به ، ولكان الاكثار في شأنه علة الاكثار في مدحه ، لأن النفوس كانت له أحقر ، ومنه أينس ، ومن حسده ده أبعد ذي الهيئة ، (
و كلما ازداد عدد الملقنين صار تأثيرهم في سامعهم أقوى ، فاذا تضاعفت العيون الشاخصة اليك كانت ابعد في الاصابة منك
لصاحب السلطان في نفسه ولهجته ونبرات صوته وكبريائه ارادة قوية، وعاطفة غلابة وإيمان شديد ، وخيال واسع . ومعظم الناس لا يركنون إلا إلى الخيال ، لأن نفوسهم الضعيفة مقيدة بسلاسل الأوهام .
ولسنا الآن بصدد تحليل السلطة إلى عناصرها النفسية ، فلنقتصر اذن على القول انها نسبية لا تتعلق بالملقن وحده بل تتبع حالة المتلقن . ولطالما لقن الانسان نفسه، وكان خضوعه لتلقين نفسه أقوى من خضوعه لتلقين غيره . ولربما اختلف التلقين باختلاف السن ايضاً ، فاذا الكبار كانوا أقوى تلقينا من الصغار . كان الصغار اقوى منهم تلقناً ولربما اختلف ذلك أيضا بالنسبة إلى الرجل والمرأة، فتنال أوهام النساء من الرجال ما لا تناله اوهام الرجال من النساء. ومن نشأ على الطاعة العمياء كان إلى التلقن أقرب . فالجهل والشباب والخجل والضعف والركود الذهني ، كل ذلك يقوي قابلية التلقن . ولذلك كان أرباب الوظائف أقرب إلى التأثر بالتنويم المغناطيسي من ا النساء العصبيات، لأنهم تعودوا الطاعة العمياء والنظام الميكانيكي.
فها أنت ترى أن الحالات النفسية لا تبقى محصورة في شخص واحد ، بل تنتقل من شخص إلى آخر . فإذا اشترك فيها جماعة من الناس صارت حالات اجتماعية . وقد ذكرنا بعض الأمثلة الدالة على هذا الانتقال ، ولولا ضيق المجال لاكثرنا منها ؛ إلا أننا نقتصر على هذا المقدار ، ونستنتج مما تقدم أن ( تارد ( يلحق علم الاجتماع بعلم النفس ، لأنه يجد لكل ظاهرة اجتماعية علة نفسية فردية ، ويبين لنا كيف تنتقل هذه الأحوال الفردية من شخص إلى آخر بالاقناع والكشف والتقليد و الايحاء والتلقين وغير ذلك. فما من أمر اجتماعي الا أمكن تعليله بقوانين الحياة النفسية ، ولذلك كانت طريقة علم النفس خير ما يسلكه الاجتماعيون في مباحثهم ، وهي طريقة الملاحظة الداخلية التي يتوصل بها إلى الحقائق الاجتماعية ، ولما كانت هذه الحقائق أموراً ذهنية مشتركة جارية في نفوسنا أو نفوس
الناس ، كانت النفس خير مرآة نشاهد فيها ظواهر الاجتماع .
اشه - الايحاء : - ومن الظواهر التي تدل على انتقال الحالات النفسية من شخص إلى آخر ظاهرة الايحاء، وهي شيء بظاهرة التقليد، إلا أنها مع ذلك مختلفة عنها ، لأن المقلد قد يقلد بارادته من غير أن يكون للشخص الذي يقلده علم به ، أما الايحاء فيكون دائماً بارادة الفاعل ، ولا يكون للمنفعل علم أو رغبة في انتقال تلك الأحوال اليه . وقد عرفوه بقولهم انه ضغط أدبي يضيق به الفاعل الخناق على نفس المنفعل ليكرهها على اعتناق بعض الحالات (۲) ، وأحسن مثال يدل على الضغط الأدبي حالة الايحاء المغنطيسي،
خاصة
هي
، ألا
فالمنوم يحدث في نفس النائم جميع الحالات التي يريدها ، حتى لقد يؤثر في إحساسه
وإدراكه ، فيخيل للنائم نوما مغنطيسياً أن كل ما يقوله المنوم حق ، فيتوهم الموجود
معدوماً ، والمعدوم موجوداً ، وتتوقف فيه ملكة الانتقاد والاعتراض. وهذه القدرة على
الايحاء لا يتصف بها كل انسان ، بل
سحرية تبعث على اكتساب السلطان ،
ترى أن الناس لا يصفون في المجالس إلى كل متكلم ، وانهم لا يصيخون بسمعهم، إلا للذي
له سلطان مبين ، فلا يسير دفة الكلام إلا من له قدرة على تلقين سامعيه ، وليس عمل قوة
الذكاء وسعة الاطلاع كافياً ، بل قد يكون الانسان عالماً ذكياً من غير أن يكسبه ذلك
سلطاناً مبيناً . وهذا السلطان لا يكون للانسان إلا إذا كان قوي الارادة ، حاد النظر ،
ظاهر الصوت ، حسن الاشارة ، غير منقوص البيان . وكلما كان اختيار الألفاظ أشرف
وأكرم ، كان السلطان في الدلالة أبين وأنور . ومتى كان المتكلم ثابت الجنان رابط الجأش
كان تأثيره في السامعين أشد وأقوى. وربما كان للمعرفة بساعات القول، واعتدال الشمائل
ونقاوة المهجة ، وطول الصمت ، وتقدم السن ، وجمال الصورة تأثير أيضاً ، ولكن قد
تؤدي هذه الصفات الأخيرة إلى الزهد في كلام الخطيب، إذا كان كلامه بعيداً عن الصواب
قليل البلاغة.
قال سهل بن هرون : (۱)
لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجا أو وصفا ، وكان أحدهما جميلا جليلا بهيا ذا لباس نبيلا ، وذا حسب شريفاً ، وكان الآخر قليلا قمينا ، وباذ الهيئة ذميماً ، وخامل الذكر مجهولاً ، ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة ، وفي وزن واحد من الصواب ، لتصدع عنها الجمع . وعامتهم تقضي للقليل الذميم على النبيل الجسيم ، وللباذ الهيئة على ولشغلهم التعجب منه عن مساواة صاحبه ، ولصار التعجب منه سبباً للعجب به ، ولكان الاكثار في شأنه علة الاكثار في مدحه ، لأن النفوس كانت له أحقر ، ومنه أينس ، ومن حسده ده أبعد ذي الهيئة ، (
و كلما ازداد عدد الملقنين صار تأثيرهم في سامعهم أقوى ، فاذا تضاعفت العيون الشاخصة اليك كانت ابعد في الاصابة منك
لصاحب السلطان في نفسه ولهجته ونبرات صوته وكبريائه ارادة قوية، وعاطفة غلابة وإيمان شديد ، وخيال واسع . ومعظم الناس لا يركنون إلا إلى الخيال ، لأن نفوسهم الضعيفة مقيدة بسلاسل الأوهام .
ولسنا الآن بصدد تحليل السلطة إلى عناصرها النفسية ، فلنقتصر اذن على القول انها نسبية لا تتعلق بالملقن وحده بل تتبع حالة المتلقن . ولطالما لقن الانسان نفسه، وكان خضوعه لتلقين نفسه أقوى من خضوعه لتلقين غيره . ولربما اختلف التلقين باختلاف السن ايضاً ، فاذا الكبار كانوا أقوى تلقينا من الصغار . كان الصغار اقوى منهم تلقناً ولربما اختلف ذلك أيضا بالنسبة إلى الرجل والمرأة، فتنال أوهام النساء من الرجال ما لا تناله اوهام الرجال من النساء. ومن نشأ على الطاعة العمياء كان إلى التلقن أقرب . فالجهل والشباب والخجل والضعف والركود الذهني ، كل ذلك يقوي قابلية التلقن . ولذلك كان أرباب الوظائف أقرب إلى التأثر بالتنويم المغناطيسي من ا النساء العصبيات، لأنهم تعودوا الطاعة العمياء والنظام الميكانيكي.
فها أنت ترى أن الحالات النفسية لا تبقى محصورة في شخص واحد ، بل تنتقل من شخص إلى آخر . فإذا اشترك فيها جماعة من الناس صارت حالات اجتماعية . وقد ذكرنا بعض الأمثلة الدالة على هذا الانتقال ، ولولا ضيق المجال لاكثرنا منها ؛ إلا أننا نقتصر على هذا المقدار ، ونستنتج مما تقدم أن ( تارد ( يلحق علم الاجتماع بعلم النفس ، لأنه يجد لكل ظاهرة اجتماعية علة نفسية فردية ، ويبين لنا كيف تنتقل هذه الأحوال الفردية من شخص إلى آخر بالاقناع والكشف والتقليد و الايحاء والتلقين وغير ذلك. فما من أمر اجتماعي الا أمكن تعليله بقوانين الحياة النفسية ، ولذلك كانت طريقة علم النفس خير ما يسلكه الاجتماعيون في مباحثهم ، وهي طريقة الملاحظة الداخلية التي يتوصل بها إلى الحقائق الاجتماعية ، ولما كانت هذه الحقائق أموراً ذهنية مشتركة جارية في نفوسنا أو نفوس
الناس ، كانت النفس خير مرآة نشاهد فيها ظواهر الاجتماع .
تعليق