علم النفس وعلم الاجتماع
أشرنا في الفصل السابق إلى اختلاف علم النفس عن علم الفيسيولوجيا وقلنا: إن ارجاع الظواهر النفسية إلى الظواهر الفيسيولوجية أمر غير مرغوب فيه . وتساءلنا هل يمكن تحديد علاقة النفس بالجسد ؟ ولم نقطع برأي في ذلك إلا من وجهة الطريقة التي ينيغي لنا سلوكها في علم النفس. ثم قلنا في آخر الفصل السابق: ان النفس متصلة بالعالم الخارجي فأوجزنا في بيان علاقتها به ، لأننا سنعود إلى هذا البحث غير مرة ، ونحن ذاكرون الآن
علاقة الحياة النفسية بالحياة الاجتماعية
١ - تمهيد عام <-1
يعيش الانسان في بيئة اجتماعية تحيط به آثارها من كل جانب ، لأنه حيوان اجتماعي (١) لم يعش منفرداً في وقت من الأوقات ، بل كان ولا يزال محتاجاً إلى الألفة والانس بغيره .
يولد الانسان ضعيفاً عاجزاً فتزوده الهيئة الاجتماعية بوسائل حفظ البقاء . فهو إذن مدين لها ببقائه كما هو مدين للطبيعة بوجوده ، ألم تجده الهيئة الاجتماعية ضعيفاً فقوته ، و معدماً فأغنته ؟ ان استقلال الانسان عن الهيئة الاجتماعية مسألة نظرية لا أساس لها في الواقع ، حتى ان روبنصون كروزي) في جزيرته لم يقطع جميع صلاته بالحياة الاجتماعية ، بل كانت الهيئة الاجتماعية موجودة معه في عزلته ، وكذلك حي بن يقظان ، فإن ابن طفيل لم يوفق لتجريده من آثار المجتمع تجريداً تاماً . وفي الحق اينما يذهب الانسان يحد الهيئة الاجتماعية في طريقه . فإن لم يلقها بالفعل أحدقت به بالوارثة أو بالتصور ، 6 6
ولذلك كان بحث علم النفس في الانسان المنفرد مسألة مجردة غير مطابقة للحقيقة ؛ لأنها تعرض عن النظر في علاقة الفرد بغيره ، وعن البحث في تأثير الاجتماع فيه ، فتجرده من اللواحق الحسية والشروط الاجتماعية المشخصة ، وتجعله موجوداً خيالياً . ولو كان علم النفس علماً عقلياً محضاً لصح تجرده عن الشرائط الحسية التجريبية ؛ إلا أنه علم تجريبي مستند إلى الواقع . ولذلك كان لا بد له من البحث في تأثير الحياة الاجتماعية في نفوس الأفراد .
والحياة الاجتماعية ليست موجوداً مادياً مؤلفاً من أجسام الأفراد وآثارهم وإنما هي فضلا عن ذلك موجود معنوي مؤلف من الأفكار والآراء ، والاعتقادات، والعواطف المشتركة ؛ فهي إذن مجموع ظواهر نفسية إلا أنها مشتركة بين الافراد ، يعيش الانسان في وسطها فيستنشق ريحها ، ويتغذى بها كما يتغذى جسده بالوسط المادي ـ فلا حياة للنفس الفردية إلا داخل هذه البيئة المعنوية ، كما أنه لا حياة للجسد إلا داخل البيئة الطبيعية .
ولو كانت هذه البيئة المعنوية خارجية بالنسبة إلى الفرد لأعرضنا عن البحث فيها
الآن ، الا انها تحدق به من الخارج وتملأ نفسه من الداخل ، حتى لقد قيل ان في كل فرد
منا موجودين: أحدهما اجتماعي يأتينا بطريق البيئة ، والآخر فردي يرجع إلى عناصر
حياتنا الذاتية. ففي كل واحد منا أثر اجتماعي ، ولا معنى لوجود الفرد إلا إذا نسب إلى
الجماعة ، كما انه لا معنى لجهاز التنفس إلا إذا نسب إلى الهواء الخارجي . وعلى ذلك فإن
علاقة الفرد بالجماعة ليست علاقة جوار وانما هي علاقة تداخل (١) ، ونحن وان كنا لا نشعر
في الحالة الطبيعية بتأثير البيئة الاجتماعية في نفوسنا، ولا بتأثير ضغط الهواء في أجسامنا
فإنه لا بد لنا من الشعور بذلك في بعض الاوقات. ومتى تم لنا هذا الشعور أدركنا أن
هنالك موجوداً اجتماعيا أغنى من الموجود الفردي يستقي الأفراد من حوضه المشترك
عناصر الحياة البشرية التي تنتقل من الأجداد إلى الأحفاد ويتم بها دوام الحضارة . والله
در ) جان جاك روسو ( حيث قال : لو حذفنا من الانسان كل ما اتصل إليه من آثار
البيئة الاجتماعية لرجع إلى صف الحيوان
.
أشرنا في الفصل السابق إلى اختلاف علم النفس عن علم الفيسيولوجيا وقلنا: إن ارجاع الظواهر النفسية إلى الظواهر الفيسيولوجية أمر غير مرغوب فيه . وتساءلنا هل يمكن تحديد علاقة النفس بالجسد ؟ ولم نقطع برأي في ذلك إلا من وجهة الطريقة التي ينيغي لنا سلوكها في علم النفس. ثم قلنا في آخر الفصل السابق: ان النفس متصلة بالعالم الخارجي فأوجزنا في بيان علاقتها به ، لأننا سنعود إلى هذا البحث غير مرة ، ونحن ذاكرون الآن
علاقة الحياة النفسية بالحياة الاجتماعية
١ - تمهيد عام <-1
يعيش الانسان في بيئة اجتماعية تحيط به آثارها من كل جانب ، لأنه حيوان اجتماعي (١) لم يعش منفرداً في وقت من الأوقات ، بل كان ولا يزال محتاجاً إلى الألفة والانس بغيره .
يولد الانسان ضعيفاً عاجزاً فتزوده الهيئة الاجتماعية بوسائل حفظ البقاء . فهو إذن مدين لها ببقائه كما هو مدين للطبيعة بوجوده ، ألم تجده الهيئة الاجتماعية ضعيفاً فقوته ، و معدماً فأغنته ؟ ان استقلال الانسان عن الهيئة الاجتماعية مسألة نظرية لا أساس لها في الواقع ، حتى ان روبنصون كروزي) في جزيرته لم يقطع جميع صلاته بالحياة الاجتماعية ، بل كانت الهيئة الاجتماعية موجودة معه في عزلته ، وكذلك حي بن يقظان ، فإن ابن طفيل لم يوفق لتجريده من آثار المجتمع تجريداً تاماً . وفي الحق اينما يذهب الانسان يحد الهيئة الاجتماعية في طريقه . فإن لم يلقها بالفعل أحدقت به بالوارثة أو بالتصور ، 6 6
ولذلك كان بحث علم النفس في الانسان المنفرد مسألة مجردة غير مطابقة للحقيقة ؛ لأنها تعرض عن النظر في علاقة الفرد بغيره ، وعن البحث في تأثير الاجتماع فيه ، فتجرده من اللواحق الحسية والشروط الاجتماعية المشخصة ، وتجعله موجوداً خيالياً . ولو كان علم النفس علماً عقلياً محضاً لصح تجرده عن الشرائط الحسية التجريبية ؛ إلا أنه علم تجريبي مستند إلى الواقع . ولذلك كان لا بد له من البحث في تأثير الحياة الاجتماعية في نفوس الأفراد .
والحياة الاجتماعية ليست موجوداً مادياً مؤلفاً من أجسام الأفراد وآثارهم وإنما هي فضلا عن ذلك موجود معنوي مؤلف من الأفكار والآراء ، والاعتقادات، والعواطف المشتركة ؛ فهي إذن مجموع ظواهر نفسية إلا أنها مشتركة بين الافراد ، يعيش الانسان في وسطها فيستنشق ريحها ، ويتغذى بها كما يتغذى جسده بالوسط المادي ـ فلا حياة للنفس الفردية إلا داخل هذه البيئة المعنوية ، كما أنه لا حياة للجسد إلا داخل البيئة الطبيعية .
ولو كانت هذه البيئة المعنوية خارجية بالنسبة إلى الفرد لأعرضنا عن البحث فيها
الآن ، الا انها تحدق به من الخارج وتملأ نفسه من الداخل ، حتى لقد قيل ان في كل فرد
منا موجودين: أحدهما اجتماعي يأتينا بطريق البيئة ، والآخر فردي يرجع إلى عناصر
حياتنا الذاتية. ففي كل واحد منا أثر اجتماعي ، ولا معنى لوجود الفرد إلا إذا نسب إلى
الجماعة ، كما انه لا معنى لجهاز التنفس إلا إذا نسب إلى الهواء الخارجي . وعلى ذلك فإن
علاقة الفرد بالجماعة ليست علاقة جوار وانما هي علاقة تداخل (١) ، ونحن وان كنا لا نشعر
في الحالة الطبيعية بتأثير البيئة الاجتماعية في نفوسنا، ولا بتأثير ضغط الهواء في أجسامنا
فإنه لا بد لنا من الشعور بذلك في بعض الاوقات. ومتى تم لنا هذا الشعور أدركنا أن
هنالك موجوداً اجتماعيا أغنى من الموجود الفردي يستقي الأفراد من حوضه المشترك
عناصر الحياة البشرية التي تنتقل من الأجداد إلى الأحفاد ويتم بها دوام الحضارة . والله
در ) جان جاك روسو ( حيث قال : لو حذفنا من الانسان كل ما اتصل إليه من آثار
البيئة الاجتماعية لرجع إلى صف الحيوان
.
تعليق