هل تطبع الجرائد اليومية بالأوفست ؟
يدور هذا السؤال فى كافة المؤسسات الصحفية في العالم . كل دور تريد أن تطبع جرائدها بالأوفست ، تلك الطباعة الأنيقة التي تظهر جميع تقاطيع الصورة في وضوح تام ( وهى التي تطبع بها مجلات لايف وتايم ونيوزويك ) . لكن كيف يتوصلون إلى هذه الطباعة التي تستغرق وقتاً أطول في تجهيزها وتتكلف نفقات أكثر في الورق والحبر والحفر ؟
هذا ما يحاول أن يذلله الخبراء الآن ليجعلوا طباعة الأوفست في متناول يد جميع المؤسسات الصحفية . هناك مصاعب كثيرة يجب تذليلها ، أولها الجمع بالرصاص : فهل تستطيع المؤسسات الصحفية أن تستغنى عن كافة ماكينات الجمع الساخن - وتستعيض عنها بجهاز الجمع التصويرى الباهظ التكاليف ؟ ثانيها عملية طبع الصور على أفلام شفافة بدلاً من الكليشيهات . إن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً وتكلف أموالاً طائلة . وثالثها عملية المونتاج ، الطريقة التى تعادل التوضيب في طباعة التيبو ، وتجرى هذه العملية على لوحة من البنور تركب عليها الصور والنص المطبوع على فيلم لتكون وحدة كاملة من ٤ صفحات أو صفحتين . ورابعها طبع هذه اللوحة على لوح من الزنك الحساس ثم حفر هذا الزنك فى سائل حمضى . وهذه العملية تستغرق وقتاً أطول من عملية كبس الصفحات على «الفلان » وصبها على صفحات الستريو نصف الدائرية .
كل هذه الخطوات يجب أن تتم فى فترة لا تزيد على ٣ أو ٤ ساعات . وتكون المشكلة الكبرى في الطبعة الثانية ، عندما يصل خبر متأخر وهام ويتطلب إعادة صفحة واحدة لنشر هذا الخبر فيها. في هذه الحالة يجب إعادة كافة العمليات السابقة ، ولكن ليس على صفحة واحدة كما هو الحال في طباعة التيبو ، ولكن على اللوحة كلها التي قد يكون عليها صفحتان أو أربع أو أكثر .
من هنا نجد أن أمام الخبراء مشاكل كثيرة يبحثون لها عن حلول ترضى عنها المؤسسات الصحفية . والمشكلة الهامة الأخيرة هى سرعة دوران المطبعة الأوفست : والمعروف أن المطبعة الأوفست أبطأ في دورانها من المطبعة التيبو . ويحاولون الآن زيادة هذه السرعة للوصول بها إلى سرعة معادلة لسرعة مطبعة التيبو على الأقل .
والذى يحدث اليوم أن بعض الصحف تطبع فعلاً بالأوفست . وهذه الصحف يتراوح توزيعها بين ١٥ ألفاً ، ١٥٠ ألفاً ، وهى تستخدم عدة وحدات طباعية : ولا تطبع بالألوان إلا مرة واحدة فى الأسبوع. وكل هذه الصحف إقليمية تصدر في المدن الصغرى حيث لا منافس لها ، فيمكنها أن تصدر في أي وقت تشاء ، دون أن يسبقها غيرها في الصدور .
لكن الخبراء يصرون على أن مستقبل الصحافة اليومية موقوف على طباعة . لذلك يحاولون اليوم اختصار بعض هذه المراحل وإنقاص التكاليف إلى أقصى حد ممكن . وإنهم يريدون إلغاء مراحل المونتاج والطبع والحفر ، وهى أهم مراحل طباعة الأوفست . إنهم يريدون أن يصلوا إلى الطريقة التي يمكنهم بها أن يرسلوا الصور مع نص الكلام، عن طريق جهاز تلفزيوني إلكترونى رأساً إلى أسطوانة الطبع الدوارة ، ثم حفرها عن طريق شعاع لازر بطريقة لا تستغرق ثوانى الأوفست عديدة :
وقد توصلت شركة لينوتايب إلى طريقة جديدة للاستغناء عن مرحلة ( المونتاج ) وقد سميت هذه الطريقة ( زواج الملاءمة بين الجمع بالرصاص ومطبعة الأوفست ) لأنها ألغت مرحلة طبع سطور الرصاص على ورق أبيض ثم تصوير الصفحات على أفلام ثم عملية المونتاج . وكانت هذه العمليات تستغرق عدة ساعات ، فأصبحت الآن تستغرق ١٥ دقيقة بالإضافة إلى خفض النفقات .
والجهاز الجديد الذي صنعته هذه الشركة اسمه ( Direct Image) أي الصورة المباشرة ، ويعمل بالطريقة الآتية : بعد توضيب الصفحة تطبع على لوح رقيق من الزنك بحبر خاص . وبذلك تنقل الصفحة كلها - بالنص المجموع بالرصاص وصورها المحفورة على الزنك بشبكة درجتها ۱۱۰ - على لوح الزنك الرقيق . ثم ينقل اللوح إلى فرن الجهاز ويبقى بداخله تحت حرارة معينة مدة سبع دقائق حتى يلتصق الحبر على الزنك . ثم توضع على اللوح طبقة الأحماض لتحويله إلى لوح حساس فى دقيقتين . بعد ذلك يوضع اللوح على أسطوانة مستديرة ويضغط على الحروف التي برزت أثناء الطبع لإعادة البروز إلى الجهة الأخرى من اللوح ، وهذه العملية تستغرق ست دقائق . ثم يرسل اللوح رأساً إلى المطبعة الأوفست وكل هذه الخطوات لا تستغرق أكثر من ١٥ دقيقة. ويمكن هذا اللوح أن يطبع حوالى ٧٠ ألف نسخة قبل استبداله .
ويؤكد خبراء آخرون أن طباعة الأوفست ليست باهظة التكاليف كما يتصور البعض ولا بطيئة كما يقولون . وإلى أن يتم الوصول إلى طريقة الحفر بشعاع لازر السريع ، قاموا في أمريكا واليابان بدراسات - لأول مرة – حول فارق السرعة والتكلفة بين جريدتين ، تطبع إحداهما بالأوفست وتطبع الأخرى بالتيبوجراف .
ويقول مالكولم جراهام أحد خبراء الطباعة فى أمريكا : إن تكاليف معدات وإنتاج صحيفة مسائية محدودة الحجم بأجهزة الجمع التصويرى ولوحات الأوفست تكاد تكون نفس تكاليف الطباعة بالحروف العادية. ولا شك في أن نوع الطباعة الأوفست يفوق إلى حد كبير الطباعة بالحروف ولكن سرعة الإنتاج تقل قليلاً هذه هي استنتاجات مالكولم جراهام بعد عشرة أشهر قضاها في إنتاج شرو بشاير ستار في كيتلى التي يبلغ متوسط النسخ التى تبيعها يوميا أقل قليلا من ٢٤ ألفاً. والمقارنة فضائل الطريقتين استخدم تكاليف الإنتاج والتوقيت في كيتلى مع مماثلة سجلت فى دلفرهامبتون حيث تطبع الإكسبرس بالحروف .
ورغم أن توزيع صحيفة إكسبرس ( تيبو) يوازى عشرة أمثال توزیع شرو بشاير ستار ( أوفست) في اليوم وحجم أعدادها العادية ضعف . شر و بشاير ستار فإن مساحة الصفحة فى الصحيفتين متماثلة . وقد حسبت النفقات في المركزين خلال مدة أربعة أسابيع ( من ١٩ يوليو إلى ١٤ أغسطس ١٩٦٥) .
وتعتبر المقارنة الصحيحة فى النفقات بين وحدتين تختلفان إلى هذا الحد الكبير في حجمهما ، أمراً صعباً ، وعلى سبيل المثال عندما يتم حساب نفقات لوحة واحدة يتضح أنها أقل في دار تنتج ٣٠٠ لوحة في اليوم منها فى دار أخرى لا تنتج إلا ٥٠ لوحة في اليوم .
وقد تم تحقيق خفض مطرد في مطبعة الأوفست كلما زادت خبرة العمال وتحسنت وسائل الإنتاج. وقد تمكنوا أيضاً من إيجاد مواد بديلة ، تؤدى عملا أفضل من المواد التي استخدموها فى بادئ الأمر وثمنها أقل . وقد دلت نفقات إنتاج ألف صفحة من الورق العريض فى الأوفست من بينها ۷ صفحات بالألوان في المتوسط أن هناك توفيراً نسبته ٣٠ في المائة في قاعة . الحروف إذا قورنت بنفقات مطبعة التيبو . وكان إنتاج اللوحات أعلى بنسبة ١٠ في المائة ، ونفقات قاعة الآلات أكثر بنسبة ٢٠ في المائة كما كانت نفقات الإنتاج الكلى أكثر بنسبة ٢ في المائة منها في مطبعة التيبو . ولمقارنة سرعة الإنتاج في كل من الدارين أخذوا متوسط الوقت الذي يتطلبه جمع نبأ متأخر على عمود من ست بوصات ووضعه في الصحيفة ، وما يتطلبه إنتاج لوحات للمطبعة الأوفست وتثبيتها في المطبعة لبدء تشغيلها . فكان الوقت الذي تتطلبه هذه العملية فى الأوفست يزيد بمقدار ۱۰ ذلك إلى الوقت الإضافى اللازم لصنع اللوحة .
وكانت عملية الطبع أبطأ في الأوفست حيث يصل الإنتاج إلى ٢٤ ألف نسخة في الساعة مقابل ۲۹ ألف نسخة فى الساعة في المطبعة الأخرى .
وتزيد نفقات قاعة الآلات التى تستخدم الأوفست لأن التلف يزيد بنسبة ٢ في المائة ، ولأن الحبر أغلى كثيراً رغم أنه يستخدم بكمية أقل .
وكان الضرر في الجمع بالتصوير هو أن أخطاء وحدات التصوير لا يستطيع مصححو البروفات معرفتها لأنهم يكونون قد صححوا النسخ التي تنتجها الآلات الثاقبة ويستغرق تصحيح السطور وقتاً أطول في طريقة التصوير السطر أولاً على الجهاز الثاقب ، ثم يدخل الشريط في وحدة تصوير ثم يحمض قبل لصقه على الصفحة .
ومن ناحية أخرى يمكن فحص الصور السلبية وتكبيرها ، أو تصغيرها ووضعها في الصفحة بصورة أسرع من الطبع بالحروف . وعلى الرغم من أن النفقات الرئيسية لتزويد الأوفست بالمعدات يمكن مقارنتها بوحدة مماثلة تستخدم الطباعة بالأحرف فإن مدة احتمال الآلات ليست معروفة ومن ثم فإن الاستهلاك بالاستعمال لم يذكر في نفقات أي من الصحيفتين .
وكانت المساحة المطلوبة للعمليتين متماثلة تقريباً كما أن تكاليف إقامة المبنى متساوية لأى من الوحدتين . ويعتقدون أن احتمالات خفض النفقات وزيادة السرعة في الإنتاج أكبر في الأوفست منها فى التيبوجراف . ويتوقعون أنه بعد مدة خمس سنوات أو أقل ستزداد الطباعة بالأوفست عما هى عليه الآن ، ومن الواضح أن الطباعة لا سيما ( الهاف تون ) أفضل كثيراً فى الأوفست ، ولا شك في أن هذا عامل هام يساعد على زيادة المبيعات بنسبة ٢٥ في المائة بعد أقل من ستة أشهر من النشر ، ولأسباب فنية لم يستخدموا الألوان إلا فى الأشهر الأخيرة . وقد أدت هذه المقارنات إلى الاستنتاجات الآتية :
١ - إن النفقات الرئيسية لإقامة المبنى وتزويده بآلات الجمع بالتصوير ومطبعة أوفست لإنتاج يتراوح بين ٢٠ ألف نسخة و ٥٠ ألف نسخة لصحيفة يومية يبلغ عدد صفحاتها ۳۲ صفحة، يزيد بنسبة ۲۲ في المائة على نفقات إنتاج صحيفة مماثلة تنتج بالطبع بالحروف ، ولكن بدون تيسير ألوان . وإذا أضيفت هذه الألوان إلى نفقات الطبع بالحروف فإن الفارق سيزول .
٢ - إن نفقات ألف صفحة وطبعها تكاد تكون واحدة .
٣ - إن الوقت الذى يستغرقه الإنتاج بطريقة الأوفست أطول ولكنه لا يصل إلى المدى الذى يسبب ضرراً خطيراً بشرط عدم وجود منافسة مع صحيفة أخرى في نفس المنطقة .
٤ - إن طباعة الأوفست الأجود نوعاً وتيسير طبع ألوان جيدة بنفقات منخفضة تعتبر ميزة كبيرة .
هذه هي نتيجة المقارنة بين صحيفتين أمريكيتين إقليميتين . أما في اليابان فقد نشرت جريدة أساهى الكبرى تقريراً - من واقع التجارب التي أجرتها ومن خبرتها قارنت فيه بين تكاليف طباعة الأوفست ( التي قالت عنها إنها طباعة المستقبل ) وطباعة التيبوجراف التي تطبع جرائدها بها . وجريدة أساهي تطبع في ٦ مطابع كبيرة . في ٦ بلاد مختلفة في اليابان منها خمس مطابع تطبع بطريقة التيبوجراف وواحدة تطبع بطريقة الأوفست .
وأجرت ( أساهى ) هذه الدراسة على أساس طبع ٢٠٠ ألف نسخة (كل نسخة من ١٦ صفحة ) بهذين النوعين من الطباعة .
والسرعة القصوى للماكينة التيبو ٩٥ ألف نسخة فى الساعة تنخفض إلى ٦٠ ألفاً بسبب تركيب اللوحات وتمزق الورق بينما بلغت السرعة القصوى في الأوفست ٧٥ ألفاً فى الساعة تنخفض إلى ٥٠ ألفاً لنفس الأسباب .
وبلغت تكاليف ۲۰۰ ألف نسخة للأوفست ٣٨٨٤ دولاراً وتكاليف نفس الكمية في طباعة التيبو بلغت ٣٥٤٢ دولاراً بفارق بسيط هو ٣٤٢ دولاراً والتي تمثل ١٠ ٪ .
نجد من هذه الأبحاث أن فروق التكاليف ليست باهظة كما كنا نتصور ، لكن المشكلة تكمن فى السرعة. وعندما تتوصل سرعة الأوفست إلى نفس مستوى سرعة التيبو سوف يتحول معظم المؤسسات الصحفية إلى طباعة جرائدهم بالأوفست .
وقد جرت أول تجربة فى لندن فى أوائل هذا العام ( ١٩٦٨) لتهجين مطبعة أوفست ومطبعة تيبو ، فدارت المطبعتان معاً بسرعة واحدة بلغت ٧٠ ألف نسخة في الساعة ، وأمكنهم بذلك أن يطبعوا جريدة واحدة مهجنة : بعض صفحاتها بالأوفست والبعض الآخر بالتيبو .
وقد قال أحد الخبراء أثناء دراسة خاصة عن الأوفست عقدت في لندن ، إن العقل الإلكترونى فى طباعة الأوفست لن يشرف على عملية الجمع التصويرى فقط ، لكنه سوف يصبح عبارة عن مخزن للمقالات والعناوين والصور ، وذلك عن طريق الصمام التليفزيونى في داخل العقل ، وعن طريق استعمال القلم الإلكترونى لعمل التصحيح والتعديل والتوضيب مباشرة ، وهذا القلم سوف يمزج وظيفة المحرر بوظيفة عامل الجمع .
تعليق