- النظرية السلوكية
قلنا ان علماء الحيوان يتحاشون البحث في أحوال الحيوان الداخلية ، ويقتصرون على وصف سلوكه وغرائزه وتصرفه في الامور داخل البيئة ، فما استعصى من سلوك الحيوان على المشاهده الخارجية يرفضون البحث فيه ويعدونه حديث خرافة واسطورة .
قال هو كلي : « سؤالك عن السرطان هل له عقل أم لا ؟ مسألة لا فائدة منها أبداً، هذا فضلا عن انها لا تقبل الحل ، فخير لنا ان ننصرف إذن إلى البحث عن نظام اقتران أفعال الحيوان بالظواهر الطبيعية الخارجية ، وان نلاحظ ما يبدو من أفعاله بتأثير هذه العوامل ، وان ننبذ كل الامور التي لا تقع تحت الحس والمشاهدة .
ولقد سلك طريقة هو كلي هذه ( بافلوف Pavlov ) الروسي و(وطسون Watson) الاميركي وغيرهما فطبقوها بادىء بدء في دراسة الحيوان ، ثم اطلقوها على الانسان ، وسلك طريقتهم أيضاً طائفة من العلماء الفرنسيين ، وكان العالم الروسي ( بكترف ) إذا أراد دراسة الظواهر النفسية لا يستعمل إلا طريقة المشاهدة الخارجية ، حتى لقد أسس كما رأيت سابقاً سيكولوجيا موضوعية خارجية ، وقال انه ينبذ كل ما لا يقع تحت حس
الباحث النفسي ومشاهدته الخارجية .
والمدرسة الاميركية تعرف السلوكية أي البها فيوريه ( Behaviourisme ) بقولها انها : دراسة مؤالفة الجسد للمحيط الخارجي ، أي دراسة سلوك الانسان ورفض
البحث في أحواله النفسية بطريقة الملاحظة الداخلية ) .
أما في فرنسا فقد وسع ) هنري بيرون ) و ( ببير جانه ) وغيرهما من العلماء دائرة
النظرية السلوكية وسموها نظرية السلوك أو التصرف .(۱) . فعمت عادات الانسان وأخلاقه حتى شملت كل الآثار البشرية وكل ظواهر المعرفة . فصارت اللغة مثلا ظاهرة من ظواهر السلوك ، وصار موضوع علم النفس البحث عن مجموع فاعلية الجسد وعلائقه بالمحيط ( بيرون ) . وصارت طريقته وصف سلوك الانسان وايضاحه علمياً ( جانه ) .
مناقشة هذه النظرية : - يخيل الينا ان في هذه النظرية أمرين ينبغي الاشارة اليها . فالأمر الأول - هو أن السلوكية تريد أن تكون مذهباً فلسفيا يشمل سائر الموجودات ، ويجمع علوم الكون في نظرة واحدة ، فتنكر ما يطلعنا عليه الحدس النفسي وتمعن في العنت ضد الفلسفة القديمة ، فلا تقر بوجود العقل والشعور واللاشعور . بل ترى أن كل ذلك نمط من السلوك الذي يمكن مشاهدته ، أما التفكير فلا وجود له إلا في حركات ذرات المخ
وهذا عندهم مما يمكن البرهان عليه بالمحسوس ، حتى لقد شبهوا التفكير بكلام خفي . فالكلام ينشأ عن اهتزاز الأوتار الصوتية . أما التفكير فيتولد من اهتزاز الخلايا الدماغية . ذاك يلامس الهواء فيسمع ، أما هذا فخفي لا صوت له . إلى هنا تقودنا مباحث السلوكية . فليت شعري ما الفرق بينها وبين نظرية الشعور الملحق التي فندناها آنها؟
ونقول في السلوكية اننا لا نريد ان نتوغل في انتقاد مذهبها الفلسفي لأن هذا الانتقاد خاص بالفلسفة العامة . ولكننا نقول منذ الآن ان مذهب السلوكية لا يضمن لنا استقلال علم النفس . وهذا مناف لكل ما نحن بصدده من بيان ضرورة استقلال
هذا العلم .
والأمر الثاني - هو أن السلوكية طريقة علمية يعلق عليها علماء العصر اعظم الاماني لأنها ثورة على الطرائق القديمة البالية ، فنحن نقبلها على أنها طريقة بحث علمي ، ونقيد
استخدامها بتنبيهين :
١ - ينبغي استخدام هذه الطريقة بهوادة ، وذلك بتحديد معنى السلوك ، لانه إذا بقي معنى السلوك غامضاً اختلطت حدود علم النفس بحدود الفيسولوجيا
كان بعض العلماء إذا أرادوا تحديد معنى السلوك يعرفونه تعريفاً ضيقاً ، فكانت المدرسة الروسية ( بافلوف ( إذا أرادت تعيين قوانين الأعمال المنعكسة الشرطية تنظر في الحركات العصبية المتوسطة بين المؤثر ورد الفعل ، فلا تخرج في مباحثها عن الحدوه الفيسيولوجية ، وكانت السلوكية الانكليزية تطلق معنى السلوك على ما يمكن مشاهدته من الظواهر الخارجية والحركات المحسوسة . فتضيق أيضاً ساحة البحث ، لان كثيراً من الأحوال النفسية تبقى خفية ، فلا يترجم عنها الجسد بحركات ظاهرة .
ولذلك حدد هنري بيرون (۱) معنى السلوك بقوله : ( هو مجموع ما يقوم به الجسد من الحركات الكلية تحت تأثير البيئة . وهذا كاف لفصل علم النفس عن علم الفيسيولوجيا. لان الفيسيولوجيا لا تبحث الا في الحركات الجزئية المحدودة مثل دوران الدم ، والتنفس والهضم . أما علم النفس فيبحث في مجموع حركات الجسد الكلية التي تضمن تكيفه وموآ لفته لشروط المحيط . ولا تقتصر السيكولوجيا على البحث في مجموع هذه الأعمال الفيسيولوجية على الوجه الكلي ، بل تتناول أيضا تصرفات الانسان في البيئة الاجتماعية ، وسلوكه الناشيء عن تأثير الجماعة فيه . فاللغة نمط من السلوك الاجتماعي لأن التكيف الاجتماعي لا يتم الا بها . والتفكير أيضاً أسلوب من السلوك يهيء للانسان أسباب التكيف . ولولا أنه
تصوري خفي لما كان بينه وبين التجربة والعمل المحسوس فرق أبداً.
٢ - لا ينبغي الأخذ بالطريقة السلوكية إلا في حدود معقولة ، لانها طريقة ملاحظة خارجية نستطيع بها أن ندرس أحوال الانسان ، وتصرفاته في الامور من دون أن نتدخل في خوالج نفسه . ولكن هذه الطريقة طريقة ناقصة ، لأنها تكتفي بالظاهر، وتعرض عن الباطن، وسيتضح لك عند البحث في طرائق علم النفس أن الطريقة الخارجية غير مستكملة أسباب العلم كلها . فينبغي للعالم إذا أراد أن يكون بحثه تاماً أن يلتجيء أيضاً إلى الملاحظة الذاتية الداخلية ، وأن يطابق بينها وبين الملاحظة الموضوعية الخارجية حق يستخرج من ذلك
قوانين عامة تنطبق على جميع الحالات
قلنا ان علماء الحيوان يتحاشون البحث في أحوال الحيوان الداخلية ، ويقتصرون على وصف سلوكه وغرائزه وتصرفه في الامور داخل البيئة ، فما استعصى من سلوك الحيوان على المشاهده الخارجية يرفضون البحث فيه ويعدونه حديث خرافة واسطورة .
قال هو كلي : « سؤالك عن السرطان هل له عقل أم لا ؟ مسألة لا فائدة منها أبداً، هذا فضلا عن انها لا تقبل الحل ، فخير لنا ان ننصرف إذن إلى البحث عن نظام اقتران أفعال الحيوان بالظواهر الطبيعية الخارجية ، وان نلاحظ ما يبدو من أفعاله بتأثير هذه العوامل ، وان ننبذ كل الامور التي لا تقع تحت الحس والمشاهدة .
ولقد سلك طريقة هو كلي هذه ( بافلوف Pavlov ) الروسي و(وطسون Watson) الاميركي وغيرهما فطبقوها بادىء بدء في دراسة الحيوان ، ثم اطلقوها على الانسان ، وسلك طريقتهم أيضاً طائفة من العلماء الفرنسيين ، وكان العالم الروسي ( بكترف ) إذا أراد دراسة الظواهر النفسية لا يستعمل إلا طريقة المشاهدة الخارجية ، حتى لقد أسس كما رأيت سابقاً سيكولوجيا موضوعية خارجية ، وقال انه ينبذ كل ما لا يقع تحت حس
الباحث النفسي ومشاهدته الخارجية .
والمدرسة الاميركية تعرف السلوكية أي البها فيوريه ( Behaviourisme ) بقولها انها : دراسة مؤالفة الجسد للمحيط الخارجي ، أي دراسة سلوك الانسان ورفض
البحث في أحواله النفسية بطريقة الملاحظة الداخلية ) .
أما في فرنسا فقد وسع ) هنري بيرون ) و ( ببير جانه ) وغيرهما من العلماء دائرة
النظرية السلوكية وسموها نظرية السلوك أو التصرف .(۱) . فعمت عادات الانسان وأخلاقه حتى شملت كل الآثار البشرية وكل ظواهر المعرفة . فصارت اللغة مثلا ظاهرة من ظواهر السلوك ، وصار موضوع علم النفس البحث عن مجموع فاعلية الجسد وعلائقه بالمحيط ( بيرون ) . وصارت طريقته وصف سلوك الانسان وايضاحه علمياً ( جانه ) .
مناقشة هذه النظرية : - يخيل الينا ان في هذه النظرية أمرين ينبغي الاشارة اليها . فالأمر الأول - هو أن السلوكية تريد أن تكون مذهباً فلسفيا يشمل سائر الموجودات ، ويجمع علوم الكون في نظرة واحدة ، فتنكر ما يطلعنا عليه الحدس النفسي وتمعن في العنت ضد الفلسفة القديمة ، فلا تقر بوجود العقل والشعور واللاشعور . بل ترى أن كل ذلك نمط من السلوك الذي يمكن مشاهدته ، أما التفكير فلا وجود له إلا في حركات ذرات المخ
وهذا عندهم مما يمكن البرهان عليه بالمحسوس ، حتى لقد شبهوا التفكير بكلام خفي . فالكلام ينشأ عن اهتزاز الأوتار الصوتية . أما التفكير فيتولد من اهتزاز الخلايا الدماغية . ذاك يلامس الهواء فيسمع ، أما هذا فخفي لا صوت له . إلى هنا تقودنا مباحث السلوكية . فليت شعري ما الفرق بينها وبين نظرية الشعور الملحق التي فندناها آنها؟
ونقول في السلوكية اننا لا نريد ان نتوغل في انتقاد مذهبها الفلسفي لأن هذا الانتقاد خاص بالفلسفة العامة . ولكننا نقول منذ الآن ان مذهب السلوكية لا يضمن لنا استقلال علم النفس . وهذا مناف لكل ما نحن بصدده من بيان ضرورة استقلال
هذا العلم .
والأمر الثاني - هو أن السلوكية طريقة علمية يعلق عليها علماء العصر اعظم الاماني لأنها ثورة على الطرائق القديمة البالية ، فنحن نقبلها على أنها طريقة بحث علمي ، ونقيد
استخدامها بتنبيهين :
١ - ينبغي استخدام هذه الطريقة بهوادة ، وذلك بتحديد معنى السلوك ، لانه إذا بقي معنى السلوك غامضاً اختلطت حدود علم النفس بحدود الفيسولوجيا
كان بعض العلماء إذا أرادوا تحديد معنى السلوك يعرفونه تعريفاً ضيقاً ، فكانت المدرسة الروسية ( بافلوف ( إذا أرادت تعيين قوانين الأعمال المنعكسة الشرطية تنظر في الحركات العصبية المتوسطة بين المؤثر ورد الفعل ، فلا تخرج في مباحثها عن الحدوه الفيسيولوجية ، وكانت السلوكية الانكليزية تطلق معنى السلوك على ما يمكن مشاهدته من الظواهر الخارجية والحركات المحسوسة . فتضيق أيضاً ساحة البحث ، لان كثيراً من الأحوال النفسية تبقى خفية ، فلا يترجم عنها الجسد بحركات ظاهرة .
ولذلك حدد هنري بيرون (۱) معنى السلوك بقوله : ( هو مجموع ما يقوم به الجسد من الحركات الكلية تحت تأثير البيئة . وهذا كاف لفصل علم النفس عن علم الفيسيولوجيا. لان الفيسيولوجيا لا تبحث الا في الحركات الجزئية المحدودة مثل دوران الدم ، والتنفس والهضم . أما علم النفس فيبحث في مجموع حركات الجسد الكلية التي تضمن تكيفه وموآ لفته لشروط المحيط . ولا تقتصر السيكولوجيا على البحث في مجموع هذه الأعمال الفيسيولوجية على الوجه الكلي ، بل تتناول أيضا تصرفات الانسان في البيئة الاجتماعية ، وسلوكه الناشيء عن تأثير الجماعة فيه . فاللغة نمط من السلوك الاجتماعي لأن التكيف الاجتماعي لا يتم الا بها . والتفكير أيضاً أسلوب من السلوك يهيء للانسان أسباب التكيف . ولولا أنه
تصوري خفي لما كان بينه وبين التجربة والعمل المحسوس فرق أبداً.
٢ - لا ينبغي الأخذ بالطريقة السلوكية إلا في حدود معقولة ، لانها طريقة ملاحظة خارجية نستطيع بها أن ندرس أحوال الانسان ، وتصرفاته في الامور من دون أن نتدخل في خوالج نفسه . ولكن هذه الطريقة طريقة ناقصة ، لأنها تكتفي بالظاهر، وتعرض عن الباطن، وسيتضح لك عند البحث في طرائق علم النفس أن الطريقة الخارجية غير مستكملة أسباب العلم كلها . فينبغي للعالم إذا أراد أن يكون بحثه تاماً أن يلتجيء أيضاً إلى الملاحظة الذاتية الداخلية ، وأن يطابق بينها وبين الملاحظة الموضوعية الخارجية حق يستخرج من ذلك
قوانين عامة تنطبق على جميع الحالات
تعليق