كيف انتهى المطاف بالألمنيوم من المتاحف الملكية إلى علب المشروبات؟ كلما حملت علبة مشروب غازي في يدي، تمنيت لو كان بوسعي امتلاك آلة زمن لأعود إلى القرن التاسع عشر، فأبيع ما يعده معظمنا الآن قمامةً وأصبح ثريًا. حُفِظ الألمنيوم بعناية فائقة في المتاحف الفرنسية، مجاورًا بحرص وفخر المجوهرات الملكية والمقتنيات النفيسة والثمينة. أما اليوم، فتُرمى العلب المصنوعة من الألمنيوم في القمامة دون أن نفكر في ذلك لحظةً إضافية.
كيف وصل بنا الحال إلى الغفلة عن 160 عامًا من التاريخ التي لو عاد بنا الزمن إليها لجنينا من هذه القطع المعدنية ثروةً تكفي للحصول على اشتراك مدى الحياة في نتفلكس؟!
تعالوا معنا نسترجع الماضي، لنستمتع بهذه الرحلة الاستثنائية لتاريخ العنصر رقم 13 في الجدول الدوري الكيميائي.
الألمنيوم هو العنصر الثالث عشر في الجدول الدوري الكيميائي
الاستخدامات القديمة لعنصر الألمنيوم
حصدت الإنسانية فوائد عظيمةً منذ اكتشاف الألمنيوم في بقايا المخلفات البركانية قبل اكتشافه عنصرًا مستقلًا، حينها أطلق العلماء على الألمنيوم اسم «ألوم» أو شب الألمنيوم (كبريتات الألمنيوم والبوتاسيوم).
في الحضارات القديمة، مثل الحضارة المصرية القديمة والحضارة السومرية وحضارة بلاد الرافدين، كان الألمنيوم يستخدم في كل شيء تقريبًا، بدايةً من المنتجات الطبية الدوائية، إلى الأصباغ والمسكنات، وقد كان القدماء ينصحون مرضاهم بالذهاب إلى بحيرات المياه المالحة للاستشفاء من حالات الحروق الحرجة والعلاج من بعض الجروح، إذ تعد تلك البحيرات غنيةً ببعض العناصر الكيميائية مثل الألمنيوم.
ورد ذكر عنصر الألمنيوم أول مرة في كتاب «التاريخ الطبيعي» لمؤلفه بلينيوس الأكبر، ذكر فيه الكاتب قصة الصائغ الذي قدم إلى الإمبراطور الروماني تيبيريوس كأسًا مصنوعةً من معدن لامع غريب، لكنه يتميز بخفة وزنه على عكس الفضة، حينها ادعى الصائغ أن مهارة استخراج هذا العنصر النفيس من الطين لا يتمتع بها أحد سواه والآلهة، أظهر الإمبراطور اهتمامًا لكنه سرعان ما أدرك أن هذا المعدن النادر سيجعل كل كنوزه من الذهب والفضة بلا قيمة في المستقبل، وبدلًا من مكافأة الرجل، أمر الإمبراطور بقطع رأسه ليموت حاملًا معه سر العنصر الغريب.
الألمنيوم في أوائل القرن التاسع عشر
يُعد الألمنيوم أكثر المعادن وفرةً في الطبيعة، ويشكل نحو 8.1% من القشرة الأرضية. وعلى عكس المعادن الأرضية الأخرى مثل النحاس والذهب والفضة، لا يمكننا أن نجد الألمنيوم حرًا في حالته النقية في الطبيعة، إذ يتحد مع مركبات عالية الاستقرار.
بدأت أولى محاولات استخلاص عنصر الألمنيوم بعد الثورة العلمية في أوائل القرن التاسع عشر إثر اختراع أليساندرو فولتا للعمود الفلطائي (وهو أول بطارية كهربائية كيميائية معروفة في التاريخ)، ثم بدأت طريقة التحليل الكهربائي تنتشر بكثرة لاستخراج المعادن من التربة.
كان السير همفري ديفي العالم البريطاني المشهور من أوائل مستخدمي تقنية التحليل الكهربائي في تجاربه على الأملاح المنصهرة، وقد نجح في استخلاص بعض المعادن مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والباريوم والمغنسيوم والسترونشيوم عبر تمرير الكهرباء في أملاحها المنصهرة، وقد حالفه الحظ مرةً أخرى حين اكتشف وجود معدن جديد في أثناء بعض التجارب على الأملاح الحمضية، وأطلق على المعدن الجديد اسم «ألومن» من الكلمة اللاتينية alumen التي تعني «الملح المر».
كيف استشعر العالم همفري مرارة هذا الملح؟ لقد تذوقه، كان معظم العلماء في ذلك الوقت يتذوقون المعادن التي يستخلصونها من تجاربهم. استمر العالم في المحاولة حتى وفاته، ولم ينجح في فصل عنصر الألمنيوم الخام عن ملحه.
الألمنيوم في أوائل القرن العشرين
سنة 1925 في أحد مختبرات جامعة كوبنهاجن، ابتكر العالم هانز كريستيان أورستد مزيجًا من عنصري كلوريد الألمنيوم وملغم البوتاسيوم، وبعد تسخينه بسرعة، أنتج المزيج أولى كريات معدن الألمنيوم في التاريخ، إلا أن هذه التجربة لم تتكرر، وقد أنتجت كميةً قليلةً جدًا من الألمنيوم.
لم يستسلم العلماء بعد تلك التجربة، إذ حاول عالم الكيمياء الألماني فريدريك فولر تطوير تقنية أورستد باستخدام البوتاسيوم بدلًا من ملغم البوتاسيوم، لكنها لم تنجح، ثم أصبح العالم روبرت بنسن أول شخص في التاريخ ينجح في استخلاص عنصر الألمنيوم الخام باستخدام تقنية التحليل الكهربائي.
محجر خام الألومنيوم
على صعيد آخر، في ليس باوكس في فرنسا، نجح عالم الجيولوجيا الفرنسي بيير برتييه في اكتشاف عنصر كيميائي مهم آخر يسمى خام البوكسيت (أكسيد الألمنيوم)، في حين تمكن العالم الكيميائي هنري سانت كلير ديفيل من تطوير طريقة جديدة تتيح للعلماء تحويل أكسيد الألمنيوم المركز إلى ألمنيوم، وقد كانت تقنيته فعالةً لكنها مكلفة جدًا، ويُعد ذلك من أهم الأسباب التي أدخلت الألمنيوم التاريخ، إذ تجاوز سعر الألمنيوم وقتها أسعار المعادن النفيسة الأخرى مثل الذهب والفضة. وقيل إن نابليون الثالث امتلك أدوات مائدة مصنوعة من الألمنيوم تُقدَّم للضيوف المميزين خاصةً، في حين يأكل البقية باستخدام أدوات المائدة العادية المصنوعة من الذهب والفضة.
من استخدامات الألمنيوم البارزة حرص الولايات المتحدة على استخدام 6 أرطال من الألمنيوم في صناعة قمة نصب واشنطن التذكاري، وقد أصبح الألمنيوم ذا قيمة في الاجتماعات الملكية والحكومية.
عبَّر الكاتب تشارلز ديكنز عن إعجابه بالألمنيوم قائلًا: «بم تصفون ذلك المعدن الذي يكون أبيض كالفضة، راسخًا كالذهب، سهلًا في ذوبانه كالنحاس، صلبًا كالحديد، مرنًا، لينًا، بجودة فريدة أخف وزنًا من الزجاج؟» وهكذا أصبح استخراج المعدن المراوغ من شكله المركب إلى شكله المعدني معادِلاً لإيجاد مدينة إلدورادو الأسطورية.
بداية ثورة إنتاج الألمنيوم
ظل الناس يرون الألمنيوم أغلى المعادن طيلة 60 عامًا، وبفضل العالِمين تشارلز هول وبول هيرولت المدعوين «توأمي الألمنيوم» أصبح من السهل استخلاص الألمنيوم في المعامل، إذ عزم هول على إيجاد طريقة لاستخراج الألمنيوم النقي بعد أن سمع أستاذه البروفيسور فرانك جويت يتحدث في إحدى محاضراته عن أعمال الكيميائي فريدريك فولر في مجال استخلاص الألمنيوم، ساحرًا أعين الحضور بقطعة لامعة وأخاذة من المعدن النفيس، بعدها بدأ هول العمل في مختبره، لكنه أحرق مختبره في أثناء تجاربه لاستخلاص المعدن، ثم انتقل هول إلى منزل والده، وبفضل مساعدة أخته جوليا التي كانت كيميائيةً أيضًا، استخدم تقنية التحليل الكهربائي لعزل عنصر الألمنيوم عن أملاحه بإذابتها، ثم مرر الكهرباء في المحلول من البطاريات المصنوعة يدويًا لعدم وجود مورد طاقة للشبكة. أخيرًا في فبراير 1886 استقر هول على عنصر الكريوليت وقد طور طريقةً لاستخلاص الألمنيوم من مركباته.
كان المهندس والمخترع الفرنسي بول هيرولت يعمل في مدبغة عائلته آملًا في إيجاد الألمنيوم النقي، غافلًا تمامًا عن أعمال هول، ومتأثرًا بمحاضرات أستاذ الكيمياء هنري لويس لوشاتيه، وبمساعدة مجموعة من أصدقائه، تمكن هيرولت من تطوير طريقة لاستخلاص الألمنيوم من مصادره الطبيعية مستخدمًا الكريوليت والتحليل الكهربائي.
في إبريل 1886، حان الوقت ليسجل هيرولت هذا الاختراع باسمه في فرنسا والولايات المتحدة، ليتفاجأ العالم هيرولت في يوليو من العام نفسه حين حاول الحصول على براءة اختراع لطريقة استخلاص الألمنيوم أن هول قد سبقه وسجل براءة اختراعه لهذه الطريقة! وبعد شهور طويلة من التقاضي حصل هول أخيرًا على براءة اختراعه في أمريكا، وسميت هذه العملية «هول-هيرولت» تقديرًا لجهود العالمين.
بعدها حصلت الكثير من الشركات على تصريح لاستخدام هذه الطريقة وبدأت مرحلة تصنيع الألمنيوم، ما ساهم في انخفاض حاد في سعر هذا المعدن بعد أن جنى المخترعان الكثير من المال من اختراعهما، وصار الطريق ممهدًا لبداية ثورة الألمنيوم.
ثمة رجل أخر يُنسَب له الفضل في ثورة الألمنيوم هو العالم كارل جوزيف باير، الذي طور طريقةً رخيصةً لاستخراج الألمنيوم النقي من البوكسيت الخام، وبهذا أصبح استخراج هذا المعدن أكفأ من ناحية التكلفة والطاقة بواسطة الجمع بين عملية باير وهول-هيرولت.
يُستخدم الألمنيوم في كل مكان
الخلاصة
أحدث الألمنيوم وسبائكه ثورةً شاملةً في عالمنا، إذ يوجد حولنا في كل مكان من أدوات الطهي إلى مساحيق صناعة المتفجرات إلى أحواض الحرارة في وحدة المعالجة المركزية، وبفضل خفة وزنه وطبيعته غير القابلة للتآكل، وخصائصه الميكانيكية الممتازة، أصبح السفر في الجو وعبر الفضاء واقعًا. فإذا كنت على متن طائرة ما، وكان الراكب بجوارك يخشى فكرة ركوبه علبة من الصفيح قد تسبب موته في أي لحظة، حاول أن تطمئنه بتذكيره أن هذا الصفيح مصنوع من الألمنيوم، قد سيشعر حينها بالتحسن!
كيف وصل بنا الحال إلى الغفلة عن 160 عامًا من التاريخ التي لو عاد بنا الزمن إليها لجنينا من هذه القطع المعدنية ثروةً تكفي للحصول على اشتراك مدى الحياة في نتفلكس؟!
تعالوا معنا نسترجع الماضي، لنستمتع بهذه الرحلة الاستثنائية لتاريخ العنصر رقم 13 في الجدول الدوري الكيميائي.
الألمنيوم هو العنصر الثالث عشر في الجدول الدوري الكيميائي
الاستخدامات القديمة لعنصر الألمنيوم
حصدت الإنسانية فوائد عظيمةً منذ اكتشاف الألمنيوم في بقايا المخلفات البركانية قبل اكتشافه عنصرًا مستقلًا، حينها أطلق العلماء على الألمنيوم اسم «ألوم» أو شب الألمنيوم (كبريتات الألمنيوم والبوتاسيوم).
في الحضارات القديمة، مثل الحضارة المصرية القديمة والحضارة السومرية وحضارة بلاد الرافدين، كان الألمنيوم يستخدم في كل شيء تقريبًا، بدايةً من المنتجات الطبية الدوائية، إلى الأصباغ والمسكنات، وقد كان القدماء ينصحون مرضاهم بالذهاب إلى بحيرات المياه المالحة للاستشفاء من حالات الحروق الحرجة والعلاج من بعض الجروح، إذ تعد تلك البحيرات غنيةً ببعض العناصر الكيميائية مثل الألمنيوم.
ورد ذكر عنصر الألمنيوم أول مرة في كتاب «التاريخ الطبيعي» لمؤلفه بلينيوس الأكبر، ذكر فيه الكاتب قصة الصائغ الذي قدم إلى الإمبراطور الروماني تيبيريوس كأسًا مصنوعةً من معدن لامع غريب، لكنه يتميز بخفة وزنه على عكس الفضة، حينها ادعى الصائغ أن مهارة استخراج هذا العنصر النفيس من الطين لا يتمتع بها أحد سواه والآلهة، أظهر الإمبراطور اهتمامًا لكنه سرعان ما أدرك أن هذا المعدن النادر سيجعل كل كنوزه من الذهب والفضة بلا قيمة في المستقبل، وبدلًا من مكافأة الرجل، أمر الإمبراطور بقطع رأسه ليموت حاملًا معه سر العنصر الغريب.
الألمنيوم في أوائل القرن التاسع عشر
يُعد الألمنيوم أكثر المعادن وفرةً في الطبيعة، ويشكل نحو 8.1% من القشرة الأرضية. وعلى عكس المعادن الأرضية الأخرى مثل النحاس والذهب والفضة، لا يمكننا أن نجد الألمنيوم حرًا في حالته النقية في الطبيعة، إذ يتحد مع مركبات عالية الاستقرار.
بدأت أولى محاولات استخلاص عنصر الألمنيوم بعد الثورة العلمية في أوائل القرن التاسع عشر إثر اختراع أليساندرو فولتا للعمود الفلطائي (وهو أول بطارية كهربائية كيميائية معروفة في التاريخ)، ثم بدأت طريقة التحليل الكهربائي تنتشر بكثرة لاستخراج المعادن من التربة.
كان السير همفري ديفي العالم البريطاني المشهور من أوائل مستخدمي تقنية التحليل الكهربائي في تجاربه على الأملاح المنصهرة، وقد نجح في استخلاص بعض المعادن مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والباريوم والمغنسيوم والسترونشيوم عبر تمرير الكهرباء في أملاحها المنصهرة، وقد حالفه الحظ مرةً أخرى حين اكتشف وجود معدن جديد في أثناء بعض التجارب على الأملاح الحمضية، وأطلق على المعدن الجديد اسم «ألومن» من الكلمة اللاتينية alumen التي تعني «الملح المر».
كيف استشعر العالم همفري مرارة هذا الملح؟ لقد تذوقه، كان معظم العلماء في ذلك الوقت يتذوقون المعادن التي يستخلصونها من تجاربهم. استمر العالم في المحاولة حتى وفاته، ولم ينجح في فصل عنصر الألمنيوم الخام عن ملحه.
الألمنيوم في أوائل القرن العشرين
سنة 1925 في أحد مختبرات جامعة كوبنهاجن، ابتكر العالم هانز كريستيان أورستد مزيجًا من عنصري كلوريد الألمنيوم وملغم البوتاسيوم، وبعد تسخينه بسرعة، أنتج المزيج أولى كريات معدن الألمنيوم في التاريخ، إلا أن هذه التجربة لم تتكرر، وقد أنتجت كميةً قليلةً جدًا من الألمنيوم.
لم يستسلم العلماء بعد تلك التجربة، إذ حاول عالم الكيمياء الألماني فريدريك فولر تطوير تقنية أورستد باستخدام البوتاسيوم بدلًا من ملغم البوتاسيوم، لكنها لم تنجح، ثم أصبح العالم روبرت بنسن أول شخص في التاريخ ينجح في استخلاص عنصر الألمنيوم الخام باستخدام تقنية التحليل الكهربائي.
محجر خام الألومنيوم
على صعيد آخر، في ليس باوكس في فرنسا، نجح عالم الجيولوجيا الفرنسي بيير برتييه في اكتشاف عنصر كيميائي مهم آخر يسمى خام البوكسيت (أكسيد الألمنيوم)، في حين تمكن العالم الكيميائي هنري سانت كلير ديفيل من تطوير طريقة جديدة تتيح للعلماء تحويل أكسيد الألمنيوم المركز إلى ألمنيوم، وقد كانت تقنيته فعالةً لكنها مكلفة جدًا، ويُعد ذلك من أهم الأسباب التي أدخلت الألمنيوم التاريخ، إذ تجاوز سعر الألمنيوم وقتها أسعار المعادن النفيسة الأخرى مثل الذهب والفضة. وقيل إن نابليون الثالث امتلك أدوات مائدة مصنوعة من الألمنيوم تُقدَّم للضيوف المميزين خاصةً، في حين يأكل البقية باستخدام أدوات المائدة العادية المصنوعة من الذهب والفضة.
من استخدامات الألمنيوم البارزة حرص الولايات المتحدة على استخدام 6 أرطال من الألمنيوم في صناعة قمة نصب واشنطن التذكاري، وقد أصبح الألمنيوم ذا قيمة في الاجتماعات الملكية والحكومية.
عبَّر الكاتب تشارلز ديكنز عن إعجابه بالألمنيوم قائلًا: «بم تصفون ذلك المعدن الذي يكون أبيض كالفضة، راسخًا كالذهب، سهلًا في ذوبانه كالنحاس، صلبًا كالحديد، مرنًا، لينًا، بجودة فريدة أخف وزنًا من الزجاج؟» وهكذا أصبح استخراج المعدن المراوغ من شكله المركب إلى شكله المعدني معادِلاً لإيجاد مدينة إلدورادو الأسطورية.
بداية ثورة إنتاج الألمنيوم
ظل الناس يرون الألمنيوم أغلى المعادن طيلة 60 عامًا، وبفضل العالِمين تشارلز هول وبول هيرولت المدعوين «توأمي الألمنيوم» أصبح من السهل استخلاص الألمنيوم في المعامل، إذ عزم هول على إيجاد طريقة لاستخراج الألمنيوم النقي بعد أن سمع أستاذه البروفيسور فرانك جويت يتحدث في إحدى محاضراته عن أعمال الكيميائي فريدريك فولر في مجال استخلاص الألمنيوم، ساحرًا أعين الحضور بقطعة لامعة وأخاذة من المعدن النفيس، بعدها بدأ هول العمل في مختبره، لكنه أحرق مختبره في أثناء تجاربه لاستخلاص المعدن، ثم انتقل هول إلى منزل والده، وبفضل مساعدة أخته جوليا التي كانت كيميائيةً أيضًا، استخدم تقنية التحليل الكهربائي لعزل عنصر الألمنيوم عن أملاحه بإذابتها، ثم مرر الكهرباء في المحلول من البطاريات المصنوعة يدويًا لعدم وجود مورد طاقة للشبكة. أخيرًا في فبراير 1886 استقر هول على عنصر الكريوليت وقد طور طريقةً لاستخلاص الألمنيوم من مركباته.
كان المهندس والمخترع الفرنسي بول هيرولت يعمل في مدبغة عائلته آملًا في إيجاد الألمنيوم النقي، غافلًا تمامًا عن أعمال هول، ومتأثرًا بمحاضرات أستاذ الكيمياء هنري لويس لوشاتيه، وبمساعدة مجموعة من أصدقائه، تمكن هيرولت من تطوير طريقة لاستخلاص الألمنيوم من مصادره الطبيعية مستخدمًا الكريوليت والتحليل الكهربائي.
في إبريل 1886، حان الوقت ليسجل هيرولت هذا الاختراع باسمه في فرنسا والولايات المتحدة، ليتفاجأ العالم هيرولت في يوليو من العام نفسه حين حاول الحصول على براءة اختراع لطريقة استخلاص الألمنيوم أن هول قد سبقه وسجل براءة اختراعه لهذه الطريقة! وبعد شهور طويلة من التقاضي حصل هول أخيرًا على براءة اختراعه في أمريكا، وسميت هذه العملية «هول-هيرولت» تقديرًا لجهود العالمين.
بعدها حصلت الكثير من الشركات على تصريح لاستخدام هذه الطريقة وبدأت مرحلة تصنيع الألمنيوم، ما ساهم في انخفاض حاد في سعر هذا المعدن بعد أن جنى المخترعان الكثير من المال من اختراعهما، وصار الطريق ممهدًا لبداية ثورة الألمنيوم.
ثمة رجل أخر يُنسَب له الفضل في ثورة الألمنيوم هو العالم كارل جوزيف باير، الذي طور طريقةً رخيصةً لاستخراج الألمنيوم النقي من البوكسيت الخام، وبهذا أصبح استخراج هذا المعدن أكفأ من ناحية التكلفة والطاقة بواسطة الجمع بين عملية باير وهول-هيرولت.
يُستخدم الألمنيوم في كل مكان
الخلاصة
أحدث الألمنيوم وسبائكه ثورةً شاملةً في عالمنا، إذ يوجد حولنا في كل مكان من أدوات الطهي إلى مساحيق صناعة المتفجرات إلى أحواض الحرارة في وحدة المعالجة المركزية، وبفضل خفة وزنه وطبيعته غير القابلة للتآكل، وخصائصه الميكانيكية الممتازة، أصبح السفر في الجو وعبر الفضاء واقعًا. فإذا كنت على متن طائرة ما، وكان الراكب بجوارك يخشى فكرة ركوبه علبة من الصفيح قد تسبب موته في أي لحظة، حاول أن تطمئنه بتذكيره أن هذا الصفيح مصنوع من الألمنيوم، قد سيشعر حينها بالتحسن!