ربط السعادة بالنجاح يجعل رؤية الأطفال إلى العالم محدودة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ربط السعادة بالنجاح يجعل رؤية الأطفال إلى العالم محدودة

    ربط السعادة بالنجاح يجعل رؤية الأطفال إلى العالم محدودة


    الشعور بالسعادة أمر سهل على الأطفال إذا لم يسلط عليهم الآباء عبئا عاطفيا بفرض رغباتهم عليهم.


    الإحساس بالسعادة يجب ألا يكون مشروطا

    يؤكد خبراء علم الاجتماع على عدم ربط النجاح بالسعادة حتى لا يعيش الأطفال حياة ذات آفاق محدودة، ويشيرون إلى أن الآمال العريضة التي يعلّقها بعض الآباء على أطفالهم قد تعيق نموهم الفكري ونضجهم وتمنعهم من اكتشاف ذواتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

    يعتقد الكثير من الآباء أن النجاح هو السبيل الوحيد للشعور بالسعادة، ما يجعل الأبناء يعيشون حياة ذات آفاق محدودة، فتقل توقعاتهم وتنحسر رؤيتهم للحياة.

    وربط السعادة بالنجاح يعطي الطفل رؤية للعالم محدودة، ويمكن أن يسبب له الشعور بالإحباط أو الحزن أو الخوف من الإخفاق.

    وقالت الكاتبة الإسبانية خينسيس روميرو إن “الشعور بالسعادة أمر سهل على الأطفال إذا لم نسلط عليهم عبئا عاطفيا بفرض رغباتنا عليهم ظنا منا أن أطفالنا سيكونون ممتنين لذلك يوما ما، لكن ما يحدث هو العكس تمامًا”.

    ونبّهت الكاتبة إلى أن توقعات الوالدين ورغبتهم في أن يكون طفلهما “الأفضل” ستجعلانه يشعر بعدم الأمان وبأنه غير سعيد، ويصبح غير متسامح مع نفسه عند ارتكاب الأخطاء، إلى جانب تدني احترامه لذاته.

    ومن عواقب دفع الطفل إلى النجاح خوفه من الفشل، ما يصيبه بالاكتئاب ويسبب له شعورًا دائمًا بالحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة. وتؤثر هذه الحالة في طريقة تفكير المراهق وشعوره وسلوكه، ويمكن أن تسبب له مشكلات عاطفية ووظيفية وجسدية. فقد يؤدي ضغط الآباء والتوقعات الأكاديمية والتغيرات الجسدية إلى الكثير من التقلبات المزاجية لدى المراهقين.

    الطيب الطويلي: وضع الطفل تحت ضغط التقييمات يكوّن لديه عقد نقص

    ويتوقع الوالدان النرجسيان أن يحقق أطفالهما أفضل النتائج في كل ما يقومون به. كما أنهما يعتبران جميع الإنجازات التي حققها أطفالهما عادية. لكن، يمكن أن تدمر هذه النظرة حياة الأطفال، لأنها تجعلهم يكبرون معتقدين أنهم ليسوا سوى خيبة أمل بالنسبة إلى آبائهم.

    وينعكس هذا الشعور على الطفل في العيش بنمط حياة يتميز بالحدود الضيقة، ويظهر في إحجامه عن ممارسة معظم الأنشطة الطبيعية بسبب أنه يرجح احتمال الفشل الدائم، وبالتالي يفضل عدم المجازفة.

    ويفضل الطفل المصاب برهاب الفشل والإخفاق عدم الذهاب إلى الامتحان أو مقابلة العمل الجديد، وذلك لرعبه الشديد من احتمال أن يفشل.

    ويحدث ذلك نتيجة تصرفات الوالدين والأحداث التي تنشأ بسبب الفشل البسيط الذي يمكن أن يتعرض له الطفل أو المراهق، وهذه التصرفات لها دور كبير في الإفراط في الشعور بالخوف من الفشل، وتلازم الطفل أو المراهق في المراحل العمرية المتقدمة.

    ويشير الباحثون إلى أن بعض المصابين بهذا النوع من الخوف المرضي يكون لديهم استعداد وراثي للقلق، ما يضاعف من حجم المشكلة.

    وبسبب خطأ التربية الذي يربط بين حب الآباء لأبنائهم وتحقيقهم الأداء الجيد، يعيش الطفل تحت ضغط مستمر وخوف دائم من الفشل، والذي يترتب عليه حرمانه من حب والديه.

    ويرى الدكتور الطيب الطويلي أن الخوف من الفشل المدرسي يعتبر الهاجس الأول لمعظم الأولياء، حيث تمثل أعداد المدرسة المحدد الرئيسي لنجابة التلاميذ، ولسلامتهم الذهنية من منظور عائلاتهم. كما يحدد المستوى المدرسي للطفل أشكال تعامل الولي معه، والمصطلحات التي يوجهها له، حيث غالبا ما يواجه الطفل إثر إخفاقه الدراسي بأشكال شتى من العنف الرمزي، مثل تفضيل الطفل المتفوق عليه، والعنف اللفظي بمصطلحات تتوجه بكثرة إلى الطفل الفاشل دراسيا من طرف والديه مثل “لا تفهم. أنت غبي. انظر إلى أقرانك المتميزين…”، حيث تتم مقارنته بأترابه المتفوقين، وقد يصل الأمر حتى إلى العنف الجسدي.

    وقال المختص التونسي في علم الاجتماع إنه من الضروري التأكيد على أن التفوق المدرسي لا يمثل مقياسا لنجاح الطفل في مستقبله المادي والمهني، كما أنه لا يمثل انعكاسا حقيقيا لمستوى ذكاء الطفل وقدرته على الصمود في اختبارات الحياة الحقيقية، وذلك لأسباب عدّة أولها أن الطفل قد يكون موهوبا في اختصاص دون غيره، كأن يكون فذا في الأدبيات وضعيفا في الحسابيات، وينعكس هذا على نتائجه الدراسية، ولكن في نهاية المسار الدراسي الثانوي يبرز تفوقه. ولذا من الضروري الاهتمام بمواهب التلميذ ومواطن تفوقه ونوعية الذكاء التي يكتسبها، للاشتغال عليها وتطويرها، والابتعاد عن المقارنات بينه وبين غيره من التلاميذ أصحاب المواهب والإمكانيات المختلفة. كما أن المسار الدراسي يتغير حسب مستوى تأطير التلميذ مدرسيا وأسريا، فكم من طفل ارتفع مستواه بتغيير الإطار الدراسي الذي يدرس فيه، أو تغيير الإطار الأسري عبر انتفاء مشاكل أسرية كانت موجودة في السابق، وبعد أن يكون الطفل ضعيفا أو متوسطا تلمع نجابته والعكس بالعكس.

    وأضاف لـ”العرب” أن “اعتبار أن النتائج المدرسية محدد لنجاح الطفل في المستقبل يمثل في تقديره تفكيرا معطوبا، باعتبار أن وضع الطفل تحت ضغط التقييمات المتتالية ووضعه في منافسة مع غيره قد يكوّنان لديه عقد نقص، أو حتى عقد تعال، قد تؤثر على تحصيله العلمي”.

    وأكد الطويلي أن معظم البلدان الأوروبية قامت بإلغاء التقييم الجزائي للتلميذ، وذلك لعدم التسبب في هذه العقد النفسية التي قد تصيب الطفل وتستمر معه خلال باقي حياته، حيث أن النجاح لا يقاس بالأعداد، والأمثلة كثيرة عن الذين كانوا من الأوائل في دراستهم في المراحل الابتدائية ثم تدحرج مستواهم وتفوق عليهم أولئك الذين كانوا ضعفاء أو عاديين دراسيا وبلغوا في النهاية أرفع المراكز العلمية والمادية.
    بسبب خطأ التربية الذي يربط بين حب الآباء لأبنائهم وتحقيقهم الأداء الجيد، يعيش الطفل تحت ضغط مستمر وخوف دائم من الفشل، والذي يترتب عليه حرمانه من حب والديه

    ويعلق بعض الآباء آمالا عريضة على أطفالهم قد تعيق نموهم الفكري ونضجهم وتمنعهم من اكتشاف ذواتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. وفي هذه الحالة يعامل أولياء الأمور أطفالهم على أنهم “أشياء”، إذ أنهم ينشئون الخطط المستقبلية ويتوقعون من أطفالهم اتباعها. كما أنهم لا يهتمون بعواقب هذا التصرف. وإذا أدت خططهم إلى حدوث خطأ ما يكتفوا بالقول إنه ليس خطأهم.

    وينصح الخبراء الآباء بأن يعلموا أطفالهم الاستمتاع بحياتهم كما يريدون، وأن النجاح ليس هو الهدف الأساسي من الحياة؛ وعكس ذلك سيبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق نتائج جيدة، بغض النظر عن مدى إدراكهم لفوائد ما ينجزونه، وعند بلوغهم الهدف المنشود لن يشعروا بالرضا لأن كل ما يبحثون عنه سيكون تحقيق الكمال، وسيؤدي هذا الأمر إلى فقدان شعورهم بالرضا عن أدائهم ولن يحتفلوا بإنجازاتهم.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    راضية القيزاني
    صحافية تونسية
يعمل...
X