التوفيق بين المرونة والصرامة في تنشئة الطفل معادلة تؤرق الأمهات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التوفيق بين المرونة والصرامة في تنشئة الطفل معادلة تؤرق الأمهات

    التوفيق بين المرونة والصرامة في تنشئة الطفل معادلة تؤرق الأمهات


    التربية بأسلوب رخو جدا تنقل السلطة من أيدي الآباء إلى أطفالهم.



    معادلة صعبة

    تبحث الأمهات عن كيفية تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في التوفيق بين المرونة والصرامة في تنشئة الطفل خصوصا وأن دراسة حديثة قد أظهرت أن التربية الصارمة لا تؤدي حتما إلى أداء جيد في الدراسة، بل في الغالب إلى الفشل الدراسي. وذكر باحثون أن المراهقين الذين تمت تربيتهم على نحو صارم يجنحون بشكل أكبر إلى أصدقائهم بدلا من آبائهم.

    يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن التربية الصارمة لا تؤدي حتما إلى نتائج إيجابية في حياة الطفل ولا تحقق استقلاليته، كما أن التربية بأسلوب رخو جدًا تنقل السلطة إلى أيدي الأطفال فتنقلب الأدوار ليتحكموا بالمنزل وتعم الفوضى في العائلة. ويرى الخبراء أن الاعتدال في التربية وعدم اتباع القسوة فيها وتجنب اللين مع الأطفال تخلق المعادلة في التوفيق بين المرونة والصرامة في تنشئتهم. ويكون ذلك باحتضانهم وإشعارهم بالدفء والاحتواء والأمان، وعدم السخرية منهم وتجنب توبيخهم أمام الآخرين، وتجنب النقد اللاذع وإرشادهم بطريقة مرنة وجيدة.

    ويؤكد الخبراء على أن الحدود في العلاقة بين الأطفال والآباء في تربية الطفل هي الخط الذي يرسمه الوالدان بينهما وبين طفلهما أو أطفالهما في العائلة، ويحددان من خلاله صلاحيات وحدود كل من الطرفين المبنية على الاتصال والتواصل الواضح.

    وقالت أماني العجيلي موظفة بالقطاع الخاص وأم لطفلين يبلغان من العمر 9 و13 سنة إنها محتارة في كيفية تعاملها معهما خاصة وأنهما في عمر حساس. وأشارت لـ”العرب” إلى أنها تلتزم قواعد مضبوطة في تربيتهما لكنهما قد يحيدان عنها في معظم الأوقات ما يدفعها إلى اتخاذ عقوبات صارمة في حقهما.

    وقد تكون الحدود التي تضعها الأمهات في تربية الطفل لينة ومفككة، أو متزمتة وغير مرنة، وفي الحالتين تكون العلاقة التي أنشأنها غير صحية، ففي حال كانت هذه الحدود رخوة جدًا ستصبح السلطة بيد الأطفال فتنقلب الأدوار ليتحكموا بالمنزل وتعم الفوضى في العائلة. وفي حال كانت متزمتة جدًا وغير مرنة فستبقى القوى الكاملة والتحكم في أيدي الوالدين ولكن في هذه الحالة فإن الحزم الشديد يولّد حالة من الضغط وانعدام التواصل بين الطرفين، وبالتالي يلجأ الطفل إلى التمرد والعصيان والسلوكيات المتولدة عن الكتمان، ويكون أقل راحة واستقلالية.

    ويعد تطوير الاستقلالية أمرا ضروريا في تنشئة الطفل، وهناك العديد من النصائح التي يجب أخذها بعين الاعتبار حتى يبدأ الطفل باكتشاف العالم من حوله بمسؤولية، وبأقل قدر من المخاطر. ومن المهم أن يوفر له الأب والأم الأدوات اللازمة والمساحة الكافية لتحقيق ذلك.



    وتقول الكاتبة الإسبانية ماريا خوسيه رولدان إنه عندما يصل الطفل إلى مرحلة تحقيق أهدافه دون مساعدة، ستلاحظ الأمهات كيف يعزز ذلك من احترامه لذاته وشعوره بالرضا عن نفسه. وقد تشعر الأمهات بحاجة أكبر لحماية الأطفال في مراحل نموهم وتطويرهم لمهارات جديدة. على سبيل المثال، عندما يمشي الطفل خطواته الأولى فإنها تمسكه تلقائيا من يده حتى لا يسقط ويتعرض لأي مكروه.

    ومن الضروري في هذه المرحلة أن تعلمه كيف يخوض التجربة بشكل مستقل ويتكيف مع البيئة المحيطة، مع تقليل المخاطر قدر الإمكان. فيمكنها مثلا تغيير مكان الأثاث ووضع فرش أرضي مضاد للصدمات على الأرض حتى لا يتعرض للأذى عند سقوطه.

    وينصح الخبراء الأمهات بأن يكنّ واضحات مع أطفالهن وأن يضعن أوامر واضحة، مثل منع الضرب أو الركل أو مناداة الأبوين بأسمائهما، وأن يعلمن أطفالهن التصرف الصحيح أثناء الغداء ووجبات الطعام، وترتيب الغرف، والوقت المسموح لمشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو.

    كما أنه من المهم بالنسبة إلى الطفل أن يعلم من هما والداه وبماذا يؤمنان، وذلك يعني أن يوصل الوالدان مبادئهما الشخصية إلى طفلهما ويلتزمان بها أمامه، إذ يتبع الأطفال ويقلدون ما يشاهدونه من آبائهم، وهو ما يترك أثرًا أكثر من مجرد الكلام فقط.

    ويرى الخبراء أن الحدود داخل العائلة معقدة ومتغيرة باستمرار، وأن الوسطية في إنشاء العلاقة الصحية بين الطفل ووالديه، تسمح بالتواصل الفعّال والمناسب بينهما وبمشاركة القوى بين كلا الطرفين.

    وينصحون بوضع قائمة بالقيم التي تهم الأم والتي تتوقع من طفلها أن يحترمها، مثلًا إذا كان أحد هذه المبادئ هو الاحترام فيجب أن تعلم طفلها بذلك، فإن استمر طفلها بمعاملتها بعدم تهذيب ومناداتها باسمها فيجب أن تعلمه بالعواقب التي سيتعرض لها في حال استمر بهذا التصرف.

    ويجب أن تجعله يرى أنها تحترم شخصها وبالتالي هو سيحترمها أيضًا، وبهذه الطريقة هي لا تفرض عليه أن يحترمها بالقوة بل تترك له حرية الاختيار ولكنه سيكون مسؤولًا عن نتيجة قراره وسيحاسب عليه.

    ومن المحبذ أن لا تشارك الأم أطفالها الأحاديث التي يتم تداولها في دائرة الكبار، مثل مشاكل الأصدقاء والأقارب، ومشاكل العلاقات وغيرها، وأن تستمتع بالأنشطة المشتركة مع أطفالها وأن تلعب معهم وأن تكون دائمًا واعية بألا تفقد سلطتها عليهم كأم.
    الاعتدال في التربية وعدم اتباع القسوة فيها وتجنب اللين مع الأطفال تخلق المعادلة في التوفيق بين المرونة والصرامة

    ومن الضروري أن تسمح الأم لأطفالها بالمشاركة بآرائهم ومساهماتهم في نشاطات العائلة المختلفة عن طريق خلق جو من الأهداف العائلية المشتركة، وفي الوقت ذاته تحافظ على موقعها كوالدة في اتخاذ القرار النهائي.

    وتلعب الفئة العمرية للطفل دورًا كبيرًا في تحديد طريقة تعامل والديه معه، فكلما كبر الطفل كلما تغيرت متطلباته فيضطر الوالدان إلى التجاوب مع هذا التغير واتباع نمط أبوة وأمومة مختلف يتلاءم مع عمره، فالأسلوب الذي تتبعه في تربية الطفل الآن قد لا يكون فعّالًا بعد سنتين مثلًا.

    وإذا كان الطفل تحت سن الخامسة مثلًا فالأمر متروك للوالدين تمامًا لفرض بيئة وأنظمة بما يتعلق بالأكل والنوم واللعب، كما أن الطفل يحتاج إلى مراقبة وإشراف مستمرين حتى سن العاشرة. أما المراهقون فدائمًا ما يبحثون عن استقلاليتهم ليندمجوا مع أقرانهم.

    ولكن على الوالدين الحرص أن يكونا موجودين لإرشاد طفلهما وتشجيعه وضبطه عند الحاجة، ومنحه مساحته الخاصة كي يشعر باستقلاليته، والحرص على اغتنام الفرص لخلق التواصل الفعّال بينهما، فمن المهم بالنسبة إلى الطفل أن يرى كيف يمكن أن يصلح خطًأ اقترفه بدلًا من سماع المحاضرات الطويلة، لذلك يجب جعل الانضباط عنده عادة وسلوكا.

    وقال الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة إن الطفل أمانة في عنق الوالدين وبالخصوص الأم، فهي تبقى المؤتمن الأول على رعاية الأبناء وتربيتهم، وتجد الظروف المريحة إذا كانت متصفة برحابة الصدر وحب الأطفال أو إذا كانت متفقة مع زوجها ومتشاركة معه في تنظيم شؤون العائلة واختيار طرق وقواعد تربية الأبناء.

    وأضاف لـ"العرب"، أن الأم التونسية تعرف بقوة شخصيتها ولذلك تنتشر بكثرة فيها ألقاب مؤنثة، وحتى في الأحياء الشعبية ينادى على الأبناء بأنهم أولاد فلانة، فيغيب الرجل بسبب قوة شخصية الأم وشهرتها بذلك. لكن تبقى الأم هي المسطرة التي يسير على ضوء خطها الأبناء. وبين الشدة واللين تربي المرأة التونسية ابنها، مجاهدة عاطفتها حتى تصنع رجالا طالما أنّ اللين والشفقة لا يسهمان في تكوين الرجل القوي.

    وبيّن أنّ توازن الأم هو العامل الرئيسي في تحقيق توازن أفراد جيل المستقبل، فالتربية هي فنّ تشكيل شخصية جديدة بطريقة المراوحة بين الترغيب والترهيب وبين الشدة واللين وبين العقلانية والعاطفة دون إفراط أو تفريط، وإذا ساعدت الظروف صلح النبت وتحققت أصالة المعدن وفائدة رعاية الأم الصالحة.


    راضية القيزاني
    صحافية تونسية
يعمل...
X