خلل التنشئة الاجتماعية وراء انتشار جرائم الأطفال في الجزائر
العائلة الجزائرية أول المتهمين بانحراف القصر وجنوحهم.
تطور المجتمع الجزائري تترتب عليه احتياجات جديدة للطفل
بلغت مستويات تورط الأطفال والقصر في الجرائم والاعتداءات في الجزائر حدا لا يمكن إغفاله، حتى أن ظاهرة جنوح الأطفال أصبحت واحدة من القضايا الاجتماعية التي تشغل الباحثين والمسؤولين على حد السواء لما باتت تشكله من خطر على تماسك النظام الاجتماعي واستقراره.
الجزائر – لم تعد الأخبار اليومية التي تنقلها وسائل الإعلام على تنوعها واختلافها تحفل فقط بالاعتداءات التي تطال البراءة من جرائم قتل واختطاف واعتداءات جنسية، وإنما أصبحت تتميز بتلك التي يكون وراءها أطفال لم يصلوا سن البلوغ.
صادقت الجزائر على اتفاقية حقوق الطفل يوم 19 ديسمبر عام 1992، كما أصدرت قانون حماية الطفل بتاريخ 15 يوليو عام 2015، الذي أقر حماية قانونية للطفولة في شقيها الاجتماعي والقضائي.
ويعرف هذا القانون “الطفل الجانح” بكونه الطفل الذي يرتكب فعلا مجرما والذي لا يقل عمره عن 10 سنوات. وتكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتكاب الجريمة.
ويضمن القانون للطفل المتهم بارتكاب أو محاولة ارتكاب جريمة الحق في محاكمة عادلة، حيث يجب أن تكون المصلحة الفضلى للطفل هي الغاية من كل إجراء أو تدبير أو حكم أو قرار قضائي أو إداري يتخذ بشأنه.
وتشير أرقام لمصالح الأمن إلى أن نحو 40 في المئة من الجرائم المسجلة في الجزائر تورط فيها أطفال ارتكبوا جرائم تتصل بالسرقة وتكوين جمعيات أشرار وجرائم المساس بالعائلة والآداب العامة، إضافة إلى التعدي على الأصول والممتلكات والقتل العمد والضرب والجرح العمد واختطاف القصر والاتجار في المخدرات.
وحذرت التقارير الأمنية من ارتفاع ظاهرة جنوح الأطفال التي تصل إلى الآلاف سنويا منها العشرات من الحالات لقاصرات تورطن في أفعال يُجرمها القانون. وأكدت هذه التقارير توجها لافتا في الأطفال الجانحين نحو أخطر الجرائم التي عادة ما كان يُتهم فيها الكبار.
ويجمع المختصون على أن ظاهرة ارتفاع جرائم الأطفال مرتبطة بالظروف والمآسي والأحوال الفردية والجماعية والخلل الذي أصاب التنشئة الاجتماعية و”استقالة” الوالدين ورفاق السوء، وهي أبرز عوامل انتشار هذه الآفة في محيط يفترض أنه حصن نفسه جيدا من هذه “الأمراض” قياسا بتقاليده وأعرافه.
ويبرر سمير عيمر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية تنامي ظاهرة الإجرام في وسط الأطفال بالتحولات الكثيرة التي يشهدها المجتمع الجزائري وما نجم عنها من تغييرات واضحة في سلوكيات أفراده وقيمهم الاجتماعية.
ويشير عيمر إلى العائلة التي تأتي على رأس المتهمين في انحراف القصر واختيارهم الطريق الخطأ، لافتا إلى أن المشاكل الأسرية والعنف اللفظي والجسدي وطلاق الوالدين كلها عوامل محفزة جدا للارتباط والتعود على سلوكيات تدفع حتما باتجاه تسهيل إجرام الأطفال إذا لم يتم تعديل هذا السلوك قبل فوات الأوان.
ويتساءل أنس باحمد وهو دكتور في علم النفس عن الطفل الجانح هل هو ضحية ظروف نفسية اجتماعية؟ أم هو مجرم في تطور؟ مبرزا أن الدراسات النفسية والاجتماعية هي الوحيدة التي تسمح بتشخيص الأسباب الحقيقية لهذا الوضع.
ويحدد باحمد السبب الرئيسي لإجرام الأطفال في العائلة، فيقول إنه إذا كانت أحوالها مزرية وأوضاعها المادية صعبة يمكن أن يكون هناك خلل في تركيبة هذه الأسرة وخلل في التربية أو في تحسين سلوك الطفل وما يترتب عنه من مخلفات سلبية.
ويبرز الدكتور باحمد دور رفقاء السوء، فيشرح بأن الطفل الذي يتراوح عمره بين 10 و13 سنة يتعلم بـ”النموذجة”، أي إذا كان يصاحب من يتعاطون المخدرات والكحول والتدخين فسيتجه لذلك السلوك رغبة في الانتماء وإثبات الذات. كما يذكر أيضا دور تأثير الجماعة على سلوك الفرد، مشيرا إلى أن دراسات عديدة أثبتت أن الجانحين يرتكبون جرائم وهم مع أقرانهم، حيث تكون القابلية للاستثارة والنرفزة والعصبية المفرطة.
وينبه باحمد إلى أهمية تمكين الأطفال من نوع من الحرية في صغر سنهم حتى لا تتأثر تنشئتهم لاحقا عندما يتقدمون في العمر.
ويرى حكيم طالب مدير حماية الطفولة بالهيئة الوطنية لحماية الطفولة وترقيتها التي تقع تحت وصاية رئيس الوزراء، أن معظم الدراسات والاتجاهات تضبط عوامل خاصة بانحراف الأطفال، على غرار عجز الأبوين عن تربية أبنائهما، والأزمات النفسية التي يعيشها الأطفال داخل النسيج الأسري بسبب العنف بين الأم والأب، وهي تصرفات سلبية تؤثر على نفسية الطفل تدفعه إلى اقتراف أفعال تخرجه من البراءة إلى فئة الأطفال الجانحين.
ويكشف طالب أن أغلبية البلاغات التي تصل الهيئة لها علاقة بالتصدعات داخل الأسرة الجزائرية، مشددا على أن الأطفال هم الضحية رقم واحد في هذه المعادلة خاصة عندما يتعلق الأمر بسوء المعاملة التي يتعرضون لها داخل العائلة.
شأن مشترك
مسؤولية مشتركة
تقول مريم شرفي المفوضة الجزائرية لحماية وترقية الطفولة إن مهمة حماية الأطفال وترقيتهم شأن مشترك لا يقل في الأساس عن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني الذي يجب أن تتضافر لتحقيقه جهود الجميع وعلى رأسهم الأسرة والدولة بهيئاتها وهياكلها المختلفة وكذلك فعاليات المجتمع المدني.
وتضيف “وراء كل طفل جانح قصة… لا يوجد أي طفل يذهب إلى الانحراف إلا وتكون وراءه قصة، وقصة مؤلمة أحيانا… إما تفكك أسري أو سوء تكفل به في الصغر وبسلوكاته غير السوية أو المضطربة”.
وقد تشكل نظرة المجتمع للأطفال الجانحين أو الأطفال المنحرفين خطوة رئيسية على مسار إصلاحهم وإعدادهم لبداية حياة جديدة وتيسيرا لعودتهم إلى محيطهم الطبيعي، بيد أن هناك من لا يحظى بهذه الفرصة حيث تظل النظرات “القاسية” تلاحقه أينما حل وارتحل.
ويلوم مراد حظه وهو الذي دخل السجن طفلا، فلما خرج منه وجد أن أمورا كثيرة قد تبدلت وتغيرت، فرفاقه الذين كان يظنهم أصدقاءه لم يعد له مكانا بينهم لأنهم بنوا عائلات صغيرة وأصبح لهم نمط عيش معين يصعب على الأعزب اتباعه.
معاناة مراد امتدت إلى مجال العمل، فرغم امتلاكه للعديد من الشهادات في تخصصات مختلفة إلا أنه عجز عن إيجاد وظيفة بسبب صحيفة السوابق العدلية المختوم عليها بكلمة “مسبوق قضائيا”، وهي العبارة التي تُحبط العزائم وتُكسر الإرادات.
ويرفض الأستاذ عيمر هذا النوع القاسي في التعامل مع الذين ارتكبوا أخطاء في صغرهم، مشددا على أن حكم القضاء لا يجب أن يجعل من عقوبة المجتمع دائمة تلزم المذنب حتى مماته، بل يتعين على هذا المجتمع بأفراده ومؤسساته أن يرافق “التائبين” حتى يندمجوا بصورة طبيعية في الحياة العادية.
عامل السن
العائلة ركيزة أساسية في نشاة الطفل
يؤكد عبدالكريم عبيدات الخبير والمستشار في إدماج الأحداث والشباب المحترف أن الجريمة لم تعد مرتبطة بالسن، مقترحا التحضير النفسي للمحبوس داخل السجن قبل انقضاء مدة محكوميته أو الإفراج عنه، تحسبا لكونه لم يعد مرحبا به لا في العائلة ولا في محيطه المقرب.
ونوه عبيدات إلى ضرورة التركيز على العمل النفسي حتى لا يعود المسجون لارتكاب الأخطاء التي تقود إلى السجن مجددا، منوها إلى أهمية أن يعي ما عليه أن يفعل عندما يكون حرا طليقا لاستعادة حياته العادية.
لكن هناك من جمعيات المجتمع المدني من يعتبر أن الأعمال والنشاطات الترفيهية والرياضية أثناء الاحتباس وبعد الإفراج مهمة جدا لتخليص الطفل من عبء صفة “المجرم” وتسهيل عودته لممارسة حياته التي افتقدها انطلاقا من قناعة أنه “لا يوجد مجرم بالفطرة وإنما الظروف هي التي تجعل من الأشخاص مجرمين”.
الطفولة نعمة إلهية وهي زينة الحياة الدنيا، لا يكون شكرها إلا بحمايتها ورعايتها، لذلك يدعو الأستاذ باحمد إلى استخدام منهج “وصاحبهم بالمعروف” في التعامل مع الأطفال المجرمين من أجل إعادتهم إلى جادة الصواب.
ويتحدث باحمد عن تجربته الخاصة بمركز لإعادة التربية، فيشير إلى برامج تعليمية ودروس نوعية موجهة للأطفال الجانحين بالإضافة إلى حصص استشارات نفسية. كما يؤكد أن هؤلاء المراهقين يبحثون عمن يستمع إليهم وليس لمن يحاكمهم.
وبرأيه فإن الطفل ومهما ارتكب من جريمة فهو يبقى طفلا بحاجة إلى رعاية ومرافقة وتعزيز الرغبة في التغيير، لذلك يتوجب على المجتمع التخلي عن الأحكام المسبقة، لأن المستقبل والحاضر هو المهم.
وقد يعتقد البعض أن فئة الأطفال في الجزائر “محمية” من طرف القانون، لكن تطور المجتمع ترتبت عليه احتياجات جديدة للطفل، لذلك تبقى الجهود المبذولة غير كافية بالنظر إلى قيمته والتطلعات المنشودة للارتقاء به كائنا إنسانيا، ومواطنا مؤهلا لتحمل الواجبات والتمتع بالحقوق.
العائلة الجزائرية أول المتهمين بانحراف القصر وجنوحهم.
تطور المجتمع الجزائري تترتب عليه احتياجات جديدة للطفل
بلغت مستويات تورط الأطفال والقصر في الجرائم والاعتداءات في الجزائر حدا لا يمكن إغفاله، حتى أن ظاهرة جنوح الأطفال أصبحت واحدة من القضايا الاجتماعية التي تشغل الباحثين والمسؤولين على حد السواء لما باتت تشكله من خطر على تماسك النظام الاجتماعي واستقراره.
الجزائر – لم تعد الأخبار اليومية التي تنقلها وسائل الإعلام على تنوعها واختلافها تحفل فقط بالاعتداءات التي تطال البراءة من جرائم قتل واختطاف واعتداءات جنسية، وإنما أصبحت تتميز بتلك التي يكون وراءها أطفال لم يصلوا سن البلوغ.
صادقت الجزائر على اتفاقية حقوق الطفل يوم 19 ديسمبر عام 1992، كما أصدرت قانون حماية الطفل بتاريخ 15 يوليو عام 2015، الذي أقر حماية قانونية للطفولة في شقيها الاجتماعي والقضائي.
ويعرف هذا القانون “الطفل الجانح” بكونه الطفل الذي يرتكب فعلا مجرما والذي لا يقل عمره عن 10 سنوات. وتكون العبرة في تحديد سنه بيوم ارتكاب الجريمة.
ويضمن القانون للطفل المتهم بارتكاب أو محاولة ارتكاب جريمة الحق في محاكمة عادلة، حيث يجب أن تكون المصلحة الفضلى للطفل هي الغاية من كل إجراء أو تدبير أو حكم أو قرار قضائي أو إداري يتخذ بشأنه.
وتشير أرقام لمصالح الأمن إلى أن نحو 40 في المئة من الجرائم المسجلة في الجزائر تورط فيها أطفال ارتكبوا جرائم تتصل بالسرقة وتكوين جمعيات أشرار وجرائم المساس بالعائلة والآداب العامة، إضافة إلى التعدي على الأصول والممتلكات والقتل العمد والضرب والجرح العمد واختطاف القصر والاتجار في المخدرات.
وحذرت التقارير الأمنية من ارتفاع ظاهرة جنوح الأطفال التي تصل إلى الآلاف سنويا منها العشرات من الحالات لقاصرات تورطن في أفعال يُجرمها القانون. وأكدت هذه التقارير توجها لافتا في الأطفال الجانحين نحو أخطر الجرائم التي عادة ما كان يُتهم فيها الكبار.
ويجمع المختصون على أن ظاهرة ارتفاع جرائم الأطفال مرتبطة بالظروف والمآسي والأحوال الفردية والجماعية والخلل الذي أصاب التنشئة الاجتماعية و”استقالة” الوالدين ورفاق السوء، وهي أبرز عوامل انتشار هذه الآفة في محيط يفترض أنه حصن نفسه جيدا من هذه “الأمراض” قياسا بتقاليده وأعرافه.
40 بالمئة من الجرائم المسجلة في الجزائر تورط فيها أطفال ارتكبوا أفعالا تتصل بالسرقة
ويبرر سمير عيمر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية تنامي ظاهرة الإجرام في وسط الأطفال بالتحولات الكثيرة التي يشهدها المجتمع الجزائري وما نجم عنها من تغييرات واضحة في سلوكيات أفراده وقيمهم الاجتماعية.
ويشير عيمر إلى العائلة التي تأتي على رأس المتهمين في انحراف القصر واختيارهم الطريق الخطأ، لافتا إلى أن المشاكل الأسرية والعنف اللفظي والجسدي وطلاق الوالدين كلها عوامل محفزة جدا للارتباط والتعود على سلوكيات تدفع حتما باتجاه تسهيل إجرام الأطفال إذا لم يتم تعديل هذا السلوك قبل فوات الأوان.
ويتساءل أنس باحمد وهو دكتور في علم النفس عن الطفل الجانح هل هو ضحية ظروف نفسية اجتماعية؟ أم هو مجرم في تطور؟ مبرزا أن الدراسات النفسية والاجتماعية هي الوحيدة التي تسمح بتشخيص الأسباب الحقيقية لهذا الوضع.
ويحدد باحمد السبب الرئيسي لإجرام الأطفال في العائلة، فيقول إنه إذا كانت أحوالها مزرية وأوضاعها المادية صعبة يمكن أن يكون هناك خلل في تركيبة هذه الأسرة وخلل في التربية أو في تحسين سلوك الطفل وما يترتب عنه من مخلفات سلبية.
ويبرز الدكتور باحمد دور رفقاء السوء، فيشرح بأن الطفل الذي يتراوح عمره بين 10 و13 سنة يتعلم بـ”النموذجة”، أي إذا كان يصاحب من يتعاطون المخدرات والكحول والتدخين فسيتجه لذلك السلوك رغبة في الانتماء وإثبات الذات. كما يذكر أيضا دور تأثير الجماعة على سلوك الفرد، مشيرا إلى أن دراسات عديدة أثبتت أن الجانحين يرتكبون جرائم وهم مع أقرانهم، حيث تكون القابلية للاستثارة والنرفزة والعصبية المفرطة.
وينبه باحمد إلى أهمية تمكين الأطفال من نوع من الحرية في صغر سنهم حتى لا تتأثر تنشئتهم لاحقا عندما يتقدمون في العمر.
ويرى حكيم طالب مدير حماية الطفولة بالهيئة الوطنية لحماية الطفولة وترقيتها التي تقع تحت وصاية رئيس الوزراء، أن معظم الدراسات والاتجاهات تضبط عوامل خاصة بانحراف الأطفال، على غرار عجز الأبوين عن تربية أبنائهما، والأزمات النفسية التي يعيشها الأطفال داخل النسيج الأسري بسبب العنف بين الأم والأب، وهي تصرفات سلبية تؤثر على نفسية الطفل تدفعه إلى اقتراف أفعال تخرجه من البراءة إلى فئة الأطفال الجانحين.
ويكشف طالب أن أغلبية البلاغات التي تصل الهيئة لها علاقة بالتصدعات داخل الأسرة الجزائرية، مشددا على أن الأطفال هم الضحية رقم واحد في هذه المعادلة خاصة عندما يتعلق الأمر بسوء المعاملة التي يتعرضون لها داخل العائلة.
شأن مشترك
مسؤولية مشتركة
تقول مريم شرفي المفوضة الجزائرية لحماية وترقية الطفولة إن مهمة حماية الأطفال وترقيتهم شأن مشترك لا يقل في الأساس عن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني الذي يجب أن تتضافر لتحقيقه جهود الجميع وعلى رأسهم الأسرة والدولة بهيئاتها وهياكلها المختلفة وكذلك فعاليات المجتمع المدني.
وتضيف “وراء كل طفل جانح قصة… لا يوجد أي طفل يذهب إلى الانحراف إلا وتكون وراءه قصة، وقصة مؤلمة أحيانا… إما تفكك أسري أو سوء تكفل به في الصغر وبسلوكاته غير السوية أو المضطربة”.
وقد تشكل نظرة المجتمع للأطفال الجانحين أو الأطفال المنحرفين خطوة رئيسية على مسار إصلاحهم وإعدادهم لبداية حياة جديدة وتيسيرا لعودتهم إلى محيطهم الطبيعي، بيد أن هناك من لا يحظى بهذه الفرصة حيث تظل النظرات “القاسية” تلاحقه أينما حل وارتحل.
ويلوم مراد حظه وهو الذي دخل السجن طفلا، فلما خرج منه وجد أن أمورا كثيرة قد تبدلت وتغيرت، فرفاقه الذين كان يظنهم أصدقاءه لم يعد له مكانا بينهم لأنهم بنوا عائلات صغيرة وأصبح لهم نمط عيش معين يصعب على الأعزب اتباعه.
معاناة مراد امتدت إلى مجال العمل، فرغم امتلاكه للعديد من الشهادات في تخصصات مختلفة إلا أنه عجز عن إيجاد وظيفة بسبب صحيفة السوابق العدلية المختوم عليها بكلمة “مسبوق قضائيا”، وهي العبارة التي تُحبط العزائم وتُكسر الإرادات.
ويرفض الأستاذ عيمر هذا النوع القاسي في التعامل مع الذين ارتكبوا أخطاء في صغرهم، مشددا على أن حكم القضاء لا يجب أن يجعل من عقوبة المجتمع دائمة تلزم المذنب حتى مماته، بل يتعين على هذا المجتمع بأفراده ومؤسساته أن يرافق “التائبين” حتى يندمجوا بصورة طبيعية في الحياة العادية.
عامل السن
العائلة ركيزة أساسية في نشاة الطفل
يؤكد عبدالكريم عبيدات الخبير والمستشار في إدماج الأحداث والشباب المحترف أن الجريمة لم تعد مرتبطة بالسن، مقترحا التحضير النفسي للمحبوس داخل السجن قبل انقضاء مدة محكوميته أو الإفراج عنه، تحسبا لكونه لم يعد مرحبا به لا في العائلة ولا في محيطه المقرب.
ونوه عبيدات إلى ضرورة التركيز على العمل النفسي حتى لا يعود المسجون لارتكاب الأخطاء التي تقود إلى السجن مجددا، منوها إلى أهمية أن يعي ما عليه أن يفعل عندما يكون حرا طليقا لاستعادة حياته العادية.
لكن هناك من جمعيات المجتمع المدني من يعتبر أن الأعمال والنشاطات الترفيهية والرياضية أثناء الاحتباس وبعد الإفراج مهمة جدا لتخليص الطفل من عبء صفة “المجرم” وتسهيل عودته لممارسة حياته التي افتقدها انطلاقا من قناعة أنه “لا يوجد مجرم بالفطرة وإنما الظروف هي التي تجعل من الأشخاص مجرمين”.
الطفولة نعمة إلهية وهي زينة الحياة الدنيا، لا يكون شكرها إلا بحمايتها ورعايتها، لذلك يدعو الأستاذ باحمد إلى استخدام منهج “وصاحبهم بالمعروف” في التعامل مع الأطفال المجرمين من أجل إعادتهم إلى جادة الصواب.
ويتحدث باحمد عن تجربته الخاصة بمركز لإعادة التربية، فيشير إلى برامج تعليمية ودروس نوعية موجهة للأطفال الجانحين بالإضافة إلى حصص استشارات نفسية. كما يؤكد أن هؤلاء المراهقين يبحثون عمن يستمع إليهم وليس لمن يحاكمهم.
وبرأيه فإن الطفل ومهما ارتكب من جريمة فهو يبقى طفلا بحاجة إلى رعاية ومرافقة وتعزيز الرغبة في التغيير، لذلك يتوجب على المجتمع التخلي عن الأحكام المسبقة، لأن المستقبل والحاضر هو المهم.
وقد يعتقد البعض أن فئة الأطفال في الجزائر “محمية” من طرف القانون، لكن تطور المجتمع ترتبت عليه احتياجات جديدة للطفل، لذلك تبقى الجهود المبذولة غير كافية بالنظر إلى قيمته والتطلعات المنشودة للارتقاء به كائنا إنسانيا، ومواطنا مؤهلا لتحمل الواجبات والتمتع بالحقوق.