مساهمة الأطفال في اتخاذ القرارات الأسرية ترتهن لوعي الوالدين
الطفل يمتلك حق إبداء الرأي والمساهمة في الحوارات الأسرية في حدود تكوينه العقلي وخبراته البسيطة مما يصب في بناء شخصيته.
تعزيز الحوار مع الطفل يساهم في بناء شخصيته
لندن- تعيش العديد من الأسر قرارات مصيرية تستوجب مشاركة جميع الأطراف في اتخاذها، لكن في النهاية يكون أسلوب الحوار بين الزوجين هو الفيصل في بلوغ القرار النهائي.
وغالبا ما يتم تغييب آراء الأطفال في الكثير من الأسر عن هذه القرارات باعتبارهم غير قادرين على الدخول في نقاشات الكبار وإبداء آرائهم والمساهمة في اتخاذ القرار المناسب.
وتبقى مساهمة الطفل في هذه القرارات رهينة وعي الأسرة بتأثيرها الإيجابي في تكوين شخصيته والإلمام بما قد ينتج عن هذا الإقصاء من تبعات.
وقال أخصائيو التربية والعلاقات الأسرية إن الطفل يمتلك حق إبداء الرأي والمساهمة في الحوارات الأسرية في حدود تكوينه العقلي وخبراته البسيطة، مما يصب في بناء شخصيته، لافتين إلا أن الكثير من الأسر تثري حياة أطفالها بالترفيه والتعليم الجيد وتغيّب عنها في غالب الأحيان ترك مساحة لهم للتعبير عن آرائهم ومن ثم مساعدتهم في اتخاذ بعض القرارات التي تخصهم أو تخص العائلة.
أحمد فلاح العموش: الطفل تكون له دائما نظرة واقعية وأخرى خيالية
ويرى الكثيرون أن الأطفال في المجتمعات العربية يتم تجاهل آرائهم حيث لا يسعى الكثير من الآباء إلى اكتشاف قدرات ومهارات أبنائهم ولا يتركون لهم مساحة واسعة للتعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ بعض القرارات الخاصة بهم وبأسرهم، وتنمية قدراتهم على التواصل والحوار واكتساب الثقة في النفس وتكوين شخصياتهم وتحمل المسؤولية لمجابهة الصعاب التي تعترضهم في المستقبل القريب والبعيد.
وبين المختصون أن بعض الآباء من ذوي المستويات العلمية والثقافية العالية فقط يعمدون إلى إشراك أبنائهم واستشارتهم حول مواضيع تهم الأسرة في مجالات متعددة حتى يتعلموا تحمل المسؤولية في سن مبكرة ويكونون قادرين على الشعور بالانتماء الدائم إلى العائلة.
ولفتوا إلى أن الطفل الذي لا يسمح له باتخاذ قرارات صغيرة في المراحل الأولى من حياته، يشعر بأنه لا يستطيع اتخاذ قرارات مهمة في الحياة في ما بعد، كما أن الطفل الذي لا يُقدم على فعل أي شيء إلا بأمر الوالدين، يسهل على الآخرين السيطرة عليه، وربما يشعر في ما بعد بالاستياء أو الغضب من القرارات التي تؤخذ بدلا عنه.
وأكد أحمد فلاح العموش، أستاذ علم الجريمة بقسم علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الشارقة، أن عملية الحوار بمعناه الواسع داخل نطاق الأسرة تنحصر بين الأب والأم في غالب الأحيان وهو ما يجعل الطفل بعيدا عن هذه الآلية التي لو تحققت بمعناها الحقيقي ترتقي به وجدانيا وتمنحه الثقة في نفسه وتجعله إنسانا اجتماعيا بالدرجة الأولى.
ورأى العموش أن ذلك هو ما يجعل الطفل بالفعل مظلوما في محيطه الذي يولد فيه ويفتقد لأدق تفصيلات الحياة اليومية وحيويتها التي تغذيه بعوامل النمو وتدفعه إلى تخطى مراحله الأولى، وهو على وعي بكل ما يدور حوله، إذ أن وجود الطفل في محيط يكون فيه مجرد مراقب ومحروم من أداء دوره في المشاركة يجعله خارج نطاق زمنه، وغير قادر على مواجهة المستقبل والتفاعل معه بسلاسة.
وبيّن العموش أن الطفل تكون له دائما نظرة واقعية وأخرى خيالية مما يعني أنه أسير أفكار تشكل عالمه الخاص وإذ منحت الأسرة له حرية التعبير عن ذاته وعما يدور برأسه من أفكار سواء كانت صحيحة أو لا تمت للواقع بصلة، فإنه ينشأ في بيئة إيجابية، وهو ما يعطيه القدرة على أن يكون له رأي يبديه من دون أن يتلعثم، وهو أيضا ما ينمي قدراته البلاغية وينشط مركز الكلام ويجعله قادرا على المشاركة في القرار.
وشدد على أهمية أن يشرك الآباء أبناءهم في صناعة القرار داخل الأسرة وأن يتم إعداد الطفل لكي يكون مستعدا لتحمل نتيجة قراره، كأن تتم استشارته حول المكان الذي يفضل الذهاب إليه أثناء العطلات أو عن الألوان التي يفضلها عند شراء ملابسه.
وبيّن أنه على الرغم من أن هذه المشاركات بسيطة إلا أنها قادرة على تشكيل وجدانه ومن ثم تفعيل دوره وإعداده جيدا لإبداء الرأي واتخاذ القرار. وينصح العموش بأن تعزز الأسر من ثقافة الحوار مع الطفل حتى لا يكون في المستقبل شخصية انسحابية تفتقر لتقدير الذات.
وأشار إلى أن مسؤولية بناء جيل إيجابي يستطيع أن يشارك في الحوار ويبدي رأيه ويتخذ قراره تتوزع بين الأسرة والمجتمع والمدرسة ووسائل الإعلام.
وكشفت دراسات حديثة أن إهمال الحوار الأسري يعتبر أحد أسباب بطء نمو الأطفال وعدم قدرتهم على التواصل مع محيطهم الخارجي بالمستوى نفسه الذي يتفاعل به الأطفال الذين عاشوا في أسر تعتمد الحوار وتبادل الرأي وإشراكهم في اتخاذ القرارات الخاصة بهم وبأسرهم.
مسؤولية بناء جيل إيجابي يستطيع أن يشارك في الحوار ويبدي رأيه ويتخذ قراره تتوزع بين الأسرة والمجتمع والمدرسة ووسائل الإعلام
وأثبتت أن الطفل الذي يتم إشراكه في مناقشة القضايا الأسرية ويُؤخذ بوجهة نظره في بعض الأحيان عند اتخاذ القرار يكوّن على ثقة عالية بنفسه انطلاقا من محيطه الأول، وغالبا يكون شخصية قيادية قادرة على تحمل المسؤولية ومبادرا ويسعى إلى مساعدة كل من حوله في محيطه الأسري والاجتماعي.
وأكدت أن القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية هي سلوك يبنى منذ الطفولة، وهذا ما يحتاج إلى دراية من الأهل. وأوضحت أنه عادة ما تتأثر صناعة القرار لدى الطفل بشدة من خلال التوقعات والقيم التي يتعلمها ممن حوله، ومن خلال إتاحة الفرصة له لاتخاذ القرارات وتجربة عواقبها.
ولفتت الدراسة إلى أن إتاحة الوقت للطفل للتفكير قبل التصرف وتشجيعه على ذلك، يساعدانه على التحكم في سلوكه المندفع واتخاذ قرارات أفضل، ويوفران أساسا لتقييم الخيارات من خلال النظر في الأهداف طويلة الأجل وليس فقط في الظروف الطارئة.
وقال المختصون إنه لا يكفي تعليم الطفل اتخاذ القرارات بل لا بد من إتاحة الفرصة له للممارسة من خلال البدء بخيارات بسيطة ومن ثم الانتقال إلى قرارات أكبر وأكثر تعقيدا كلما تحسنت وتطورت مهاراته وقدراته.