التدليل المبالغ فيه للأطفال يهدد جيلا كاملا بالاكتئاب والإحباط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التدليل المبالغ فيه للأطفال يهدد جيلا كاملا بالاكتئاب والإحباط

    التدليل المبالغ فيه للأطفال يهدد جيلا كاملا بالاكتئاب والإحباط


    رضا الطفل عن أحد والديه يصبح مرتبطا بمقدار ما يقدم له من الهدايا.


    إسعاد الأطفال يجب أن يتم بشكل معتدل

    يؤكد خبراء علم النفس أن الإسعاد المبالغ فيه للأطفال يخلف لديهم أزمات لا حصر لها، ما يمكن أن يهدد الجيل القادم بالاكتئاب. ويشيرون إلى أن تلبية كافة طلبات الطفل ليست هي الحل المثالي، بل التحدث معه ومشاركته أحلامه وطموحاته. ويتساءل الخبراء عما سيسعد الأطفال لاحقا إذا تم إسعادهم الآن بوتيرة سريعة؟

    تونس - لم تعد ملاك الهاروني (14 عاما) ترضى بجهاز هاتفها من نوع “سامسونغ”، فمواكبتها للتطور التقني السريع تحتم أن يكون لديها جهاز “آيفون برو 13” مثل صديقاتها، ولا تتردد والدتها في أن تلبي كافة طلباتها، فهي بحكم انشغالها بالعمل وبعدها عنها، دائما ما تشعر بالذنب ولا تريد رفض أي طلب لها مهما كلفها ذلك.

    وتقول والدة ملاك لـ”العرب”، “لم أتعود أن أرفض أي طلب لابنتي وحتى وإن لم تطلب هي مني شيئا معينا فأنا أجلبه لها قبل أن تطلبه هي، وخصوصا في يوم ميلادها”.

    وتضيف أن ذلك يخلق لها مشاكل مع زوجها لكن لا يهم حسب قولها، فسعادة ابنتها أولوية لا يمكن التنازل عنها.

    وليس هذا حال والدة ملاك فقط، بل إن كثيرا من الأمهات والآباء لا يتوانون في تحقيق رغبات أبنائهم بغاية إسعادهم مهما كانت وضعياتهم المادية ودون تردد أو نقاش، فحتى وإن لم يكن الأولياء من ذوي الدخل المرتفع فإنهم يسعون لتوفير الهدايا والهواتف الجوالة الذكية، واشتراك الرحلات والمسابح والألعاب الترفيهية، وحتى الرحلات خارج حدود الوطن.

    الآباء بهذا السلوك يصنعون جيلا مكتئبا، فالأبناء ما إن يكتسبوا شيئا حتى يملوا منه ويصبح إرضاؤهم أمرا صعبا

    ولا يرى عماد الخزري (45عاما) وهو موظف بالقطاع الخاص، بدّا من أن يسعد أطفاله، حتى وإن اقتضى الأمر أن يقترض من المصرف. فابنه البكر يرغب في شراء دراجة نارية من الطراز الرفيع لا يمكن قيادتها إلا برخصة قيادة، وابنه الأصغر يرغب في امتلاك دراجة هوائية لا يقل سعرها عن ألف دينار (300 دولار).

    ويقول الخزري لـ”العرب” إنه “ليس أمامي حل سوى أن ألتجئ إلى المصرف مرة أخرى للاقتراض، فراتبي المتواضع لا يمكنني من شراء ما طلبه أبنائي ولا أريد أن أفضل أحدا عن الآخر فأشتري لهذا وأترك ذاك، فيشعر بالغيرة”.

    ويضيف أن سعادته لا توصف عند إسعاد أطفاله، مشيرا إلى أنه يعلم أن الدراجات لن تكون آخر طلباتهم.

    ويرى خبراء التربية أن هناك مبالغة في تلبية رغبات الأطفال وطلباتهم المتكررة متسائلين عما سيسعدهم لاحقا إذا تم إسعادهم الآن بوتيرة سريعة.

    ويحذر خبراء علم النفس من هذا السلوك ويؤكدون أن سر حدوث هذا الأمر يتلخص في معاناة الأب أو الأم من الشعور بالذنب تجاه الطفل، إذ يؤدي انشغال الأب أو الأم في العمل وعدم وجود الفرصة من أجل إعطاء الطفل حقوقه في الرعاية والتربية إلى تولد الإحساس بالذنب والتقصير، ليحرص الوالدان حينها على تعويض الطفل بالطريقة الخاطئة، المتمثلة في تنفيذ كل ما يطلبه ومهما كان.

    ويحذر خبراء التربية من الاستسلام لمشاعر الذنب التي تشتت الذهن وتدفعه إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء بدلا من إصلاحها، في إشارة إلى أن تلبية طلبات الطفل كافة ليست هي الحل المثالي، بل الجلوس والتحدث معه ومشاركته أحلامه وطموحاته، وإلا عانى الطفل من أزمات لا حصر لها.



    وقال أحمد الأبيض المختص في علم النفس إن سلوك الآباء هذا تجاه الأبناء فيه ظلم لهم، ذلك أنهم سيفاجأون عند غياب السند الأبوي بزوال ما تعودوا عليه وسيجدون أن الحياة ليست سهلة وأن كل شيء ليس في المتناول كما تعودوا على ذلك.

    وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الطفل الذي يتعود على أن تلبى كافة رغباته وطلباته هو مشروع مجرم، وهو مهيأ لارتكاب كل الجرائم من سرقة وتحيل واعتداء على أملاك الغير “فإما أن يكون فاشلا ومكتئبا عاجزا أو أن يعتدي على حرية الآخرين وممتلكاتهم”.

    ونصح الأبيض الأولياء بالابتعاد عن تحقيق الكماليات للأطفال، مشيرا إلى أنه عليهم أن يفهوا أطفالهم أن لديهم أولويات بعيدة المدى وأن ما يشترونه وما يقتنونه يجب أن يكون متلائما مع ميزانياتهم.

    هذا إضافة إلى أنهم بذاك السلوك سوف يصنعون جيلا استهلاكيا، فما إن يكتسبوا شيئا حتى يملوا منه وتصبح مسألة إرضائهم صعبة ما يشعرهم بالاكتئاب.

    وقال دنيس شولمان أحد الاختصاصين في مجال سلوك الأطفال “إن الأطفال يترجمون ردود فعل الوالدين إلى سلوكيّات تمكّنهم من تحقيق ما يريدون”.

    ولذلك من الخطأ الكبير أن يتعوّد الطفل على تلبية طلباته، ومن المفروض أن يسمع الطفل كلمة “لا ” في كثير من الأحيان وسيكفّ عندها عن استخدام الأساليب الملتوية لتحقيق مطالبه.

    ويؤكد خبراء علم النفس أن كثيراً من الإزعاج أفضل من قليل من الانحراف السلوكي، مشيرين إلى أن هناك وسائل كثيرة لإيقاف هذا الإزعاج. لأن الطفل عندما يدرك أن ما يريده يتحقّق بالإزعاج مثلا فإنه يتحوّل إلى طفل مزعج.



    وقال الخبراء إن كثيرا من الآباء والأمهات الذين يمضون ساعات عديدة بعيداً عن البيت سواء في العمل أو غيره يعمدون إلى تعويض أبنائهم عن هذا الغياب بهدايا متكررة وهذا خطأ وفق رأيهم.

    وأضافوا أن سلوكا مثل ذلك لا يجلب الحب للأبناء بقدر ما يربط رضا الطفل عن أحد والديه بمقدار ما يقدم له من الهدايا.

    ويرى الخبراء أنه عندما يعتاد الطفل أن يحصل على كل ما يريد فإنه لن يشعر بقيمة الأشياء والأموال وبالتالي لن يتمكن من الحفاظ عليها لأنه يستطيع شراءها مرّة أخرى إذا رغب.

    كما أن الطفل الذي يحصل على كل ما يريد لن يتقبل فكرة الرفض في ما بعد، وسوف يبدأ في اتباع سلوكيات وردود أفعال خاطئة إذا لم يتمكن من امتلاك ما يرغب به.

    فيمكن أن يصرخ في وجه الأم أو ينفعل في أي مكان متواجد به حتى يحصل على طلباته.

    ولن يقتصر ضرر الطفل على هذه المرحلة من عمره بل سيصبح الأمر صادمًا له في ما بعد عندما يبدأ في الاحتكاك بالأشخاص وتواجهه العقبات، فحينها لن يتمكن من التصرف وسوف يشعر باليأس والإحباط والاكتئاب.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    راضية القيزاني
    صحافية تونسية
يعمل...
X