بحيرة ساوة معجزة حيرت العقول أقرؤها
كثيرة هي المواقع السياحيه والاثريه التي يزخر بها عراقنا الحبيب ومنها بحيرة ساوة الاسطوره التي انقل لكم عنها هذا التقرير المميز
بحيرة في عمق صحراء قاحلة، تحيطها الرمال من كل صوب.. لم تكن ظاهرة للعيان، فلا يكاد يبصرها قاصدها إلا حينما يصبح على أعتابها.. نامت، فغفت في قاعاها أسرار الزمان الغابر، الذي يرفض أن يسبر عن أغوارها!
خلف تلك السدة الغريبة الهيئة، والتي تشبه إلى حد كبير السياج الذي يعلو قرابة الخمسة أمتار، لا شيء يوحي لك بالحياة سوى بقايا أسرار تختزنها قاع تلك البحيرة التي حار في ألغازها أعتى العلماء .. إنها بحيرة ساوة، التي لا شيء يوحي لك بالحياة عندها، سوى بقايا تلك البنايات المهدمة، التي تم تدميرها وتخريبها على يد المحتلين الأميركان، فما أغربه من مكان وما أغربها من بحيرة، وما أبشعه من محتل.!
مشهد ومنظر يندر وجوده، وما أروعه من مشهد، بحيرة تمتد لمسافة بعيدة، وبطول عدة كيلومترات، وعند نهاية البحيرة، وقفت الشمس، لتضيف إلى منظر البحيرة جمالاً، لا يمكن وصفه، وهي تكاد تغرق في نهاية طرفها الثاني.
بحيرة ساوة لها وقع على النفس شديد، فهي تقع في منطقة صحراوية ووسط بحر من الرمال، وهي تبعد قرابة الثلاثين كيلو متراً جنوب غرب مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى.
معجزة إلهية، عجز العلم عن تفسير سرها المحير، حتى باتت طلسماً يحتار فيه العلماء.. يسميها أهل الجيولوجيا ساوة الغريبة، نسبة إلى غرائبها، وساوة العجيبة، تعبيراً عن عجائبها، ويطلقون عليها ساوة الجميلة، فيشبهونها بذلك بامرأة فائقة الجمال.. أودعها الخالق سر الخلود الأبدي في ذاكرة التاريخ، فأصبحت سراً منسياً على مر العصور، خالفت مياهها موازين المنطق، وغادرتها سمات الجغرافية على استحياء، ورفضت الخضوع لمنطق الجيولوجيا، وتحدت كل المفاهيم الفيزيائية، فظلت متمردة على كل قوانين الطبيعة. تعد بحيرة ساوة من أهم المعالم المميزة في العراق، وفي العالم اجمع، وذلك لتكوينها الفريد إلى جانب الظواهر الطبيعية التي صاحبتها..
شكلها يشبه ثمرة الكمثرى، وعند النظر إليها من الجو توحي لك بأنها بطة تبحث عن حياة في وسط الصحراء.. مساحتها الكلية تبلغ أثني عشر كيلو متراً مربعاً ونصف، ويتحول عرضها إلى نصف كيلو متر في أضيق منطقة. أما طولها فيبلغ قرابة الخمسة كيلومترات، وعرضها في أوسع منطقة فيها يبلغ الكيلو مترين.
هذه البحيرة التي تستقر في فوهة كأنها فوهة بركان، عُرفت منذ أربعينيات القرن الماضي كمنطقة سياحية، وتوافد عليها الزائرون، الذين تزايد عددهم بمرور الأيام بعد أن أخذت قصص عجائبها وغرائبها تتداول على الألسن، فشيدت قربها المطاعم التي تم تصميمها على شكل خيام جميلة، والمناطق الترفيهية، والشقق السكنية المعلقة، والكثير من الخدمات لزوارها، حتى طالتها يد المحتل، ليحول كل ذلك إلى أنقاض، وإلى كومة أطلال، وأثراً بعد عين، حقداً منه على كل جميل في أصقاع وادي الرافدين التي حباها الله بالكثير من الخيرات، حتى باتت مطمعاً للمحتلين على اختلاف أشكالهم!
من أغرب البحيرات في العالم، تقع وسط صحراء مترامية الأطراف.. مجهولة المنشأ والتاريخ، يعدها العلماء ظاهرة تستحق الدراسة، ويعتبرها الفرس لعنة أبدية لارتباطها بارتجاج واهتزاز إيوان كسرى، وانطفاء نار المجوس، والمسلمون يعدونها مقدسة، كونها فاضت يوم مولد الرسول، ويقال أنها كانت منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في عهد سيدنا النبي نوح (عليه السلام)، ثم عادت هذه البحيرة فابتلعت المياه من جديد بإذن الله، فيما ينسبها البعض إلى إنها من علامات قيام الساعة، حيث جفاف ماؤها واحد من تلك العلامات، أما اغرب ما قيل عنها بأنها كائن حي، يحس ويتألم، ولكنه لا ينطق، فان نطق فإنما ينطق غرابة!!
حيكت عنها الكثير من الأساطير، ونسج حولها الناس خيوط الخرافات، حتى أمست أغرب معالم العراق، بل والعالم! وتميزت بأنها ظلت عصية على التفسير، حتى أن البعض يراها واحدة من أفلام الرعب أو الخيال العلمي، ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك، فينظرون إليها على أنها أعجوبة ثامنة كان يجب إضافتها إلى عجائب الدنيا الشهيرة.
ذكرها المؤرخون والرواة كثيراً، فقد روي عنها إنها أفاضت الماء يوم ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يقال انه وفي الليلة التي ولد فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اهتز إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، إلى جانب أن بحيرة ساوة قد فاضت.
هذه البحيرة التي تسكنها الأشباح اليوم، كما يقال، ضاع العلماء في تفسير تكوينها ومصادر المياه التي تغذيها، فأحتار الخبراء في سرها ولم يعثروا على حل لغموضها، فهي لا مجرى مائي لها، وذلك أول غرائبها، فلا عيون ماء تغذيها، ولا مجرى سطحي يزودها بالماء.
أعتقد بعض العلماء أن هنالك ينابيع مجهولة تغذيها، ولكن تكون قاعها من الصخور الصلدة، إضافة إلى كون مستوى المياه فيها ثابت، رغم مرور الزمن، فند هذه النظرية، فكيف تتناسب ما تضخّه هذه الينابيع المجهولة مع نسبة التبخر طيلة هذه القرون، كما أن هذه الينابيع، إن وجدت، لا تجد تفسيرا لها، ولاستمراريتها المنتظمة، وسرّ وجودها في هذه الصحراء القاحلة المترامية الأطراف..
ولكي لا تتسرب هذه المياه، وتذوب في رمال الصحراء، كوّنت لنفسها تلقائيا حواجز كلسية، لا يعرف من أين أتت بها هي عبارة عن سياج يحيط بها، لا يُعرف كيف نشأ، أو كيف تكون، أو كيف أوجد نفسه، وما يميز هذا السياج الكلسي هو احتواءه على ظاهرة الكهوف التي تنتشر على طول كتفها، وتبلغ مساحة هذه الكهوف مابين المترين إلى الثلاثة أمتار، إلى جانب أنها تحوي صخوراً ملحية تشبه زهرة القرنابيط توجد داخل البحيرة وعلى مقربة من الكتف الكلسي، ولا احد يعرف كيف حافظت على شكلها كل هذه القرون، وهذه الكهوف الصغيرة والأشكال الكلسية غير المنتظمة تبعث الجمال مع زرقة المياه ونقاء الطبيعة.
ضاربة في القدم حسب ما يقوله الخبراء في مجال المياه والجيولوجيا، ومياها لا يوجد مثيل لها سوى في بحر قزوين، وأنها ربما ترتبط بطريقة أو بأخرى ببحر قزوين، وهو ما دفع ببعثة سوفيتية لزيارتها في العام 1976، لكن علوها عن سطح الأرض، وعن مستوى بحر قزوين، قد فند تلك التخمينات، فهي أعلى من مستوى الأرض المحيطة بها بأكثر من خمسة أمتار، ما جعلها تكون أشبه بوعاء يستقر فوق الأرض، ولا يمكن رؤيتها نتيجة ذلك إلا من مسافة قريبة جداً ولا يمكن أن تبصر ماؤها إلا باعتلائك لسياجها الكلسي، إلى جانب ذلك فإنها ترتفع بأكثر من احد عشر متراً عن مستوى نهر الفرات، لهذا فالناظر إليها لا يشاهد منها أية ملامح، وكل ما يراه هو البقعة المائية "المحدودبة" التي تبدو كالسراب النافر.
أما أبرز غرائبها فهو احتوائها على ظاهرة الإخلاف التي تتميز بها بعض المخلوقات الحيوانية، فقد عُرف عنها إنها تقوم بلحم الأجزاء المتهدمة من سياجها وتعويضها بدون تدخل الإنسان، لهذا شبهها البعض بأنها كائن حيواني وليس جمادي.
أخذت نماذج من مياه البحيرة وأخضعت للتحليلات المختبرية فوجد أن كثافتها تفوق كثافة البحار، كما أن نسبة الملوحة فيها تقدر بحوالي 1600 جزء بالمليون، وهي نسبة عالية جداً، حتى أن هذه النسبة تفوق ملوحة مياه الخليج العربي بمرة ونصف تقريباً، ولا احد يعرف سبب نسبة الأملاح العالية في مياهها هذه!!
يعيش فيها نوع واحد من الأسماء وتكون عمياء بلا عيون وشفافة جداً، حتى انك ترى هيكلها العظمي من وراء الجلد، وطول هذه الأسماك لا يتجاوز العشرة سنتمترات، وهي شحمية سرعان ما تذوب في اليد حين تعرضها إلى أشعة الشمس، والمثير للاستغراب مصدر الغذاء التي تعيش عليه هذه الأسماك، فالبحيرة لا توجد فيها حياة بحرية، فكيف لأسماكها أن تعيش وهي لا تجد ما تأكله أو تتغذى عليه.
ظلت تصارع الصحراء وتقاوم الحرارة، يبلغ عمق بعض من أجزائها أكثر من مائة متر، حتى أن البعض من العلماء اكتشف أن عمقها يصل إلى مائتين وخمسين متراً في بعض الأماكن، وذلك غريب جداً فالخليج العربي لا يتجاوز عمقه المائة متر.
لقد تم مسح البحيرة في مواقع مختلفة، وتم جمع عينات من الماء لتحليل كيميائيته وفيزيائيته، إلى جانب اخذ عينات من قاع البحيرة لمعرفة تركيبة القاع وخصائصه الجيولوجية والكيمائية، فتم لأول مرة مسح مقاطع من البحيرة لرسم شكل القاع الموجود بواسطة أجهزة متطورة، دون أن يتمكن الفريق من التوصل لنتائج تضع النقاط على الحروف، بل أن ذلك زادها تعقيداً أكثر وأكثر، فكل ما توصلت أليه الفرق البحثية هو أن هذه البحيرة فريدة في تكوينها المائي والقاعي في العالم، وأنها لا تشابه البحيرات من حيث التركيبة الكيميائية، حيث أن مياها تمتلك مواصفات خاصة في تراكيز العناصر والايونات، كما أنها لا تشبه مياه البحر من حيث نسبة الملوحة، كما أنها لا تشبه المياه العذبة.
ساوة، تلك البحيرة اللغز، والتي تكونت عبر عصور غابرة، وأقترن بريقها بخضرة مدهشة زادتها تألقاً وجمالاً، وتنعكس فوقها أشعة الشمس عمودية لتضيء ما في جوفها من أسرار، هذه البحيرة التي كانت تعد يوماً مركزاً لعلاج مختلف أنواع الأمراض الجلدية، نتيجة طبيعة مياهها، باتت اليوم تبحث عمن يعالجها من جراحات المحتل، ذلك المحتل البشع، الذي ذبحها بغير سكين، ليجعلها اليوم تبدو مهجورة تماماً، فلا زائر لها، وليس فيها أو قربها أي حياة، ولا أماكن للاسترخاء أو المشاهدة، ولا محلات أو مطاعم أو فنادق قربها، ولا خدمات، بل أن من يذهب إليها يموت عطشاً وقربه الماء، ما أضاف ذلك إلى موتها موت جديد!
تنويه *المقال منقول
كثيرة هي المواقع السياحيه والاثريه التي يزخر بها عراقنا الحبيب ومنها بحيرة ساوة الاسطوره التي انقل لكم عنها هذا التقرير المميز
بحيرة في عمق صحراء قاحلة، تحيطها الرمال من كل صوب.. لم تكن ظاهرة للعيان، فلا يكاد يبصرها قاصدها إلا حينما يصبح على أعتابها.. نامت، فغفت في قاعاها أسرار الزمان الغابر، الذي يرفض أن يسبر عن أغوارها!
خلف تلك السدة الغريبة الهيئة، والتي تشبه إلى حد كبير السياج الذي يعلو قرابة الخمسة أمتار، لا شيء يوحي لك بالحياة سوى بقايا أسرار تختزنها قاع تلك البحيرة التي حار في ألغازها أعتى العلماء .. إنها بحيرة ساوة، التي لا شيء يوحي لك بالحياة عندها، سوى بقايا تلك البنايات المهدمة، التي تم تدميرها وتخريبها على يد المحتلين الأميركان، فما أغربه من مكان وما أغربها من بحيرة، وما أبشعه من محتل.!
مشهد ومنظر يندر وجوده، وما أروعه من مشهد، بحيرة تمتد لمسافة بعيدة، وبطول عدة كيلومترات، وعند نهاية البحيرة، وقفت الشمس، لتضيف إلى منظر البحيرة جمالاً، لا يمكن وصفه، وهي تكاد تغرق في نهاية طرفها الثاني.
بحيرة ساوة لها وقع على النفس شديد، فهي تقع في منطقة صحراوية ووسط بحر من الرمال، وهي تبعد قرابة الثلاثين كيلو متراً جنوب غرب مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى.
معجزة إلهية، عجز العلم عن تفسير سرها المحير، حتى باتت طلسماً يحتار فيه العلماء.. يسميها أهل الجيولوجيا ساوة الغريبة، نسبة إلى غرائبها، وساوة العجيبة، تعبيراً عن عجائبها، ويطلقون عليها ساوة الجميلة، فيشبهونها بذلك بامرأة فائقة الجمال.. أودعها الخالق سر الخلود الأبدي في ذاكرة التاريخ، فأصبحت سراً منسياً على مر العصور، خالفت مياهها موازين المنطق، وغادرتها سمات الجغرافية على استحياء، ورفضت الخضوع لمنطق الجيولوجيا، وتحدت كل المفاهيم الفيزيائية، فظلت متمردة على كل قوانين الطبيعة. تعد بحيرة ساوة من أهم المعالم المميزة في العراق، وفي العالم اجمع، وذلك لتكوينها الفريد إلى جانب الظواهر الطبيعية التي صاحبتها..
شكلها يشبه ثمرة الكمثرى، وعند النظر إليها من الجو توحي لك بأنها بطة تبحث عن حياة في وسط الصحراء.. مساحتها الكلية تبلغ أثني عشر كيلو متراً مربعاً ونصف، ويتحول عرضها إلى نصف كيلو متر في أضيق منطقة. أما طولها فيبلغ قرابة الخمسة كيلومترات، وعرضها في أوسع منطقة فيها يبلغ الكيلو مترين.
هذه البحيرة التي تستقر في فوهة كأنها فوهة بركان، عُرفت منذ أربعينيات القرن الماضي كمنطقة سياحية، وتوافد عليها الزائرون، الذين تزايد عددهم بمرور الأيام بعد أن أخذت قصص عجائبها وغرائبها تتداول على الألسن، فشيدت قربها المطاعم التي تم تصميمها على شكل خيام جميلة، والمناطق الترفيهية، والشقق السكنية المعلقة، والكثير من الخدمات لزوارها، حتى طالتها يد المحتل، ليحول كل ذلك إلى أنقاض، وإلى كومة أطلال، وأثراً بعد عين، حقداً منه على كل جميل في أصقاع وادي الرافدين التي حباها الله بالكثير من الخيرات، حتى باتت مطمعاً للمحتلين على اختلاف أشكالهم!
من أغرب البحيرات في العالم، تقع وسط صحراء مترامية الأطراف.. مجهولة المنشأ والتاريخ، يعدها العلماء ظاهرة تستحق الدراسة، ويعتبرها الفرس لعنة أبدية لارتباطها بارتجاج واهتزاز إيوان كسرى، وانطفاء نار المجوس، والمسلمون يعدونها مقدسة، كونها فاضت يوم مولد الرسول، ويقال أنها كانت منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في عهد سيدنا النبي نوح (عليه السلام)، ثم عادت هذه البحيرة فابتلعت المياه من جديد بإذن الله، فيما ينسبها البعض إلى إنها من علامات قيام الساعة، حيث جفاف ماؤها واحد من تلك العلامات، أما اغرب ما قيل عنها بأنها كائن حي، يحس ويتألم، ولكنه لا ينطق، فان نطق فإنما ينطق غرابة!!
حيكت عنها الكثير من الأساطير، ونسج حولها الناس خيوط الخرافات، حتى أمست أغرب معالم العراق، بل والعالم! وتميزت بأنها ظلت عصية على التفسير، حتى أن البعض يراها واحدة من أفلام الرعب أو الخيال العلمي، ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك، فينظرون إليها على أنها أعجوبة ثامنة كان يجب إضافتها إلى عجائب الدنيا الشهيرة.
ذكرها المؤرخون والرواة كثيراً، فقد روي عنها إنها أفاضت الماء يوم ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يقال انه وفي الليلة التي ولد فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اهتز إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، إلى جانب أن بحيرة ساوة قد فاضت.
هذه البحيرة التي تسكنها الأشباح اليوم، كما يقال، ضاع العلماء في تفسير تكوينها ومصادر المياه التي تغذيها، فأحتار الخبراء في سرها ولم يعثروا على حل لغموضها، فهي لا مجرى مائي لها، وذلك أول غرائبها، فلا عيون ماء تغذيها، ولا مجرى سطحي يزودها بالماء.
أعتقد بعض العلماء أن هنالك ينابيع مجهولة تغذيها، ولكن تكون قاعها من الصخور الصلدة، إضافة إلى كون مستوى المياه فيها ثابت، رغم مرور الزمن، فند هذه النظرية، فكيف تتناسب ما تضخّه هذه الينابيع المجهولة مع نسبة التبخر طيلة هذه القرون، كما أن هذه الينابيع، إن وجدت، لا تجد تفسيرا لها، ولاستمراريتها المنتظمة، وسرّ وجودها في هذه الصحراء القاحلة المترامية الأطراف..
ولكي لا تتسرب هذه المياه، وتذوب في رمال الصحراء، كوّنت لنفسها تلقائيا حواجز كلسية، لا يعرف من أين أتت بها هي عبارة عن سياج يحيط بها، لا يُعرف كيف نشأ، أو كيف تكون، أو كيف أوجد نفسه، وما يميز هذا السياج الكلسي هو احتواءه على ظاهرة الكهوف التي تنتشر على طول كتفها، وتبلغ مساحة هذه الكهوف مابين المترين إلى الثلاثة أمتار، إلى جانب أنها تحوي صخوراً ملحية تشبه زهرة القرنابيط توجد داخل البحيرة وعلى مقربة من الكتف الكلسي، ولا احد يعرف كيف حافظت على شكلها كل هذه القرون، وهذه الكهوف الصغيرة والأشكال الكلسية غير المنتظمة تبعث الجمال مع زرقة المياه ونقاء الطبيعة.
ضاربة في القدم حسب ما يقوله الخبراء في مجال المياه والجيولوجيا، ومياها لا يوجد مثيل لها سوى في بحر قزوين، وأنها ربما ترتبط بطريقة أو بأخرى ببحر قزوين، وهو ما دفع ببعثة سوفيتية لزيارتها في العام 1976، لكن علوها عن سطح الأرض، وعن مستوى بحر قزوين، قد فند تلك التخمينات، فهي أعلى من مستوى الأرض المحيطة بها بأكثر من خمسة أمتار، ما جعلها تكون أشبه بوعاء يستقر فوق الأرض، ولا يمكن رؤيتها نتيجة ذلك إلا من مسافة قريبة جداً ولا يمكن أن تبصر ماؤها إلا باعتلائك لسياجها الكلسي، إلى جانب ذلك فإنها ترتفع بأكثر من احد عشر متراً عن مستوى نهر الفرات، لهذا فالناظر إليها لا يشاهد منها أية ملامح، وكل ما يراه هو البقعة المائية "المحدودبة" التي تبدو كالسراب النافر.
أما أبرز غرائبها فهو احتوائها على ظاهرة الإخلاف التي تتميز بها بعض المخلوقات الحيوانية، فقد عُرف عنها إنها تقوم بلحم الأجزاء المتهدمة من سياجها وتعويضها بدون تدخل الإنسان، لهذا شبهها البعض بأنها كائن حيواني وليس جمادي.
أخذت نماذج من مياه البحيرة وأخضعت للتحليلات المختبرية فوجد أن كثافتها تفوق كثافة البحار، كما أن نسبة الملوحة فيها تقدر بحوالي 1600 جزء بالمليون، وهي نسبة عالية جداً، حتى أن هذه النسبة تفوق ملوحة مياه الخليج العربي بمرة ونصف تقريباً، ولا احد يعرف سبب نسبة الأملاح العالية في مياهها هذه!!
يعيش فيها نوع واحد من الأسماء وتكون عمياء بلا عيون وشفافة جداً، حتى انك ترى هيكلها العظمي من وراء الجلد، وطول هذه الأسماك لا يتجاوز العشرة سنتمترات، وهي شحمية سرعان ما تذوب في اليد حين تعرضها إلى أشعة الشمس، والمثير للاستغراب مصدر الغذاء التي تعيش عليه هذه الأسماك، فالبحيرة لا توجد فيها حياة بحرية، فكيف لأسماكها أن تعيش وهي لا تجد ما تأكله أو تتغذى عليه.
ظلت تصارع الصحراء وتقاوم الحرارة، يبلغ عمق بعض من أجزائها أكثر من مائة متر، حتى أن البعض من العلماء اكتشف أن عمقها يصل إلى مائتين وخمسين متراً في بعض الأماكن، وذلك غريب جداً فالخليج العربي لا يتجاوز عمقه المائة متر.
لقد تم مسح البحيرة في مواقع مختلفة، وتم جمع عينات من الماء لتحليل كيميائيته وفيزيائيته، إلى جانب اخذ عينات من قاع البحيرة لمعرفة تركيبة القاع وخصائصه الجيولوجية والكيمائية، فتم لأول مرة مسح مقاطع من البحيرة لرسم شكل القاع الموجود بواسطة أجهزة متطورة، دون أن يتمكن الفريق من التوصل لنتائج تضع النقاط على الحروف، بل أن ذلك زادها تعقيداً أكثر وأكثر، فكل ما توصلت أليه الفرق البحثية هو أن هذه البحيرة فريدة في تكوينها المائي والقاعي في العالم، وأنها لا تشابه البحيرات من حيث التركيبة الكيميائية، حيث أن مياها تمتلك مواصفات خاصة في تراكيز العناصر والايونات، كما أنها لا تشبه مياه البحر من حيث نسبة الملوحة، كما أنها لا تشبه المياه العذبة.
ساوة، تلك البحيرة اللغز، والتي تكونت عبر عصور غابرة، وأقترن بريقها بخضرة مدهشة زادتها تألقاً وجمالاً، وتنعكس فوقها أشعة الشمس عمودية لتضيء ما في جوفها من أسرار، هذه البحيرة التي كانت تعد يوماً مركزاً لعلاج مختلف أنواع الأمراض الجلدية، نتيجة طبيعة مياهها، باتت اليوم تبحث عمن يعالجها من جراحات المحتل، ذلك المحتل البشع، الذي ذبحها بغير سكين، ليجعلها اليوم تبدو مهجورة تماماً، فلا زائر لها، وليس فيها أو قربها أي حياة، ولا أماكن للاسترخاء أو المشاهدة، ولا محلات أو مطاعم أو فنادق قربها، ولا خدمات، بل أن من يذهب إليها يموت عطشاً وقربه الماء، ما أضاف ذلك إلى موتها موت جديد!
تنويه *المقال منقول