الوثائقي"ولد في غزة"..الحقيقة يرويها الاطفال:نريد ان نعيش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوثائقي"ولد في غزة"..الحقيقة يرويها الاطفال:نريد ان نعيش

    الوثائقي"ولد في غزة"..الحقيقة يرويها الاطفال:نريد ان نعيش
    معد فياض
    يقدم الفيلم الوثائقي الاسباني"ولد في غزة"، كتابة وسيناريو وتصوير الصحافي، الارجنتيني من اصل ايطالي، هيرنان زين، الذي يعرض حاليا على منصة نيتفليكس Netflex، وعلى مدى 78 دقيقة، الحدث كبطل واقعي ومن خلال قصص يرويها عشرة اطفال فلسطينيين يعيشون في غزة تحت القصف الاسرائيلي عام 2014. الاحداث لا تختلف عما يجري راهنا سوى ان قسوة القصف حاليا اكبر، ورغبة القتل اعظم، وعدد الضحايا، من الاطفال خاصة، أكثر مما كانت عليه.
    تم تصوير الفيلم أثناء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بين يوليو وأغسطس 2014. يتتبع الفيلم عشرة أطفال فلسطينيين يروون كيف تبدو حياتهم اليومية وسط القنابل وكيف يكافحون للتغلب على الحصار. رعب الحرب وإضفاء لمسة من الحياة الطبيعية على حياتهم. إنهم المتحدثون الرسميون باسم 507 أطفال قتلوا وأكثر من 3000 جريح خلفهم الهجوم الإسرائيلي.
    في تموز 2014، انتشرت صور الغارة التي شنتها البوارج الاسرائيلية في البحر المتوسط على شاطئ غزة على ثمانية اطفال كانوا يلعبون كرة القدم هناك والتي أسفرت عن مقتل أربعة منهم واصابة الاربعة الآخرين بجروح بليغة. لم يكونوا ارهابيين او جهاديين او يحملون البنادق، بل مجرد اطفال يلعبون كرة القدم على شاطئ البحر مثلهم مثل غيرهم من اطفال فرنسا او ايطاليا او اسبانيا واليونان الذين يلعبون بسلام ومتعة على شواطئ ذات البحر، المتوسط، الذي قتل على ساحله الاطفال الفلسطينيين الاربعة.
    هذه الصورة انتشرت عالميا، مما دفع المراسل الصحفي وصانع الافلام المخرج الإسباني هيرنان زين إلى السفر جواً وتصوير فيلم وثائقي عن محنة أطفال فلسطين. والنتيجة كانت فيلم "ولد في غزة"، وهو سجل قوي ومحبط لا محالة عن وحشية اسرائيل.
    "ولد في غزة" فيلم وثائقي ملتزم بالجوانب الاجتماعية والإنسانية بطريقة حميمة. إنه يظهرها بشكل صارخ، دون تعقيدات، موثقة من قبل الأبطال. الأبطال هنا ليسوا أولئك الذين يحملون أسلحة الإبادة، بل أولئك الذين يعانون من العواقب. وكما يحدث دائمًا، فإن أولئك الذين يشنون الحرب هم بالتأكيد في مكان آمن، ويكسبون المال من مبيعات الأسلحة وربما أي شيء آخر. إنها دعوة للتأمل واتخاذ موقف ملموس. الواقع القاسي الذي يزعجك، يُنظر إليه من منظور الطفل ويرتبط به، والذي يعيش منذ ولادته في عالم ملغوم بالمجاعة والحاجة والتهديد بسبب الحصار البري والجوي والبحري، مثلما يعلق باسى احد الاطفال"هذه مو عيشة"، وكذلك بالقصف الوحشي الذي يستهدف الاحياء السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس بلا سبب، بلا أفق، حيث الهشاشة التي تهرب منك الحياة هي واقع كل يوم ولا مفر منه.
    يمكن تقديم مبررات كثيرة للمواجهة، لكن لا يوجد مبرر لتفسيرها. وكما يقول المخرج زين: "أردت أن أعرض رؤية أعمق للحرب، مع الجروح الجسدية والنفسية، وفقدان الصديق، أو العائلة، أو منزلك، كل هذا جرح يبقى في الداخل.. أنا أردت أن يبقى المتفرج قريبا الى الطفل، الضحية". معلقا على مهاجمة اسرائيل الاطفال على شاطئ البحر:"إنهم يعرفون جيداً أنه عبر البحر الأبيض المتوسط، كان الأطفال في إسبانيا وإيطاليا واليونان يلعبون على الشاطئ بسلام".
    لم يتعمد الكاتب والمخرج زين اي مخطط مسبق او سيناريو ملفق او اشراك اي ممثلة او ممثل، بل استند الى الحقائق والاحداث بكل مصداقيتها وترك الاطفال الضحايا يدلون بافاداتهم كما هي بلا تزويق او تهويل، يقولون ما عاشوه وما يعانوه حاليا.
    يقول حمادة، 13 عاما، "كنا ثمانية أطفال على الشاطئ. جئنا للعب كرة القدم، ثم بدأ القصف. قُتل أربعة منا، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشرة. وأصيب معتصم، 11 عاماً، وأنا. يؤكد معتصم: "قد أحتاج إلى السفر إلى الخارج لإجراء عملية جراحية..لدي شظايا في ظهري ويدي ورجلي". لكن الأسوأ من الإصابات الجسدية هي تلك النفسية. يستطرد، معتصم، قائلا: "أقول لأمي كل يوم أنني أريد أن أموت". .منذ بضعة أيام، حاولت القفز من الشباك اردت الانتحار، لكن أختي أمسكت بي."
    من بين الأطفال الآخرين الذين أصيبوا أثناء الحصار بيسان، طفلة جميلة وذكية تبلغ من العمر ست سنوات. تم قصف منزلها، مما أسفر عن مقتل والديها وتركها محروقة بشدة. وهي الآن بحاجة للسفر إلى الخارج لإجراء عملية جراحية لعينيها وحاجبها الايسر اذ يصعب عليها غلق جفنها، كما تعاني بيسان من اضطراب ما بعد الصدمة، وتجد صعوبة متزايدة في التواصل مع الآخرين. تقول إحدى صديقاتها: "إنها لا تتحدث إلينا عما حدث". "إذا سألها أحد، تغضب". ويكافح عدي، تسعة أعوام، ورجاف، 13 عامًا، أيضًا للتعامل مع وفاة أقاربهما. رأى عدي شقيقه الأكبر، 22 سنة، وقد تمزق بفعل قنبلة، يقول: " كان اقرب الناس لي والان فقدته كانت أكبر قطعة متبقية منه بهذا الحجم"، قال وهو يشير بيديه.ولم يفهم رجاف سبب قتل والده سائق سيارة الاسعاف الذي يناضل من اجل الوصول الى الجرحى وتقلهم الى المستشفى لانقاذهم من الموت. كان والد رجاف أحد سائقي سيارات الإسعاف الستة من اصل13 مسعفًا قتلوا أثناء إنقاذ الناس خلال الهجوم.يقول: "لم نعتقد قط أنه سيتعرض للقصف في سيارة الإسعاف"، ويتسائل :" هل سمعتم او عرفتم ان سيارات الاسعاف تستهدف في اي حرب في العالم؟..كان قريبا مني وتربطنا علاقة هي اكثر من علاقة اب بابنه".
    "الوضع معقد حقًا.. لدينا حرب كل عامين"، يقول محمد، 13 عامًا. مستطردا:"كثيرًا ما أفكر في وضعنا ولا أرى النهاية أبدًا". ولا يجد محمد، الذي ترك مدرسته لاعالة اسرته عن طريق جمع العلب والقناني البلاستيكية من مكبات القمامة ليبيعها ويقبض 5 شيكل يوميا، وهو مبلغ بسيط للغاية لكنه يعين عائلته على مقاومة الجوع، اي أمل في تحسين واقعه او وضع عائلته، فهو يتمنى ان يعمل مع صيادي الاسماك، لكن هؤلاء غالبا ما يتعرضون للقصف من قبل البارجات الاسرائيلية، ولا تسمح للغزاويين سوى الصيد في مسافة 9 كيلومترات عن ساحل غزة، وهذه المنطقة البحرية لا تتوفر فيها الاسماك". يقول:"كثيرًا ما أفكر في وضعنا ولا أرى النهاية أبدًا فالوضع معقد حقا ".ويشكو من اصابته بعدة امراض:"لا املك الفلوس لشراء قفازات تقيني اثناء جمع البلاستيك من الزبالة، ولا ملابس خاصة"، يصمت ثم يقول:"انا اريد ان اعيش مثل كل الاطفال، ادرس واتعلم واشعر بالامان مع عائلتي".
    تشير التقديرات إلى أن 400,000 طفل في غزة في حاجة ماسة إلى المساعدة النفسية. ويبدو أن العنف يديم نفسه. حمادة مصدوم مما حدث على الشاطئ في ذلك اليوم المشؤوم، يقول:"كل شيء مسكر(مغلق) برا وجوا وبحرا، هذه مو عيشة، انا تركت مدرستي لاقدم الشاي في مقهى.. انا طفل واحلم ان اعيش مثل بقية الاطفال في العالم". ويحلم بالانتقام، فالعنف لا يلد الا العنف، يقول: " عندما أكبرأريد الانضمام إلى المقاومة وتحقيق العدالة لأبناء عمومتي".
    "نحن نزرع الخضروات وليس القنابل فلماذا يقصفوننا؟"، يقول احد الاطفال وهو يتفقد ما تبقى من مزرعتهم التي جرفتها قوات الاحتلال الاسرائيلي. في عام 2014، تاريخ انتاج الفيلم كان هناك 80٪ من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ناهيك عن نسبة قاتمة تبلغ 45٪ وهذا كان معدل البطالة في تلك المنطقة، وتسببت هذه الهجمات في مغادرة حوالي 24000 مزارع وخسارة مزارعهم، وتأثر 42000 فدان من الأراضي الزراعية.
    هناك ايضا البنت ملاك التي اصابتها شضية ببطنها قرب مدرستها وادت الى تدلي امعائها خارج جسدها وما تزال تعاني بعد اجراء العملية لها من متاعب صحية ونفسية، وهي تحلم ان تكون طبيبة بالرغم من اصابتها بمرض السرطان.
    تتحدث هذه الفتاة عن ظروف معيشتهم الصعبة للغايى:"نقيم في بناية مدرسة ترفع علم الامم المتحدة(الانوروا)، ولم تسلم من القصف الاسرائيلي، ليست هناك خصوصية بسبب ضيق المساحة وشحة المياه والطعام".
    فيلم "ولد في غزة" يقدم نظرة عميقة، بغض النظر عن المناقشات السياسية، لكيفية تغيير العنف لحياة عشرة أطفال. رؤية إنسانية عميقة للحرب وعواقبها. بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، يعود المخرج للقاء الاطفال ذاتهم ليسجل اوضاعهم مما يسمح لنا برؤية ما حدث لهم مع تسليط الضوء على كفاحهم للتغلب على الفظائع التي عانوا منها واستعادة بعض الحياة الطبيعية في حياتهم. من خلال لقطات المراقبة والمقابلات، يقدم هيرنان زين، بحساسية، قصصًا فردية تتجاوز التغطية الإخبارية للأحداث وتتيح للأطفال فرصة الاستماع إليهم. ومن خلال القيام بذلك، فإنه يوفر أيضًا مساحة للحوار والشفاء، لكننا نجدهم، الاطفال، ما يزالون يرددون ذات الاراء، انهم يجمعون على مطلب واحد تقريبا:"نريد ان نعيش مثلما بقية الاطفال في العالم، نريد ان نشعر بالامان، نريد ان نذهب الى المدارس، ان تكون لنا حياة وعوائل وبيوت آمنة".
    مخرج فيلم"ولد في غزة"،هيرنان زين، هو مراسل حربي وكاتب ومنتج وصانع أفلام من أصل إيطالي أرجنتيني مقيم في مدريد بإسبانيا. منذ عام 1994، سافر حول العالم لإخراج الأفلام الوثائقية وكتابة الكتب والمساهمة في منافذ الأخبار، عمل في أكثر من 80 دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. الحرب والفقر والبيئة وحقوق الإنسان هي الموضوعات الرئيسية لعمله. تم عرض أفلامه الوثائقية من قبل عشرات المنصات والمحطات التلفزيونية حول العالم. ونشرت كتبه في أكثر من 20 دولة.
    زين تحدث عن فيلمه الوثائقي"ولد في غزة"، موضحا بإنه يريد إظهار جانب مختلف من الحرب: "أحيانًا أشعر أننا نركض دائمًا والكاميرا خلفنا، كما تعلمون.. ولهذا السبب أقول حسنًا، سأفعل العكس تمامًا. منظور مختلف. لا قنابل ولا جثث. وثانيا، ببطء شديد. وعلى الرغم من أننا كنا في منتصف الحرب، فقد حاولنا الدخول إلى الناس، لأنني أعتقد أن عواقب الحرب موجودة داخل الناس إننا نفتقد ذلك في الصحافة العادية".
    و في إشارة إلى المشاهد الخطرة تحت القصف الاسرائيلي، قال زين: "كنت أشبه برجل مجنون إلى حد ما... كان هناك صحفيون آخرون، يركضون في اتجاه واحد نحو القنابل بالسترة الواقية من الرصاص والخوذة، وكنت انا أسير في الاتجاه الآخر بملابس السباحة التي أرتديها"، خلال مشاهد إطلاق النار من قبل الاسرائليين في عرض البحر قبالة شواطئ غزة.
    يقول حول اختياره للموضوع، اي تصوير فيلم وثائقي عن معاناة الاطفال انه:" تم إنشاء الفيلم حول مجموعة من المقابلات الصريحة مع مجموعة من الأطفال الذين تأثروا بشدة بالنزاع..لم أكن متأكدا تمامًا مما إذا كان هذا سينجح، إذا كان لديهم ما يكفي من الكلام للاحتفاظ بفيلم مدته 70 دقيقة، فقط بأصواتهم وأفكارهم..لكن الأمر نجح".مضيفا:"لقد ترجمنا كل شيء ثلاث مرات لأنني كنت متفاجئًا للغاية، فكيف يتحدثون بهذه الطريقة؟.. إنهم يريدون أن يأخذوا الأمور بأيديهم، لأنهم عندما ينظرون إلى آبائهم وأجدادهم، يعتقدون بطريقة ما أنهم لم يحموهم". وحول رأي الاطفال بالمنظمات الفلسطينية المسلحة، مثل حماس وفتح، قال زين: "إنهم ليسوا سعداء بقادتهم.. أحياناً يلقي الفلسطينيون اللوم على قادتهم أولاً ثم على الاسرائيليين".
    كان زين يشعر بالالتزام بعرض الفيلم لأكبر عدد ممكن من الجماهير، من كندا إلى الهند، ويرغب أيضًا في رؤية الفيلم معروضًا في إسرائيل.قال: "هناك مجموعة كبيرة من الإسرائيليين الذين يرغبون في رؤية هذا..أود أن يرى الناس هذا قبل المرة القادمة التي يشعرون فيها بالرغبة في إطلاق الصواريخ على غزة مرة أخرى".
    لكن فيلم"ولد في غزة" الذي يفضح الفضائع التي تعرض لها الاطفال والنساء وبقية شرائح المجتمع الغزاوي لم يمنع اسرائيل من معاودة الهجوم مرات عديدة اخرى، وآخرها ما يحدث حاليا من مجازر امام اعين العالم، فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الاثنين، 10 أكتوبر 2023، أن إجمالي عدد الضحايا في قطاع غزة، ارتفع إلى 5087 ضحية، وإصابة 15 ألفاً و273 شخصاً منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على القطاع.
    وأوضحت الوزارة أن من بين الوفيات 2055 طفلاً و1119 امرأة و217 مسناً، مشيرة إلى وفاة 436 فلسطينياً بينهم 182 طفلاً في الضربات الإسرائيلية على القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية. وبلغ عدد ضحايا الحرب من الصحافيين 23 صحافيا خلال 15 يوما، بالإضافة لإصابة 8 وتسجيل 3 آخرين مفقودين أو معتقلين، بحسب اللجنة الدولية لحماية الصحفيين.
    فيلم"ولد في غزة" رشح ونال عدة جوائز عالمية، منها أفضل فيلم وثائقي في مهرجان جوائز غويا الاسباني عام 2014، وكذلك في مهرجان بلاتينو عام 2015، وفي ذات العام رشح كافضل فيلم وثائقي في مهرجان جوائز فوركي.
يعمل...
X