قناص (تلّ ـ)
موقع أثري على الضفة اليمنى لنهر الفرات الأوسط في سورية. نُقب في السبعينيات من القرن العشرين من قبل بعثة بلجيكية بإدارة أندريه فينيه A.Finet، وتمّ الكشف فيه عن آثار استيطان امتد بين الألف الرابع والألف الثاني ق.م.
تعود مرحلة الاستيطان الأول إلى نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث ق.م، وقد وُجد من هذا العصر مجمع معماري ضخم يتألف من ثلاثة معابد، هي المعبد الشرقي والمعبد الشمالي والمعبد الجنوبي. بُني المعبدان الشرقي والشمالي وفق المخطط الثلاثي العناصرtri-partite، أي صالة مركزية في الوسط تحيط بها من الجانبين صالتان تضمان غرفاً أصغر، في حين تألف مخطط المعبد الجنوبي من صالة عبادة واحدة. وقد ربطت بين المعبد الجنوبي والمعبدين الشرقي والشمالي المتجاورين مستودعات كبيرة. حملت هذه المعابد كل الصفات المميزة للعمارة الدينية السومرية المعروفة من عصر أوروك (الوركاء)، سواء من حيث مخططاتها أم تنفيذ جدرانها التي تدعمها العضادات والأخاديد، إضافة إلى توزّع المحاريب ومنصّات التضحية وغيرها. وهناك المسامير الطينية والحجرية الملونة التي زينت جدران هذه المعابد، كما هو معروف في جنوبي بلاد الرافدين.
كُشف في المستوطنة عن كميات كبيرة من الأواني الفخارية، بعضها مستورد وأكثرها مصنَّع محلياً، مع أن مساحة التنقيب المحددة لم تساعد على الكشف عن مشاغل تصنيع الفخار. تباينت هذه الأواني بين الأنواع العادية ذات الاستخدام اليومي، مثل «الآنية الناقوسية» والأواني ذات النوعية الجيدة والمزخرفة، التي خُصصت للاستخدام الخاص في المراسم الدينية أو الاجتماعية، بينها جرار من الألباسترalabaster (نوع من المرمر) الجميل ذات المثاعب. صُنعت الأواني إما باليد أو باستخدام الدولاب، وحمل بعضها إشارات غريبة، يمكن أن تكون نوعاً من الكتابة التي تدل على محتوياتها، كالجرار الكبيرة التي خُزنت فيها مختلف أنواع الحبوب والبضائع، وحملت طبعات أختام حددت مصدر هذه الجرار وملكيتها. وقد وُجدت الأختام، وطبعاتها أيضاً على أبواب البيوت وعلى سدادات الجرار وأغطيتها، وعبّرت عن الموضوعات المتداولة في ذلك العصر، مثل الأعمال اليوميّة للرجال في الصيد والحرب، والحيوانات المفترسة وهي تهاجم قطعان الماشية، وهناك مشاهد الناس الذين يقومون على خدمة الكهنة والمعبد، وتجسيد المخلوقات الغريبة كالنسر برأس أسد أو غير ذلك.
قطع «النقود» من المكتشفات المتميزة في التل، وهي عبارة عن قطع صغيرة من الطين والحجر ذات أشكال متنوعة، دائرية، مخروطية، بيضوية، هرمية، مغزلية أو غيرها، بعضها مثقوب. وُجدت بعض هذه القطع داخل كرات طينية، وتبين أنها ذات وظيفة حسابية لمعرفة كمية البضاعة ونوعها بعد كسر هذه الكرات واستخراج الحصى منها. نُقش أحياناً شكل القطعة «النقدية» على سطح الكرة الطينية؛ لتشير إلى البضاعة من دون الحاجة إلى كسر الكرة، ويمثل هذا النوع من اللقى أحد أقدم أساليب الحساب المالي، وقد سبق ابتكار الكتابة ببضع مئات من السنين. وقد أعطت المستوطنة أدوات زراعية حجرية وأدوات عظمية وحلياً من الصدف والقواقع وأحجار مقاليع وغير ذلك.
ازدهر تل قناص في مرحلة حساسة في تاريخ تطور حضارات الشرق القديم، هي عصر «الثورة العمرانية» urban revolution، ودلت كل المعطيات على أن الموقع كان مستعمرة سومرية خالصة أقامها السومريون في سورية؛ لتكون صلة وصل بين بلادهم في الجنوب الرافدي، وبين بلاد الشام والأناضول، ولم تعمر لأكثر من قرن من الزمن، فقد خُربت وهُجرت، مثلها مثل عارودة وحبوبة الكبيرة.
أُعيد استخدام الموقع كمقبرة في العصر الأكادي في النصف الثاني للألف الثالث ق.م، وأصبح هذا الاستخدام أكثر أهمية في نهاية الألف الثالث ومطلع الألف الثاني ق.م؛ حيث كُشف عن بناء ضخم هو قصر يحميه سور دفاعي، ويتألف من عدد من الغرف للسكن أو لممارسة العبادة والطقوس، بعض الغرف مبلط. ووُجدت في القصر مشاغل تصنيع الفخار ودمى إنسانية وحيوانية متنوعة، بينها فرسان على أحصنة ورؤوس حيوانات، وهناك نماذج بيوت سكنية. تعرض هذا القصر لحريق كبير يرجح أنه أتى على يد الأموريين الذين تحركوا من الغرب، وأطاحوا بالعديد من المدن والممالك الرافدية، وهكذا هُجر الموقع لأكثر من ألفي سنة تالية ولم يُستخدم إلا مقبرة في العصر الروماني والإسلامي.
سلطان محيسن
تعود مرحلة الاستيطان الأول إلى نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث ق.م، وقد وُجد من هذا العصر مجمع معماري ضخم يتألف من ثلاثة معابد، هي المعبد الشرقي والمعبد الشمالي والمعبد الجنوبي. بُني المعبدان الشرقي والشمالي وفق المخطط الثلاثي العناصرtri-partite، أي صالة مركزية في الوسط تحيط بها من الجانبين صالتان تضمان غرفاً أصغر، في حين تألف مخطط المعبد الجنوبي من صالة عبادة واحدة. وقد ربطت بين المعبد الجنوبي والمعبدين الشرقي والشمالي المتجاورين مستودعات كبيرة. حملت هذه المعابد كل الصفات المميزة للعمارة الدينية السومرية المعروفة من عصر أوروك (الوركاء)، سواء من حيث مخططاتها أم تنفيذ جدرانها التي تدعمها العضادات والأخاديد، إضافة إلى توزّع المحاريب ومنصّات التضحية وغيرها. وهناك المسامير الطينية والحجرية الملونة التي زينت جدران هذه المعابد، كما هو معروف في جنوبي بلاد الرافدين.
كُشف في المستوطنة عن كميات كبيرة من الأواني الفخارية، بعضها مستورد وأكثرها مصنَّع محلياً، مع أن مساحة التنقيب المحددة لم تساعد على الكشف عن مشاغل تصنيع الفخار. تباينت هذه الأواني بين الأنواع العادية ذات الاستخدام اليومي، مثل «الآنية الناقوسية» والأواني ذات النوعية الجيدة والمزخرفة، التي خُصصت للاستخدام الخاص في المراسم الدينية أو الاجتماعية، بينها جرار من الألباسترalabaster (نوع من المرمر) الجميل ذات المثاعب. صُنعت الأواني إما باليد أو باستخدام الدولاب، وحمل بعضها إشارات غريبة، يمكن أن تكون نوعاً من الكتابة التي تدل على محتوياتها، كالجرار الكبيرة التي خُزنت فيها مختلف أنواع الحبوب والبضائع، وحملت طبعات أختام حددت مصدر هذه الجرار وملكيتها. وقد وُجدت الأختام، وطبعاتها أيضاً على أبواب البيوت وعلى سدادات الجرار وأغطيتها، وعبّرت عن الموضوعات المتداولة في ذلك العصر، مثل الأعمال اليوميّة للرجال في الصيد والحرب، والحيوانات المفترسة وهي تهاجم قطعان الماشية، وهناك مشاهد الناس الذين يقومون على خدمة الكهنة والمعبد، وتجسيد المخلوقات الغريبة كالنسر برأس أسد أو غير ذلك.
تمثال رجل يعود للربع الأول من الألفية الثانية (متحف حلب) |
ازدهر تل قناص في مرحلة حساسة في تاريخ تطور حضارات الشرق القديم، هي عصر «الثورة العمرانية» urban revolution، ودلت كل المعطيات على أن الموقع كان مستعمرة سومرية خالصة أقامها السومريون في سورية؛ لتكون صلة وصل بين بلادهم في الجنوب الرافدي، وبين بلاد الشام والأناضول، ولم تعمر لأكثر من قرن من الزمن، فقد خُربت وهُجرت، مثلها مثل عارودة وحبوبة الكبيرة.
أُعيد استخدام الموقع كمقبرة في العصر الأكادي في النصف الثاني للألف الثالث ق.م، وأصبح هذا الاستخدام أكثر أهمية في نهاية الألف الثالث ومطلع الألف الثاني ق.م؛ حيث كُشف عن بناء ضخم هو قصر يحميه سور دفاعي، ويتألف من عدد من الغرف للسكن أو لممارسة العبادة والطقوس، بعض الغرف مبلط. ووُجدت في القصر مشاغل تصنيع الفخار ودمى إنسانية وحيوانية متنوعة، بينها فرسان على أحصنة ورؤوس حيوانات، وهناك نماذج بيوت سكنية. تعرض هذا القصر لحريق كبير يرجح أنه أتى على يد الأموريين الذين تحركوا من الغرب، وأطاحوا بالعديد من المدن والممالك الرافدية، وهكذا هُجر الموقع لأكثر من ألفي سنة تالية ولم يُستخدم إلا مقبرة في العصر الروماني والإسلامي.
سلطان محيسن