القنصلية (البعثات ـ)
تاريخ البعثات القنصلية وتطور القواعد الناظمة لها
تتولى البعثات القنصليةconsular missions مصالح الدولة غير السياسية، وتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية لما لهذه المجالات من أهمية كبرى في تعامل الدول مع بعضها، وخاصة في عصر التكامل الذي نعيشه.
وقد ظهر القنصل لأول مرة في أواخر القرون الوسطى، إذ جرت العادة في الدول التجارية الأوربية، وخاصة في بلاد حوض البحر المتوسط، أن يجتمع التجار المنتمون لدولة واحدة للتشاور فيما بينهم، ولانتخاب شخص منهم يتولى دور الحكم فيما يشجر بينهم من نزاعات. وجرى العرف على تسمية الشخص المنتخب هكذا بـ«القاضي القنصلي» أو «القنصل التاجر». ولما دخلت الدول الأوربية في علاقات مع دول المشرق وخاصة بعد الحروب الصليبية[ر]، نقل التجار الأجانب نظام القناصل إلى البلاد الشرقية، وزيد في اختصاصاتهم الأصلية نتيجة لاتفاقات عقدتها دولهم مع ملوك وأمراء الدول الشرقية وبصفة خاصة الدول الإسلامية التي كانت تتسامح مع المستأمنين [ر: الأمان (نظام ـ)] والذميين. وقد كانت هذه البذور الأولى التي أدت فيما بعد إلى نظام الامتيازات الأجنبية المعروف. وترتب على الدور المهم الذي قام به القناصل في تنمية وحماية تجارة بلادهم أن اهتمت الدول بأسر النظام القنصلي، وأصبحت تقوم بتعيين القناصل وتحديد دوائر عملهم واختصاصاتهم. فظهر القناصل المبعوثون ودخلت الدول في اتفاقات أطلق عليها اسم الاتفاقات القنصلية تتناول كلّ مايتعلق بالتبادل القنصلي. ولما قويت الدول وبدأت تمارس اختصاصها الإقليمي territorial jurisdiction على نحو دقيق فرضت قضاءها على كلّ المقيمين في إقليمها من وطنيين وأجانب. وبذا فقد القناصل اختصاصاتهم التشريعية والقضائية في مواجهة مواطنيهم، وأصبح اختصاصهم قاصراً على بعض المسائل التجارية والإدارية على النحو الذي سيرد أدناه.
وقد ظل العرف custom ينظّم التبادل القنصلي لمدة طويلة، مع أن الدول دخلت مع بعضها في اتفاقات تنظم تبادل القناصل فيما بينها. وفي عام 1963 تمّ إقرار «اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية» فغدت دستور التعامل القنصلي منذ دخولها حيّز النفاذ لكن العرف مازال يحكم الأمور التي لم تنظمها بنود هذه الاتفاقية إعمالاً لما ورد في مقدمتها preamble.
إنشاء البعثات القنصلية وتعيين العاملين فيها
للدول المستقلة الحق الكامل في تبادل القنصليات consulates مع غيرها من الدول. ويتمّ ذلك بالاتفاق بين الدول المعنية، والأصل أن الاتفاق على إنشاء علاقات دبلوماسية[ر دبلوماسية] بين دولتين يتضمن الموافقة على إقامة علاقات قنصلية. لكن العكس غير صحيح. ويجوز بالاتفاق أن يكون للدولة الموفدة أكثر من بعثة قنصلية واحدة في أراضي الدولة المضيفة، ويحدد الاتفاق مقرّ كلّ بعثة قنصلية ودرجتها ودائرة اختصاصها. وتسمي الدولة الموفدة رؤساء البعثات القنصلية وأعضاءها ويجب، من حيث المبدأ، أن يكون هؤلاء من جنسية الدولة الموفدة. وتعيين القناصل عمل داخلي ينظمه تشريع الدولة الموفدة وحدها. والأصل أن يختص رئيس الدولة بتعيين رئيس البعثة القنصلية وإعفائها، ولكن هذا الاختصاص قد يمارس من قبل وزير الخارجية.
ويزود رئيس البعثة القنصلية بخطاب تفويض commission صادر عن السلطة المختصة في بلده، يتضمن بياناً ودرجة مقر القنصلية ودائرة اختصاصها، وتخطر الدولة المضيفة بتعيين رئيس البعثة وأسماء أعضائها ودرجاتهم مسبقاً حتى يمكنها الاعتراض عليهم إذا شاءت. ويتم قبول رئيس البعثة القنصلية في الدولة المضيفة إذا منح البراءة القنصلية exequatur أي إجازة ممارسة لأعماله القنصلية من قبل السلطة المختصة في هذه الدولة، وتصدر البراءة القنصلية إما بوثيقة مستقلة أو تحرر على صورة خطاب التفويض نفسها أو في أي صورة أخرى. ويجوز للدولة المضيفة أن ترفض منح البراءة القنصلية لأي سبب تراه وتشمل هذه البراءة متى صدرت الاعتراف لكل أعضاء البعثة القنصلية التابعة لرئيس البعثة بحقهم في مباشرة مهامهم من دون حاجة إلى براءات خاصة. وللدولة المضيفة أن تسحب البراءة القنصلية إذا صدر عن البعثة أو رئيسها تصرفات ماسة بأمنها ومخالفة لتشريعاتها أو لأسباب سياسية. ويترتب على سحب البراءة انتهاء الصفة الرسمية للبعثة القنصلية المعنّية.
وتتألف البعثة القنصلية من رئيس، وقد يسمى برتبة قنصل عام general consul أو قنصل consul أو نائب قنصل ومن أعضاء قنصليين وعدد من الموظفين الإداريين والماليين. كما قد تسند المهام القنصلية إلى قنصل فخري، تختاره الدولة الموفدة من رعايا الدولة المضيفة. ولا يملك القناصل الفخريونhonorary consuls اختصاصات القناصل العاديين كما لايتمتعون، كقاعدة عامة، بحصانات وامتيازات هؤلاء القناصل إلا على سبيل المجاملة غير الملزمة.
وظائف القناصل وواجباتهم
تشتمل وظائف القناصل على حماية مصالح الدولة الموفدة، ومصالح رعاياها في الحدود التي يسمح بها القانون الدولي العام[ر]. وكذلك يقومون على توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة، كما يستطلعون الأوضاع الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية في الدولة المضيفة بالوسائل المشروعة كافة، ويقومون بوظائف كتّاب العدل وضابطة الأحوال المدنية وماماثلها وتنفيذ بعض المهمات الإدارية. وإجمالاً، يهتم القناصل بمصالح رعايا بلادهم كافة، بما في ذلك إصدار جوازات السفر وتقديم الإسعاف والعون لهم ولعائلاتهم، وتمثيلهم أمام محاكم الدولة المضيفة ومراقبة وتفتيش ومساعدة البواخر والطائرات وربابنتها والتأشير على أوراقها مادامت تحمل علم بلادهم. وعلى القنصل في ممارسته لهذه الوظائف ألا يتصل إلا بالسلطات المحلية في الجهة التي يقيم فيها.
وقد يكلف القنصل استثنائياً، بعض المهام الدبلوماسية عند عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين ولكن يشترط عندئذ موافقة الدولة المضيفة على ذلك. ولا يؤهله هذا التكليف التمتع بأية حصانة دبلوماسية، على عكس حال تكليف الدبلوماسي مهامَّ قنصلية؛ إذ يبقى متمتعاً بحصانته الدبلوماسية.
لذلك فإن التعامل يجري في هذه الأيام على تكليف البعثة الدبلوماسية المهام القنصلية، مما يقلل من شأن البعثات القنصلية إلى حد كبير.
أما واجبات القنصل فتتمثل عموماً في ضرورة احترام قوانين الدولة المضيفة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدامها مقر القنصلية على أي نحو لايتفق ومهامها. كما يرتب القانون الدولي على القناصل وأعوانهم القيام بالالتزامات التي تفرضها قوانين الدولة المضيفة فيما يتعلق بالتأمين عن المسؤولية المدنية المترتبة على استعمال أي سيارة أو سفينة أو طائرة تحمل علم بلادهم، ولا يحق للقناصل العاملين (غير الفخرين) القيام في الدولة المضيفة بمزاولة أي نشاط مهني أو تجاري بقصد الكسب الشخصي.
الحصانات والامتيازات القنصلية
هذه الحصانات والامتيازات على أنواع؛ منها مايخص البعثة القنصلية، ومنها مايخص الممثل القنصلي، ومنها مايخص الممثل القنصلي الفخري. ويمكن إجمالاً القول إن منطلق الحصانات والامتيازات القنصلية واحد، هو ضرورة الوظيفة The necessity of the function، لكن الحصانات والامتيازات القنصلية وتلك التي يتمتع بها أشخاص القناصل أقل إلى حد كبير من حصانات وامتيازات البعثة الدبلوماسية أو تلك التي يتمتع بها الممثل الدبلوماسي diplomatic agent.
فمباني البعثة القنصلية مثلاً ذات حرمة محدودة، على عكس مباني البعثة الدبلوماسية. وحصانات المبعوثين القنصليين غير مطلقة؛ فهم يخضعون للاختصاص القضائي الجزائي للدولة المضيفة وكذلك لاختصاص محاكمها المدنية وتنفّذ الأحكام الصادرة بحقهم. كما يمكن توقيفهم إذا ارتكبوا جناية خطيرة grave crime بناء على قرار السلطة القضائية المعنية في الدولة المضيفة، كما يجوز دعوتهم لأداء الشهادة أمام المحاكم، مع أن لهم حق عدم المثول، وكل هذا وذاك غير جائز، من حيث المبدأ، بالنسبة للدبلوماسيين.
أما القناصل الفخريون فحصانتهم محددة في النطاق الوظيفي وحسب وبالقدر اللازم لأدائهم مهامهم القنصلية ولا تخص من وثائقهم وأوراقهم ومحال إقامتهم إلا الأجزاء المتصلة مباشرة بعملهم، فهم مواطنون في الدولة المضيفة كلفوا تسيير الأمور القنصلية للدولة الموفدة ليس إلا.
انتهاء المهمة القنصلية
تنتهي المهمة القنصلية بصورة طبيعية كوفاة القنصل أو استقالته. كما تنتهي بإبلاغ الدولة الموفدة له بانتهاء أعماله أو بسحب براءته القنصلية، كما تنتهي المهمة القنصلية بانعدام الشخصية الدولية للدولة الموفدة أو للدول المضيفة. أما اندلاع الحرب فلا يؤدي أصلاً إلى انتهاء المهمة القنصلية (على عكس المهمة الدبلوماسية)، لأنها لاتتصف بالسياسية وإنما يحصل عادة أن يستدعي الممثل القنصلي بوساطة أدلة لاستحالة قيامه بمهمته في ظل الأوضاع الناجمة عن الحرب من قطع للعلاقات بين الدولتين.
محمد عزيز شكري
تاريخ البعثات القنصلية وتطور القواعد الناظمة لها
تتولى البعثات القنصليةconsular missions مصالح الدولة غير السياسية، وتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية لما لهذه المجالات من أهمية كبرى في تعامل الدول مع بعضها، وخاصة في عصر التكامل الذي نعيشه.
وقد ظهر القنصل لأول مرة في أواخر القرون الوسطى، إذ جرت العادة في الدول التجارية الأوربية، وخاصة في بلاد حوض البحر المتوسط، أن يجتمع التجار المنتمون لدولة واحدة للتشاور فيما بينهم، ولانتخاب شخص منهم يتولى دور الحكم فيما يشجر بينهم من نزاعات. وجرى العرف على تسمية الشخص المنتخب هكذا بـ«القاضي القنصلي» أو «القنصل التاجر». ولما دخلت الدول الأوربية في علاقات مع دول المشرق وخاصة بعد الحروب الصليبية[ر]، نقل التجار الأجانب نظام القناصل إلى البلاد الشرقية، وزيد في اختصاصاتهم الأصلية نتيجة لاتفاقات عقدتها دولهم مع ملوك وأمراء الدول الشرقية وبصفة خاصة الدول الإسلامية التي كانت تتسامح مع المستأمنين [ر: الأمان (نظام ـ)] والذميين. وقد كانت هذه البذور الأولى التي أدت فيما بعد إلى نظام الامتيازات الأجنبية المعروف. وترتب على الدور المهم الذي قام به القناصل في تنمية وحماية تجارة بلادهم أن اهتمت الدول بأسر النظام القنصلي، وأصبحت تقوم بتعيين القناصل وتحديد دوائر عملهم واختصاصاتهم. فظهر القناصل المبعوثون ودخلت الدول في اتفاقات أطلق عليها اسم الاتفاقات القنصلية تتناول كلّ مايتعلق بالتبادل القنصلي. ولما قويت الدول وبدأت تمارس اختصاصها الإقليمي territorial jurisdiction على نحو دقيق فرضت قضاءها على كلّ المقيمين في إقليمها من وطنيين وأجانب. وبذا فقد القناصل اختصاصاتهم التشريعية والقضائية في مواجهة مواطنيهم، وأصبح اختصاصهم قاصراً على بعض المسائل التجارية والإدارية على النحو الذي سيرد أدناه.
وقد ظل العرف custom ينظّم التبادل القنصلي لمدة طويلة، مع أن الدول دخلت مع بعضها في اتفاقات تنظم تبادل القناصل فيما بينها. وفي عام 1963 تمّ إقرار «اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية» فغدت دستور التعامل القنصلي منذ دخولها حيّز النفاذ لكن العرف مازال يحكم الأمور التي لم تنظمها بنود هذه الاتفاقية إعمالاً لما ورد في مقدمتها preamble.
إنشاء البعثات القنصلية وتعيين العاملين فيها
للدول المستقلة الحق الكامل في تبادل القنصليات consulates مع غيرها من الدول. ويتمّ ذلك بالاتفاق بين الدول المعنية، والأصل أن الاتفاق على إنشاء علاقات دبلوماسية[ر دبلوماسية] بين دولتين يتضمن الموافقة على إقامة علاقات قنصلية. لكن العكس غير صحيح. ويجوز بالاتفاق أن يكون للدولة الموفدة أكثر من بعثة قنصلية واحدة في أراضي الدولة المضيفة، ويحدد الاتفاق مقرّ كلّ بعثة قنصلية ودرجتها ودائرة اختصاصها. وتسمي الدولة الموفدة رؤساء البعثات القنصلية وأعضاءها ويجب، من حيث المبدأ، أن يكون هؤلاء من جنسية الدولة الموفدة. وتعيين القناصل عمل داخلي ينظمه تشريع الدولة الموفدة وحدها. والأصل أن يختص رئيس الدولة بتعيين رئيس البعثة القنصلية وإعفائها، ولكن هذا الاختصاص قد يمارس من قبل وزير الخارجية.
ويزود رئيس البعثة القنصلية بخطاب تفويض commission صادر عن السلطة المختصة في بلده، يتضمن بياناً ودرجة مقر القنصلية ودائرة اختصاصها، وتخطر الدولة المضيفة بتعيين رئيس البعثة وأسماء أعضائها ودرجاتهم مسبقاً حتى يمكنها الاعتراض عليهم إذا شاءت. ويتم قبول رئيس البعثة القنصلية في الدولة المضيفة إذا منح البراءة القنصلية exequatur أي إجازة ممارسة لأعماله القنصلية من قبل السلطة المختصة في هذه الدولة، وتصدر البراءة القنصلية إما بوثيقة مستقلة أو تحرر على صورة خطاب التفويض نفسها أو في أي صورة أخرى. ويجوز للدولة المضيفة أن ترفض منح البراءة القنصلية لأي سبب تراه وتشمل هذه البراءة متى صدرت الاعتراف لكل أعضاء البعثة القنصلية التابعة لرئيس البعثة بحقهم في مباشرة مهامهم من دون حاجة إلى براءات خاصة. وللدولة المضيفة أن تسحب البراءة القنصلية إذا صدر عن البعثة أو رئيسها تصرفات ماسة بأمنها ومخالفة لتشريعاتها أو لأسباب سياسية. ويترتب على سحب البراءة انتهاء الصفة الرسمية للبعثة القنصلية المعنّية.
وتتألف البعثة القنصلية من رئيس، وقد يسمى برتبة قنصل عام general consul أو قنصل consul أو نائب قنصل ومن أعضاء قنصليين وعدد من الموظفين الإداريين والماليين. كما قد تسند المهام القنصلية إلى قنصل فخري، تختاره الدولة الموفدة من رعايا الدولة المضيفة. ولا يملك القناصل الفخريونhonorary consuls اختصاصات القناصل العاديين كما لايتمتعون، كقاعدة عامة، بحصانات وامتيازات هؤلاء القناصل إلا على سبيل المجاملة غير الملزمة.
وظائف القناصل وواجباتهم
تشتمل وظائف القناصل على حماية مصالح الدولة الموفدة، ومصالح رعاياها في الحدود التي يسمح بها القانون الدولي العام[ر]. وكذلك يقومون على توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة، كما يستطلعون الأوضاع الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية في الدولة المضيفة بالوسائل المشروعة كافة، ويقومون بوظائف كتّاب العدل وضابطة الأحوال المدنية وماماثلها وتنفيذ بعض المهمات الإدارية. وإجمالاً، يهتم القناصل بمصالح رعايا بلادهم كافة، بما في ذلك إصدار جوازات السفر وتقديم الإسعاف والعون لهم ولعائلاتهم، وتمثيلهم أمام محاكم الدولة المضيفة ومراقبة وتفتيش ومساعدة البواخر والطائرات وربابنتها والتأشير على أوراقها مادامت تحمل علم بلادهم. وعلى القنصل في ممارسته لهذه الوظائف ألا يتصل إلا بالسلطات المحلية في الجهة التي يقيم فيها.
وقد يكلف القنصل استثنائياً، بعض المهام الدبلوماسية عند عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين ولكن يشترط عندئذ موافقة الدولة المضيفة على ذلك. ولا يؤهله هذا التكليف التمتع بأية حصانة دبلوماسية، على عكس حال تكليف الدبلوماسي مهامَّ قنصلية؛ إذ يبقى متمتعاً بحصانته الدبلوماسية.
لذلك فإن التعامل يجري في هذه الأيام على تكليف البعثة الدبلوماسية المهام القنصلية، مما يقلل من شأن البعثات القنصلية إلى حد كبير.
أما واجبات القنصل فتتمثل عموماً في ضرورة احترام قوانين الدولة المضيفة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدامها مقر القنصلية على أي نحو لايتفق ومهامها. كما يرتب القانون الدولي على القناصل وأعوانهم القيام بالالتزامات التي تفرضها قوانين الدولة المضيفة فيما يتعلق بالتأمين عن المسؤولية المدنية المترتبة على استعمال أي سيارة أو سفينة أو طائرة تحمل علم بلادهم، ولا يحق للقناصل العاملين (غير الفخرين) القيام في الدولة المضيفة بمزاولة أي نشاط مهني أو تجاري بقصد الكسب الشخصي.
الحصانات والامتيازات القنصلية
هذه الحصانات والامتيازات على أنواع؛ منها مايخص البعثة القنصلية، ومنها مايخص الممثل القنصلي، ومنها مايخص الممثل القنصلي الفخري. ويمكن إجمالاً القول إن منطلق الحصانات والامتيازات القنصلية واحد، هو ضرورة الوظيفة The necessity of the function، لكن الحصانات والامتيازات القنصلية وتلك التي يتمتع بها أشخاص القناصل أقل إلى حد كبير من حصانات وامتيازات البعثة الدبلوماسية أو تلك التي يتمتع بها الممثل الدبلوماسي diplomatic agent.
فمباني البعثة القنصلية مثلاً ذات حرمة محدودة، على عكس مباني البعثة الدبلوماسية. وحصانات المبعوثين القنصليين غير مطلقة؛ فهم يخضعون للاختصاص القضائي الجزائي للدولة المضيفة وكذلك لاختصاص محاكمها المدنية وتنفّذ الأحكام الصادرة بحقهم. كما يمكن توقيفهم إذا ارتكبوا جناية خطيرة grave crime بناء على قرار السلطة القضائية المعنية في الدولة المضيفة، كما يجوز دعوتهم لأداء الشهادة أمام المحاكم، مع أن لهم حق عدم المثول، وكل هذا وذاك غير جائز، من حيث المبدأ، بالنسبة للدبلوماسيين.
أما القناصل الفخريون فحصانتهم محددة في النطاق الوظيفي وحسب وبالقدر اللازم لأدائهم مهامهم القنصلية ولا تخص من وثائقهم وأوراقهم ومحال إقامتهم إلا الأجزاء المتصلة مباشرة بعملهم، فهم مواطنون في الدولة المضيفة كلفوا تسيير الأمور القنصلية للدولة الموفدة ليس إلا.
انتهاء المهمة القنصلية
تنتهي المهمة القنصلية بصورة طبيعية كوفاة القنصل أو استقالته. كما تنتهي بإبلاغ الدولة الموفدة له بانتهاء أعماله أو بسحب براءته القنصلية، كما تنتهي المهمة القنصلية بانعدام الشخصية الدولية للدولة الموفدة أو للدول المضيفة. أما اندلاع الحرب فلا يؤدي أصلاً إلى انتهاء المهمة القنصلية (على عكس المهمة الدبلوماسية)، لأنها لاتتصف بالسياسية وإنما يحصل عادة أن يستدعي الممثل القنصلي بوساطة أدلة لاستحالة قيامه بمهمته في ظل الأوضاع الناجمة عن الحرب من قطع للعلاقات بين الدولتين.
محمد عزيز شكري