القيمة valeur إحدى مقولات الاقتصاد السياسي التي أثارت خلافاً بين المدارس الاقتصادية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القيمة valeur إحدى مقولات الاقتصاد السياسي التي أثارت خلافاً بين المدارس الاقتصادية

    القيمة

    القيمة اشتقاقاً من فعل قوَّم، وقوَّم الشيء أعطاه قيمة وتقديراً. بالمفهوم الاقتصادي القيمة valeur إحدى مقولات الاقتصاد السياسي التي أثارت خلافاً بين المدارس الاقتصادية؛ فهي عند بعضهم كانت تعني قيمة النفع أو المنفعة التي يشبعها المال الاقتصادي، وعند آخرين كانت تعني قدرة هذا المال على شراء كميات من الأموال الأخرى، ويعطي علم الاقتصاد حالياً القيمة مفهوماً مزدوجاً فهي قيمة استعمالية وقيمة تبادلية.
    القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية
    يقصد بالقيمة الاستعمالية valeur d’usage للمال قدرته على إشباع حاجة لدى الإنسان؛ فالإنسان يحتاج الى الوقاية من البرد ومن ثمّ يشكل الملبس قيمة استعمالية له، ويحتاج الى الطعام فيشكل له الغذاء قيمة استعمالية أيضاً. وقيمة المال الاقتصادي الاستعمالية مرتبطة بوفرته أو ندرته؛ فعند توافر كميات كبيرة من المال تصبح قيمته الاستعمالية متدنية في حين تكون أعلى في حال الندرة. ويتحدث الاقتصاديون عما يسمى بالمنفعة الحدّية أي القيمة الاستعمالية التي تعطيها وحدة المال الاقتصادي الأخيرة التي يتم استهلاكها. والقيمة الاستعمالية هي قيمة ذاتية valeur subjective بمعنى أن هذه القيمة لا تستند إلى مقياس محدد دائماً، فهي تتعلق بمدى حاجة الفرد وحالته المادية والنفسية وبوفرة المال الاقتصادي المتاح؛ إذاً القيمة الاستعمالية هي تعبير عن تقويم الشخص للمنفعة التي يوفرها له استهلاكه المال، وهي تختلف من شخص إلى آخر وحتى من وقت الى آخر عند الشخص ذاته. وقد دأب أنصار المدرسة التقليدية الجديدة (نيوكلاسيك) على القول أن ليس للأشياء صفة أو قيمة بذاتها وإنما تكتسب قيمتها من الشعور بالحاجة إليها والحساسية تجاهها، ليس للأشياء قيمة لأن لها تكلفة، وإنما لها تكلفة لأن لها قيمة، والمقصود بالطبع قيمة المنفعة أو القيمة الاستعمالية.
    أما القيمة التبادلية فهي قيمة المال بذاته (السلعة أو الخدمة) يعبر عنها بالنسبة التي تتم فيها مبادلة كمية محددة من هذا المال مقابل مال آخر، مثل 5كغ بطيخ مقابل كيلوغرام تفاح. ومع أن الوزن موحد فإن كمية المبادلة مختلفة، إذاً القيمة التبادليةvaleur d‘échange تستند الى معيار موضوعي يسمح بمقارنة قيم البضائع فيما بينها، ولذلك يطلق عليها الاقتصاديون قيمة موضوعية للشيء، وهي قابلة للقياس بغض النظر عن تقويم الأشخاص ومدى حاجتهم لهذا الشيء.
    نظريات القيمة
    يتوافق الاقتصاديون فيما بينهم على أنه لايمكن أن يكون للمال قيمة تبادلية من دون قيمة استعمالية، غير أن الأشياء التي لها عادة قيمة استعمالية أكبر غالباً ما تكون قيمتها التبادلية أدنى والعكس صحيح أيضاً، مثال الماء والماس. وهناك نظريتان في تفسير القيمة وهاتان النظريتان هما نظرية القيمة ـ العمل، ونظرية القيمة ـ المنفعة. يرى أنصار المدرسة الاقتصادية التقليدية (الكلاسيكية) وكذلك المدرسة الماركسية، مع بعض التمايزات البسيطة أن هناك مقياساً موضوعياً يسمح للداخلين في عملية التبادل بالتوافق على تحديد الأسعار النسبية للتبادل؛ فالقيمة الموضوعية المعبّر عنها بكمية من النقود تستند أساساً إلى كمية العمل المصروف على إنتاج السلعة أو الخدمة. وفي مرحلة متقدمة رأى الاقتصاديون أن قيمة السلع لا تحدد بكمية العمل المصروف على إنتاجها، وإنما بكمية العمل الاجتماعي المصروف على إنتاجها (يؤخذ بالحسبان اختلاف كميات العمل التي يصرفها كل من المنتجين على السلعة وتتحدد قيمتها بكمية العمل الاجتماعي المرجح لإنتاجها). والبعض طوَّر مقولة كمية العمل الاجتماعي المصروف على إنتاج السلعة الى كمية العمل الاجتماعي اللازم لإعادة إنتاجها. إن القاسم المشترك بين أنصار نظرية القيمة- العمل، أن القيمة تتحدد موضوعياً وليس ذاتياً في منظور الشخص الراغب في اقتنائها واستهلاكها، بكمية العمل المتجسد في إنتاجها. أما أنصار نظرية القيمة ـ المنفعة فيرون أن قيمة السلعة تتحدد بكمية اللذة التي يشبعها استهلاك السلعة أو بكمية الألم التي يمكن تلافيها باستخدامها. والقيمة- المنفعة هي قيمة استعمالية حسية قبل كل شيء، يتحدد مستواها بالمنفعة الحدية التي تشبعها. والمنفعة الحدية تتحدد بدورها في ضوء توافر الكميات من السلعة.
    طَّور أنصار المدرسة التقليدية الجديدة (النيوكلاسيك) نظرية القيمة- المنفعة فأخذوا في الحسبان تكاليف إنتاج السلعة. وهكذا فان قيم السلع تتحدد بسعر التوازن في سوق المنافسة التامة؛ فالقيمة- المنفعة تعبر عن حاجة، وتتبدى في الطلب، أما تكاليف الإنتاج فيعبر عنها بالعرض، وبهذا تتحدد القيمة عند نقطة تقاطع العرض مع الطلب.
    يتضح تماماً أن الخلاف بين النظريتين يتمثل في مطابقة القيمة مع السعر في النظرية التقليدية الجديدة (نيوكلاسيك)، وفي التمييز بين السعر والقيمة عند المدرسة التقليدية والمدرسة الماركسية.
    القيمة والسعر
    الاقتصاديون من أنصار المدرسة التقليدية (الكلاسيك) والتقليدية الجديدة (نيوكلاسيك) عدّوا السعر والقيمة مفهوماً واحداً، بمعنى أن المستهلك يقوِّم السلعة تبعاً للمنفعة التي يقدرها ومقابل ذلك يدفع السعر الذي يراه ملائماً، بصرف النظر عن كمية العمل المصروف على إنتاجها، في حين فصلت المدرسة الماركسية بين السعر والقيمة، فعدّت القيمة تعبيراً عن العمل المصروف في إنتاج السلعة، وعدّت السعر تعبيراً عن قيمة السلعة، ولكنه ليس تعبيراً آلياً بل إنه تعبير منحرف عن القيمة، بحيث أن بعض السلع تكون أسعارها أكبر من قيمتها (عند زيادة الكمية المطلوبة منها على المعروضة) في حين تكون أسعار سلع أخرى أدنى من قيمتها (عند زيادة المعروض منها على المطلوب). بكلام آخر ترى المدرسة الماركسية أن مجموع قيم السلع (مجموع الأوقات المصروفة في إنتاجها) مساوٍ تماماً لمجموع الأسعار التي تدفع مقابلها، وعلى هذا النحو فإن السعر هو تعبير عن قيمة السلعة اذا أخذت السلع بمجموعها والأسعار بمجموعها.
    القيمة المضافة
    تتضمن قيمة السلعة أي مجموع العمل المتضمن في السلعة نوعين من العمل: الأول هو العمل المتجسد (الذي يدخل في قيمة السلعة بنقل قيمة المواد الأولية الداخلة في إنتاجها وكذلك ما يصيبها من اهتلاك أدوات العمل والآلات التي تدخل في إنتاجها) فالمواد الأولية وأدوات العمل والآلات هي نتاج عمل سابق متجسد فيها. أما العمل الثاني فهو العمل الحي المتمثل في الجهد الذي يبذله العمال في إنتاج السلعة مباشرة وهو ما يعبر عنه باسم القيمة المضافة أو القيمة التي يخلقها العمل الحي في أثناء عملية الإنتاج. فالقيمة المضافة هي الفرق بين قيمة المنتجات وقيمة المواد الداخلة في إنتاجها، وبكلام آخر إنها تمثل مجموع عوائد عوامل الإنتاج: الأجور والتعويضات، الفوائد، المساهمات في التأمينات الاجتماعية، الضرائب والرسوم ومخصصات الاهتلاك وأرباح أصحاب وسائل الانتاج. ومجموع القيم المضافة يشكل الناتج الداخلي في الحسابات القومية[ر]. وهو الثروة أو الدخل الذي تتم إضافته في الاقتصاد الوطني في سنة واحدة، ويخضع إلى ضريبة الدخل مصدراً لتمويل نفقات الدولة. ولكن أنظمة ضريبة الدخل تختلف من بلد الى آخر، ففي بعض البلدان تطبق ضرائب نوعية على الدخل مثل ضريبة الأرباح التجارية وغير التجارية وضريبة دخل الرواتب والأجور وضريبة ريع العقارات. وفي بعضها الآخر تفرض ضريبة القيمة المضافة على كل زيادة في الناتج المحلي الإجمالي عند تحقق هذه الزيادة، فتفرض ضريبة القيمة المضافة على الزيادة المتحصلة في كل مرحلة من مراحل إنتاج السلعة وتداولها: حدود المصنع، حدود الحرم الجمركي، تاجر الجملة، نصف الجملة وتجارة التجزئة. إن تطبيق ضريبة القيمة المضافة أمر معقد ويحتاج إلى توافر تنظيم محاسبي دقيق والتقيد بنظام إفصاح عالي المستوى، ولذلك يستعيض بعض البلدان عن ضريبة القيمة المضافة بالضريبة على المبيعات بمعدلات مختلفة تبعاً لكون السلعة من السلع الأساسية أو الكمالية، إضافة إلى الإبقاء على الضرائب النوعية للدخل أو العمل بضريبة الإيراد العام.
    فضل القيمة
    كثيراً ما يقع لبس في مفهوم غير المختصين بين فضل القيمة plus-value وبين القيمة المضافة أو القيمة الزائدة؛ فالقيمة الزائدة إحدى مقولات الاقتصاد الماركسي وتعني فائض القيمة الذي يولده عمل العامل زيادة على الأجر الذي يتقاضاه من رب العمل، أما فضل القيمة فيتمثل في زيادة القيمة التي يحصل عليها المالك عند نزوله عن ملكيته أو الأرباح الرأسمالية التي تتحقق بفعل عوامل التضخم أو حالة الارتفاع المفاجىء للأسعار.
    مطانيوس حبيب
يعمل...
X