صحافة المستقبل
لا شك فى أن هناك ثورة فنية مقبلة على صناعة الصحافة في السنوات العشر القادمة . إن هذه الثورة سوف تقلب طريقة تفكيرنا الحالية ، وبالتالي سوف تحدث تغييراً عند الناشر والصحفى والقارئ على حد سواء . إن التقدم الكبير الذي أحرزته صناعة الصحافة اليوم يعتبر بداية لعهد جديد بدأ الخبراء يضعون خططه ، ويتوقعون ، ظهوره في السبعينات من هذا القرن .
ويقول الصحفي الفرنسي سيرج برومبيرجيه فى سلسلة تحقيقات نشرتها له جريدة « لوفيجارو » عن صحافة المستقبل : « قال نى فرانك بويد رئيس تحرير مجلة "تايم" الأمريكية وأنا جالس في مكتبه في الشارع السادس في نيويورك إنهم قد حققوا تقدماً كبيراً فى ميدانى الإرسال والتوزيع، ولم يعد لديهم مركز واحد فقط للطبع ، بل لديهم الآن ستة مراكز منتشرة فى أنحاء الولايات المتحدة . أو بطريقة أخرى فإنهم ينقلون النسخة المحررة في نيويورك إلى ست مطابع تبعد كل منها بعداً شاسعاً الأخرى . ويستخدمون في ذلك طريقة الأوفست الفوتوجرافية . ثم صحبنى فرانك بويد أمام جهاز تظهر وتختفى في داخله حروف مضيئة ، وبمجرد إدخال الشريط المثقوب في هذا الجهاز يقوم بتجزئته إلى أسطر متساوية ، وبدلاً من أن يصنع حروفاً من الرصاص هو متبع في الطباعة ، فإنه يصور هذه الحروف المضيئة التي تطبع على الفيلم ، ويحصلون بذلك على صورة سلبية للنص ( المقال ) ثم ترسل نسخة من هذا الفيلم إلى كل من مراكز المطابع الست، ولا يتطلب استخراج : بروفة من الفيلم أكثر من نصف دقيقة .
وقال لى فرانك إن لديه شيئاً آخر يريد أن يطلعنى عليه . قال ذلك وهو يلتقط ورقة كتبت بالآلة الكاتبة كانت على مكتبه . ثم صحبنى إلى جهاز ووضع الورقة على لوح من الزجاج وأقفل الغطاء . وبعد بضع ثوان أخرج الجهاز مع الورقة صورة طبق الأصل لها . وقال :
( إن هذه ليست صورة فوتوجرافية. إن أساس هذا الجهاز عملية كهربائية استاتيكية. وكان في وسعى أن أسحب بسهولة خمسين نسخة . وربما كان هذا الجهاز مطبعة الغد ) .
أما مجلة "نيوزويك فقد نشرت في باب الاختراعات الجديدة تقول : طريقة جديدة فى الطباعة استخدمتها مؤسسة نيوزويك لطبع مجلاتها بالأوفست وذلك باستعمال طريقة التليفزيون والعقل الإلكتروني في الحروف . ويستطيع هذا الجهاز أن يجمع صفحة كاملة من النيوزويك فى ١٤ ثانية . وتبدأ العملية يجمع الموضوع على جهاز الثقب ( البرفوريتور ) ثم يدخل الشريط إلى العقل الإلكترونى ، الذي يقوم بعملية ضبط السطر والمقاس وتقسيم الكلمات ، وفى نفس الوقت يقرأ هذه السطور جهاز آخر اسمه ( فيديوكومب ) ، ويكتبه بسرعة ٦٠٠ حرف فى الثانية على شاشة تليفزيونية سطراً فسطراً . وكل سطر من هذه السطور يطبع على فيلم حساس ، فيخرج على شكل صورة بدلاً من حروف الرصاص التقليدية . وثمن هذا الجهاز ۱۷۰ ألف دولار »
هذا هو ما يحدث فعلاً اليوم . فما الذى يخبئه لنا المستقبل ؟ لقد تخيل الخبراء شكل جريدة المستقبل القريب . ووضعوا هذا المنظر الذى تخيلوه في قاعة تحرير إحدى الجرائد في عام ۱۹۷۸ :
قد يكون الوقت عشر سنوات من اليوم . وتكون المفاوضات المعقدة . عمال الطباعة قد تمت منذ مدة طويلة .وإنك فى مكتب صحيفة يسوده الهدوء إلى درجة غير عادية . ولم النداءات على السعاة" الذين ينقلون النسخ من مكتب إلى آخر . وانخفض الضغط والضوضاء فى إدارة التحرير إلى أقل ما يمكن، ووضعت معدات إليكترونية غير مألوفة فى أماكن استراتيجية . وأنت تقف في وسط عملية الإنتاج في صحيفة يومية تستخدم العقول الإلكترونية بصورة كاملة .
يصل المخبر الصحفى إلى الدار ومعه مذكرات تختص بالقصة التي أسندت إليه الكتابة عنها . وقد يذهب أولاً إلى محطة استعلامات يستخدم فيها العقل الإلكتروني، ويطبع عليه طلباً للحصول على ملخصات الأنباء التي نشرت عن هذا الموضوع في الأيام الستين الأخيرة. ويبدأ جهاز طبع متوسط السرعة ( ١٠٠ إلى ٣٠٠ سطر في الدقيقة) موجود على مقربة منه يثرثر، وبعد جزء من الدقيقة تطبع الملخصات الخاصة بالموضوع الذى طلبه. ويفحص بسرعة الملخصات ويقرر القصاصات التي يستخدمها منها . ويوجه طلبه مرة أخرى على جهاز الاستعلام بواسطة العقل وينتج جهاز الطبع السريع المادة التي طلبها . وبعد أن يعود المخبر إلى مكتبه يبدأ في كتابة موضوعه على آلة كاتبة متصلة مباشرة بالعقل ، وفى الوقت الذي يكتب فيه الموضوع يحوله العقل إلى جهاز تخزين في داخله .
ويبدأ رؤساء الأقسام فى تلقى قائمة مطبوعة للأخبار والموضوعات من جهاز طبع منخفض السرعة موجود فى منطقتهم . ويوجد أمام كل رئيس قسم جهاز عرض يشبه التليفزيون يستطيع رئيس القسم أن يطلب عليه نسخة مما أعده المخبر . وتظهر النسخة على الشاشة أمامه ويبدأ عملية تصحيح أو إلغاء أو إعادة صياغة أجزاء من النسخة ، وذلك بأن يكتب ( بقلم إلكترونى خفيف ) على وجه الشاشة . وعندما . مهمته، يحدد نوع الحرف والمقاس بوساطة مفتاح ثم يضغط على مفتاح الإرسال فترسل القصة أو النبأ بعد ذلك إلى العقل ، وتمر بعملية وصل الكلمات وضبط المسافات والأسطر ، ويخرج شريط مثقوب من الورق من جهاز ثاقب في قاعة الجمع . ثم يوزع الشريط أوتوماتيكياً على ماكينة من سلسلة ماكينات صب السطور ، توجد بها نوع الحروف التي من المقرر أن تجمع بها النسخة . ثم يتبع ذلك عملية قراءة البروفات لتصحيحها وتوضيب الصفحة :
ويحتوى العقل المركزى على برنامج يستطيع إلغاء تعليمات المراجع فيما يختص بحجم الحروف. ومن ثم إذا كان . م الحروف المطلوبة أكبر من اللازم فإن العقل يستطيع من تلقاء نفسه - أن يؤدى التغييرات اللازمة لتهيئة نسخة صحيحة حجم ومناسبة .
وقد ألقى لورانس فاننج رئيس تحرير جريدة ( شيكاجوديلي نيوز ) محاضرة عن جريدة الغد في معهد الصحافة بجامعة ويسكنسن في أمريكا قال فيها :
إذا زرتم قاعة تحرير صحيفة الغد فلن تجدوا صعوبة في العثور على هيئة القيادة فيها ، وستكون محاطة من جميع نواحيها بشاشات تشبه شاشات التليفزيون ،وسيكون المحررون جالسين إلى منضدة صغيرة عليها أزرار مختلفة ومجموعة مفاتيح آلة كاتبة ، وفى أيديهم - وأحياناً خلف آذانهم - أنبوبة رفيعة تشبه مشعلا إليكترونياً دقيقاً ، هي عبارة عن قلم إليكترونى يستخدمونه في الشطب . وقبل إصدار الطبعة الأولى بنصف ساعة يقع حادث هام نفس الوقت الذي يتلقى فيه رئيس التحرير نبأ هذا الحادث تليفونيا من الخارج يقوم رئيس القسم أولاً فأول بكتابة النبأ على آلة : الآلة الكاتبة ، فيسجل النص فى المركز الإليكترونى الذى يستوعب جميع الأنباء التى تصله طوال اليوم ، ويختزنها على أشرطة مغناطيسية في ذاكرة العقل ، وفى نفس الوقت يظهر النص على إحدى الشاشات الموضوعة أمام رئيس قسم الأخبار . وبإدارة قرص مماثل لقرص التليفون يحصل رئيس قسم الأخبار أو . رئيس التحرير من الأرشيف الإليكترونى فى الجريدة على جميع . ما يمكن نشره عن هذا الموضوع مع قائمة بالصور الموجودة . ويظهر كل ذلك على الشاشات أو في شكل نصوص تطبع تلقائياً على مكتب التحرير .
ويقرر رئيس التحرير المكان المناسب لهذا الخبر تبعاً لأهميته ، ويبدأ رئيس القسم في إعداد النص بصورة نهائية ، ويقيس سكرتير التحرير الصور ويقطعها ثم يضغط على زر فتعرض على الشاشة . وفى هذه اللحظة يظهر تناقض بين معلومات الأرشيف وتلك التي أبلغها المخبر ، ويتم الاتصال بالمخبر ويطلب منه التأكد من النبأ . ويحدد رئيس التحرير حجم العنوان والحروف ، ويعرض النص على شاشة سكرتير التحرير فيقرؤه ويضع العنوان . وعندما ينتهى سكرتير التحرير من هذا العمل يضغط على زر فيظهر العنوان على شاشة رئيس التحرير ، ولكن هذا العنوان لا يعجب رئيس التحرير ، فيضغط على زر إليكترونى ليعيده على شاشة سكرتير التحرير الذي يلقى على رئيسه نظرة غير إليكترونية ولكنها معبرة ويعيد كتابة العنوان .
ويقرر رئيس التحرير ما يمكن عمله لتحسين شكل الصفحة ، الإليكترونى دائرة على شاشة التوضيب ثم يضغط على زر فتختفى الصورة . ثم يطلب نسخة أخرى ويقرر في النهاية أن السابقة كانت أفضل ، فيضغط على زر آخر ويعيد ظهورها . بينما يلقى رئيس قسم الأخبار نظرة على المواضيع التي في الصفحة الأولى ، ويقرر حذف موضوع اقتصادى ويحتج الرئيس المسئول عن هذا المكان دون فائدة فهو أضعف من أن يقاوم الآلية التلقائية ، ويفقد المباراة كسلفه . ولم يتبق الآن سوى بضع دقائق لإصدار الطبعة . ويدير رئيس التحرير زراً يعيد ظهور صفحات الجريدة على شاشته . وأخيراً يضغط على زر كتبت عليه كلمة ( الطبع ) . وحتى هذه اللحظة لم يكن للطبعة كلها وجود مادى ، ولكن بمجرد الضغط على زر « الطبع ، أصبحت الصفحات حقيقة واقعة .
وعندئذ يغادر رئيس قسم الأخبار مكانه ويتجه إلى الكافتريا حيث تقدم له نسخة من جريدته . فقد تم فعلاً توزيعها فى الشوارع المجاورة لمكان الجريدة ، كما تم توزيعها في الضواحي المحيطة بالمكان حيث استجابت أيضاً آلات طبع دوارة لإشارة زر الطبع “ ، وسوف توزع في هذه الساعة في مدن وأقاليم أخرى وربما أيضاً بعد مرورها بعقول إلكترونية للترجمة ، في بلاد بعيدة .
إن عناصر هذا الجهاز الخيالي موجودة من الآن ، وتستخدم أنواع منه فعلاً في بعض تشكيلات الجيش ومكاتب الاستعلامات ، ويستخدمونها في أغراض قريبة جداً من أغراضنا وهى جمع المعلومات وتحريرها وتوزيعها . . . »
يوجد احتمال كبير للمستقبل الذى يقترحه هؤلاء الخبراء، إذ أن كل عنصر من عناصر هذه الأجهزة يقوم على أساس ابتكار تكنولوجي .
وقد وجه الصحفى الفرنسي بر ومبرجيه سؤالاً إلى مدير جمعية ناشرى الصحف يقول له فيه : « وخلاف الجريدة التى لها مراكز طبع متعددة التي ستكون في الواقع خطوة محتملة ، ما رأيكم فى جريدة تكتب وتنقل إلى المنزل باستخدام موجات مغناطيسية كهربائية ؟ )
فرد مدير الجمعية ( إن الأمر يتوقف على معرفة ما هي الجريدة . إن الناشرين الذين ينتمون إلى جمعية ناشرى الصحف الأمريكية لا يشعرون بأى اهتمام إزاء طريقة للنشر من هذا الطابع ) .
في الواقع، في نظر الناشرين الأمريكيين وربما أيضاً في نظر كثيرين من الآخرين، تتصل فكرة الجريدة بفكرة الورق المطبوع ولا يبدو أنهم مهتمون
تعليق